الهجوم اليمني على تل أبيب.. دلالات وأبعاد
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
شكّل الهجوم اليمني على مدينة تل أبيب “يافا الفلسطينية” المحتلة – باستخدام طائرة ” يافا” المسيرة – حدثًا بالغ الأهمية يحمل دلالاتٍ وتداعياتٍ سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية مُتعددة.
ففي حين مثّل الهجوم تحديًا استراتيجيًا مُباشرًا لِلكيان الصهيوني، فإنه وفي ذات الوقت أظهر عدة حقائق لا يمكن – سواءً لدول الإقليم أو الداعمين الدوليين – تجاهلها عن هذا البلد وما يعتمل فيه من تطور إيجابي في مختلف المجالات.
ولعل أبرز هذه الحقائق هو التطور النوعي للقوات المسلحة اليمنية وقدرتها على الوصول إلى حيث تريد والضرب حيث تريد عندما تريد إذا كان الأمر ضروريا، هذا أولا.
ثانيا.. قدرة اليمن على إدارة الصراع مع أي قوى تسول لها نفسها إما الاعتداء على السيادة اليمنية أو مس القضايا المصيرية للأمة، كما يحدث حاليا في أرض فلسطين المحتلة.
ثالثا.. إن اليمن لا يمكن أن يقف مكتوف اليدين عندما يتعلق الأمر بنصرة الأشقاء والمظلومين ضد قوى الاستكبار والظلم العالمي وأدواتهما الإقليمية .
لقد حققت القوات المسلحة اليمنية في عملية “يافا” اختراقا أمنيا وعسكريا غير مسبوقٍ في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فالعملية تُعدّ رسالة قوية لِـ إسرائيل وَلِـ داعميها، وتؤكد على قدرة القوات اليمنية على مواجهة التهديدات واستخدامها كسلاحٍ في سياق الصراع، كما يُظهر الهجوم إصرار القوات اليمنية على استهداف إسرائيل بصورةٍ مُباشرة، دون الاكتراث بردّ فعلها المُتوقع، حتى تتراجع عن غيها وتوقف عدوانها وحصارها عن غزة.
بلا شك أن الهجوم فاقم التوتر المُستمر في المنطقة، وزاد من حدة الصراع بين اليمن وإسرائيل وداعميها، وهي نتيجة طبيعية للعملية التي تعد – كما أسلفنا – سابقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني. لكن المؤكد أن ثمة ردود فعل دولية متنوعة، أعربت عن القلق من تصاعد التوتر في المنطقة، وضرورة العمل على وقف العنف وصولًا إلى حل سلمي، وهذا يمثل مكسبا جديداً للمقاومة أضافته جبهة اليمن.
أما على صعيد جبهة العدو الداخلية، فقد أثار الهجوم مخاوف شعبيّة في إسرائيل حول قدرة حكومتها على حمايتها من التهديدات الأمنية، وقد تُشكل العملية ضغطًا سياسيًا كبيرًا على الحكومة الإسرائيلية، مُطالبةً إياها بتقديم تنازلات .
قد تُؤثر العملية على الاقتصاد الإسرائيلي: على قطاع السياحة في إسرائيل، وتسبب تراجعاً في عدد السياح خوفًا من مخاطر التوتر الأمني، ويتوقع أن تتكبد إسرائيل خسائر اقتصادية نتيجةً للعملية، مُتعلقةً بالإنفاق الأمنيّ وتَصَرّفَاتِ مُستثمرين محتملين.
كما قد تُؤدي العملية إلى إعادة النظر في مُبادرات السلام في المنطقة، مُضيفةً تحدياتٍ جديدة على المسار المُستقبلي. يُشير الهجوم إلى ضرورة التقييم الدقيق لِـ إسرائيل لِـ استراتيجيتها الأمنية، وِتَطويرِ أدواتها المُتاحة لِمواجهة التهديدات اليمنية المقبلة.
ختامًا.. يُشكّل الهجوم اليمني المُعلن عنه على تل أبيب (يافا) المحتلة، حدثًا مُهمًا في سياق الصراع في المنطقة، مُترجمًا مُتغيراتٍ جديدة على أرض الواقع، أما تطورات الأحداث في قادم الأيام فإن الأوضاع تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، وبلاشك أن الأيام حُبلى بالمفاجآت.. والعرب تقول.. “لكل حاملة تمام”.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
تصاعد الصراع في شرق الكونغو: أزمة تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي
تصاعد الصراع في شرق الكونغو: أزمة تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي
* محمد تورشين
تتسارع وتيرة الأحداث في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تتواصل المواجهات العسكرية بين الجيش الكونغولي وحركة “23 مارس” (M23)، إلى جانب فصائل مسلحة أخرى تنشط في المنطقة.
تُعد هذه المنطقة، التي تضم أكثر من 120 جماعة مسلحة، واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في إفريقيا، مما يعزز تعقيد المشهد الأمني فيها ويهدد الاستقرار الإقليمي.
شهدت حركة “23 مارس” تجدد نشاطها منذ عام 2021 بعد فترة من الخمود استمرت منذ عام 2013، عندما أجبرتها القوات الحكومية، بدعم أممي، على التراجع بعد سيطرتها المؤقتة على مدينة غوما، عاصمة إقليم شمال كيفو. تُعتبر غوما مدينة استراتيجية غنية بالموارد الطبيعية مثل الذهب والكولتان، وهي معادن حيوية لصناعات التكنولوجيا الحديثة.
تطالب الحركة بالعودة إلى اتفاق مارس 2009، الذي نص على دمج عناصرها في الجيش الكونغولي ومنح حكم ذاتي محدود في المنطقة، وهو ما لم يُنفذ بالكامل.
تتهم الكونغو حكومة رواندا بدعم حركة “23 مارس” لتأمين نفوذها في المنطقة، والاستفادة من الموارد الطبيعية الثمينة. وتعود تدخلات رواندا في الشأن الكونغولي إلى تسعينيات القرن الماضي بعد انتهاء الإبادة الجماعية في رواندا، حيث دعمت كيغالي قوى معارضة للإطاحة بالرئيس موبوتو سيسي سيكو.
تُظهر التقارير أن رواندا تسعى إلى تعزيز مكانتها كقوة مؤثرة في منطقة البحيرات العظمى، ما يؤدي إلى توترات دائمة مع الكونغو.
في ديسمبر 2024، قادت أنغولا مبادرة سلام لحل الأزمة، لكنها باءت بالفشل بسبب التوترات بين الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي.
يُتوقع أن يؤدي استمرار الصراع إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق، مع نزوح مئات الآلاف من المدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية. كما أن تصاعد النزاع قد يمتد إلى دول الجوار مثل أوغندا وبوروندي، حيث تتداخل الحدود والقوميات العرقية بين هذه الدول.
يتطلب الوضع تحركًا سريعًا من القوى الدولية والإقليمية لإعادة إحياء الحوار بين الأطراف المتنازعة. ومن المهم إشراك جميع الجهات المعنية، بما في ذلك الحكومة المركزية في كينشاسا، وحركة “23 مارس”، والدول الداعمة للأطراف المختلفة.
إن تجاهل الأزمة قد يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، حيث تتداخل القضايا الأمنية مع الطموحات السياسية والاقتصادية للدول الإقليمية، مما يهدد بتحويل المنطقة إلى ساحة صراع طويلة الأمد.
ختاماً، يظل الوضع في شرق الكونغو تهديدًا كبيرًا للسلم والأمن الإقليميين. وإذا لم يتم تدارك الأزمة من خلال حلول سياسية ودبلوماسية، فإن المنطقة ستواجه تداعيات كارثية تمتد إلى ما هو أبعد من حدود الكونغو الديمقراطية، لتشمل كل دول منطقة البحيرات العظمى.
* باحث وكاتب سوداني متخصص في الشؤون المحلية والقضايا الأفريقية.
الوسومأفريقيا إقليم البحيرات العظمى الكونغو حركة 23 مارس رواندا غوما محمد تورشين