صحيفة الاتحاد:
2024-09-07@11:06:17 GMT

كائنات.. «ما بعد إنسانية»

تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT

الفاهم محمد

أخبار ذات صلة «الإقامات الفنية».. الوقت لك أيها المبدع فتح باب التسجيل في جوائز «الشارقة الدولي للكتاب 2024»

منذ الأبحاث التي قادها إدغار موران، وكذا النتائج التي راكمها البحث الأنثروبولوجي. نعلم جميعاً أن الهوية الإنسانية هي هوية مركبة، فالإنسان ليس مجرد كائن طبيعي حصراً، بل هو كائن ثقافي أيضاً.

أي أنه يضيف للطبيعة أشياء من ابتكاره الخاص، ولولا هذه الثقافة لبقي الإنسان حبيس الكهوف. إن اكتشاف النار والعجلة والزراعة وغيرها، كلها أمور جعلته يتطور ويسمو على باقي الكائنات، واليوم ها نحن نراه يواصل مسيرة التطور والثقافة، بواسطة علوم النانو والبيوتكنولوجي والمعلوميات والسوبرنيتيقا، وهو ما مكنه من دمج تدريجي للآلات في جسده، بدءاً من الرمامة السمعية، إلى القلب الاصطناعي، والأطراف المصطنعة وغيرها.
يؤكد البحث الأنثروبولوجي أنه مقدر على الإنسان تجاوز طبيعته بواسطة الثقافة. غير أننا نلاحظ أنه في سياق الثورة التكنولوجية المعاصرة فان الأمر لا يتعلق فقط بالتجاوز، بل بالإلغاء الكلي لأي شيء اسمه الطبيعة الإنسانية، وتعويضه بطبيعة أخرى سيبورغية. إذا حدث هذا فما من حقيقة عميقة يمكن أن ينبلج عنها الفجر، كل شيء سيصبح محسوماً، والطبيعة البشرية برمتها ستضطر لمجابهة عالم جديد، يختفي فيه مفهوم الروابط الدموية والرغبة والحب والقيم الأخلاقية وغيرها، وبزوال كل ذلك فإن السؤال الأساسي الذي سيطرح نفسه هو: هل ما زلنا بشراً أم أننا تحولنا إلى وحوش؟

الهوية البشرية
يجعل ‏الكاتب والمخترع وعالم حاسوب الأميركي راي كيرزويل ظهور التكنولوجيا مسألة مرتبطة بحتمية التطور يقول: «كان ظهور النوع القادر على ابتكار التكنولوجيا أمراً حتمياً بعد نشأة الحياة، فالتكنولوجيا هي استمرار للتطور بوسائل أخرى، وهي في ذاتها عملية تطورية لذلك هي أيضا تتسارع». إن الذكاء البشري يبرهن الآن على تفوقه باختراع ذكاء آخر أكثر تطوراً، يعبر فيه عن ذاته بشكل أفضل. عادة ما نتحدث عن الإنسان باعتباره يمتلك هوية خاصة وفرادة تميزه داخل المجتمع. والحال إذا كانت هذه العلوم قادرة على التحكم وتصنيع هذا السيبورغ الشبيه بالإنسان، فهل معنى هذا أن مسألة الهوية البشرية ستصبح شيئاً من الماضي؟ 
إن التغيرات التي من المنتظر أن تحصل في الهوية البشرية، من شأنها أن تطبع الوجود البشري برمته بطابع غير مسبوق. لقد اعتدنا على الألم والرغبة والخطأ، أي ما كان يدعوه الفلاسفة بشرط الوجود البشري ألا وهو التناهي. فإذا كان مقدراً للتقدم التكنولوجي أن يتجاوز هذا الشرط، فهل نحن مستعدون لتقبل ذلك؟ أي هل نحن مستعدون للعيش في عالم يخلو من الألم والرغبة. هل سنتقبل ككائنات ما بعد إنسانية؟
إذا تمكن الإنسان من صنع هذا السيبورغ (كائن يتكون من مزيج من مكونات عضوية وبيو-ميكاترونية) بكامل المواصفات البشرية، ليس فقط الجسدية بل أيضاً العقلية والنفسية، فإن هذا من شأنه في نظر فرنسيس فوكوياما أن يطرح مشكلاً كبيراً أمام الكرامة البشرية: «لأن ذلك يعني أنه قد تحقق البرهان القاطع، على أن البشر ليسواً جوهرياً أكثر من آلات معقدة، يمكن أن تصنع من السيليكون والترانزيستورات، بسهولة صنعها نفسها من الكربون والعصبونات»، رغم أن فوكوياما يشك في إمكانية تحقق هذا الأمر، إلا أن الكثير من آباء عصر ما بعد الإنسانية، وعلى رأسهم راي كيرزويل يتنبؤون بالفعل بأن هذا الأمر سيتحقق ابتداء من 2030، حيث سنتمكن من إصدار النسخة 02 الآلية التي ستتجاوز بكثير في قدراتها النسخة 01.

الوجود الإنساني
من دون شك، نحن أمام منعطف يهم بالأساس طبيعة الوجود الإنساني والهوية الإنسانية، نحن نتحدث هنا عن «كائنات» من المنتظر أن تمتلك الإرادة الحرة، بما أنها ستقرر في طبيعة الحلول المناسبة للمشاكل التي ستعترضها. لأول مرة منذ ظهور الإنسان على الأرض، عليه أن يتقبل وإن كان بمرارة أنه أصبح متجاوزاً بصفة كلية، وأنه ليس الهدف الأسمى للتطور، وأن هناك كائنات جديدة ستخلفه على الأرض، وهي كائنات تفوقه ذكاء بكثير. يقول راي كيرزويل: «قبل نهاية القرن المقبل، لن تظل الكائنات البشرية هي أكثر الكائنات ذكاء ومقدرة على كوكب الأرض، ولكن دعني أتراجع عن هذا القول، فالعبارة السابقة تعتمد على تعريفنا للبشرية، ونرى هنا اختلافاً عميقاً بين فترتين، فالقضية السياسية والفلسفية الأساسية للقرن المقبل هي تعريفنا من نحن».
إن التخوفات من تجاوز الذكاء الآلي للذكاء البشري، بدأت بوادرها الأولى يوم وقف بطل العالم في الشطرنج غاري كاسباروف سنة 1997 مهزوماً أمام ديب بلو Deep Blue الكمبيوتر الذكي الذي طورته شركة IBM. لا فرق إذن من ناحية الجوهر بين الدماغ البشري والدماغ الآلي/ الحاسوب سوى من ناحية التعقيد. إذ أن درجة تعقيد الأول تفوق بكثير الثاني، ولكن هذا على الأقل لحد الآن، أما في المستقبل فنحن لا ندري، إذ ربما سيتمكن السيبورغ ليس فقط من محاكاة تعقيد الدماغ البشري، بل والتفوق عليه أيضاً، وقد نصل إلى مرحلة نلامس فيها هذه الخصوصية التي مازالت مقصورة لحد الآن على الإنسان وهي الوعي، وربما سيتمكن السيبورغ في المستقبل من النطق بـ «أنا» كما في الفيلم الشهير I robot. لقد وصلنا اليوم إلى روبوتات تتألم، وتدرك طبيعة النكتة، وتنزعج معبرة عن بعض المشاعر، مع أننا ما زلنا في المراحل الأولى لهذا العهد الجديد، عهد ما بعد الإنسانية. فما هي إذن الرهانات المستقبلية؟
بعد هزيمة كاسباروف قال مساعده: قد يكون «ديب بلو» ذكياً ولكنه لا يعرف كيف يحمي نفسه من المطر. ومعناه أن هناك فرقاً كبيراً بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري. غير أن هذا الأمر يقول اتجاه ما بعد الإنسانية ليس سوى مرحلة عابرة، إذ ستتمكن الحواسيب مستقبلاً من محاكاة العقل البشري بالكامل، بل ستكون أذكى منا بكثير، إذا ما صدقنا قانون مور الذي ينص على أن الحواسيب تزداد قدرتها كل 18 شهراً.

طبيعة الوعي
هل الوعي، إذن، مجرد معطى فيزيائي قابل للملاحظة والقياس مثله مثل باقي المواضيع الفيزيائية؟ هل يمكن اختزال الوعي في العمل الذي تقوم به النورونات، أم أن الوعي يتعالى ويتجاوز النشاط العصبي للدماغ؟ يكفي أن نتذكر هنا ما تؤكد عليه الثورة التي أحدثتها الفيزياء الكوانطية منذ بداية القرن العشرين، مع ماكس بلانك وهيزنبرغ ونيلز بور وآخرين. لم يعد الموضوع الفيزيائي مع هؤلاء هو الموضوع الملاحظ والمقاس، والذي نعرف أبعاده الثلاثة المعروفة.
ثمة واقع آخر يصعب ملاحظته وقياسه، أبعاد أخرى تتجاوز الأبعاد المعروفة لدينا. بل أكثر من ذلك تؤكد الفيزياء الكوانطية أن الوعي ليس مجرد نشاط لمادة الدماغ، بل هو جوهر لامادي من طبيعة مغايرة، وهو الذي يؤثر على المادة، كما في تجربة الشق المزدوج الشهيرة. إن ظواهر كثيرة من مثل التخاطر عن بعد، وظاهرة الموت الوشيك NDE وظواهر الحدس والاستبصار، والشفاء عن طريق تأثير الروح على الجسد، كما هو الحال في الطقوس البوذية والصوفية، كلها لن تكون مفهومة من طرف اتجاه ما بعد الإنسانية. الذي يرى أن كل ما هو موجود هو مجرد مادة، يمكن محاكاة عملها وتحميل Aploiding نشاطها داخل الحاسوب.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: ما بعد الإنسانیة

إقرأ أيضاً:

البيت الأبيض: تأمين إطلاق سراح 135 سجينًا سياسيًا في نيكاراغوا لأسباب إنسانية

البيت الأبيض: تأمين إطلاق سراح 135 سجينًا سياسيًا في نيكاراغوا لأسباب إنسانية

مقالات مشابهة

  • خبراء أمميون يدعون لنشر قوة “محايدة” حماية للمدنيين في السودان ويتهمون الجيش والدعم السريع بارتكاب “انتهاكات” مروعة ترقى “لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
  • عضو المجلس الأعلى للثقافة: أوبريت «بداية جديدة» يدعم مشروع التنمية البشرية ويعكس رؤية الجمهورية الجديدة
  • الدكتور محمد كمال يكتب: الاستثمار في رأس المال البشري
  • مأساة إنسانية في عدن: سيدة من صنعاء تغرق أثناء انتظار رحلة علاجية
  • «الثقافة»: «المشروع القومي للتنمية البشرية» يستهدف الاستثمار في رأس المال البشري
  • القوانين الاساسية للغباء البشري .. البرهان نموذجاً !
  • البيت الأبيض: تأمين إطلاق سراح 135 سجينًا سياسيًا في نيكاراغوا لأسباب إنسانية
  • القبض علي فنان يرسم بالدم البشري
  • نقابة الصَّحفيين السُّودانيين تنعي المصور التلفزيوني حاتم مأمون الذي مات متأثراً بإصابته في حادث المسيرة التي استهدفت منطقة “جبيت” العسكرية
  • “طالبان” تغلق التلفزيون الرسمي في قندهار لعرضه “صور كائنات حية”!