صحيفة الاتحاد:
2025-03-17@00:02:04 GMT

كائنات.. «ما بعد إنسانية»

تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT

الفاهم محمد

أخبار ذات صلة «الإقامات الفنية».. الوقت لك أيها المبدع فتح باب التسجيل في جوائز «الشارقة الدولي للكتاب 2024»

منذ الأبحاث التي قادها إدغار موران، وكذا النتائج التي راكمها البحث الأنثروبولوجي. نعلم جميعاً أن الهوية الإنسانية هي هوية مركبة، فالإنسان ليس مجرد كائن طبيعي حصراً، بل هو كائن ثقافي أيضاً.

أي أنه يضيف للطبيعة أشياء من ابتكاره الخاص، ولولا هذه الثقافة لبقي الإنسان حبيس الكهوف. إن اكتشاف النار والعجلة والزراعة وغيرها، كلها أمور جعلته يتطور ويسمو على باقي الكائنات، واليوم ها نحن نراه يواصل مسيرة التطور والثقافة، بواسطة علوم النانو والبيوتكنولوجي والمعلوميات والسوبرنيتيقا، وهو ما مكنه من دمج تدريجي للآلات في جسده، بدءاً من الرمامة السمعية، إلى القلب الاصطناعي، والأطراف المصطنعة وغيرها.
يؤكد البحث الأنثروبولوجي أنه مقدر على الإنسان تجاوز طبيعته بواسطة الثقافة. غير أننا نلاحظ أنه في سياق الثورة التكنولوجية المعاصرة فان الأمر لا يتعلق فقط بالتجاوز، بل بالإلغاء الكلي لأي شيء اسمه الطبيعة الإنسانية، وتعويضه بطبيعة أخرى سيبورغية. إذا حدث هذا فما من حقيقة عميقة يمكن أن ينبلج عنها الفجر، كل شيء سيصبح محسوماً، والطبيعة البشرية برمتها ستضطر لمجابهة عالم جديد، يختفي فيه مفهوم الروابط الدموية والرغبة والحب والقيم الأخلاقية وغيرها، وبزوال كل ذلك فإن السؤال الأساسي الذي سيطرح نفسه هو: هل ما زلنا بشراً أم أننا تحولنا إلى وحوش؟

الهوية البشرية
يجعل ‏الكاتب والمخترع وعالم حاسوب الأميركي راي كيرزويل ظهور التكنولوجيا مسألة مرتبطة بحتمية التطور يقول: «كان ظهور النوع القادر على ابتكار التكنولوجيا أمراً حتمياً بعد نشأة الحياة، فالتكنولوجيا هي استمرار للتطور بوسائل أخرى، وهي في ذاتها عملية تطورية لذلك هي أيضا تتسارع». إن الذكاء البشري يبرهن الآن على تفوقه باختراع ذكاء آخر أكثر تطوراً، يعبر فيه عن ذاته بشكل أفضل. عادة ما نتحدث عن الإنسان باعتباره يمتلك هوية خاصة وفرادة تميزه داخل المجتمع. والحال إذا كانت هذه العلوم قادرة على التحكم وتصنيع هذا السيبورغ الشبيه بالإنسان، فهل معنى هذا أن مسألة الهوية البشرية ستصبح شيئاً من الماضي؟ 
إن التغيرات التي من المنتظر أن تحصل في الهوية البشرية، من شأنها أن تطبع الوجود البشري برمته بطابع غير مسبوق. لقد اعتدنا على الألم والرغبة والخطأ، أي ما كان يدعوه الفلاسفة بشرط الوجود البشري ألا وهو التناهي. فإذا كان مقدراً للتقدم التكنولوجي أن يتجاوز هذا الشرط، فهل نحن مستعدون لتقبل ذلك؟ أي هل نحن مستعدون للعيش في عالم يخلو من الألم والرغبة. هل سنتقبل ككائنات ما بعد إنسانية؟
إذا تمكن الإنسان من صنع هذا السيبورغ (كائن يتكون من مزيج من مكونات عضوية وبيو-ميكاترونية) بكامل المواصفات البشرية، ليس فقط الجسدية بل أيضاً العقلية والنفسية، فإن هذا من شأنه في نظر فرنسيس فوكوياما أن يطرح مشكلاً كبيراً أمام الكرامة البشرية: «لأن ذلك يعني أنه قد تحقق البرهان القاطع، على أن البشر ليسواً جوهرياً أكثر من آلات معقدة، يمكن أن تصنع من السيليكون والترانزيستورات، بسهولة صنعها نفسها من الكربون والعصبونات»، رغم أن فوكوياما يشك في إمكانية تحقق هذا الأمر، إلا أن الكثير من آباء عصر ما بعد الإنسانية، وعلى رأسهم راي كيرزويل يتنبؤون بالفعل بأن هذا الأمر سيتحقق ابتداء من 2030، حيث سنتمكن من إصدار النسخة 02 الآلية التي ستتجاوز بكثير في قدراتها النسخة 01.

الوجود الإنساني
من دون شك، نحن أمام منعطف يهم بالأساس طبيعة الوجود الإنساني والهوية الإنسانية، نحن نتحدث هنا عن «كائنات» من المنتظر أن تمتلك الإرادة الحرة، بما أنها ستقرر في طبيعة الحلول المناسبة للمشاكل التي ستعترضها. لأول مرة منذ ظهور الإنسان على الأرض، عليه أن يتقبل وإن كان بمرارة أنه أصبح متجاوزاً بصفة كلية، وأنه ليس الهدف الأسمى للتطور، وأن هناك كائنات جديدة ستخلفه على الأرض، وهي كائنات تفوقه ذكاء بكثير. يقول راي كيرزويل: «قبل نهاية القرن المقبل، لن تظل الكائنات البشرية هي أكثر الكائنات ذكاء ومقدرة على كوكب الأرض، ولكن دعني أتراجع عن هذا القول، فالعبارة السابقة تعتمد على تعريفنا للبشرية، ونرى هنا اختلافاً عميقاً بين فترتين، فالقضية السياسية والفلسفية الأساسية للقرن المقبل هي تعريفنا من نحن».
إن التخوفات من تجاوز الذكاء الآلي للذكاء البشري، بدأت بوادرها الأولى يوم وقف بطل العالم في الشطرنج غاري كاسباروف سنة 1997 مهزوماً أمام ديب بلو Deep Blue الكمبيوتر الذكي الذي طورته شركة IBM. لا فرق إذن من ناحية الجوهر بين الدماغ البشري والدماغ الآلي/ الحاسوب سوى من ناحية التعقيد. إذ أن درجة تعقيد الأول تفوق بكثير الثاني، ولكن هذا على الأقل لحد الآن، أما في المستقبل فنحن لا ندري، إذ ربما سيتمكن السيبورغ ليس فقط من محاكاة تعقيد الدماغ البشري، بل والتفوق عليه أيضاً، وقد نصل إلى مرحلة نلامس فيها هذه الخصوصية التي مازالت مقصورة لحد الآن على الإنسان وهي الوعي، وربما سيتمكن السيبورغ في المستقبل من النطق بـ «أنا» كما في الفيلم الشهير I robot. لقد وصلنا اليوم إلى روبوتات تتألم، وتدرك طبيعة النكتة، وتنزعج معبرة عن بعض المشاعر، مع أننا ما زلنا في المراحل الأولى لهذا العهد الجديد، عهد ما بعد الإنسانية. فما هي إذن الرهانات المستقبلية؟
بعد هزيمة كاسباروف قال مساعده: قد يكون «ديب بلو» ذكياً ولكنه لا يعرف كيف يحمي نفسه من المطر. ومعناه أن هناك فرقاً كبيراً بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري. غير أن هذا الأمر يقول اتجاه ما بعد الإنسانية ليس سوى مرحلة عابرة، إذ ستتمكن الحواسيب مستقبلاً من محاكاة العقل البشري بالكامل، بل ستكون أذكى منا بكثير، إذا ما صدقنا قانون مور الذي ينص على أن الحواسيب تزداد قدرتها كل 18 شهراً.

طبيعة الوعي
هل الوعي، إذن، مجرد معطى فيزيائي قابل للملاحظة والقياس مثله مثل باقي المواضيع الفيزيائية؟ هل يمكن اختزال الوعي في العمل الذي تقوم به النورونات، أم أن الوعي يتعالى ويتجاوز النشاط العصبي للدماغ؟ يكفي أن نتذكر هنا ما تؤكد عليه الثورة التي أحدثتها الفيزياء الكوانطية منذ بداية القرن العشرين، مع ماكس بلانك وهيزنبرغ ونيلز بور وآخرين. لم يعد الموضوع الفيزيائي مع هؤلاء هو الموضوع الملاحظ والمقاس، والذي نعرف أبعاده الثلاثة المعروفة.
ثمة واقع آخر يصعب ملاحظته وقياسه، أبعاد أخرى تتجاوز الأبعاد المعروفة لدينا. بل أكثر من ذلك تؤكد الفيزياء الكوانطية أن الوعي ليس مجرد نشاط لمادة الدماغ، بل هو جوهر لامادي من طبيعة مغايرة، وهو الذي يؤثر على المادة، كما في تجربة الشق المزدوج الشهيرة. إن ظواهر كثيرة من مثل التخاطر عن بعد، وظاهرة الموت الوشيك NDE وظواهر الحدس والاستبصار، والشفاء عن طريق تأثير الروح على الجسد، كما هو الحال في الطقوس البوذية والصوفية، كلها لن تكون مفهومة من طرف اتجاه ما بعد الإنسانية. الذي يرى أن كل ما هو موجود هو مجرد مادة، يمكن محاكاة عملها وتحميل Aploiding نشاطها داخل الحاسوب.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: ما بعد الإنسانیة

إقرأ أيضاً:

“وما أدراك ما صيدنايا”.. وثائقي يكشف خبايا مسلخ نظام الأسد البشري / شاهد

#سواليف

في قلب الجبال السورية وبين جدران إسمنتية سميكة، يقبع #سجن #صيدنايا الذي تحوّل من مركز احتجاز عسكري إلى رمز للرعب والتعذيب في عهد #نظام_الأسد.

ويكشف الفيلم الوثائقي “وما أدراك ما صيدنايا”، تفاصيل مروعة تكشف لأول مرة عن هذا السجن الذي كان يوصف بـ”المسلخ البشري”، ويتتبع خصوصيته وسبب اكتساب شهرته الأسوأ عالميا بممارسات #التعذيب.

وسجن صيدنايا، الذي دخل الخدمة رسميا عام 1987، كان في البداية مركزا لاحتجاز #المعتقلين #السياسيين والعسكريين، لكن مع مرور الوقت تحوّل إلى سجن مركزي للتعذيب والإعدامات الجماعية، خاصة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.

مقالات ذات صلة المواجهة بين الشاباك ونتنياهو.. هل تصل حدّ كشف المستور؟ 2025/03/15

وفي زنزانة ضيقة تحت الأرض حيث لا ضوء ولا هواء، يروي محمد علي عيسى -أحد الناجين من سجن صيدنايا العسكري- تفاصيل 19 عاما قضاها بين جدران هذا السجن، في حين يصف مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح السجن في شهادة ضمن الوثائقي بـ”الهولوكوست”.

ويوثق الفيلم، من خلال استكشاف سجن صيدنايا من زوايا مختلفة، المنظومة التي قامت عليها إدارة السجون في التعامل مع المعتقلين داخل سوريا، وتفاصيل دقيقة -يرويها المعتقلون- خاصة بجميع مراحل رحلة السجين من لحظة الاعتقال وصولا إلى الحرية أو الترحيل إلى المستشفيات أو القتل.

وتم تصميم سجن صيدنايا بهندسة معقدة، حيث يتكون من طوابق فوق الأرض وأخرى تحتها، تربطها ممرات متداخلة، وجعلت هذه التصميمات من السجن متاهة يصعب الهروب منها.

ووفقا لشهادات الناجين، فإن السجن يحتوي على زنازين ضيقة ومظلمة، وغرف إعدام مجهزة بمشانق وآلات تعذيب، وكان السجناء يُحشرون في زنازين لا تتجاوز مساحتها مترين مربعين، مع حرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.

تعذيب ممنهج

وتكشف شهادات الناجين أن التعذيب في صيدنايا كان ممنهجا ومنتظما، حيث كان السجناء يُعذبون بالضرب المبرح والصعق بالكهرباء والحرمان من الطعام والماء لفترات طويلة، كما تم استخدام أساليب تعذيب نفسي مثل إجبار السجناء على مشاهدة إعدام زملائهم.

ووفقا لشهادة أحد الناجين، “كانوا يختارون 5 سجناء كل يوم ويعذبونهم حتى الموت، وكان هذا جزءا من الروتين اليومي”.

ومن أحد أكثر الجوانب إثارة للرعب في سجن صيدنايا هو الإعدامات الجماعية، ووفقا لشهادة أحد الناجين، “كانوا يعدموا ما بين 100 و150 سجينا يوميا، وكانت الجثث تُنقل إلى مقابر جماعية دون أي إجراءات قانونية”.

وتكشف شهادات الناجين من سجن صيدنايا حجم المعاناة التي عاشوها، ومنهم علي الزوابعة، الذي قال إنه قضى 4 سنوات في زنزانة مظلمة، حيث كان يُعذب يوميا، وقال “كانوا يضربوننا حتى نفقد الوعي، ثم يتركوننا نستيقظ لنكرر العملية مرة أخرى”.

ومع تصاعد الاحتجاجات عام 2011، تحوّل صيدنايا إلى مقبرة جماعية للثوار، حيث يُقدَّر عدد من أُعدم فيه بين عامي 2011 و2014 بنحو 30 ألفا، وفقا لشهادات ناجين، في حين يصف منير الفقير -وهو سجين سابق- غرف الإعدام بأنها “منصات إسمنتية تتسع لسبعة أشخاص.. كانوا يعلقون الحبال على عوارض حديدية، ويتركون الجثث أياما قبل نقلها”.

ولم يقتصر الأمر على الرجال، ففي مشهد صادم، عُثر داخل غرف الإعدام على ملابس نسائية وأحذية أطفال، رغم عدم وجود معتقلات نساء رسميا، ويُرجّح الفيلم أن النظام كان ينقل المعتقلات من سجون أخرى لتنفيذ الأحكام، ثم يُخفي أدلة الجريمة بحرق الغرف.

أوامر مباشرة

ويسلط الفيلم الضوء على دور النظام السوري في إدارة هذه الآلة القاتلة، فوفقا للوثائق التي تم الحصول عليها، فإن الإعدامات والتعذيب كانت تتم بأوامر مباشرة من قيادات أمنية وعسكرية، ومع ذلك فإن معظم المسؤولين عن هذه الجرائم ما زالوا طلقاء، دون أن يحاسبوا على أفعالهم.

ولم تكن جرائم صيدنايا تنتهي بالإعدام. فالجثث كانت تُنقل إلى مشفى المجتهد في دمشق، حيث يُزوّر سبب الوفاة، ثم تُدفن بمقابر جماعية، يكشف نايف الحسن -وهو مشرف برادات الموتى بالمشفى- تفاصيل في هذا السياق قائلا “كانوا يجلبون 6 جثث يوميا.. شهادات الوفاة تُكتب بأسباب وهمية”.

أما المقابر، فكانت تُحفر بطريقة ممنهجة، حيث يروي أحد الحفّارين “كل خندق طوله 200 متر، ويُدفن فيه 4-5 أشخاص.. كنا نرتدي كمامات بسبب روائح الجثث المتعفنة”، مضيفا أنه دُفن في مقبرة القطيفة وحدها آلاف الضحايا، بينهم نساء وأطفال، دون أي طقوس جنائزية.

ورغم سقوط النظام عام 2024، لم ينل الجلادون عقابهم، حسب المعتقل المحرر علي الزوابعة، الذي يقول “السجانون فروا.. لكننا لن نسامحهم”، في حين يطالب فوزي الحمادة بمحاكمات دولية وضرورة معرفة مصير المفقودين ومحاسبة كل من سفك دماء السوريين.

ويختم الفيلم بمطالبة لتحويل السجن إلى متحف، كما تقول منار شخاشيرو زوجة معتقل مفقود “هذا المكان يجب أن يبقى شاهدا على الجريمة.. كي لا تتكرر المأساة”.

مقالات مشابهة

  • إيلون ماسك يخطط لإرسال الروبوت البشري Optimus إلى المريخ
  • “الموارد البشرية”: توثيق جميع عقود العمالة الموقعة عبر “مساند” خلال 2024م
  • شيخ الأزهر: الحوار بين الأديان لم يعد ترفاً بل ضرورة وجودية لإنقاذ البشرية من براثن الجهل
  • وزير الصحة يستقبل مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لبحث التعاون في التنمية البشرية
  • “الإنسانية أقوى من الكراهية”: دعوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمكافحة كراهية الإسلام 
  • “وما أدراك ما صيدنايا”.. وثائقي يكشف خبايا مسلخ نظام الأسد البشري / شاهد
  • المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو إلى مواجهة التحديات التي تعاني منها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة
  • وما أدراك ما صيدنايا.. وثائقي يكشف خبايا مسلخ نظام الأسد البشري
  • تتنفس الأكسجين والكبريت معا.. كائنات خارقة تتحدى المعايير العلمية
  • ضرورة إبادة الجنس البشري