مخاوف من مجاعة بـ«الأبيض» جراء حصار الدعم السريع
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
تنامت مخاوف سكان مدينة الأبيض بعد تطاول أمد العمليات العسكرية واستمرار حصارها من قوات الدعم السريع، ما أدى لتردي الوضع المعيشي بصورة ملفتة.
التغيير: فتح الرحمن حمودة
“أعيش في ظروف صعبة منذ بداية الحرب حيث لم أتمكن من مغادرة منزلي ولا أملك مالاً لاستئجار آخر أو حتى لشراء الطعام”.. هكذا تحدثت السيدة (م.
وفرضت حرب 15 ابريل 2023م بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع واقعاً مأساوياً في المناطق التي شهدت اشتباكات متكررة، فضلاً عن امتداد آثار الحرب اقتصادياً وأمنياً حتى على المناطق الآمنة.
وقالت السيدة (م. أ) في حديثها لـ(التغيير): “أصبحنا نعيش في وضع يزداد سوءاً كل يوم، لا يوجد خبز والرغيفة الواحدة لا تكفي حتى لطفل.. ونحن مرضى ولا نجد ثمن الدواء.. أطفالي يعانون من الجوع الشديد ولا نعرف مصيرنا فمع وجبة واحدة في اليوم أصبحنا نأكل ما لا يكفينا وأطفالي يشعرون بالدوار من شدة الجوع والوضع لا يبدو أنه سيتحسن قريباً”.
تفاقم المعاناةالوضع الاقتصادي الذي تعاني منه (م. أ) التي تعمل على إعالة أطفالها الستة ووالدتها وأختها وابنتها التي فقدت زوجها في إحدى المعارك ينسحب على المئات من المدنيين بحاضرة شمال كردفان، والذين أصبحوا عاجزين عن الحصول على الغذاء بسبب سوء الأوضاع المعيشية التي فرضتها الحرب الحالية.
وتفاقمت معاناة سكان المدينة معيشياً واقتصادياً وأصبحوا يواجهون خطر المجاعة جراء ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وانعدام السيولة النقدية نتيجة حالة الحصار المفروضة عليهم منذ المواجهات العسكرية التي دارت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مايو الماضي.
وتواجه المدينة حصاراً محكماً من قبل قوات الدعم السريع التي وسعت من نقاط تفتيشها بعد أن فرضت “رسوم تحصيل” على جميع ناقلات البضائع في معظم الطرق المؤدية من وإلى الأبيض، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الضرورية مثل الدقيق، السكر والعدس بشكل غير مسبوق.
وقالت مصادر محلية لـ(التغيير)، إنه حتى الاثنين الماضي شهدت المواد الغذائية ارتفاعاً كبيراً داخل أسواق المدينة حيث بلغ سعر كيلو السكر 3400 جنيه، كيلو العدس 4600 جنيه، كيلو الأرز 4000 جنيه، ووصل سعر رطل الزيت إلى 2200 جنيه، رطل البن 13 ألف جنيه.
وأوضحت أن كيلو اللحمة البقري بلغ 6000 جنيه والضأن 10 آلاف جنيه، وأشارت إلى أن بعض المخابز شهدت زيادة في أسعار الخبز حيث تبيع بعض المخابز 6 قطع خبز بألف جنيه وأخرى تبيع سبعة.
مجاعة وشيكةوفي السياق وصف المواطن رياض صديق، الأسعار بأنها “غير معقولة”، وقال لـ(التغيير)، إن المواطنين أصبحوا عاجزين عن شراء السلع خاصة النازحين في مراكز الإيواء الذين كان قد توقف دعمهم بسبب التضخم.
وأضاف أن بعض التجار لجأوا إلى تخزين السلع وبيعها بأسعار زهيدة مما تسبب في ندرتها وارتفاع أسعارها مما يجعلها صعبة المنال عليهم في ظل هذه الظروف.
من جانبها، قالت المواطنة التومة فضل الله الوضع المعيشي بأنه أوشك على إحداث كارثة إنسانية، وأضافت لـ(التغيير)، أن النازحين يعيشون في ظروف صعبة للغاية والمساعدات المقدمة لهم قليلة جدا ولا تكفي حتى لوجبة واحدة وتأتي على فترات متباعدة.
وتابعت: “إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فهناك مجاعة وشيكة تهدد سكان المدينة”.
وأشارت إلى أنه مع هطول الأمطار يزداد الوضع سوءاً بسبب المنازل المتهالكة التي تضررت من دوّي الأسلحة، والنازحون يعيشون في مدارس مكتظة، وإذا لم يتم نقلهم إلى ظروف أفضل فمن المتوقع تفشي الأوبئة والأمراض مما قد يؤدي إلى كارثة صحية حقيقية، وعبرت عن أملها في الوصول إلى وثيقة مشتركة تضمن أساسيات الحياة للمواطنين.
وكانت مصادر ميدانية أوضحت أن مراكز إيواء النازحين داخل المدينة بلغت 167 مركزاً، حيث تضم ما لا يقل عن 5044 أسرة، وقالت لـ(التغيير)، إن معظم النازحين يعانون من أوضاع اقتصادية وصحية قاسية.
وأكدت تزايد عدد النساء والأطفال الذين يتسولون في الأحياء بحثًا عن المساعدة من الآخرين حيث توقفت العديد من الأعمال بشكل رسمي، وحتى الأسر التي كانت في وضع جيد سابقاً أصبحت تعاني من تدهور حاد في أوضاعها المعيشية.
وأوضحت المصادر أن بعض الأسر تعتمد بشكل كبير على التحويلات المالية من أبنائها المغتربين كل عشرة أيام لتأمين وجبة واحدة في اليوم، وحتى شاي الصباح وهو تقليد يومي لم يعد في متناول الكثير من السكان بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية.
تردي صحيونبهت المصادر- على الصعيد الصحي- إلى أن المدينة تشهد نقصاً حاداً في الأدوية والعلاجات، وانتشار بعض الأمراض نتيجة الجوع ونقص الفيتامينات مما أدى إلى تفشي التهابات حادة بين السكان وظهور حالات من الوهن والضعف البدني الشديد.
وفي هذ الصدد قال المواطن محمد إبراهيم، إن الوضع الاقتصادي في المدينة بات خانقاً والأسعار تشهد ارتفاعاً متسارعاً مما يجعل الحالة الاقتصادية متردية بشكل كبير.
وأضاف لـ(التغيير)، أن النازحين يفتقدون للمأوى والغذاء الكافي، وحالة المواطنين في الأحياء ساءت بشدة حيث توجد مجاعة خفية تضرب الناس.
وحذر إبراهيم من أنه إذا استمرت الحرب والحصار على المدينة لشهرين آخرين فإن الأوضاع قد تتدهور إلى درجة من السوء مثلما حدث في مناطق أخرى بكردفان.
واختتم حديثه بالقول إن الحصار على المدينة لا يزال قائماً بنسبة كبيرة، باستثناء شارعي بارا وزريبة البرعي، اللذين يتم من خلالهما إدخال البضائع.
بينما قال الشاب محمد أحمد لـ(التغيير)، إن الوضع المعيشي في غاية الصعوبة، وأضاف “لا يوجد عمل وكل الشباب عاطلون عن العمل. لقد قضيت 13 شهراً بدون وظيفة، والناس باتت منهكة وتعيش على وجبة واحدة في اليوم، لا يوجد أي دخل مالي لأن العمل متوقف وهذا يجعل الوضع صعباً للغاية مما يؤدي إلى انتشار أمراض الجوع”.
ويبدي سكان المنطقة خشيتهم من الواقع المعيشي السيئ الذي باتوا يتعايشون معه على اعتبار أنه سيناريو جديد للموت إلى جانب سيناريوهات دوي الانفجارات والأسلحة الثقيلة التي شاهدوها في كثير من العمليات العسكرية الدامية التي دارت بين الأطراف المتقاتلة في مدينة الأبيض.
ومع اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع بالعاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، شهدت مدينة الأبيض مواجهات عسكرية دامية بين طرفي القتال ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى وسط المدنيين جراء القصف العشوائي المتبادل بين الطرفين.
ومنذ 15 أبريل الماضي تحاول قوات الدعم السريع دخول المدينة والسيطرة عليها، فيما يواصل الجيش حماية قيادة الفرقة الخامسة مشاة والمواقع الاستراتيجية داخل المدينة.
الوسومالأبيض الاقتصاد الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان كردفانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأبيض الاقتصاد الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان كردفان مدینة الأبیض الدعم السریع لـ التغییر ما أدى
إقرأ أيضاً:
وضعية قوات الدعم السريع على الأرض في السودان وما التوقعات
الانسحابات وإعادة التموضع
شهدت قوات الدعم السريع خلال الأسابيع الأخيرة تحولات ملحوظة في انتشارها الميداني داخل السودان. انسحبت بعض وحداتها من أجزاء من الخرطوم وولاية الجزيرة، وهو ما يراه المحللون خطوة محسوبة ضمن استراتيجية إعادة التموضع. هذه الخطوة قد تكون استعدادًا لحرب طويلة الأمد بدلاً من الاكتفاء بالمواجهات المباشرة التي قد تؤدي إلى إنهاك القوات.
الوضع في الفاشر ومعارك النفوذ
لا تزال الفاشر نقطة محورية في العمليات العسكرية، حيث تسعى قوات الدعم السريع إلى تثبيت نفوذها في دارفور، والتي تعد معقلًا رئيسيًا لها. تدور المعارك في محيط المدينة وسط تقارير عن تعزيزات جديدة وتحركات تكتيكية، ما يشير إلى أن الدعم السريع يسعى لتأمين موقعه هناك كجزء من خطته للحفاظ على عمقه الاستراتيجي.
التحضير لحرب طويلة الأمد
وفقًا لمحللين عسكريين، فإن الدعم السريع يعيد هيكلة وجوده العسكري بما يسمح له بخوض صراع طويل الأمد. من خلال الانسحاب المنظم من بعض المناطق والتوجه نحو مناطق نفوذه القوي، يحاول حميدتي وقادته تحويل الصراع إلى معركة استنزاف بدلاً من المواجهات المفتوحة مع الجيش السوداني. ويؤكد بعض التقارير أن الدعم السريع يتبنى سياسة "الأرض المحروقة" في بعض المناطق، ما أدى إلى تدمير بنى تحتية واستهداف مرافق حيوية.
الوضع الدولي والقانوني
أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أن مكتبه سيطلب إصدار مذكرات توقيف ضد المتهمين بارتكاب فظائع في منطقة غرب دارفور بالسودان. ويعكس هذا الإعلان تصاعد الاهتمام الدولي بالانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع في تلك المنطقة، وهو ما قد يكون له تداعيات على مسار الصراع مستقبلًا.
تأمين مستقبل الحكومة القادمة
في ظل غياب تسوية سياسية شاملة، يبدو أن قوات الدعم السريع تسعى إلى ترسيخ نفوذها على الأرض بحيث تكون جزءًا لا يمكن تجاوزه في أي عملية تفاوضية مستقبلية. تسعى القوات إلى فرض واقع عسكري وسياسي يجعل من الصعب استبعادها من أي اتفاق بشأن الحكم في السودان.
التحسب لخطوات الجيش والقوى السياسية
في المقابل، يراقب الدعم السريع التحركات السياسية والعسكرية التي قد يقوم بها الجيش، خصوصًا فيما يتعلق بتحالفاته مع القوى السياسية والمليشيات المناصرة له. قد يكون أحد أهداف الدعم السريع من إعادة التموضع هو تقليل فرص الجيش في فرض حل عسكري شامل. وفي هذا السياق، قامت قوات الدعم السريع بشن هجمات بطائرات مسيرة على مرافق حيوية، مثل المحطة التحويلية للكهرباء في منطقة الشوك بولاية القضارف، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن عدة ولايات.
معركة ود مدني والتحديات المستقبلية
في 11 يناير الجاري، تمكن الجيش السوداني من استعادة السيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع. وقد أشارت تقارير إلى ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين أثناء هذه العملية، مما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل من الصعب الوصول إلى حل سياسي في المدى القريب.
يتجه الدعم السريع نحو فرض معادلة عسكرية وسياسية جديدة على الأرض، تضمن له موطئ قدم قويًا في أي تسوية مقبلة. ومن خلال إعادة التموضع وتحسين انتشاره في مناطق النفوذ، يحاول الدعم السريع الاستعداد لمرحلة طويلة من الصراع، مع التركيز على تأمين دوره في مستقبل الحكم في السودان. في ظل هذه التطورات، ستظل معارك السيطرة على الأرض وتحالفات القوى المتصارعة عوامل رئيسية في تحديد مسار النزاع خلال الفترة القادمة.
zuhair.osman@aol.com