هذه هي قضية السودان المركزية بعيداً عن الأوهام

رشا عوض 

الناس أحرار في أفكارهم طبعاً، من كان يظن أن قضية السودان المركزية هي هزيمة الإمبريالية وتحرير جنوب الكرة الأرضية من الاستعمار الجديد فهذا شأنه!

ومن كان يظن أن قضية السودان المركزية هي تحرير فلسطين فهو حر!

ومن كان يعتقد أن قضية السودان المركزية هي نصرة الإسلام بجهاد الدفع وجهاد الطلب في آن واحد واستعادة الأندلس والانطلاق منها لفتح أوروبا وأمريكا فعلى كيفه!

ومن كان يظن أن قضية السودان المركزية هي إحياء البان افركانزم وكتابة تاريخ جديد لأفريقيا على هداها بقيادة السودان فنتمنى له التوفيق!

ولكن مهما يكن من أمر هناك حقيقة واحدة فقط وهي في حكم البداهة ستظل تمد لسانها ساخرة من الجميع، وهي أن السودان لن يستطيع مد رجليه إلى أبعد من لحافه! واللحاف في الرطانة السياسية المعاصرة هو الوزن السياسي للدولة الذي يتحدد بمستوى تقدمها في النظام السياسي وفي مجالات المعرفة والعلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والتنمية والقوة العسكرية! ويقاس التقدم بمعايير العصر الحديث!

وبالتالي فإن قضية السودان المركزية يجب أن تكون الانعتاق من إسار التخلف الذي يكبل السودان! هي انتشال السودان من واقع الجوع والأمية والأمراض المستوطنة والعجز البنيوي الذي أنتج ما نحن فيه من هشاشة سياسية وانهيار اقتصادي وتراجع مخيف في كل المجالات!

ضربة البداية بداهة لن تكون الدخول في مواجهات كونية مع القوى العظمى في العالم لأن مثل هذه المواجهات لن تقودنا إلا إلى حتفنا! لأننا ببساطة لا نمتلك من أدواتها سوى العنتريات التي ما قتلت ذبابة!!

أحد مواطن الخلل في العقل السياسي السوداني هو عدم “مركزية السودان شعباً وأهدافاً ومصالح”! كأنما السودان في حد ذاته لا يرقى لأن يكون مقصوداً لذاته في تكريس الجهد والعمل!

دائماً السودان وسيلة لخدمة مشروع أكبر منه في حين أن السودان في حاجة ماسة لأن نكرس له كل ما في وسعنا لانتشاله من واقعه البائس!

هذا الخلل يتجسد في المنهج الذي حكم علاقات السودان الخارجية منذ استقلال السودان!

ظل هذا المنهج مستلباً لسرديات أيدولوجية وهوس بالقومية العربية ثم جاءت الطامة الكبرى ممثلة في هوس الإسلام السياسي، والقاسم المشترك بين كل أنواع الهوس هي تهميش المصالح المباشرة للدولة السودانية في سبيل ملاحقة ريادة في قضايا أممية أو قومية لا نملك مقومات الريادة فيها أصلاً!

لا بد أن تتطور الثقافة السياسية السودانية في اتجاه التمييز الصارم بين دوائر اشتغال رجل الدولة ودوائر الانفعال والتفاعل مع القضايا الكونية الكبرى، فرجل الدولة يجب أن يعكف على أداء واجبه المباشر تجاه الدولة السودانية ومواطنيها وأن يحدد حلفاءه وأعداءه الخارجيين على أساس نفعهم أو ضررهم الفعلي على السودان، وتفاعل رجل الدولة المتخلفة مع العالم الخارجي ينطلق من أرضية البحث عن فرص النهوض والتقدم المتاحة لبلده وفق معطيات النظام العالمي ومحاولة تعظيمها دون معارك تكسير عظام نتيجتها الحتمية تكسير عظام دولته!

هل النظام العالمي عادل؟ ألا ينطوي على اختلالات كبيرة ومظالم تستوجب أقصى درجات الغضب وضحايا هذا النظام بالملايين؟

الإجابة نعم، ولكن التصدي لمهمة تغيير النظام العالمي لا يعقل أن يدرج في أجندة رجل أو امرأة الدولة في السودان، لأن ترتيب جدول الأعمال في أجندة رجل الدولة يختلف عنه في أجندة المفكر أو الفيلسوف أو الأديب أو الشاعر في نفس الدولة، كما يختلف عن أجندة رجل الدولة في بلد آخر ظروفه السياسية والاقتصادية ومستوى تطوره مختلف عن دولتنا.

في هذا العالم دول حقّقت مستويات معقولة من التنمية الاقتصادية والبشرية وتفوقت على السودان في كل المجالات رغم أن السودان متفوق عليها في الموارد، فعلت ذلك دون أي معارك فاصلة على الصعيد العالمي مثل تلك التي يطالبنا بها محتالو اليمين الديني واليسار الطفولي.

الوسومأفريقيا أمريكا أوروبا الأندلس الإمبريالية الاستعمار السودان النظام العالمي اليسار اليمين رجل الدولة رشا عوض فلسطين

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أفريقيا أمريكا أوروبا الأندلس الإمبريالية الاستعمار السودان النظام العالمي اليسار اليمين رجل الدولة رشا عوض فلسطين النظام العالمی رجل الدولة من کان

إقرأ أيضاً:

تحركات دولية وإقليمية لإعادة صياغة المشهد اليمني .. والحاجة لمعركة وطنية يقودها اليمنيون بعيدا عن التدخلات 

  

تعكس اللقاءات العسكرية والدبلوماسية الأخيرة، تحركات دولية وإقليمية لإعادة صياغة المشهد اليمني، لكنها لن تؤتي ثمارها ما لم ترافقها جهود محلية صادقة لمعالجة الانقسامات وبناء مشروع وطني جامع، لأن الحل لا يأتي من الخارج بل من الداخل.

تبدو الحاجة إلى معركة وطنية يقودها اليمنيون بأنفسهم بعيدا عن التدخلات الإقليمية والدولية، ماسة، لكن الواقع يكشف عن صعوبات كبيرة في تحقيق هذا الهدف بسبب الانقسامات السياسية والخلافات بين مكونات السلطة التي تفقد اليمنيين القدرة على خلق إنجاز يتجاوز الحسابات الضيقة، يصب في مصلحة البلاد كلها.

الخلافات وتضارب المصالح تضعف موقف الشرعية أمام ميليشيا الحوثي، وتقلل من فرص نجاح أي جهود دولية لدعم اليمنيين في معركة استعادة الدولة، فهل يمكن بناء توافق سياسي داخلي يعيد الثقة بين الأطراف المختلفة ويكون الخطوة الأولى نحو إنهاء الحرب وبناء يمن جديد قادر على مواجهة تحدياته المستقبلية، أم أن القوى العسكرية الممولة والمدارة من الخارج بهدف استمرار المشكلة لا يمكن أن تتحول إلى أداة للحل؟

 

يقول رئيس التوجيه المعنوي في الجيش الوطني سابقا، اللواء محسن خصروف: ما نأمله أو يأمله الجميع أن تصبح المواقف الأمريكية والبريطانية والأوروبية، مواقف صادقة إزاء القضية الوطنية اليمنية، لأن بريطانيا وأمريكا وكثير من دول أوروبا أحبطت كثير من المشاريع الوطنية اليمنية، وأعادتنا إلى الخلف أكثر من مرة، في نهم حينما وصلنا إلى مشارف صنعاء وفي الحديدة حينما وصلنا إلى مسافة 3 كيلو متر من الميناء.

 

وأضاف: قوات الجيش الوطني كانت في جولة يمن موبايل وفي المطار، وكانت الحديدة قاب قوسين أو أدنى من التحرير، وأجهض تقدمها، ومنعت من الدخول، بذريعة ما قالوا، إنه حرصا على أرواح المواطنين، فيما قتل الحوثي خلال هذه الفترة من المواطنين عشرات أضعاف ما كان يمكن أن يحدث من خسائر بشرية حينها.

وتابع: الآن وصل تهديد الحوثي إلى الأمريكان وإلى البريطانيين والألمان، وإلى غيرهم، لذا هم الآن يبحثون عن حل، والحل موجودا، وببساطة شديدة الحل في أنهم يتركونا نحن والحوثيين وجها لوجه، إما أن نتقاتل حتى ينتصر أحدنا أو نتفاوض حتى يتحقق السلام.

وأردف: أنا من أنصار السلام وأتمنى أن ينصاع الحوثي لحوار وطني شامل، نصل به إلى قواسم مشتركة وإلى دولة يتعايش فيها الجميع، بعيدا عن الشعارات، والعنصرية، والسلالية، والمناطقية، دولة يمنية مدنية ديمقراطية تعددية، يعيش فيها الجميع الحوثي والمؤتمر والاشتراكي وغيرهم.

وزاد: أنا لا أثق بالأوروبيين والأمريكان، لكن أتمنى أن يكونوا صادقين، في موقفهم الأخير مما يجري في اليمن.

وقال: فكرة استعادة الدولة واستعادة صنعاء، هدف استراتيجي للجيش الوطني وهو قادر عليه، وهو قادر أن يصل إلى صنعاء، بغض النظر عن ما يترتب على ذلك.

  

ما الجديد في هذه اللقاءات؟

يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة، الدكتور فيصل الحذيفي، نحن خلال عشر سنوات من المعارك والقتال وامتداد الأزمة اليمنية، لم تخل من اللقاءات على هذا النحو، لكنها كانت غير معلنة ولم تكن أيضا موضع مثار يستحق المتابعة الإعلامية أو كوضع حساس كما هو الحال الآن.

وتساءل: ما الذي يختلف في اللقاءات العسكرية الآن عن اللقاءات العسكرية السابقة؟ مضيفا: نحن كنا نعلم بأن الجيش اليمني كان على أبواب صنعاء، كان في نهم وفي أرحب، وكان أيضا في منتصف الحديدة، وهذه القيادة العسكرية الأمريكية والبريطانية، التي تلتقي مع القيادة العسكرية اليمنية، اليوم، هي نفسها من أوعزت لهذه القيادة بالانسحاب إلى مأرب وإلى المخا.

وتابع: ينبغي النظر إلى مثل هذه اللقاءات بعين الريبة أو بعدم رفع التفاؤل، التي لا ينبغي أن يبنى عليها نتائج ذات قيمة، فالأهداف الأمريكية والبريطانية في المنطقة لا تتقاطع مع أهداف دول المنطقة، فكل له أهدافه، ولا يمكن أن تكون أهداف الولايات المتحدة وبريطانيا، استعادة الدولة اليمنية لليمنيين، وإذا فهمنا هذه اللقاءات على أن أمريكا وبريطانيا تهدف لاستعادة الدولة لليمنيين، ستكون أضحوكة.

وأردف: السلام وترتيب الجيش اليمني ودعم الاقتصاد اليمني، هذه مآسي لها 10 سنوات لم نر من هذه اللقاءات شيئا يذكر تجاه مثل هذه الأهداف التي تخصنا ولا تخصهم، كما نرى مضامين هذه اللقاءات من خلال وسائل الإعلام.

وزاد: الولايات المتحدة الأمريكية تعلن أن أهدافها واضحة مثلا: أن القيادة المركزية الأمريكية تدعم السلام والاستقرار والأمن في المنطقة، أي بعيدا عن أهداف اليمنيين الذين فقدوا الدولة، والاقتصاد، والأمن والاستقرار، وهذا يعني أنه لا يوجد تقاطع كبير في هذا الجانب الا فيما يخص حماية الملاحة البحرية التي تخص الدول الكبرى الصناعية والاقتصادية.

وقال: التحركات قد تشير إلى دعم عسكري مباشر للحكومة الشرعية، لكن الوقائع على الأرض لا تنسجم مع مثل هذه الرؤية.

وأضاف: لنفترض بأن القوات الأمريكية والبريطانية، أو الرباعية بشكل عام، قررت دعم الجيش اليمني لتحرير نفسه والإطاحة بالحوثيين، حتى الآن في اليمن لا يوجد عندنا جيش وطني موحد حتى يمكن دعمه، ستدعم أي جيش؟ هل ستدعم جيش طارق عفاش؟ أم جيش الانتقالي؟ أم جيش مأرب؟ أم جيش تعز؟ أم جيش السلفيين؟ 

وتابع: عندنا معضلة دنيوية في هيكلة الجيش، هناك قوى خارج الشرعية، وقوى خارج الدستور، وقوى ليست مندمجة لا في وزارة الداخلية، ولا في وزارة الدفاع، لذا لمن سيتوجه هذا الدعم؟

مصالح الدول

يقول الباحث السياسي المختص في الشأن الإيراني، وقضايا الشرق الأوسط، وجدان عبد الرحمن، إن ما يتعلق بتغيير مواقف الدول، فهو يأتي في إطار مصالح الدول في نهاية المطاف، وأن تكون هذه المصلحة للدولة التي تساهم أو تستقبل هذا الموقف، وهذا شاهدناه حتى في سوريا، احمد الشرع الذي كان تحت العقوبات الأمريكية ووضعت 10 ملايين دولار من أجله، أمريكا اليوم، والدول الغربية التي كانت تضعه في قائمة الإرهاب، جلست معه من أجل مصالحها.

وأضاف: هذه التغييرات في العمل السياسي وفي والمواقف موجودة، فلذلك ليس من المستبعد أن تغير الولايات المتحدة، وأيضا الدول الأوروبية، سياساتها بعد التهديد الذي تلقته من ميليشيا الحوثي، والمشروع الإيراني.

وتابع: زيارة المبعوث الأممي إلى إيران، وعودته خالي الوفاض، هذا منتظر، لأن إيران اليوم بدأت تفقد حلقاتها ومشروعها في المنطقة، وكل ما تبقى لها حاليا هي ميليشيا الحوثي، وإطلاق الصاروخ مساء أمس باتجاه إسرائيل يبين بالفعل أن إيران ماضية في هذا المشروع بالاعتماد على أذرعها في المنطقة، ومنها الجماعة الحوثية.

وأردف: إيران لن تسلم جماعة الحوثي بطبق من ذهب للشرعية أو للدول الغربية والولايات المتحدة، وحتى تصريحات الميليشيات الموالية لإيران في العراق وإعلانها بأنها لن تترك مواقعها ولن تترك السلاح، ولن تكون ضمن الجيش العراقي، وخاصة بعد زيارة إسماعيل قاآني إلى العراق التي كانت متزامنة مع زيارة رئيس وزراء العراق السوداني، إلى إيران، دليل آخر بأن المشروع الإيراني مستمر.

 

مقالات مشابهة

  • بعيداً عن تفكيكها.. الموسوي: استراتيجية الحكومة احتواء الفصائل وحصر السلاح بيد الدولة
  • بعيداً عن تفكيكها.. الموسوي: استراتيجية الحكومة احتواء الفصائل وحصر السلاح بيد الدولة - عاجل
  • مجزرة الكامب الخامس – الوجه الحقيقي للحرب
  • حينما تصطدم الأوهام بصلابة الواقع، تتهاوى الحركات البهلوانية وتنتصر الحقيقة
  • عاجل - اتفاق وقف إطلاق النار.. انسحاب القوات بعيدا عن المناطق المكتظة بالسكان
  • أمريكا أوّلا وآخرا.. وزير خارجية ترامب المرتقب يتعهد بتغيير النظام العالمي
  • نتنياهو يوافق على صفقة الأسرى بعيدا عن ضغوط الوزراء المتطرفين
  • تحركات دولية وإقليمية لإعادة صياغة المشهد اليمني .. والحاجة لمعركة وطنية يقودها اليمنيون بعيدا عن التدخلات 
  • من التصنيع المحلي إلى التصدير العالمي.. كيف تسعى الدولة لتطوير صناعة السيارات؟
  • جوزاف عون وتحديات تحديث الدولة اللبنانية والتخلص من الفساد