سلام السودان .. ورهان «الديمقراطيين»
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية مؤخرا تقريرا أكد ما جاء في البيان الصادر أمس الأول عن وزارة الخارجية الأمريكية يدعو كلا من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى بدء مفاوضات يوم 14 أغسطس القادم في جنيف من أجل إنهاء الحرب الجارية منذ عام ونصف تقريبا، على أن تتم استضافة المفاوضات في كل من سويسرا والمملكة العربية السعودية.
وقالت مجلة فورين بولسي أن كلا من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ومندوبة الولايات المتحدة في المنظمة الدولية ليندا توماس غرينفيلد، سيرأسان المفاوضات المقبلة، لاسيما وأن المبعوث الأمريكي للسودان توم برييلو أكد بأنه يعمل على إقناع كل من الجيش والدعم السريع لإرسال مسؤولين رفيعي المستوى للمشاركة في هذه المفاوضات، فيما سيشارك كل من الأمم المتحدة ومصر والإمارات والاتحاد الإفريقي في المفاوضات كمراقبين.
يبدو واضحا أن إطلاق هذه المبادرة من أجل السلام في السودان من طرف إدارة بايدن، واختيار وزير الخارجية الأمريكي لرئاستها إلى جانب مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، محاولة حقيقية وجادة من طرف الولايات المتحدة لإنهاء الصراع في السودان.
فقبل شهور نشرت مجموعة الأزمات الدولية تقريرًا مطولا عن أوضاع الحرب في السودان وتعقيداتها التي ظلت تتفاقم باستمرار، وخلص التقرير إلى أن التعقيد الذي آلت إليه أوضاع الحرب في السودان من خلال تدخلات أطراف إقليمية ودولية متورطة في الحرب لا يمكن حله إلا بتدخل قوي من طرف الولايات المتحدة عبر شخصية سياسية رفيعة المستوى - كوزير الخارجية - ليعكس طبيعة الدور الجاد للولايات المتحدة من أجل إنهاء الحرب.
وفيما لا يمكننا فصل هذه المبادرة الأمريكية لإنهاء الحرب في السودان عن كونها حافزا أخيرا يمنح الديمقراطيين ورقة قوية ورابحة لكسب معركة الانتخابات الأمريكية بعد شهور، لاسيما بعد التطورات الدراماتيكية لانسحاب الرئيس بايدن من السباق الانتخابي واقتراب نائبته كمالا هاريس لتكون المرشحة شبه المؤكدة، لهذا نتصور أن رهان إدارة بايدن على وقف الحرب في السودان سيكون هذه المرة أقرب إلى المصداقية منه في أي وقت، في ظل الإخفاق الذي عانت منه تلك الإدارة حيال ملفي حرب أوكرانيا وغزة.
من الأهمية بمكان اليوم أن يراهن الديمقراطيون (الذين يصنفهم الجمهوريون عادة كحلفاء للفشل في الملفات الخارجية) على إنجاح مفاوضات فرقاء الحرب في السودان، خصوصًا وأن إصرار الولايات المتحدة على ضرورة عودة السلطة إلى المدنيين في السودان بعد الحرب هو في الأساس جزء من رهانها على دعم الثورة السودانية.
من ناحية أخرى صرح الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي بعد ساعات من بيان الخارجية عن ترحيبه وقبوله الانخراط في أي مفاوضات تنظمها السعودية وسويسرا وغرد على صفحته بمنصة X (تويتر سابقا) : « نتطلع إلى أن تشكل مفاوضات سويسرا خطوة كبيرة نحو السلام والاستقرار وتأسيس دولة سودانية جديدة قائمة على العدالة والمساواة والحكم الفيدرالي» وبهذا يكون قائد قوات الدعم السريع قد رمى الكرة في ملعب حكومة البرهان.
ويأتي إطلاق المبادرة الأمريكية التي دعت كلا من الجيش السوداني والدعم السريع إلى مفاوضات جديدة في سويسرا في 14 أغسطس القادم تتويجا لجهود كبيرة بذلها المجتمع الإقليمي والدولي من أجل إنهاء الحرب في السودان، ابتداءً من مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية الذي استضافته القاهرة تحت عنوان «معًا لوقف الحرب» مطلع هذا الشهر، مرورا باجتماع بعض القوى السياسية السودانية في أديس أبابا للنقاش حول الوضع السياسي ما بعد الحرب برعاية الاتحاد الإفريقي قبل أكثر من أسبوع في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إلى جانب زيارة الرئيس الإثيوبي آبي أحمد المفاجئة إلى بورتسودان للقاء قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان.
ثمة ما يشير إلى احتمال قوي بأن الحرب السودانية على وشك أن تضع أوزارها في ظل هذا الحراك السياسي الإقليمي والدولي حول الوضع في السودان، بعد أن كشفت تقارير أممية وتقارير منظمات إقليمية وإنسانية سابقة عن معدلات عالمية خطيرة وغير مسبوقة حول آثار الدمار الفظيع الذي أحدثته الحرب؛ كالجوع والنزوح الذي طال أكثر من 10 ملايين نازح، مما دق ناقوسا ينذر بمآلات كارثية خطيرة قد تضع السودان على حافة الهاوية وصولا إلى نقطة اللاعودة!
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الحرب فی السودان من أجل
إقرأ أيضاً:
ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
بقلم: إبراهيم سليمان
ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
عند الحديث عن خسارة أمرٍ ما، لابد من توضيح الحساب بكافة المعطيات، ورصد الناتج والمحصلة النهائية التي لا تقبل الجدل، ورغم ذلك هنالك تقديرات، يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة، ولا يحمد السوق إلا من ربح. وقديما قيل، "الجمرة بتحّرق واطيها" وقيل أيضا "من يده في الماء ليس كمن يده في النار"
يبدو أن حكومة بورتسودان، بقيادة الجنرال البرهان، تشمر، للتعري من ثيابها، وتستعد للخروج عن طورها، من خلال اتخاذها عدة إجراءات تعسفية، تنم عن اليأس وعدم المسؤولية الوطنية، منذ اندلاع الحرب الحالية، قطعت خدمات الاتصالات عن أقاليم غرب السودان، وحرمت مواطنين على الهوية من الأوراق الثبوتية، حظرت عليهم خدمات السجل المدني، وأخيراً عمدت الإتلاف الإجمالي للعملة والوطنية في حوالي أكثر من ثلثي أقاليم البلاد، من خلال تغيرها في مناطق سيطرة الجيش على ضآلتها، حرمان الآخرين منها، وأخراً الإصرار على إجراء امتحانات الشهادة السودانية لحوالي مائتي ألف طالب طالبة، وحرمان حوالي أربعمائة آخرين في بقية أرجاء البلاد!
بهذه الخطوات المتهورة، وغير المسؤولة، لم تترك حكومة بورتسودان، للمستهدفين من أبناء الشعب السوداني، الذين يمثلون الغالبية العظمي، سوى المضي قدماً ودون التردد أو الالتفات إلى الوراء، في المناطق التي تقع خارج سيطرة الجيش، والمحررة من عنف وظلم دولةـــ 56 لتضلع بمهام توفير الخدمات الضرورية لحياتهم اليومية والملحة لأن يعيشوا بكرامة وعدالة. وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للذين يستحقونها، بدلاً من المتاجرة فيها من قبل تجار الحرب في بورتسودان.
لماذا يدفع أبناء الولايات، التي يستهدفها الطيران الحرب لحكومة بورتسوان، وتحرمها من حقوقها الإنسانية والدستورية، تكاليف بقاء السودان موحداً؟ طالما أن هذه الحكومة غير الشرعية تدفع بعنف وإصرار لتمزيق وحدة البلاد!، وما هي قيمة الوحدة الوطنية، التي تزهق أرواح عشرات الملايين من مكونات بعينها؟ وطالما أن هنالك خمس ولايات فقط، بإدارة مواطنيها أو بغيرها، غير مباليين، بهموم وآهات بقية الإقليم، فلينفصلوا هم إن أرادوا ويتركوا الآخرين وشأنهم.
وليس هناك ما هو أغلى من أرواح الأبرياء، والحفاظ عليها، وحقن دماء أبناء الشعب السوداني مقدم على أي اعتبارات أخرى بما فيها والوحدة الوطنية القسرية. لذا نرى أن تشكيل حكومة مدنية في المناطق المحررة والتي هي الآن خارج سيطرة الجيش، وهي المناطق التي لا تعني شيئا لحكومة بورتسودان الانقلابية، ضرورة حياتية، ويعتبر التقاعس عنه، أو التردد فيه حماقة، وخذلان في حق عشرات الملايين المستهدفين، من قبل الحكومة العنصرية في بورتسودان، وجيشها القاتل.
المنوط بالحكومة المدنية المرتقبة، توفير خدمات التربية والتعليم، وخدمات السجل المدني والأوراق الثبوتية، وفتح معابر تجارية لتصدير المنتجات واسترداد كافة الضروريات المنقذة للحياة، وطباعة عملة وطنية مبرأة للذمة، استباقاً للكارثة الاقتصادية التي تلح في الأفق، ونزع الشرعية من حكومة بورتسودان التي تصر على استمرار الحرب، وترفض كافة النداءات الوطنية الدولية للجلوس للتفاوض بشأن وقف الحرب وإحلال السلام في البلاد، وتقول أنها مسعدة لمواصلة الحرب مائة عام!
وطالما أن هنالك صراع بين قوتين عسكريتين، فليكن هنالك تنازع بين حكوميتين، لتتعادل الكفتتين، وربما يسرع ذلك إيجاد حلول للحكومتين، لكن لا ينبغي أن تتوقف حياة أغلبية الشعب السوداني، من أجل خاطر الحفاظ على وحدة البلاد، التي لم يحرص عليها دعاة الحرب.
ولا نظن أن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة في الخرطوم، ستضر بوحدة البلاد، أكثر حرب كسر العظام الدائرة حالياً، وتأجيج نيران خطاب الكراهية الممنهجة، من دعاة دويلة النهر والبحر، الذين يعادون كافة مكونات البلاد، يرفضون المساواة بين مكوناتها!
ليس هناك ما يمكن خسارته، من تشكيل حكومة موازية مرتقبة بالخرطوم، حتى إن لم يعترف بها أحد، يكفي أن المأمول منها، فك ارتهان مصير غالبة مكونات الشعب السوداني، لمزاج ورعونة حكومة بورتسودان غير المسؤولة. ومما لا شك فيها أن الأوضاع الإنسانية في ليبيا واليمن، وحتى جمهورية أرض الصومال، أفضل ألف مرة منها في معظم أرجاء البلاد. تمزيق وحدة السودان المسؤول عنه حكومة بورتسودان بإجراءاتها التعسفية وقائد الجيش، الذي أعلن على رؤوس الأشهاد، استهداف حواضن قوات الدعم السريع، ويظل يمطرهم بالبراميل المتفجرية بشكل يومي.
وفي الحقيقة، فإن حكومة بورتسودان المعزولة دولياً، قد مزّقت وحدة البلاد فعلياً، بالتصعيد المنتظم من قبلها بشأن اتخاذ إجراءات مست جوهر قومية الدولة السودانية، وأن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة ما هو إلا تحصيل حاصل.
والغريق لا يخشى البلل.
ebraheemsu@gmail.com
//إقلام متّحدة ــ العدد ــ 181//