الرواية الجزائرية.. تنوع الأمكنة والمشترك الجمالي
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
الطيب صياد: منذ نشأة الرواية الجزائرية كان المشترك الأكبر هو أنّ المكان جزائري خالص
محمد الفاتح: إلى غاية تسعينيات القرن العشرين ظل التأثيث المكاني ضعيفا
د. فلة شوط: المكان الفني بالرواية الجزائرية في تطور ملحوظ وأصبح يتناول الحياة اليومية
الجزائر - العمانية: تحفلُ الرواية الجزائرية بالأمكنة ودلالاتها، إلى درجة أنّ بعض الروائيّين اختارُوا أن تحمل عناوين أعمالهم اسم مكان، مثلما فعل الروائيُّ محمد ساري في «نيران وادي عيزر»، ووليد بلكبير «زنقة الطليان»، وأحمد طيباوي «باب الواد»، والطيب صياد «متاهة قرطبة»، وحنان بوخلالة «سوسطارة».
ومن «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي، التي تدور أحداثُها في مدينة قسنطينة «شرق الجزائر»، إلى «هوارية» إنعام بيوض، وتدور وقائعُها في مدينة وهران (غرب الجزائر)، تختلفُ الأماكن، والهدفُ واحد، وهو تأثيثُ المتن الروائيّ بفضاءات مكانية تسافرُ بالقارئ، ويختارُها الروائي بعناية لأهداف جمالية وتاريخية بالأساس.
دلالات الأمكنة
لكن لماذا يختارُ هذا السّاردُ مكانًا دون غيره؟ وما دلالاتُ الأمكنة في الرواية الجزائرية؟ هنا يؤكد الروائي الطيب صياد، لوكالة الأنباء العمانية، بالقول: «منذ نشأة الرواية الجزائرية تقريبًا، سواء تلك التي كانت تكتب باللغة الفرنسية؛ بحكم هيمنة ثقافة الاحتلال الفرنسي أو بحكم التوجه الذي ينطبع به الكاتب، أو الرواية العربية التي اتخذ أصحابُها قرار الاستقلال الثقافي؛ المشترك الأكبر هو أن المكان، في أغلب تلك النصوص، كان جزائريا خالصًا؛ فكاتب ياسين، والطاهر وطار، ومرزاق بقطاش، وعبد الحميد بن هدوڨة، ثم في عصرنا هذا، يتجلّى جيلٌ مختلفٌ تماما من حيث العقلية والنشأة والأهداف، وحتى من حيث المواقف السياسية؛ أجد أنّ القرى والمدن الجزائرية تكتسحُ روايات هؤلاء، كبارا وصغارا، بصرف النظر عن الأزمنة التي كتبوا فيها، والأزمنة التي كتبوا لها (روايات تاريخية مثل جمال سويدي في «أمستان الصنهاجي»، أو روايات ثورية أو روايات معاصرة...)، وكذلك بعد بروز أدب الصّحراء، كما يسمّيه بعضهم؛ مثلما كتب زيواني (مينا)، وبن زخروفة (هجرة النار) وغيرهما؛ فالصّحراء التي كتب عنها الروائيُّ الجزائريُّ هي صحراء الجزائر، وهو ارتباطٌ ليس مُستغربًا، في رأيي، بل هو من ضمن شخصية الإنسان الجزائري الذي يرى بلده، لحدِّ الآن، تنضحُ بدماء من استشهد لأجلها طيلة أكثر من 130 سنة من الكفاح ضد فرنسا، لكنّ هذا لم يكن حاجزا عن الكتابة لأماكن أخرى خارج الجزائر، إذا أخذنا أمثلة ياسمينة خضرا أو ماسينيسا تيبلالي مثلا؛ فقد كتبا عدّة نصوص بعيدا عن الجزائر؛ فتِيبلالي كتب عن مصر والعراق ببراعة، وهي تجارب قوية ومُحكمة فعلا، سواء تلك التي استطاع أصحابُها أن يتنقّلوا إلى مكان الرواية أو اكتفوا بالتعرُّف على المكان من خلال استكشافه بدقة عبر الإنترنت والوثائق».
ويضيف صياد «أنا كتبتُ أربع روايات (العثمانية، ومتاهة قرطبة، وبيت آسيا قُرمُزلي - كلُّها منشورة، وصورة الأنبياء: غير منشورة)؛ في النصّ الأول تجوّلتُ بالقارئ بين الجزائر وتركيا وسوريا، بينما اكتفيتُ، في النصّين الثاني والثالث، بحصر الأحداث تقريبا في مدينة الجزائر العاصمة».
التأثيثُ المكانيُّ
أمّا الروائيّ محمد الفاتح حرامي، فيقول: «شهدت الرواية في الجزائر تطوُّرًا ملحوظا، سواء في الأسلوب أو في التقنيات أو المواضوعات المتناولة، وكان السياقُ السياسيُّ والاجتماعي، عاملا مُهمًّا في صوغ وبلورة توجهات الروائيين بشكل كبير. غير أنه، إلى غاية تسعينيات القرن العشرين، ظل التأثيثُ المكاني ضعيفا، لا يُرى بوضوح في النص، وكان المكانُ، كمسرح للأحداث، مُبهمًا، نمطيا، وكأن كُتّاب الستينيات والسبعينيات إجمالا، لم يُقدّرُوا أهمية خلق الحافز البصري والارتباط الحميمي بين القارئ والمكان».
ويؤكد بالقول: «ربّما كان السببُ في ذلك، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، هو محاولة الأدباء الابتعاد عن التصريح والتشخيص خوفا من الارتدادات التي يمكن أن يُحدثها النصُّ، بحسب الحالة. كما أنّ أدباء تلك الحقبة كانوا يضعون القارئ أمام الحدث مباشرة، ولذلك ظلّ المكانُ، في غالبية تلك التجارب، نمطيا، مُبهم المعالم، وقلّما تمّت الإشارة إلى اسم مدينة بعينها».
ويُضيف بالقول: «اعتبارا من التسعينيات، بالتزامن مع التعدُّدية والأزمة السياسية، والتحوُّل الاقتصادي، أصبحت التجاربُ الروائية أكثر ذاتية، تتّخذ من علاقة الإنسان بذاته وبمحيطه موضوعًا لها؛ لذلك، بدأ التأثيثُ المكاني يتّخذ أهمية أكبر، باعتبار تطوُّر الوعي المكاني البصري للكاتب، وباعتبار ذاتية التجربة في علاقة الإنسان بالمكان».
من جهة أخرى، يرى محمد الفاتح حرامي أنّ «ملامح التأثيث المكاني لم تتضح بقوة إلا في السنوات الخمس الأخيرة، بعد نجاح رواية «الديوان الإسبرطي» في افتكاك جائزة البوكر، وجنوح الكثير من الكُتّاب إلى الرواية التاريخية التي تتطلبُ تفاصيل مكانية يُمكن أن نسميها بالوثائقية».
المكان الفني
وتعتقدُ الباحثة والناقدة، د. فلة شوط، أنّ الرواية العربية الجزائرية المعاصرة أيقنت، اليوم، انفتاحًا ثقافيا وجماليا على مختلف التقنيات السردية؛ من زمان ومكان وشخصيات، حيثُ إنها تُمثل جوهر العمل الأدبي والنقدي على الخصوص.
وتؤكّد د. شوط، لوكالة الأنباء العمانية القول: «إذا تمعنّا في أهمية المكان في الخطاب الروائي، نجدُ أنّ أغلب الكُتّاب الجزائريين يجتهدون، كلّ الاجتهاد، في تحصيل هذا المكون النقدي، ومحاولة الاشتغال عليه سرديا، وإذا عُدنا لإحصاء الروايات الجزائرية، نجد أنّها تولي كلّ الاهتمام لتقنية المكان، منذ الثورة التحريرية والعشرية الدموية، مُرورًا إلى الأوضاع الحالية».
وتضيفُ: «إنّ المكان الروائي هو تحصيلٌ فني جمالي، مثلما يؤكد عليه جاستون باشلار (1884/1962)، في كتابه «جماليات المكان» الذي يؤصل للتأثيث المكاني لدى الروائي وعلاقته بالواقع والبيئة معا».
وتؤكّد بالقول: «يسعى الكاتبُ الجزائري اليوم في كتاباته السردية إلى الخروج عن المألوف والتقليدي، ومحاولة تجريب تقنيات جديدة، تجعل عمله يرقى لمستوى العالمية من خلال الطرح الجاد، والتحليل المعمق؛ لأنّ المكان الفني في تطور ملحوظ؛ إذ أصبح يتناولُ مواضيع الحياة اليومية، في قالب سردي خاص، توحي بضرورة التحول النقدي الذي جعل من الشخصيات مكانا في حد ذاته، لأن هذه الأخيرة (الشخصية)، أصبحت تُمثل المكان وتصفُه، ولعل هذا التجريب الروائي في الكتابة، مكّن الرواية الجزائرية من بلوغ مصاف الفرد والمجتمع معا».
وتخلصُ د. فلّة شوط إلى التأكيد بالقول: «اعتمدت الرواية الجزائرية اليوم على نقلة نوعية مميزة تعكسُ حفاوة الشخصية بالمكان الذي يصفها ويطرحها أمام العلن في معيار ثقافي دقيق وفق مرجعيات سردية تتمثل في السياسة والمجتمع والاقتصاد، وكذا مرجعية الذاكرة التي لديها عامل قوي ومؤسس في تأصيل ذكرى المكان الفني، وعلاقته بالشخصية الواحدة دون سواها، لأن المكان في التفكير النقدي المعاصر، أصبح الأساس في الكتابة الروائية، إذ لا توجد رواية مُغيبة للمكان بل تستدعيه لضرورة فكرية وجمالية، منذ كتابات الإغريق في تأصيلهم للإلياذة والأوديسة. ومن هذا المنطلق، نجد أنّ أغلب القضايا النقدية الحديثة والمعاصرة متشابكة ومتعاضدة فيما بينها تعود للأصل في أغلب الأحيان».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الروایة الجزائریة
إقرأ أيضاً:
عادات رمضانية في المغرب ومصر.. تنوع ثقافي ووحدة روحية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتميز شهر رمضان في جل المجتمعات الإسلامية بطقوس دينية وعادات وتقاليد متنوعة تعبر عن حفاوة المسلمين بهذه المناسبة الكريمة.. ورمضان في المغرب له مكانة خاصة في قلوب المغاربة الذين يستقبلونه بطقوس مميزة نابعة من حضارة تعكس العمق التاريخي للمملكة. أما فى مصر أم الدنيا، فإن رمضان له طابع خاص، حيث تنبض الشوارع بالحياة.
تتم الاستعدادات بالشهر الكريم أو بـ"سيدنا رمضان" كما يلقب في المغرب في أجواء من المرح والفرحة رفقة الأحباب والجيران، إذ يجتمعون قبل الإعلان عنه لتبادل الوصفات الرمضانية والآراء فيما يخص"موديلات" القفاطين والجلاليب المغربية، ومثلما يغير المغاربة عاداتهم في المطبخ يغيرون أزياءهم أيضاً، حيث تتوارى إلى الخلف الأزياء العصرية ويتصدر المشهد الزي التقليدي الذي لا يزال حاضرًا في جميع المناسبات الدينية كجزء من "تمغربيت" التي لا يمكن الاستغناء عنه، بل يزداد الإقبال عليه في رمضان لأنه رمز للرقي والأناقة لاستقبال الضيوف على موائد الإفطار.
من مظاهر الإرث الرمضاني التقليدي التي لم يندثر في المغرب على الرغم من تعاقب الأجيال، النفار، أو المسحراتي كما يسمى في الدول الشرقية، مصطلح يدل على آلة النفخ النحاسية التي لا يقل طولها عن متر، والنفار هو ذلك الشخص الذي يتجول بصحبة "الطبال" و"الغياط" يجوبون الشوارع العتيقة كلٌ بآلته قبل آذان الفجر يوقظون الناس لتناول السحور، ومن الشروط التي يجب توفرها في النفار أن يكون حافظاً للتراث المغربي الأصيل والمدائح النبوية التي يرددها وهو يجوب الأزقة للحصول على القبول لدى الناس.
من المأكولات المغربية المرتبطة بشهر الصيام في المغرب، "الحريرة"، الأكلة التي أصبحت عالمية تحمل شعار المغرب في كل مكان، فهي ليست مجرد حساء بل جزء من الهوية الثقافية للمغاربة وترمز إلى الدفء العائلي والتقاليد المتوارثة، ويحرص المغاربة على بدء إفطارهم بها نظراً لقيمتها الغذائية إلى جانب "سلو"، و"الشباكية"، و"البغرير"، و"البريوات"، أما الشاي المغربي المنعنع مع "التمر" و"الشريحة" فهو من أشهر المشروبات المغربية على المائدة الرمضانية.
من الطقوس المغربية المبهجة أيضاً الاحتفال بالصيام الأول للأطفال تشجيعاً وتحفيزًا لهم على نجاحهم في إتمام يومهم الأول، يجلسون أمام مائدة الإفطار بالزغاريد وأصوات تصدح بالصلاة على النبي ولباس تقليدي الذي يكون عبارة عن قفطان مغربي مطرز بـ"الصقلي الحر" بالنسبة للبنات ويوضع تاج فوق رأسها كعروس في ليلة زفافها، وتزين يدها اليمنى بالحناء على شكل قرص، أما الأولاد فيلبسون ما يسمى بـ"الجبادور" وهو الزي التقليدي عند الرجال في المغرب، والهدف من ذلك تحبيب الأطفال الصغار في الصيام وتوعيتهم بأهمية الالتزام بهذه الفريضة.
أما في مصر أم الدنيا، فإن رمضان له طابع خاص، حيث تنبض الشوارع بالحياة وتتحول إلى لوحة زاهية تفيض بالحب والبهجة، موسم يعكس دفء القلوب وروح التكافل حيث تتجلى الطيبة المتأصلة في نفوس المصريين في أدق تفاصيل الحياة اليومية.
تكتسي الشوارع المصرية بالزينة والأضواء والفوانيس التي تزين المحلات والبيوت والطرقات، وتتحول الأحياء إلى احتفال شعبي مفتوح، تتوجه الأسر إلى الأسواق لشراء كل المستلزمات الغذائية وخاصةً "الياميش" و"المكسرات" إضافة إلى المشروبات التقليدية مثل "قمرالدين"، و"العرقسوس"، و"الخروب" و"الكركديه".
ومن العادات الأصيلة التي تعكس كرم المصريين وروحهم الطيبة "موائد الرحمن"، حيث يجتمع العشرات من الناس حول مائدة قاسمهم المشترك البحث عن الونس وسط متطوعين يوزعون الطعام والشراب بحب وبهجة وكأنهم يرون في خدمة الآخرين الخير والبركة، وفي زاوية أخرى هناك من يجهز "شنط رمضان" حقائب مليئة بالخير توزع على المحتاجين ابتغاء مرضاة الله.
وبالرغم من تطور الحياة، فما زال المصريون يحافظون على بعض التقاليد الفريدة، إذ تسمع صوت المدفع وقت الغروب وكأنه احتفال يومي يضفي على الإفطار طابعا مميزا يستمتع به عشاق الزمن القديم.
أما المائدة المصرية في رمضان، فإنها ليست مجرد أطباق عادية بل هي قصص تروى بكل نكهة ورائحة، حيث تبدأ الوجبة بالتمر والمشروبات الرمضانية وتختتم بـ"المحشي" و"المشاوي" و"الملوخية" التي لا تغيب عن البيوت الأصيلة، ولا يكتمل اليوم إلا بـ"القطايف" و"الكنافة" التي تأسر محبيها خلال هذا الشهر.
وبعد الفطار وفي الأحياء القديمة، تتحول الشوارع إلى مهرجانات من الألوان والأصوات خصوصاً في الأحياء العتيقة مثل الحسين وخان الخليلي، حيث تتداخل أصوات الذكر مع نغمات العود وعبق البخور في صورة تراثية تأسر القلوب.
رمضان، سواء في المغرب أو في مصر، شهر مبارك كريم تمتزج فيه العبادة بالمحبة، يفتح فيه الناس قلوبهم قبل أبوابهم وتصبح الرحمة اللغة الموحدة التي يتكلم بها أهل البلدين.
*كاتبة وإعلامية مغربية