النقد «مسجون» داخل أسوار الجامعةالخطاب الثقافى «نخبوى».. ونعيش علاقات ما قبل الحداثةالإنتاج العربى مزدهر.. والانفتاح على تجارب الغرب مفيد

 

 

الناقد الأدبى الكبير الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب العربى الحديث بجامعة القاهرة أحد أعلام النقد الأدبى فى مصر والعالم العربى، يتردد اسمه فى المحافل المصرية والعربية كأحد أبرز أهم النقاد فى الوقت الراهن.

ولد «حمودة» عام 1955 بالقاهرة، تخرج فى قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة، حصل على الماجستير من القسم نفسه عام 1990 وكانت أطروحته بعنوان «دور يحيى الطاهر عبدالله فى القصة القصيرة المصرية» بتقدير ممتاز، ثم نال درجة الدكتوراه عام 1997 تحت عنوان «الرواية والمدينة.. نماذج من كتَّاب الستينيات فى مصر» تحت إشراف الدكتور جابر عصفور بمرتبة الشرف الأولى.

يعمل حاليًا أستاذًا متفرغًا بكلية الآداب جامعة القاهرة، ويرأس تحرير مجلة «فصول» الأدبية، كما يشغل منصب نائب مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة منذ 2015 وهو عضو بلجنة تحكيم جائزة يحيى الطاهر عبدالله الأدبية التى تقدمها أسرة الكاتب الراحل تحت رعاية المجلس الأعلى للثقافة بدءًا من 2021.

أثرى «حمودة» المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والدراسات فى النقد الأدبى والأدب المقارن ومنها «فى غياب الحديقة» حول الزمان والمكان فى روايات نجيب محفوظ» عام 2007، و«من عيون القصة المصرية.. مختارات قصصية» فى ثلاثة مجلدات عام 2009، و«الرواية والمدينة.. نماذج من كتَّاب الستينيات فى مصر»، ونال مؤخرًا جائزة الدولة التقديرية عن استحقاق وجدارة.

فى سياحة فكرية ثقافية أدبية مع عقل من عقول مصر الكبيرة فى النقد الأدبى الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة، دار هذا الحوار مع «الوفد».

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: حوار لـ الوفد د حسين حمودة بجائزة الدولة التقديرية تراث العرب

إقرأ أيضاً:

عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي (8)

كلما تألمت أكثر زاد حب الناس أكثر وبكيت من الفرحة أكثر

 

كثيرا ما أصيب «أحمد زكى» بالملل من وجوده فى المستشفى.

ونصحنا مديره ومؤسسه الدكتور «حاتم الجبلى» وزير الصحة فيما بعد بأن نأخذه بعيدا عن رائحة المرض ليعيش حياة طبيعية لتهدأ نفسيته الحائرة ولو لبعض الوقت.

كنا هو ورغدة وأنا نخرج لتناول الطعام فى فندق ما قريب مثل «مينا هاوس» أو «موفنبيك» الأهرام ونتناول حكاياتنا القديمة أيضا.

وذات يوم اتفقنا على تناول قطعة فيليه مشوية فى المطعم الفرنسى فى فندق موفنبيك الأهرام لكن ما إن وصلنا إلى الفندق حتى اكتشفنا أن المطعم الفرنسى أغلق أبوابه منذ زمن وكان البديل الوحيد المتاح هو البوفيه المفتوح فلم نجد مفرا من التنازل عن أحلامنا فى قطعة لحم مشوية.

وفيما بعد عندما ترك المستشفى لبعض الوقت وعاد إلى فندق هيلتون رمسيس كان أول ما فعل عندما وجدنى أمامه أزوره هو أن أمسك بالتليفون وطلب خدمة الغرف (روم سيرفيس) وطلب «فيليه» مشويًا.

إنه لا ينسى شيئا يهم أصحابه مهما كان بسيطا.

وكانت المرة الأخيرة التى تناولنا فيها الطعام معها كانت يوم عودة «يسرا» من مهرجان المغرب السينمائى واختار طعام السوشى اليابانى لمجرد أننى قلت له: «إن هذا النوع من الطعام هو مستقبل الطعام فى العالم».

يومها انضم إلينا «هيثم» وكنا فى سفينة «الباشا» على نيل الزمالك فى مطعم متخصص فى الأطعمة الآسيوية.

وفى وقت ما طلب من «حكمت» مدبرة منزله تجهيز البيت ليقيم فيه فى الفترة ما بين جرعة كيماوى وأخرى حتى ينال رعاية غذائية مناسبة ترفع من المناعة وتبعده عن التوتر الذى يصيبه بسبب ضغوط الزوار فى المستشفى.

وذات مساء خرج إلى شرفة حجرة نومه رافعا يديه إلى السماء ليتحدث إلى الله.

«يا رب افعل بى ما تريد.

«إذا أردت أن تأخذنى خذنى.

«أنا قابل حكمك وقانع به.

لكن لم تمر سوى لحظات معدودة حتى أصيب بأكثر من جلطة وانتفخ وجهه.

هل كانت إشارة من السماء بأنه قادم إليها؟

ربما ولكن «أحمد زكى» تلقى الإشارة بطريقة غير متوقعة نشرتها على لسانه فى «صوت الأمة».

قال:

ــ عندما حملونى فى عربة إسعاف لم أكن أستطيع التنفس وكان جميع من حولى يبكى ويصرخ ويدعو ولكن تخيلوا أننى ساعتها تذكرت عبد السلام النابلسى فى المشهد الشهير الذى دعا فيه الله أن يبسطها فأغرقته زينات صدقى بـ«حلة ملوخية» فنظر إلى السماء وقال: «بس ماتبسطهاش أكثر من كده». تخيلوا ظللت أضحك والناس من حولى تبكى. وتعجبت من قدرة الله العظيم وكيف صنع العقل البشرى الغريب حيث يستدعى مشهدا كوميديا وأنا فى ذروة الأزمة. وأضحك وأنا لا أستطيع أنا أتنفس.

بعد الجلطة تغير صوته وأصبح أجشا وشعر الأطباء بالخوف والذهول إلا أنه راح يطيب خاطرهم قائلا:

«لا حسين رياض ولا نجيب الريحانى كان صوتهم كده. يا جماعة أنا كده متميز وسأغير تاريخ الفن».

كان وهو فى هذه الحالة المتأخرة «يسخر بتعليقات فنية».

وكان كل فكره يتجه إلى الدراما والكوميديا.

لكنه فى الوقت نفسه يقول:

«وصلت إلى قمة الإيمان وعرفت حكمة الله العظيم بسبب البوتاسيوم».

يشرح أكثر:

«طبعا معظمنا لا يعرف ما معنى البوتاسيوم. أنا أيضا كنت لا أعرف شيئا عن الصندوق المقفول من الصدر إلى البطن. لم أسأل نفسى يوما ما يوجد فيه أو كيف يعمل؟ وفجأة أثناء المرض فوجئت أنى لا أستطيع الوقوف على قدمى. وكلما وقفت وقعت. ما الذى يحدث؟

«فجأة عرفت أنى أعانى من نقص فى البوتاسيوم وبعدها عرفت يعنى إيه «كانسر» أو سرطان. عرفت إيه البوتاسيوم؟ وعرفت تأثيره فى السرطان. ساعتها الأطباء كانوا يهرعون بكميات كبيرة من الموز كى ألتهمها ليرتفع البوتاسيوم.

«وعرفت حكمة الله وعظمته فالإنسان عبارة عن مجموعة مركبات كيميائية. شوية كالسيوم على بوتاسيوم على حديد وحاجات أخرى ولو حاجة نسيتها تحدث مصيبة.

«ياه على البوتاسيوم. ظللت أكلم الله. وأتأمل فى حكمته. وفى التطور العلمى الذى يحاول إنقاذ الإنسان».

فى الحديث الصحفى الأخير معه قال أيضا:

«طول عمرى باشتغل وعارف إنى وصلت إلى قلوب الناس ولكن موضوع السرطان كان مفاجأة. معقول الدنيا انقلبت عشانى. الناس تبكى والأمهات تدعى والصحافة تكتب. كان الحب فيضانًا تجاوز كل الكلام وفاق كل التوقعات. والله العظيم فرحت قوى. وبكيت من حب الجمهور. وكل ما أتعب وحبهم يزيد أبكى أكثر من الفرحة.

«كان كل همى إنى أطمئنهم. الناس صعبت على أكثر من نفسى.

«ضغطت على نفسى كى أخفف عن الجميع. ابنى وأصحابى وأهلى وجمهورى.

«حتى الدكاترة كنت أحمل همهم وقلبى يوجعنى عليهم لكن برضه فرحت بل طرت من الفرحة.

«طب شوفوا الطيبة. رجل صعيدى طيب وغلبان وعلى قد حاله جاء إلى الدكتور ياسر عبد القادر وقال له: «أنا جاى اتبرع إلى أحمد زكى بكلية. الدكتور استغرب وقاله: لكن أحمد زكى مش مريض بالكلى. الرجل من كثرة طيبته قال: «طيب أنا قدامك خذ أى حاجة واديها له.

«حطوا أنفسكم مكانى أعمل إيه مع حب مثل هذا الحب؟

«أعجبنى مانشيت عادل حمودة فى صوت الأمة على لسانى: «اطمئنوا أنا مش حاموت دلوقتى وأشعر أن يد الله ستساعدنى».

«يا سلام فرحت جدا بالمانشيت وامتلأت سعادة وتحدى ورغبة فى الحياة لأنى حسيت بالدفء من الناس والرئيس والمسؤولين ووزير الصحة والصحافة يبقى إزاى ما اتهزش مع كل ده؟

يستطرد:

«كنت زمان بحب أكتب خواطر ولكن الغريب أنى مع السرطان كتبت قصيدة فى السرطان تخيلوا. عملت حوارًا معه. وسألته: «أنت جاى ليه؟ وإزاى؟ وعايز إيه؟ وعرضت (القصيدة) على رغدة ورغدة دونتها وعجبتها.

«فكرة القصيدة جاءت وأنا راكب الأسانسير وبفكر فى المرض.

«لكن أنا بحب الحياة ولا أملك سوى حلمى.

«أنا جئت من غير ما حد يساعدنى. لا رمسيس نجيب تبنانى ولا غيره اهتم بى لكن أنا وقعت وقمت وانضربت وضربت وهزمت وانهزمت وفرحت وزعلت بس فى الآخر أنا بحب الحياة بكل ما فيها.

وينهى حديث معى قائلا:

«يومى أقضيه غالبا فى المنزل. اقرأ كل الجرائد والمجلات. أحب الجلوس بمفردى كثيرا. أجلس واتفرج وأفكر وأتأمل فى الإنسان.

«أنا مثلا مثل إخناتون أحاول التعمق فى الذات البشرية.

«لكنى أتمنى أن أخرج إلى الناس وأقضى يومى ذهابا وإيابا بينهم. ولكن للأسف أفضل المنزل لأنى لا أقوى على عوادم السيارات والموتوسيكلات وأشعر بالخجل من أن أضع عازلًا يحمينى وليت الناس تراعى خطورة ذلك لتدميره صحتهم وكفاية المصائب التى تتوالى على البيئة من السحابة السوداء إلى الجراد وربنا يستر».

هذا آخر ما قال «أحمد زكى» لكن ليس آخر ما عشت إلى جواره فى شهوره وأيامه الأخيرة.

كان وجودى إلى جانبه اهتمامًا بصديق امتدت الحياة بيننا أكثر من ثلاثين سنة.

كنت أتابع حالته ساعة بساعة وأتدخل فى الوقت المناسب إذا ما تقاعس الأطباء أو الاتصال بمكتب الرئيس إذا ما قرر السفر إلى الخارج حيث تنتظره طائرة «سى ١٣٠» جاهزة لتحمله إلى حيث يريد.

لكن ذلك كله لا يزن شيئا مما فعلت «رغدة».

كانت الأكثر اهتماما به.

بل إن اهتمامها به غير مسبوق فى الوسط الفنى.

وأنا أعرف رغدة جيدا ويمكن القول إن بيننا صداقة بنيت على ثقة وزادت فى شهور مرض «أحمد زكى» حين كانت الظروف تفرض علينا اتخاذ قرارات مشتركة تخصه.

فى بداية الثمانينيات ساهمت فى تأسيس دار «سيناء» لنشر كتب سياسية وتنويرية فى مواجهة التيارات الدينية المسلحة التى تكفر وتفجر المخالفين لها ولكنى فوجئت بمديرة الدار «راوية عبد العظيم» تقترح نشر ديوان شعر بعنوان «مواسم العشق» بعيدا عن الرسالة التى ألزمنا أنفسنا بها وكانت المفاجأة الأكبر أن صاحبة الديوان هى الفنانة «رغدة».

تصورت أن القصائد التى كتبتها لا تزيد عن نزوة ممثلة لديها وقت فراغ لا تعرف كيف تبدده ولكن كان تقديرى خاطئا فنحن أمام موهبة شعرية درست صاحبتها الأدب العربى فى جامعة القاهرة عام ١٩٨٠ ثم تهافت عليها المنتجون لتصبح نجمة شهيرة متميزة من أول فيلم ظهرت فيه بعد عامين هو «لا تطفئ النار».

وجاءت المفاجأة الثانية فى عام ٢٠٠١.

فى ذلك العام فوجئت بها تتصل بى تليفونيا عارضة تغطية محاكمة المتهمين الليبيين فى حادث «لوكربى» الذين نسب إليهم تفجير طائرة «بان أمريكان» الرحلة رقم ١٠٣ من لندن إلى نيويورك فوق بلدة «لوكربى» الإسكتلندية.

لم أجد ما يمنع من قبول المغامرة خاصة أن جريدة «صوت الأمة» لن تتحمل شيئا ولها الحق فى رفض ما تكتب.

لكنى وجدت أمامى تحقيقا صحفيا مكتمل الأركان مدعوما برسوم توضيحية وملاحظات لا يرصدها سوى عيون صحفى محترف.

ونشرت ما كتبت لتنقل عنا أكثر من وكالة أنباء.

ولم يعد سرا اهتمامها بالقضايا السياسية مثل انتفاضة الأقصى فى فلسطين وكسر الحصار المفروض على العراق بركوبها أول طائرة تتحدى القرارات الدولية وتهبط فى بغداد وجاءت بأطفال من هناك ليعالجوا فى مصر.

أصبح بيننا جسور ممتدة من الثقة.

وما إن ظهر السرطان فى صدر «أحمد زكى» حتى وجدتها إلى جواره منذ أن كان فى باريس.

كل ما بينهما أربعة أفلام: «كابوريا» و«الامبراطور» و«استاكوزا» و«أبو الدهب».

ولكن هل هذه الأفلام تكفى لتظل إلى جانبه باهتمام أنساها مشاغلها الأخرى؟

هل هناك قصة حب بينهما؟

هل تزوجا دون أن نعرف؟

ذات يوم سألنى «أحمد زكى» وهو يبتسم:

ــ تفتكر ما سر اهتمام رغدة بى؟

انتظرت الإجابة فقال:

ــ بعد ما انتهت مشكلة أطفال العراق وجدت نفسها فى فراغ فقررت رعايتى.

قالت رغدة:

ــ طب ما هناك رعاية أطفال السجون؟

كان «أحمد زكى» يداعبها مازحا بعد مجهود يومى شاق بدأ فى الثامنة صباحا حين جاءت من بيتها فى الزمالك حاملة طعاما يمتلئ بنسبة عالية من الحديد ليرفع مناعته التى يهددها العلاج الكيماوى وما إن تصل إلى جناحه فى المستشفى حتى تطمئن على أنه تناول الدواء فى موعده وإنه ترك ملابسه المتسخة فى كيس ستعود به إلى بيتها لغسلها.

ولم تكن لتتردد فى تنظيف أوانى الطعام بنفسها كما كانت تقدم القهوة والشاى والشوكولاتة لمن يستقبل «أحمد زكى» من الضيوف.

ووصل بها الاهتمام إلى حد أنها أشرفت ذات يوم على استحمامه بمساعدة واحد من الممرضين وكل ما فعلت هو أن مدت يدها إليه بالمناشف وتسبب هذا الحمام فى تكاثر الشائعات المسيئة لها ولكنها لم تبال فهى عنيدة ورأسها ناشف مثل قطعة بازلت.

كانت العيون الظالمة تتساءل فى فجور: ما الذى دفعها إلى هذا النوع من الاهتمام الذى لا يحدث إلا بين زوج وزوجته أو بين رجل وامرأة بينهما علاقة خاصة؟

وأمام تلك الشائعات المؤلمة شعر «أحمد زكى» بالذنب وهو راقد فى المستشفى يسب ويلعن.

وفجأة طلب من مدير أعماله «محمد وطنى» أن يأتى بمأذون حالا وشاهدًا آخر ليتزوجها حتى تخرس الألسنة ولكنها رفضت بل غضبت.

والحقيقة أن تركيبتها الشخصية تشبه تركيبته الشخصية يصعب أن يوفقا فى الزواج لكنهما نجحا فى تكوين صداقة متينة بينهما.

وتعهد كل منهما للآخر أن يسانده فى أوقات الشدة فى حالة حب مختلفة عما فى الأفلام.

كان كل منهما يرتاح إلى الآخر.

ولكن باعتراف «رغدة»: «لم نكن نصلح زوجين».

ولا شك أنها كانت تعرف كيف تتعامل مع مرضى السرطان بعد أن أصيبت والدتها به.

وسئلت:

ــ هل تكررين ما فعلت مع أحمد زكى مع غيره من النجوم؟

أجابت:

ــ كنت مستعدة لرعاية «فاروق الفيشاوى» بعد إصابته بالسرطان ولكن كانت هناك أسرته وزوجته السابقة سمية الألفى أما أحمد زكى فكان وحيدا.

وتحتفظ «رغدة» بتذكارات شخصية من «أحمد زكى» منها ساعة يده ونظارته الشمسية ومجموعة من خطابات المعجبين.

وهما فى باريس ركبا سيارة أجرة متجهين إلى مقهى «الفوكيت» فى الشانزليزيه كان «أحمد زكى» يجلس إلى جانب السائق بينما جلس فى المقعد الخلفى «حسن البنا» و«رغدة» وصديقتها «شمس الأتربى» التى لمحت ساعة يد «أحمد زكى» وعلقت قائلة: «إنها لا تليق بمقامك يا أحمد» فخلعها من معصمه وأعطاها إلى «رغدة» وطلب منها أن لا تخلعها.

وفيما بعد فى المستشفى لمح «هيثم» ساعة أبيه حول معصم «رغدة» فخلعتها وقدمتها إليه ولكن ما إن شاهد «أحمد زكى» الساعة فى يد ابنه حتى أعادها إلى «رغدة» التى ظلت تتمسك بها فيما بعد.

أما النظارة الشمسية فكانت فى جيبها يوم وفاته وظلت تحتفظ بها.

وبعد وفاته اتصلت بها إدارة فندق «هيلتون رمسيس» لتطلب منها الحضور إلى جناحه لتجمع خطابات المعجبين التى لم يفتحها وهو ما فعلت.

والحقيقة أنها الوحيدة التى من حقها الاحتفاظ بتذكاراته بعد ما فعلت معه.

لم تترك فرصة لدعمه فى أيامه الحرجة إلا وراهنا معا عليها.

حدث ذات يوم أن جاء إلى زيارة «أحمد زكى» شخص ملامحه صينية ويتحدث العربية باللهجة العامية المصرية هو «هانى يان».

اسمه فى جواز السفر «يان روى شيانج» وهو ينتمى إلى أسرة وجدت فى مقاطعة «شانتونج» وهاجرت إلى القاهرة فى ثلاثينيات القرن العشرين بحثا عن فرصة أفضل فى الحياة وافتتح جده «مطعم بكين» ليكون أول مطعم صينى فى البلاد ولكن لم يستسغ المصريون ما يقدم من طعام لم يتعودوا عليه إلا فيما بعد حتى تحول المطعم الواحد إلى شبكة مطاعم.

وما إن تولى «يان روى» استثمارات العائلة حتى أسس شركة للتبادل التجارى بين مصر والصين كما كون مؤسسة أهلية غير هادفة للربح تساهم فى التعريف بحضارة البلدين ولعبت دورا اجتماعيا فى مصر من خلال محو الأمية ومساندة الطبقات الفقيرة.

لكن رغم ذلك كله لم ينس جنونه بفن السينما حتى أنه ترك دراسة الطب ليلتحق بمعهد السينما ويتصدر أوائل دفعته ثم درس فى المعهد العالى للفنون المسرحية وفى تلك الفترة اختار اسم «هانى يان» لتسهيل النطق وكسر حاجز الدهشة بينه وبين الآخرين.

كان أول أفلامه فيلم «الوعد والمصير» ويروى قصة معاناة امرأة ريفية أجبرت على الهجرة إلى القاهرة وبدت القصة مشابهة لما عانته أسرته يوم جاءت شانتونج إلى القاهرة.

جاء «هانى يان» لزيارة «أحمد زكى» طالبا منه أن ينفذ ما يطلبه منه.

كان «هانى يان» يؤمن بالعلاج الصينى التقليدى البديل الذى عرفه المصريون من خلال أطباء من جنسهم روجوا له وادعوا أنهم حققوا به نتائج لم يحققها الطب الحديث.

قال «هانى يان»:

ــ إننى سآتى إليك بأطباء من «المركز الطبى الصينى» فى شنغهاى الذى نجح فى علاج حالات سرطان بوخز الإبر والحجامة وحمامات البخار وبرامج الوقاية والعافية.

بالقطع لم يمانع «أحمد زكى» الذى كان يتعلق بقشة من الأمل.

لكن كانت هناك مشاكل بيروقراطية ومالية لا بد من حلها حتى يأتى رئيس المركز وثلاثة من مساعديه إلى المستشفى وينفذون علاجهم.

كانت هناك مشكلة التأشيرات وتكفلت باستخراجها وكانت هناك مشكلة موافقة وزارة الصحة على ممارسة أطباء أجانب المهنة فى مصر ووافق وزير الصحة الدكتور «عوض تاج الدين» بمجرد أن طلبت منه ذلك.

ورتبنا الحجز فى فندق قريب.

وسدد «هانى يان» تكاليف الرحلة والإقامة.

وجاء فريق الأطباء الصينيين حسب الموعد وظلوا ست ساعات يعالجون «أحمد زكى» بطريقتهم ولكن لم تكن ردود الفعل التى بدت على وجوههم مريحة.

وطلب «أحمد زكى» منى أن أصوره وهو يتلقى هذا النوع من العلاج والتقطت له نحو خمسين صورة إلا أننى فوجئت باعتراض من «محمود سعد» على نشر الصورة رغم أنها كانت رغبة «أحمد زكى» ورغم أننى لم أصادفه يزوره فى المستشفى مع أنى أعرف مدى علاقته القوية به.

لقد غضبت عائلة «رشدى أباظة» عندما التقطت «آمال العمدة» زوجة «مفيد فوزى» خلسة صورا له وهو فى أيامه الأخيرة راقدا فى المستشفى يعانى من السرطان ولكن الصور التى التقطت لـ «أحمد زكى» لم تكن خلسة وظهرت فى أكثرها «رغدة» وهى تغسل أوانى الطعام وتنظر إلى الكاميرا دون اعتراض.

لم تنجح التجربة الصينية.

وبدأت حالة «أحمد زكى» تتراجع يوما بعد يوم.

وفى لحظات اليأس راح يصرخ طالبا تدخل أطباء الرئاسة.

ولم يخالنا شك أننا أمام النهاية.

 

 

مقالات مشابهة

  • الخارجية المصرية: قتل ناشطة تركية بنابلس جريمة تعد مثالاً جديداً على الانتهاكات الإسرائيلية
  • الخارجية المصرية: ندين قتل القوات الإسرائيلية ناشطة من أصول تركية فى الضفة الغربية
  • ما مستقبل توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية؟.. سمير راغب يوضح
  • «القاهرة الإخبارية»: غارة جوية إسرائيلية تستهدف بلدة عيترون جنوبي لبنان
  • وزير الخارجية المصري يلتقي السفراء العرب في القاهرة وحديث عن فلسطين والأمن القومي
  • الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا تشارك فى اجتماع الدورة ( 114 ) للمجلس الاقتصادى والاجتماعى بالجامعة العربية
  • سلام من القاهرة: لبنان يدعو أشقاءه العرب للاستثمار في بنيته التحتية وإقامة مشاريع منتجة
  • عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي (8)
  • أستاذ علاقات دولية: زيارة السيسي إلى أنقرة صفحة جديدة في العلاقات المصرية التركية
  • «القاهرة الإخبارية»: 33 شهيدا و140 مصابا منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في الضفة