تقدم رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة قصة مقنعة بالنسبة للناظر من الخارج، فهي مسلمة علمانية حاربت "التشدد الإسلامي وانتشلت الملايين من الفقر"، وأبقت الهند والصين إلى جانبها ببراعة، ولكن هذا النجاح الظاهري جاء بتكلفة باهظة. وتسببت، مع مقتل أكثر من 150 شخصا في الاحتجاجات الأخيرة، بأكبر تحد لسلطتها.

بهذه المقدمة افتتحت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا بقلم مجيب مشعل من العاصمة الهندية نيودلهي، أوضح فيه أن الشيخة حسينة خلال حكمها الطويل، عززت سلطتها بعمق وقسمت الأمة التي يبلغ عدد سكانها 170 مليون نسمة، بين مؤيدين كافأتهم بالرعاية والقوة والإفلات من العقاب، مقابل معارضين قابلتهم بحملات القمع والتوريط القانوني الذي لا نهاية له والسجن.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2جيروزاليم بوست: ممثل كوميدي أميركي يكتشف حب الجميع لحماس في رام اللهlist 2 of 2توماس فريدمان: اللحظة تاريخية ونتنياهو يبدو زعيما صغيراend of list

ورأى المراسل في الاحتجاجات المستمرة التي هزت بنغلاديش هذا الشهر رد فعل عنيفا على طريقة حسينة (76 عاما) في الحكم، بعد أن خلقت حملتها القمعية الدموية، التي خلفت ما لا يقل عن 150 قتيلا، أكبر تحد على الإطلاق لهيمنتها، بعد أشهر من بدئها ولاية رابعة كرئيسة للوزراء.

ويقول محللون إن هذه أزمة من صنع رئيسة الوزراء نفسها، لأن الاحتجاجات التي قادها الطلاب بدأت كتعبير سلمي عن معارضة نظام الحصص الذي يخصص الوظائف الحكومية المطلوبة لمجموعات محددة، ليكون الرد العنيف من قبل قوات الأمن إيذانا بإرسال البلاد إلى حافة الفوضى، حيث تم فرض حظر التجول وقطع الإنترنت وقيدت المكالمات الهاتفية.

اشتباكات بين محتجين والشرطة البنغلاديشية بمنطقة رامبورا في العاصمة دكا 18 يوليو/تموز 2024 (رويترز) فظائع غير مسبوقة

ورغم أن بنغلاديش لها تاريخ طويل من العنف السياسي المميت، فقد أدت حملة القمع التي شنتها الشيخة حسينة إلى ما وصفه الدبلوماسيون والمحللون بفظائع غير مسبوقة، واعتبره الكثيرون تجاوزا للخطوط الحمر، خاصة أن الرقم 150 قتيلا مشكوك فيه، إذ يقول قادة الاحتجاج الطلابي إن العدد أعلى بكثير وإن المئات وضعوا في السجون.

وللاحتجاج على الرد الوحشي، التقت مجموعة من السفراء الأجانب بوزير خارجية بنغلاديش، وقال دبلوماسي كبير مطلع على المناقشات إن السفراء أعربوا عن قلقهم من قيام قوات الأمن بنشر مروحيات ومركبات تابعة لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في حملتها على الطلاب المحتجين.

وأشار المراسل إلى أن العاصمة دكا ظلت تعاني يوم الثلاثاء من نقص الإمدادات الحيوية، لأن حظر التجول أعاق نقل البضائع، مما ضاعف أسعار بعض الأساسيات، واضطر الناس إلى الاصطفاف أمام مكاتب الكهرباء والغاز، حيث منعهم انقطاع الإنترنت من إعادة شحن عداداتهم مسبقة الدفع.

ويبدو أن انقطاع الاتصالات الذي تدعي الحكومة أنه يهدف إلى وقف انتشار المعلومات المضللة قد غطى على حجم المذبحة، إذ أظهرت لقطات الهواتف المحمولة ضباط الأمن، وهم يستهدفون المتظاهرين ويطلقون النار عليهم، أو يلقون الجثث على الطريق بلا مبالاة.

تاريخ صادم

والشيخة حسينة هي ابنة الشيخ مجيب الرحمن، الزعيم المؤسس الذي قاد حربا انفصالية ضد باكستان "ردا على اضطهاد العرق البنغالي"، وقد قتل عام 1975 في انقلاب عسكري مع معظم أفراد عائلته، فيما يعتبر افتتاح ثقافة سياسية عنيفة في بنغلاديش اتسمت بالانقلابات والانقلابات المضادة والاغتيالات.

أصبحت الصدمة التي تعرضت لها الشيخة حسينة، بعد أن نجت مع شقيقتها من المذبحة لأنهما كانتا خارج البلاد، هي القوة الدافعة لسياساتها، وحتى اليوم، بعد مرور 4 عقود، ما زالت تصريحاتها العامة مشبعة بإصرارها على الانتقام من الورثة السياسيين لمدبري الانقلاب.

منحت رئيسة الوزراء أتباعها احتكارا لإرث الاستقلال، وبالتالي ثروات البلاد، ولا يزال المنشقون يوصفون بأنهم امتداد لقوى الخيانة والتطرف القديمة، وعندما تُتهم بقمع خصومها السياسيين، ترد بأنهم لجؤوا إلى ما هو أسوأ عندما كانوا في السلطة.

سحق الديمقراطية

ومع أن الأحزاب المعارضة لم تكن هي التي حرضت على الاحتجاجات الأخيرة، فإنها وجدت فيها فرصة للتدخل مما يزيد من الفوضى والعنف، وبالتالي يمكن أن تكون الاضطرابات خطيرة بالنسبة لرئيسة الوزراء -كما يرى المراسل- لأنها ركزت الاهتمام على الضائقة الاقتصادية، مما يعني بداية انهيار قصة النجاح الاقتصادي للشيخة حسينة.

وفي هذه البيئة من القلق الاقتصادي، ظلت الوظائف الحكومية خيارا مرغوبا ومستقرا، ولكن هناك شعورا بين الشباب بأن الطريق إلى تلك الوظائف يشوبها كثير من التزوير، وقد دفعهم إلى النزول إلى الشوارع أساسا أن نصف الوظائف تم تخصيصه على أساس المحسوبية السياسية.

وقد أجبرت الاحتجاجات الشيخة حسينة على إلغاء نظام التخصيص هذا عام 2018 واستبداله بنظام قائم على الجدارة، لكن المحاكم التي يُنظر إليها على أنها موالية لحسينة، أعادت النظام القديم هذا الصيف، ربما لمكافأة قاعدة دعمها، كما يقول المراسل.

وبالفعل تم تفريق المتظاهرين في الوقت الحالي، لكنهم تعهدوا بإعادة التجمع إذا لم تتم تلبية مطالبهم، علما أن بعض الفصائل ترى أن الحراك لم يعد يدور حول الحصص، بل يتعلق بالعدالة للقتلى، وقد وضعت إحدى المجموعات قائمة مطالب مكونة من 9 نقاط، تتضمن اعتذارا من الشيخة حسينة واستقالة بعض مساعديها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات الشیخة حسینة

إقرأ أيضاً:

مَن المسؤول عن تعمين هذه الوظائف ؟

قبل ما يزيد على خمسة وعشرين عاما، رفضت السلطات البريطانية منح تأشيرة دخول لموظف من إحدى دول الخليج العربية ليس لأسباب سياسية وإنما بسبب أن الوظيفة التي أُرسِل إليها الموظف ليكون ضمن طاقم العمل لفرع البنك الخليجي في المملكة المتحدة، بأن المواطن البريطاني له الأفضلية في تلك الوظيفة. مع العلم بأنه في ذلك الوقت لم تكن مسألة الباحثين عن العمل -العاطلين- قضية تشغل الرأي العام في أغلب دول العالم كما هو الحال في وقتنا هذا. ولكن القاعدة السائدة هي أن الوظائف في الأصل أحق بها أهل البلد وتبقى استثناء لغيرهم في حال عدم وجود الكفاءات الوطنية المناسبة.

حاولت تصفح عدد من المواقع الإلكترونية لمؤسسات التعليم العالي الخاصة بتلك المؤسسات التي أغلبها أنشئت في فترات زمنية تتعدى العشرين عاما وبالنظر إلى نسب التعمين في الوظائف الأكاديمية ومنها: أستاذ مساعد، أستاذ مشارك ودرجة أستاذ (Professor) فإن النسب متواضعة جدا مقارنة مع الأعداد الكبيرة للأكاديميين غير العمانيين. على سبيل المثال، في إحدى الجامعات بلغت نسبة التعمين (8%) في الكليات العلمية بينما بلغت نسبة (22%) في الكليات الإنسانية التي تكون بها لغة التدريس هي اللغة العربية. هذه النسب تختلف من جامعة إلى أخرى. مع ذلك فإن هناك بصيصا من الأمل في قيام عدد من الجامعات والكليات الخاصة في تعيين محاضرين في بعض التخصصات الأكاديمية الأمر الذي قد يعطي مؤشرا نحو تأهيلهم لمراحل الدراسات العليا ليكونوا ضمن الهيئة الأكاديمية.

الملاحظ بشكل عام في الوظائف الأكاديمية بالجامعات والكليات الخاصة بأن أغلب جنسيات العاملين بالوظائف الأكاديمية هم من الدول العربية أو قارة آسيا مع غياب التنوع الثقافي حتى أن البعض من تلك الجامعات تجاوز الحد الأعلى المسموح بها للتعيين من جنسية واحدة -حسب القرارات الوزارية- حيث وصلت نسبة الأكاديميين غير العمانيين من تلك الجنسية في كلية واحدة (31%) بالمقارنة مع إجمالي عدد الهيئة الأكاديمية.

مَن المسؤول عن تعمين الوظائف الأكاديمية؟ وأغلب مؤسسات التعليم العالي الخاصة قامت أركانها على الدعم الحكومي المقدم لها عند مراحل الإنشاء وبالتالي، كان حريا على تلك الجامعات أن تبدأ من السنوات الأولى من افتتاحها بوضع خطط تنفيذية لتأهيل الكفاءات العمانية لشغل الوظائف الأكاديمية. هذه الجامعات ليست استثمارًا أجنبيًا بل هي استثمار وطني -يفترض أن يكون غير ربحي- ولكن الأمر أخذ منحى الممارسة التجارية. كما أن تلك المؤسسات التعليمية تحصل على الدعم الحكومي السنوي من برنامج البعثات الداخلية ولكنها اختارت الطريق الأسهل والأرخص تكلفة في التعيين بالوظائف الأكاديمية من غير العمانيين.

من المسؤول عن بطء مسار تعمين الوظائف الأكاديمية بمؤسسات التعليم العالي؟ والسؤال المطروح على مجالس الأمناء أو مجالس الجامعات والكليات الخاصة والذي يتبين بأنها لم تعمل على إيجاد خطط سنوية أو استراتيجية من تاريخ إنشاء تلك الجامعات يكون هدفها تأهيل كفاءات أكاديمية عمانية بالتعاون مع الجهات الحكومية المختصة. ولكن لعل هناك تحديات تحوم حول انخفاض نسبة تعمين الوظائف الأكاديمية، حيث إن تلك المؤسسات ترى أنها غير مسؤولة عن برامج التأهيل والابتعاث لدرجات الماجستير والدكتوراة بحجة أن هذه البرامج تحتاج إلى مخصصات مالية كبيرة وبالتالي، هكذا تأهيل ينبغي أن تهتم به الحكومة. وإن كان الأمر كذلك فيتطلب وضع إطار عمل تقوم به الجهات الحكومية من خلال برنامج الابتعاث الوطني يتم من خلاله تحديد عدد من البعثات السنوية لمراحل الماجستير والدكتوراة ليتم تعيين تلك الأعداد بعد استكمال الدراسة بتلك الجامعات والكليات الخاصة حسب ضوابط وحوكمة يلتزم به المبتعث والجهة الحكومية لحفظ حقوق والتزامات جميع الأطراف ذات المصلحة.

في الجانب الآخر، فإن هناك إقبالًا من الأكاديميين العمانيين في حالات الاستقالة من الجامعات الحكومية والتوجه للعمل بمؤسسات التعليم العالي الخاصة مما أدى إلى ارتفاع نسبة الهيئة الأكاديمية العمانية العاملة بالجامعات والكليات خلال المدة بين (2022 إلى 2023) لتصل إلى (37%). وهذا وإن كان توجه أغلب الأكاديميين العمانيين للعمل بوظائف إشرافية وقيادية بالجامعات والكليات الخاصة فهذا بحد ذاته مؤشر له جوانبه الإيجابية في المساهمة نحو تسريع نسب التعمين. ما يميز الوظيفة الأكاديمية بأنها متجددة معرفيًا فلكما مارسها الفرد -وإن كَبُر سنه- اكتسب خبرات علمية وبحثية متنوعة وذلك لكي يواكب ما هو جديد في البحث والتأليف والنشر العلمي.

عند طرح هكذا موضوع فإنه من الأهمية بمكان أن يكون تعيين العمانيين في الوظائف الأكاديمية يتعدى نطاق إيجاد فرص العمل إلى جوانب أسمى من ذلك. بحكم أن الوظائف الأكاديمية هي القاعدة التي ينطلق منها تكوين كفاءات عمانية من العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي في شتى التخصصات العلمية. وبالتالي، عندما تشاهد جامعة أو كلية خاصة مضى على إنشائها مدة طويلة من الزمن ولا يتوافر في أغلب أقسامها أو برامجها الأكاديمية عضو هيئة التدريس من العمانيين بوظيفة -بروفيسور- فإن الأمر جلل ويحتاج إلى نقاشات موسعة من المسؤول عن هذا الخلل العلمي الجسيم؟

لتعزيز مبادرات تعمين الوظائف الأكاديمية فإن هناك حاجة أيضا إلى بناء شراكات أكثر تفاعلا بين مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة. تتضمن هذه الشراكات بعضها في شكل انتداب وإعارة الكفاءات العمانية الأكاديمية بين الجامعات الحكومية ومثيلاتها الخاصة. مثل هذا التفاعل سوف يفتح المجال للاستفادة من الإمكانات البشرية بين الجامعات ويعمل على تطوير البرامج الأكاديمية ولا يمنع من قيام جامعة السلطان قابوس بوصفها «بيت خبرة» من طرح مبادرات على سبيل المثال، تمكين الأكاديميين العاملين بالجامعات والكليات الخاصة من قضاء إجازات التفرغ العلمي بالجامعة الأمر الذي سوف يفتح مجالات من التبادل الأكاديمي وتطوير مسارات البحث العلمي بشكل أفضل.

مع هذا العدد الكبير من مؤسسات التعليم العالي الخاصة التي تزيد على ثلاثين مؤسسة تعليمية بين جامعات وكليات جامعية إلا أن أغلبها يواجه ضعفًا في نسب التعمين في الوظائف الأكاديمية الأمر الذي ينبغي معه أن تكون تلك المؤسسات بحجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقها في العمل نحو تسريع النمو في الوظائف الأكاديمية بمختلف أنواعها وتخصصاتها. تعمين الوظائف الأكاديمية هو استثمار وطني يجب على الجهات الحكومية المختصة أن تكثف من جهودها نحو رفع نسب التعمين لتعزيز جوانب البحث العلمي ورفد مؤسسات التعليم العالي الخاصة بالكفاءات الأكاديمية العمانية، فعسى أن يكون ذلك قريبا.

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس

مقالات مشابهة

  • مظاهرة حاشدة في بنغلاديش نصرة لقطاع غزة وتنديدا بجرائم الاحتلال
  • لماذا هذه الدعاية لجيش بنغلاديش في وسائل الإعلام الهندية؟
  • عائشة الظنحاني تهنئ الشيخة فاطمة
  • وداعا للبقع العنيدة: 5 حيل ذكية لتنظيف الملابس البيضاء بسهولة
  • احتجاجات غير مسبوقة لمدمني المخدرات في شوارع المغرب
  • النفوس الحاقدة والاقلام المأجورة التي تقود حملة ضد دكتور جبريل لن ينالوا الا الخيبة والحسرة
  • شبكة تهريب دولية في قبضة «دعم الاستقرار».. والمهاجرون من بنغلاديش
  • إيران تعدل قانون الحجاب وتلغي شرطة الأخلاق
  • مَن المسؤول عن تعمين هذه الوظائف ؟
  • نيويورك تايمز: 41 أسيرا إسرائيليا لقوا حتفهم منذ بداية الحرب على غزة