الجيش السوداني يقوم بشيء آخر أكثر فعالية في تركيع المليشيا وإجبارها على الاستسلام
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
الجيش لم يستعيد السيطرة على العاصمة صحيح. ولكنه يقوم بشيء آخر أكثر فعالية في تركيع المليشيا وإجبارها على الاستسلام وهو التدمير المستمر لعتادها وجنودها. محاولة السيطرة على أكبر مساحة ممكنة سيحول المعركة إلى سجال بين الجيش والمليشيا؛ بطبيعة الحال ستكون الخسائر متبادلة وسيحدث كر وفر، وهو وضع مريح للمليشيا؛ فهي تخسر والجيش يخسر والشعب يخسر.
ولكن الجيش اختار العمل باستراتيجية مختلفة، بالتركيز على استهداف قوة المليشيا نفسها وليس مجرد السيطرة على الأرض، وبذلك جعل الخسائر في اتجاه واحد، في المليشيا. عمليات خاصة، قصف طيران وقصف مدفعي وتدمير مستمر للمليشيا مع خسائر أقل في الجيش. هذه معادلة موجعة للمليشيا ويبدو أنها قد أتت ثمارها بالفعل مع الأخبار التي تظهر عن التنالات التي تقدمها المليشيا.
كان يمكن لوم الجيش لو أنه لم يحرر العاصمة ولم يشن في الوقت نفسه اي هجمات على المليشيا؛ حينها سيكون هناك تقاعس منه. ولكن الذي يحدث هو استمرار عمليات ضرب وتدمير المليشيا، ونتائج هذه العمليات لاشك أنها مؤثرة على قيادة المليشيا التي ترى بوضوح قدراتها وقواتها في تناقص كل يوم؛ ففي النهاية إما اختارت الرضوخ وهو المرجح أو استمر التدمير وصولاً إلى نقطة معينة ثم السحق الكامل والنهائي في العاصمة على الأقل.
هذه الحرب ليست سجالاً بين الجيش والمليشيا ولكنها تدمير متواصل للمليشيا بواسطة الطيران والمدفعية والعمل الخاص وبدرجة أقل من خلال الدفاع على مواقع الجيش وأقل منها بالاشتباك المباشر. إذا استطاع الجيش كسب المعركة بأقل الخسائر فما المشكلة في ذلك، خصوصاً إذا كانت الخسائر ستطيل أمد المعركة ولن تقصره. إذا استمرت الحرب سجال فقد تصمد المليشيا فترة أطول لأنها حينئذ ستقارن خسائرها بخسائر الجيش؛ أما الآن فالخسائر اتجاه واحد تقريباً؛ المليشيا تتدمر والجيش يحافظ على قوته ويضرب ويستمر في حشد القوة من خلال التعبئة والاستنفار؛ الأمر الذي يؤدي إلى اليأس المفضي للاستلام لدى المليشيا.
حليم عباس
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
بعد التقدم الميداني… ما خيارات الجيش السوداني؟
أماني الطويل
كاتبة وباحثة مصرية
ملخص
إن الخيارات السياسية للجيش في المرحلة المقبلة هي الأعقد، وربما تكون هذه الخيارات هي المؤشر الحقيقي الذي يمكن أن يبلور اتجاهات المستقبل للسودان من حيث استمرار الاحتقانات السياسية، أو القدرة علي بلورة معادلة استقرار سياسي يسمح بتقدم تنموي
تغيرت الموازين العسكرية الميدانية لمصلحة الجيش السوداني في عمليات متصاعدة بدأت قبل ثلاثة أشهر، وتحققت فعلياً تقديرات قادة الجيش خلال هذا التوقيت في شأن إمكانية تغيير الأوضاع على الأرض لصالحهم على حساب قوات “الدعم السريع”. وأسهم في هذه الحال الجديدة بصورة رئيسة طبيعة الممارسات التي أقدمت عليها قوات “الدعم السريع” على الأرض، إذ اتسع حجم الانتهاكات ضد الأهالي المدنيين، وضُربت البنى التحتية لصيقة الصلة بحياة الناس كالماء والكهرباء حتى ينزحوا من أراضيهم، بما شكله كل ذلك من تهديد لصورة الجيش القومي وتقزيم له.
النتائج المباشرة لهذه الممارسات من جانب قوات “الدعم السريع” والمتضمنة اغتصاب النساء كان التفافاً شعبياً حول الجيش السوداني باعتباره منقذاً، وكذلك قبولاً دولياً وإقليمياً أوسع للجيش وطبيعة أطروحاته، وذلك على رغم العقوبات الأميركية التي أقرت من جانب وزارة الخزانة الأميركية التي حرصت فيها على أن تكون ضد الطرفين المتحاربين بالتوازي حتى وصلت إلى رموز القوتين، الفريق عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو قائد “الدعم السريع”.
لا تفاوضوفي أجواء النصر هذه يحرص قائد الجيش على الإعلان في كل مدينة يدخلها منتصراً أنه “لا تفاوض”، وأن خياراته متبلورة في اتجاه القضاء على قوات “الدعم السريع”. وهذا الإعلان المتكرر دوماً من جانب الفريق عبدالفتاح البرهان يقود إلى طرح بعض التساؤلات في شأن الخيارات القادمة للجيش على المستويين العسكري والسياسي، ومدى القدرة على تحقيق هذه الخيارات في ضوء معطيات معقدة على المستويين الداخلي والخارجي.
وربما تكون أول هذه الأسئلة هي هل يعني الفريق عبدالفتاح البرهان بمقولته الشهيرة بالقضاء على التمرد قدرة عسكرية وسياسية مثلاً على طرد “الدعم السريع” من إقليم دارفور، الذي يسيطر على كل ولاياته عدا عاصمة شمال دافور الفاشر التي تدور حولها معركة مفصلية؟ وإذا كان هذا الخيار ماثلاً في ذهن البرهان فهل يجد سنداً يتيح له ذلك على المستويين العسكري والسياسي؟
وثانياً هل حرص الجيش السوداني على تحرير مناطق وسط السودان والخرطوم مرتبط بصفقات أو ترتيبات سياسية تمهد لانقسام السودان، بمعنى أن تحوز قوات “الدعم السريع” على إقليم دارفور مقابل أن يكون للجيش سيطرة كاملة على شرق ووسط السودان؟ وأخيراً ما صورة الدولة السودانية إذا ما بات نصر الجيش واقعاً معاشاً؟ أي سيطرة عسكرية مطلقة على المناطق التي سبق أن انسحب منها الجيش، خصوصاً في وسط السودان والخرطوم.
وفي ضوء المعطيات العسكرية والسياسية الراهنة، فإنه من الملاحظ أن مخطط الاعتصام بدارفور قد يكون مكوناً في استراتيجيات “الدعم السريع” أكثر منه موجوداً في استراتيجيات الجيش، وذلك طبقاً لمؤشرين، الأول حال الانسحاب أو الفرار التي مارستها قوات “الدعم” أمام قوات الجيش من المناطق الداخلية في المدن، بينما كان الاحتكاك على المحاور الخارجية بين الطرفين، التي جرى فيها اكتشاف القدرات العسكرية المتقدمة للجيش على “الدعم السريع”. من ثم كانت نتائج المعارك محسومة لصالحه، وذلك بعد دعم قدراته من قوات المشاة، فضلاً عن قدراته الجوية الممثلة في سلاح الطيران.
أما على المستوى السياسي فإن للجيش حلفاء من دارفور يقاتلون إلى جانبه، فضلاً عن جيوب محسوبة لصالحه ومعادية لـ”الدعم السريع” مثل الشيخ موسى هلال عم حميدتي ومؤسس الجنجويد الأول، وذلك فضلاً عن عدم قبول متوقع من جانب عبدالواحد نور وقبيلة الفور لسيطرة حميدتي على إقليم دارفور، وهو ما يرشح الإقليم لصراعات مسلحة في المستقبل القريب.
المؤشر الثاني لإصرار الجيش على عدم ترك دارفور في أيدي “الدعم السريع” هو استبساله ومن معه في معارك الفاشر، وكذلك وجود دعم إقليمي ودولي ممثلاً في السعودية ومصر ومجلس الأمن في فك الحصار عن الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
سيناريوهات محتملةوطبقاً للمسارات العسكرية سالفة الذكر فإنه من المستبعد أن يتوقف الجيش السوداني على تخوم دارفور، لكنه في تقديرنا سيسعى إلى استعادة حامياته هناك التي فقدها، وربما يكون حسم الأمر في الفاشر لمصلحة الجيش مقدمة تحتمل سيناريوهين.
السيناريو الأول استمرار الجيش في التقدم مدعوماً بقدراته التي تطورت، وحاضنة شعبية آخذة في الاتساع نظراً إلى بزوغ أمل عودة السودانيين إلى بيوتهم، أما السيناريو الثاني فهو بدء مجهودات دولية وإقليمية لبحث مستقبل السودان، وليس فقط فكرة التفاوض مع “الدعم السريع”.
وفي هذا السياق، تقف العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة بايدن قبل أيام من رحيلها على الفريق البرهان كعقبة كؤود بين الطرفين، وهي العقبة التي قد تدفع الرجل نحو الاتجاه إلى روسيا بخطوات أكثر جدية، ومن هنا قد نتوقع من إدارة ترمب تجميداً لهذه العقوبات ربما بشروط انخراط الجيش وقائده في التفاعل مع المعطيات المطروحة أميركياً في شأن وقف الحرب داخل السودان، وحال مستقبله السياسي وكذلك رغبة واشنطن في عدم إفلات السودان من مظلة النفوذ الأميركي خصوصاً والغربي عموماً، لمصلحة المعسكر الشرقي الممثل في روسيا والصين.
وطبقاً لهذا المشهد، فإن الخيارات السياسية للجيش في المرحلة المقبلة هي الأعقد، وربما تكون هذه الخيارات هي المؤشر الحقيقي الذي يمكن أن يبلور اتجاهات المستقبل للسودان من حيث استمرار الاحتقانات السياسية، أو القدرة علي بلورة معادلة استقرار سياسي يسمح بتقدم تنموي.
وغالب الظن أننا أمام السيناريوهات التالية، الأول الاعتماد على الحاضنة الشعبية الموقتة التي تبلورت للجيش تحت مظلة تزايد المطلب الشعبي في ضمان الأمن الإنساني للسودانيين، وعودة النازحين إلى مواطنهم. وطبقاً لذلك يتم الاستمرار في شيطنة كل القوى السياسية السودانية، والانخراط في مشروع يضمن سيطرة مطلقة على السلطة في السودان، مع الإعلان أنها مرحلة انتقالية، وذلك بالتوازي مع هندسة نوع من الموالاة السياسية للجيش معتمدة على قطاعات منزوعة السياسة.
هذا الخيار طرحه الفريق أول عبدالفتاح البرهان، حين قال إن نائبه ياسر العطا يملك مشروعاً يستبعد القوى السياسية القديمة، ويعتمد على الشباب. وهذا التوجه قد يجد داعمين إقلييمين عطفاً على ما أفرزته الحرب السودانية من انقسامات اجتماعية وقبلية من ناحية. وكذلك وجود حال قبول واسعة لفكرة الحاكم الفرد سواء من الجيش أو غيره، دعمتها إقليمياً حالتا كل من لبنان وسوريا، بعد أن دفع المجتمع الدولي في الحال اللبنانية إلى تولي موقع الرئاسة قائد الجيش. أما في سوريا فجرى قبول ترؤس أحمد الشرع للبلاد دون أية شرعية مؤسسة على حوار أو توافق وطني.
والسيناريو الثاني هو إدراك قادة الجيش أن مشروع تقسيم السودان ماثل وبقوة وتدفع إليه شركات عالمية حالياً، تسعى إلى نهب موارد دارفور خصوصاً الذهب والصمغ الغربي، بما لها من وكلاء محليين يدفعون نحو تكوين حكومة منفى بشعارات سياسية رنانة، فيتكرر بذلك مشهد الكونغو في السودان، التي يُنهب منها معدن الكولتان اللازم لبطاريات أجهزة الاتصال والسيارات، وذلك تحت مظلة صراع مسلح.
هذا الإدراك إذا تحقق في ذهنية قادة الجيش السوداني فربما ينحازون إلى خيارات خلق حال توافق وطني واسع، يضمن الحفاظ على التراب الوطني السوداني ويحقق أمنه القومي بعد أن تهدأ المدافع، مما يتطلب من الجيش في المرحلة المقبلة الوقوف على مسافة واحدة من كل المكونات السياسية السودانية، وعدم إعطاء وزن أعلى لهؤلاء الذين شاركوا في العمليات القتالية طمعاً ربما في إعادة سيطرتهم علي مفاصل الدولة السودانية، وكذلك تحجيم حال الاستقطاب السياسي بين الأطراف السودانية بخطط مدروسة، وأيضاً الدفع نحو حوارات متعددة المستويات في شأن مستقبل السودان.
وعليه، فإن دعم فكرة عقد النسخة الثانية من مؤتمر القوى السياسية السودانية بالقاهرة قد تكون خطوة في هذا الاتجاه، وأحسب أن الحوار حول العلاقات المدنية العسكرية في السودان طبقاً لنتائج هذه الحرب خطوة موازية من حيث الأهمية، التي يمكن أن يكون لها مسار منفصل بين خبراء ومتخصصين مستقلين. وإجمالاً يصنع المنتصرون التاريخ، المهم أن يكون هذا التاريخ صناعة لأمن ممتد واستقرار سياسي وصيانة للدولة من تقسيم يبدو مرئياً.
نقلا عن اندبندنت عربية
الوسومأماني الطويل