الاشمئزاز يعني أنّ الكائنات الحيّة الدقيقة في داخلك لديها حَدس تجاه الأشياء بالخارج

ستيفن بنكر، عالم نفس إدراكي

يعد القرف والاشمئزاز من المشاعر الطبيعية، ولكن لهما قدرة تفسيرية هائلة. تلك القشعريرة التي تداهمنا حين يصف لنا أحدٌ ما تناثر أحشاء رجل تعرّض للدهس، أو ملامحنا التي تتشنّج عندما يقوم شخص يداه متعرّقتان بتناول الطعام من أمامنا دون أن يغسل يديه، بينما من جهة أخرى نُصادف أصدقاء ومعارف من مختلف الفئات الذين لا يَرون أيّ مشكلة عند تناول طعام نعتبره مقزّزا، كل ذلك ليس أمرًا هيّنا أو دون معنى عند خبراء علم النفس.

نتحدث هنا عن سيكولوجيا القرف، وببعض التبسيط، يمكن القول: إن الأشخاص الذين لا يجدون مشكلة في أيّ شيء وقليلي الاشمئزاز هُم غالبًا فوضويون أو على الأقل منفتحون على تجارب عديدة، في الوقت الذي يبدو فيه أنّ ذوي النظام والترتيب المُفرِط غالبًا أشخاص حذرون يختارون كلّ شيء بعناية وحساسية وهم شديدو الاشمئزاز والانزعاج من أمور قد يحسبها البعض عادية. والحقيقة أن الأمر أعمق من هذا التبسيط. فما هو القرف؟

الشعور بالقرف درجات وغالبا لا يأتي وحده حيث تصاحبه مشاعر وعواطف أخرى (بيكسلز) القرف

إنّ الاشمئزاز من الديدان الموجودة على الّلحوم يمنعنا من تناول الطعام الفاسد واستدخال المرض إلى أجسامنا. تمامًا كما أنّ الاشمئزاز من معتقدات الآخرين يحمينا من التهديد الفكري والأخلاقي، فحين نشمئز ننفر ونمنع مرضهم الأخلاقي من تلويثنا روحيًا

– راشيل هيرز، عالمة النفس أميركية (كتاب: هذا مثير للاشمئزاز)

بشكلٍ عامّ، فإنّ الموضوعات التي تُثير القرف تكاد تكون نفسها من ثقافة لأخرى، باستثناءات طفيفة تتعلّق بخصوصية بعض الحضارات والتقاليد. وقد وُجد في دراسة أنّ الشعور بالقرف شعور عالمي، موجود عند كلّ البشر، حتّى أنّ تعابير الوجه التي تظهر على وجه الشخص الذي يشعر بالاشمئزاز تظهر بنفس الطريقة على وجوه العميان والذين وُلدوا وهُم لا يُبصرون. وكذلك، فإنّ أي شخص يُمكنه أن يتعرّف على تعابير الوجه الممثّلة للاشمئزاز وأن يفهمها على هذا الأساس، مهما كانت ثقافته أو نشأته.

لكن الشعور بالقرف درجات، وغالبا لا يأتي وحده، حيث تصاحبه مشاعر وعواطف أخرى، تخلق من تفاعلها مع بعضها بعضا مزيجا من المواقف النفسية، وقد وجد عالم النفس روبرت بلوتشيك أن التداخل بين العواطف المتقاربة ينتج عنه عاطفة أخرى جديدة، مثال: الاشمئزاز مع الحزن يتولّد عنهما الشعور بالندم، والخشية مع القبول يتولّد عنهما الخضوع.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2التنين وإسرائيل.. من أرض الميعاد الصينية إلى زمان طوفان الأقصىlist 2 of 2البحر الأحمر يشتعل.. ما قدرات الحوثيين العسكرية؟ وإلى أي مدى تصل؟end of list

وفي حال تداخل الاشمئزاز مع الغضب يتولّد الشعور بالاحتقار. ومن هنا فإنّ الشعور بالقرف هو الرغبة المُلحّة بالابتعاد عن مُثير مزعج للنفس يدفعها للنفور منه، يرافقه ردّ فعل جسدي بإثارة بالغثيان والإعياء.

(الجزيرة) لماذا نشعر بالاشمئزاز والتقزّز؟

إن شعورنا بالاشمئزاز يؤدّي وظيفة وقائية، فالنفور من القَيء أو البراز أو القمامة أو الجثث المتحلّلة هو ردّ فعل ضروري لإبعادنا عن المواد والأجسام المُلوّثة بالجراثيم والأمراض، وهناك تفسير بحثي راقب ردود الفعل لبعض الأشخاص بعد أن عرضت عليهم صور مقرفة، ووجدوا أنّ حرارة الجسد ترتفع عند شعورهم بالقرف والاشمئزاز، وارتفاع درجة الحرارة تعبير عن تحفز المناعة بطريقة دفاعية تجاه ما يعتقد أنّه مَرَضيّ أو جرثومي.

وهذا من جهةٍ بيولوجية صرفة، لكن ما يحدث معنا ككائنات بشرية اجتماعية هو أنّ الشعور بالتقزّز ينسحب من مجال حمايتنا من الجراثيم الطبيعية، إلى سياق تحصيننا من الجراثيم الاجتماعية، فالتقزّز من سلوكيات الآخرين له تأثير لا تتخيله، ليس على حياتنا الاجتماعية بل وحتّى على آرائنا السياسية كما تُشير الدراسات.

وأحيانا مجرد تفكيرك بأن شخصا ما يثير قرفك سيسكن معك في بيت واحد، أو يعمل معك في نفس الحيّز المكاني، قد يقلب ميزان يومك في اتجاه من الكآبة والقلق، ولك أن تتصور أنه مهما كانت درجة اتفاقك مع ذلك المقرف في الفكر والهوية الاجتماعية، تظل شرنقة القرف مغلقة أمام حواسك وتصدك عن كل هذه المشتركات، ولا يبقى في بؤرة تفكيرك سوى شعور الاشمئزاز الذي يملأ عينيك كلما رأيته.

وقد كشفت بعض الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من حساسية مرتفعة تجاه التقزز قد يكونون أكثر ميلاً للمحافظة الأخلاقية وتجنّب السلوكيات والمواقف التي تعتبر محرّمة أو ممنوعة في تقاليدهم الثقافية.

لكن البحث الذي أجراه الباحثون النفسيون تايبر وزملاؤه عام 2009 يشير إلى أن هناك 3 أنواع رئيسية من الاشمئزاز: الاشمئزاز من المسببات المرضية، الاشمئزاز الجنسي، الاشمئزاز الأخلاقي من السلوكيات السلبية.

وتتنوّع ردود فعلنا بتنوّع الحواس التي تستقبل القرف، فمنها الصوتي عند تناول الطعام بصوت مرتفع، أو الصوري عند مطالعة مشهد مُقرِف مثل التعفّن أو الفطريات أو الأمراض الجلدية أو ما يُذكّر بالقتل والمَوت، وقد تأخذ منحى أخلاقيا، مثل المواقف المنافية أخلاقيًا بالنسبة للشخص، كالجنس المحرّم أو الشذوذ الجنسي والمواقف الاجتماعية المزعجة وقد تشمل حتّى مقاييس التعريض للروائح الكريهة.

لكنّ الدراسات تُشير إلى أنّ شعورنا بالتقزّز والاشمئزاز مسألة شديدة التعقيد، ولا تنتمي إلى عائلة واحدة. كان هذا ما دفع سيغموند فرويد عالم النفس الشهير للتساؤل: لماذا قد يُقدِم زوجان على الاقتراب من بعضهما دون اشمئزاز، بينما يشعران بالتقزّز عند استخدامهما بالخطأ فرشاة الأسنان الخاصّة بالطرف الآخر؟

علاقة التقزّز والشعور بالقرف بالتوجّهات السياسية ذوو الحساسية المرتفعة للاشمئزاز قد يعانون من مشاعر قوية من النفور والانزعاج عند التعرّض لمواقف تتضمن خرقًا للقيم الدينية أو الأخلاقية (شترستوك)

اللافت في شعور القرف أنه كاشف لميولك ومواقفك السياسية، فالأشخاص الذين يسهل إثارة شعورهم بالقرف والتقزّز والاشمئزاز يميلون نحو المواقف المحافظة السياسية، فتجدهم يرفضون الإجهاض والشذوذ الجنسي، في حين تزداد انفتاحية وليبرالية الشخص الأقل تجاه الاشمئزاز ومُثيرات القرف.

وكلّما كان معامل الانفتاحية للشخصية مرتفعا قلّت حساسية الفرد للتقزّز والقرف، وهذا يعني أنّ الذين يُقدمون في نمطهم المعيشي على تجارب عديدة وغريبة وأفكار مختلفة لا يشعرون في الغالب بالتقزّز من الأشياء من حولهم بدرجة كبيرة، مثل أولئك الذين يُسجّلون درجات أقلّ على سمة الانفتاح.

وقد وجدت بعض الدراسات أن المشاركين الذين تعرضوا لرائحة كريهة أو مواقف مثيرة للاشمئزاز كانت ردود فعلهم صارمة تجاه السلوكيات التي تتنافى مع المعايير الأخلاقية، حتى وإن كانت هذه المخالفات لا تتضمن عناصر محسوسة مثيرة للاشمئزاز بشكل مباشر.

ويرى عالم النفس الأميركي بول بلوم أنّ النفور الذي قد يشعر به الأشخاص تجاه بعض الأفعال، مثل الشذوذ الجنسي أو الإجهاض أو وجود المهاجرين، يمكن أن يُفسر في سياق أوسع كجزء من البوصلة الأخلاقية والإرث الأخلاقي المُستدخَل بيولوجيًا على هيئة شعور. وهذه البوصلة تُرشد الأفراد للابتعاد عن ما يُعتبر مخالفًا للطبيعة أو الفطرة الإنسانية.

لكنّ التقزّز لا يقتصر على الاتّجاه السياسي فحسب، وإنّما قد يرفع درجة الحساسية النفسية مثل الشعور بالذنب بعد ارتكاب المعاصي، فالذين يعانون من حساسية عالية للتقزز قد يجدون أنفسهم أكثر ميلاً للتأثر سلبيًا بعد تجارب تنتهك معاييرهم الأخلاقية.

وبهذا المعنى فإن الشعور بالتقزّز له توجهات مفيدة في الضبط الاجتماعي، بل ويساعد في جعل النّاس أكثر اتّساقًا أخلاقيًا ويجنّبهم المواقف والسلوكيات التي ستجعلهم يشعرون عند ارتكابها بالتناقض والازدواجية أو النفاق، بمعنى أنه قد يكون علامة من علامات سلامة الفرد وعمق تكوينه الأخلاقي.

فقد وُجِدَ على سبيل المثال أن الذين يتميزون بحساسية مرتفعة للاشمئزاز قد يعانون من مشاعر قوية من النفور والانزعاج عند التعرّض لمواقف تتضمن خرقًا للقيم الدينية أو الأخلاقية، مثل المشاركة في الكذب أو الغش، وهو نفور حميد نسبيًا يُعزّز من التزام الأفراد بالمعايير الأخلاقية الصارمة التي يؤمنون بها.

وثمّة تطبيقات عدّة لهذه المعلومة، على سبيل المثال، إذا كُنتَ سياسيًا ذا آراء محافظة، فيمكنك استخدام الاشمئزاز للتلاعب بناخبيك. كما فعل رجل الأعمال الأميركي كارل بالادينو حين استغلّ عاطفة الاشمئزاز بشكل فعّال للتأثير على خصومه من المُرشّحين، حين قام بإرسال منشورات الحملة الانتخابية التي تتضمّن خصومه وأضاف رائحة القمامة المتعفّنة على المنشورات، حتّى يتم ربط الصورة رمزيًا بالرائحة الكريهة، الأمر الذي يدفع للتحريض على الاشمئزاز تجاه خصومه وربطهم بالتعفّن والفساد وإيذاء الوطن.

(الجزيرة)

 

الاضطرابات النفسية والشعور بالتقزّز والاشمئزاز

تُشير بحوث أيضًا إلى وجود علاقة قوية بين الحساسية للاشمئزاز وبعض الاضطرابات النفسية، مثل الوسواس القهري المتعلق بالنظافة والخوف من التلوث.

فالذين يشعرون بالاشمئزاز بشكل مفرط قد يتخذون إجراءات مبالغا فيها لتجنب الملوثات، مثل الغسل المستمر لليدين أو تجنب المواقف التي يعتبرونها محفزة للتلوث. وهذا السلوك يمكن أن يؤدي إلى الاضطرابات السلوكية والنفسية، ويعكس الدور المهم للاشمئزاز في تطوير واستمرار هذه الأعراض.

ولا يقتصر انعكاس الاشمئزاز على سلوكيات النظافة والتطهّر والانتقائية فحسب، ولكنّ الاشمئزاز من شأنه أيضًا أن يُؤدّي إلى اضطرابات الأكل. فذوو الحساسية العالية للاشمئزاز قد يتجنبون تناول أنواع معينة من الطعام أو يشعرون بالقلق الشديد عند الأكل في الأماكن العامة ورؤية النّاس من حولهم يأكلون بطريقة معيّنة أو غير لائقة، وقد تنعكس هذه الانطباعات العميقة والتصوّرات المُقزّزة حول النّاس والطعام، وبعض المناظر القبيحة لعملية الأكل، إلى تطوّر اضطرابات الأكل مثل اضطراب الشره العصبي أو اضطراب فقدان الشهية العصبي، وهي من الاضطرابات النفسية الخطيرة من حيث معامل الإخطار واحتمالية موت صاحبها عند تشخيصها بشدّة مرتفعة ولفترة طويلة، وهذا أحد المداخل التفسيرية لتطوير اضطراب فقدان الشهية العصبي حيث يكون الخوف من التلوث هو المحرك الرئيسي لهذه السلوكيات.

أيهما أكثر حساسية للقرف: الإناث أم الذكور؟

تظهر الأبحاث العلمية أنّ الإناث يَملِكنَ حساسية أعلى للشعور بالقرف مقارنةً بالذكور، بفرق واضح إحصائيًا. فهن أكثر حساسية للنفور من التعرّق، والتقاط رائحة الجسد، وأقلّ ممارسة لسلوكيات مثل البُصاق على الأرض ونحوه.

بالإضافة إلى أنّ بعض الدراسات وجدت أن ممتلكات الذكور والشباب غير المتزوّج، وشققهم ومكاتبهم في العمل، بشكلٍ عام تحتوي على بكتيريا بنسبة أكثر من الإناث وممتلكاتهنّ.

ويبدو أن النساء يشعرن بالإعياء والاشمئزاز بشكلٍ أكبر على مستوى النفور من القذارة، ولهذا فإنّهن في الغالب يبتعدن عن المهن المتعلّقة بمجالات الصرف الصحّي ومكافحة الحشرات، وجمع القمامة والمهن التي تستلزم كثيرًا من الاتّساخ والتعرّض المباشر للأوساط والأجسام غير النظيفة.

وهذا ما أثار فضول باحثين كُثر لمحاولة تفسير هذه الفروقات الواضحة بين الجنسين فيما يتعلّق بمسألة الحساسية للقرف، فما النظريات التي وُضعت لتفسير الفرق بين شعور الإناث والذكور بالقرف؟

 

أولًا: التفسير المتعلّق بالأمومة النساء أكثر قدرة على احتمال الأذى والتصرّفات المزعجة للأطفال (شترستوك)

من جهةٍ تاريخية، تبدو الأسباب التي جعلت من النساء أكثر حساسيةً وتقزّزًا مفهومةً بشكلٍ منطقيّ، إذ إنّ الحوامل أكثر عرضة للإصابة بالغثيان، وهي وسيلة بيولوجية لحماية الجنين خلال فترة الحمل من مُسبّبات الأمراض.

فالنساء كُنّ على الدوام الطرف الأكثر عنايةً بالأطفال عن قرب، ولأنّهن ينخرطن بأنشطة متعلّقة بتحضير الطعام وإرضاع الصغار، فإنّ المصلحة البقائية التطوّرية تستلزم حرصا ونظافة أعلى لكي لا تتعرّض النساء للجراثيم والأمراض ومن ثمّ نقلها إلى الأطفال.

وهذا التفسير بالطبع يضع إشكالًا مُهمًّا حول قدرة النساء على تحمّل العديد من الانفعالات والتصرّفات المليئة بالجراثيم التي قد تصدر عن الأطفال، في السنين الأولى، مثل التقيّؤ المتسمرّ، والإخراج أو التبوّل اللاإرادي، وتبديل ملابس الأطفال المُتّسخة. إنّ التفسير للحساسية المرتفعة للإناث تجاه مُسبّبات الأمراض من شأنه أن يتعارض مع حقيقة قدرة الأمّهات والنساء عموما على الاعتناء بالأطفال وما يصدر عنهم من انفعالات سلوكية.

ويستخدم الباحثون حلًّا لهذا التعارض، عبر استحضار خاصّية نفسية أخرى، من حقل علم نفس الشخصية. إذ بحسب دراسات عريضة وواسعة، فإنّ النساء يُسجلن درجات مرتفعة على مقياس سمة التوافقية Agreeableness للشخصية التي تجعلهنّ أكثر قدرة على احتمال الأذى والتصرّفات المزعجة للأطفال، والإلحاح والاعتمادية المُفرطة على مُقدِّمي الرعاية التي يتّسم بها الأطفال في السنوات الأولى، وهي ذات السمة التي تجعلهنّ أكثر رفقًا ولطفًا مع أطفالهنّ. وهكذا يجتمع التفسيران معا، إذ تبتعد النساء قدر الإمكان عن مسبّبات الأمراض بفعل الحساسية للتقزّز، وفي الوقت نفسه يحتملن الملامسة المباشرة لها فيما يتعلّق بأطفالهنّ.

 

ثانيًا: عدم تقزز الرجل من عوامل جاذبيته ممارسات الرجل غير المبالية طريقة لتسويق ذاته للجنس الآخر بوصفه شريكًا شجاعًا قادرًا على منافسة أقرانه (غيتي)

ولعلّك تلاحظ أنّ السلوكيات المُقرفة بشكلٍ عام ترتبط كثيرًا بالتهوّر واللامبالاة. وعلى مستوى الرجال والذكور، فإنّ التصرّفات المتهوّرة والخَطِرة وعدم الاكتراث للتفاصيل المؤذية والمقرفة تُعبّر أكثر عن شجاعة الرجل بالنسبة لأقرانه.

وهذا ما يحجز له مكانة اجتماعية جيدة بين أقرانه، وهي سلوكيات قد تُعدّ ضرورية في بعض المواقف والأماكن، لكيّ يحظى بالاحترام أو يُرسل لأقرانه أنّه قادر على التنافس والمواجهة، وبالتالي يجعلهم أكثر حذرًا وتقديرًا له.

ولذات السبب السابق، تبدو ممارسات الرجل غير المبالية والأقل تقزّزًا طريقة لتسويق ذاته بالنسبة للجنس الآخر، بوصفه شريكًا محتملًا شجاعًا وقادرًا على منافسة أقرانه، وتقديم المساعدة في الأزمات والكوارث وتحقيق ما يعجز الآخرون عن فعله. وهو تعبير عن قدرته على القيام بأفعال استثنائية، مما يجعله أكثر جاذبية لأنّ هذا قد يعبّر عن قدرته على جمع الموارد الغذائية أو إنقاذ عائلته دون الاكتراث لمسبّبات القرف أو الأمراض.

بحثت دراسات عديدة في علم النفس لاختبار هذه الفرضية، عن طريق قياس مستويات التقزّز لدى الأفراد وذلك بحسب نفورهم واشمئزازهم من مُسبّبات الأمراض أو المُمرِضات، وسلوكهم الاجتماعي في حياتهم العملية، وقد وجدت الدراسة أنّ الأشخاص الذين يسجّلون قِيَم مرتفعة من حيث حساسيتهم لممرضات ومُسبّبات الأمراض، أي أنّهم أكثر اشمئزازًا من غيرهم، هؤلاء تحديدًا أقلّ إقدامًا على مساعدة الآخرين وتقديم يد العون لهم عند احتياجهم للمساعدة، خوفًا من العدوى أو التلوّث أو بفعل التحامل العنصريّ المرتبط بالتقزّز والقرف. وهذه النتيجة دليل مباشر على المنعكسات الخفية للتقزّز والتي تجعل الرجل الأقل تقزّزًا أكثر جاذبية، وكأنّ هذا التدنّي في مستويات التقزّز بالنسبة للرجل ما هو إلّا تعبير عن ممكنات تقديمه للمساعدة والعون في المستقبل والمواقف القادمة حين تستلزم الأحداث تدخّل شخص ما لإنقاذ الموقف بالرغم ما فيه من مخاطرة وملوّثات ودماء أو مسبّبات الأمراض ومُثيرات الاشمئزاز.

(الجزيرة)

وهذا المنظور التحليلي يرتبط بدراسات من جانب آخر، وهو الحقل الأنثروبولوجي الذي صيغت فيه نظرية تفسيرية طريفة وماتعة تُدعى "فرضية الوَغد المَجنون" (Crazy Bastard Hypothesis) وهي أنّ النّاس حين يَرون شخصًا يُقدم على سلوكيات خطيرة ومتهوّرة، وأنّه يقوم بأفعال استثنائية لا يقوم بها غيره، فإنّ النّاس تفضّل أن يكون هذا الشخص حليفًا أو صديقًا على أن يكون عدوًا أو مُنافسًا.

ولأنّ سلوكيات التهوّر وعدم الاكتراث قد تكون مُقلقة بالنسبة لنا، وقد تُشعرنا بالتهديد والخطر إن كانت تصدر عن شخصٍ لا نأمنه ولا نثق به ولا يثق بنا. وقديما قالت العرب "خاب قوم لا سفيه لهم".

وأيًّا كان التفسير المحتمل اجتماعيًا وبيولوجيًا وثقافيًا خلف تطوير البشر لمقاييس التقزّز والاشمئزاز وعلاقته بالتدين أو التوجّهات السياسية أو الاضطرابات النفسية والمخاطرة والسلوكيات الاستعراضية، فإنّ فهم التأثير العميق للتقزّز والحساسية للقرف وتكوينه البيولوجيّ العميق يُمكن أن يُساعدنا على فهم العديد من الفروقات الفردية، وعلى النظر إلى الاختلافات السياسية والمواقف الأخلاقية ليست كنقاش عقلاني فحسب، بل اعتبار المكوّن الجسماني العميق المدفوع بالقرف أحيانًا والتقزّز لا يمكن للشخص أن يمنع نفسه من الشعور به عند الحديث بموضوعات مُعيّنة ومناقشتها. كما يُعيننا هذا الفهم على توجيه النقاشات الأخلاقية والاجتماعية المعاصرة بطريقة تُراعي البُعد العاطفي والشعوري للرأي العام، وعدم النظر إلى القناعات الشخصية بوصفها ذات بُنية عقلانية مُجرّدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أبعاد الاضطرابات النفسیة الأشخاص الذین یعانون من الذین ی التی ت من الم

إقرأ أيضاً:

6 خطوات| مفيدة شيحة تقدم نصائح ذهبية لحياة زوجية سعيدة

خصصت الإعلامية مفيدة شحة، مقدمة برنامج الستات، المذاع عبر قناة النهار وان، مساء اليوم الأحد، عن العلاقات الزوجية، حملت عنوان "سفر الزوج والدفئ الزوجي".

حصاد 2024.. تشريعات شغلت الرأي العام تنتظر "تأشيرة" البرلمانأحسن من هالاند .. ناقد رياضي يتغنى بوسام أبو علي

وقالت مفيدة شيحة، إن تتجلى السعادة الزوجية في مجموعة من السلوكيات والعلامات التي تؤكد على قوة العلاقة بين الزوجين، ومن أبرزها المودة العفوية التي تظهر من خلال معانقة الشريك، المشي يدًا بيد، والهدايا البسيطة التي تعزز من شعور الطرفين بأنهما مرغوبان ومحبوبان.
وأضافت مفيدة شيحة، أن إضافة إلى ذلك، يُعد الضحك والمرح بين الزوجين عاملًا رئيسيًا للحفاظ على علاقة ممتعة، إذ يتشاركان النكات واللعب مثل الأطفال، أما العطف، فهو ركيزة أساسية للسعادة الزوجية، حيث يستمر الطرفان في إظهار الحنان والدعم في الأوقات العادية وأوقات الأزمات، مما يُعزز من دفء العلاقة.
وتابعت مفيدة شيحة، أن الاستمتاع بالوقت معًا يُظهر مدى قوة العلاقة، إذ يُفضل الأزواج قضاء أوقاتهم في ممارسة أنشطة مشتركة والشعور بالسعادة عند التواجد معًا، مع احترام حاجة كل طرف للهدوء والاستقلالية عند الضرورة.

وأكملت على الرغم من أن النزاعات والمشاجرات تُعد جزءًا طبيعيًا من أي علاقة، فإن الأزواج السعداء يضعون حدودًا واضحة أثناء النقاش، بحيث يُركزان على حل المسألة دون التشعب إلى موضوعات أخرى.
وفي السياق نفسه أشارت إلى ان دراسة سويسرية حديثة، تبيّن أن التلامس الجسدي مثل العناق ومسك الأيدي لا يُعزز فقط دفء العلاقة الزوجية، بل يقلل التوتر العصبي، يُخفض ضغط الدم، ويمنح الزوجين إحساسًا بالهدوء، مما يُحسن من صحتهما العامة ويُعزز استقرارهما العاطفي.
 


 

مقالات مشابهة

  • مختص: فارق العمر بين الزوجين له دور مؤثر في العلاقة الزوجية.. والمعدل الطبيعي من 3 إلى 5 سنوات
  • هل من مصلحة تونس تخريب العلاقة بينها وبين سوريا؟
  • ورشة عمل لتسريع إستراتيجية القطاع التعاوني
  • 6 خطوات| مفيدة شيحة تقدم نصائح ذهبية لحياة زوجية سعيدة
  • علامات رئيسية تكشف الكذب في ثوان
  • رانيا يوسف: التفاصيل الصغيرة تكشف الكثير في بداية العلاقة
  • بحث عن شيء غير موجود
  • من منا لا يكذب؟ علامات قد تفضحنا بثوانٍ!
  • إيران وحـماس: من مرج الزهور إلى طوفان الأقصى.. فَـخْـرُ مسار.. كتاب جديد
  • ما العلاقة بين الإمساك وأمراض القلب؟