إلى شرطة عمان السلطانية.. مع التحية
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
تتفاوت فرص العمل والإنجاز بين دولة وأخرى؛ وذلك حسب الاهتمام والمتابعة والرقابة والقيادات والعقلية، وحجم الدعم المتوفر لها، وسبل وطريقة الفكر والثقافة والإبداع والعمل لدى ذاك المسؤول وفي تلك المؤسسة، فليس كل قائد ومسؤول ناجحا وذكيا إلى حد تملكه لسرعة البديهة والنباهة والفطنة والنبوغ والتميز، والنزول إلى أرض الميدان.
فالكثير من هذه القيادات يتوافر لديهم المال والوقت لتقديم أفضل ما يُمكن تقديمه خدمة للصالح العام، لكنه يرى أنَّ بقاءه في نفس المكان وبتلك الإمكانيات والحدود والصلاحيات، وعلى نفس الوتيرة، كافٍ وليس هنالك داع للتطوير والتحديث، والإتيان بالجديد.
لدينا في عُمان ازدهرت البلد خلال خمسة عقود بفكر رجل واحد، فأصبحت بلادنا دولة عصرية بكل المقاييس، مكتملة الأركان ومستندة إلى ركائز ودعائم شهد لها العالم أجمع بالقدرة والقوة والكفاءة والإبداع في العمل. فمضت سباقة إلى الخير مقدامة، وما كان منها إلا أن تقدم على الأرض نموذجا يُحتذى في النجاح وصدق العمل والإخلاص والجد والمُثابرة وجمال وروعة الإنجاز.
وقد قدمت شرطة عُمان السلطانية في السنوات الأخيرة من مسيرة النهضة المباركة، أعمالا جليلة مميزة ومقدرة، تمثلت في منظومة التحديث والتطوير التي شملت منشآت ومراكز وخدمات إلكترونية متنوعة ومرافق شرطية وأمنية مختلفة، خدمة للمجتمع ولحفظ الأمن الداخلي والنظام العام، فهم حماة الحق وحراس المبادئ.
وقد تميَّز هذا الجهاز الفتي بما قدمه طوال السنوات الماضية ولا زال يُقدمه من تطور وتأهيل في وحداته وتشكيلاته والعنصر البشري العامل به، فنجد اليوم أن ثقافة رجل الشرطة وكافة منتسبي الجهاز، تغيرت بفضل ما وجدوه من اهتمام ورعاية وتوجيهات ومتابعة وحرص شديد، من لدن قيادته، بأن يكون منتسبَ جهاز الشرطة متحليًا بالوعي والأخلاق الحميدة العالية، وبالفهم في نطاق مسؤولياته، وتعدَّى الأمر إلى أكثر وأبعد من ذلك.
إلى أن أصبح الوعي والحس الأمني والمعاملات والتقدير والاحترام للناس الذي يجب أن يتمتع به الشرطي والشرطية، لا يخرج عن نطاق أنهم جزء من المجتمع وُجِدُوا لخدمته، وأنهم منه وإليه، وأنهم ليسوا سيوفا مسلطة على رقاب العباد، بقدر ما هم موظفون عاملون، أقسموا اليمين ليكونوا في خدمة المجتمع وأهله، وعينا يقظة فيه وحارسًا أمينًا له، وأنَّ الوظيفة تكليف ومسؤولية قبل أن تكون نفوذا أو سلطة.
وفي هذا الإطار، فإن شرطة عمان السلطانية انتهجت قبل حلول جائحة "كورنا" نهجا حميدا وهو أن يستمر عمل المراكز الخدمية كالمرور والأحوال المدنية وبعض الأقسام إلى الفترة المسائية، وذلك حتى الخامسة مساءً بدءًا من الاحد وحتى الخميس، وجاءت هذه الخطوة لمراعاة ظروف الناس ولتقليل الازدحام والتيسير والتسهيل على أفراد المجتمع والمقيمين.
إلا أن هذه الخطوة بحلول كورونا انتهت وتوقفت في ظل تزايد أشغال الناس وارتباطاتهم والتزاماتهم التي لم يعد الوقت الحالي من بدء الدوام الرسمي وحتى الساعة الواحدة والنصف ظهرا بكافٍ أبدا، فتعطلت وتأجلت وتأخر إنهاء وإنجاز الكثير من أعمال والتزامات الناس وحاجاتهم.
وعليه؛ وفي ظل تزايد الارتباطات الاجتماعية والإنسانية لدى الكثيرين، فإنه نرى والله وحده أعلم بأنه آن الأوان لعودة تمديد ساعات العمل في مراكز الخدمة التي تقدم ذكرها، إلى الساعة الخامسة أو السادسة مساء، بحسب تغير الوقت في فصلي الصيف والشتاء.
فمثلًا في فصل الشتاء يتقدَّم أذان المغرب إلى الخامسة وشيء من الدقائق، وفي الصيف إلى السابعة مساء وهكذا، كذلك الحال نرى أن يستمر العمل في تلك المراكز أيام الجمعة والسبت والعطلات الرسمية مثلا، إلى الساعة الحادية عشرة صباحا، ويكُون هنالك تبادل للأفراد العاملين في هذه القطاعات والمراكز.
إنَّ هذا النهج في حال تفعيله سيختصرعلى الناس الجهد والوقت والمال، وسيوفر تحسنًا في أمور الناس ومعيشتهم ومعاملاتهم وذهابهم ومجيئهم، فمثلا الذي لم يستطع أن ينهي عمله من المواطنين والمقيمين في تلك المراكز، فإنه سيتمكن من إنهائه بعد انتهاء دوامه، فسيكون لدى ذلك المراجع الوقت الكافي واللازم لتجديد سيارته مثلا، أو بطاقته أو جواره أو استخراج بطاقه لعامله او عاملته.
كذلك ستختفي ظاهرة وجود سيارات كثيرة منتهية لم يقم أصحابها بسرعة تجديدها؛ فمثلا إذا كان سين من الناس لديه مبلغ خصَّصه لتجديد سيارته، فبإمكانه أن يسارع بالذهاب إلى تجديد سيارته في الفترة المسائية.
وإذا تأخر يوما أو يومين أو أكثر، ربما ذلك المبلغ سيذهب في جوانب ومصاريف أخرى، صحيح أن الشرطة انتهجت طريقة التجديد عن طريق الإنترنت، ومن ثم استلام ملكيات السيارات من خلال الأجهزة الألكترونية التي وضعت في المراكز التجارية، لكن هذه الخدمة لا تخدم من لديه أكثر من سيارة منتهية، وليس بالإمكان تجديدها كلها في وقت واحد، وليس بالإمكان مخاطبة هذه الأجهزة لحل المشكلة، وشرح الظروف لها، بمثل ما يجب أن يكون الأمر حله مع الضابط المسؤول الذي أعطي صلاحيات تقديم حلول ومراعاة ظروف وأحوال الناس.
والتساهل في بعض الأمور، سواء في إعطاء فرص بتجديد مركبة أو مركبتين في ذلك الوقت، والأخريات تجديدهن بعد مدة بسيطة، وهكذا من مثل هذه الأمور والمستجدات وغيرها.
حقيقة ما نأمله أن يتم مراجعة الكثير من القوانين والأنظمة والعودة لتفعيل الدوام في الفترة المسائية، إلى أن يتم إيجاد حلول أخرى بمثل ما يحدث الآن بوجود التجديد أو التنازل بدون الذهاب إلى مراكز الشرطة، أو الاستعانة بمراكز سند، على أن تغطي هذه المكاتب أو الأجهزة حلًّا لبعض الإشكاليات والحالات فورا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الثقة النيابية تحصيل حاصل...فهل تستعيد الحكومة ثقة الناس؟
قد تكون الثقة التي نالتها حكومة "الإصلاح والإنقاذ"، وهي نسبيًا ثقة "حرزانة"، مقدمة لا بدّ منها للانطلاقة الحكومية في عملها الشاق، خصوصًا أن ما ينتظرها من صعوبات وعراقيل يتطلب إزالتها أكثر من ثقة 95 نائبًا، وأكثر من النوايا الحسنة، وأكثر من الوعود والالتزامات، وأكثر من الامنيات. وهذا لا يعني التشكيك بنوايا رئيس الحكومة نواف سلام أو التقليل من أهمية حماسة الوزراء الناجحين في مضامير حياتهم المهنية والأكاديمية، ولمعظمهم سجلات نجاح حافلة. ولكن النجاح في ميدان العمل الخاص لا يعني بالضرورة أن ينسحب على نوعية ما يمكن أن يعكسه هذا النجاح في ميدان العمل العام. فالأمر مختلف كثيرًا. ومن لم تكن له تجارب في العمل الإداري المتعلق بالشأن العام، وما فيه من بيروقراطية قاتلة للأحلام والطموحات لا يمكنه أن يراهن على نسب نجاح كبيرة. فالتوقعات شيء والوقائع شيء آخر. والفرق بينهما كبير جدًّا. فجميع الوزراء أو الذين تولوا مسؤولية عامة في الإدارات الحكومية بدأوا بتطلعات كبيرة وانتهوا بنتائج متواضعة.
الثقة التي نالتها حكومة "الإصلاح والإنقاذ" ضرورية كإطار عام لمسار طويل لن تكتمل حلقاته قبل استعادة هذه الحكومة أو أي حكومة أخرى ثقة الناس. وثقة الناس تختلف في مضامينها ومفهومها عن ثقة النواب المفترض بهم أن يمثّلوا هؤلاء الناس تمثيلًا صحيحًا، وليس تمثيلًا صوريًا. على هؤلاء النواب أن يكونوا صوت ناسهم في البرلمان، من خلال ما يصدر عنهم من تشريعات تصب فقط في مصلحة المواطن، ومن خلال المراقبة الفعلية، ومن خلال مساءلة السلطة التنفيذية في حال قصّرت بالقيام بواجباتها حيال مواطنيها، ومن خلال المحاسبة الجدّية وسحب الثقة عن الحكومة مجتمعة أو عن أي وزير تثبت الوقائع الدامغة بأنه لم يلتزم بما تعهدّت به حكومته في بيانها الوزاري وفي ما يتعلق بالشق الخاص بوزارته، انطلاقًا من مبدأ أن كل وزير إذا "نظّف" وزارته مما علق بها من ترسبات الماضي ومن كل أسباب الفساد، التي أصبحت في مرحلة من المراحل سمة "الشاطر يللي بيشيلها من تمّ السبع"، وذهب الموظف "الصالح بضهر الطالح".
يكون الإصلاح عن طريق مكافحة الفساد بدءًا بالرؤوس الكبيرة، التي تدير كل عمليات الغش والسمسرة والبرطيل والرشوة. ومتى تمّ تنظيف الدرج الإداري بدءًا من أعلاه يصبح تنظيف الأسفل أسهل من سريان المياه في المنحدرات.
فإذا لم تتصرّف الحكومة في ممارساتها اليومية وكيفية تعاطيها مع الشأن العام بما ينسجم مع ما ورد في خطاب القسم الرئاسي وفي البيان الوزاري بنسبة 10 في المئة في هذه الاربعمئة يومًا فإن الثقة الممنوحة لها نيابيًا ولأسباب كثيرة لم تعد خافية على اللبنانيين، الذين باتوا لكثرة تجاربهم السابقة يعرفون "البير وغطاه"، ربما أكثر من بعض النواب، الذين تلعثموا وهم يلفظون كلمة "سِقة"، وتفركشوا بـ خيال الميكروفون"، لن تحقق المعجزات، خصوصًا إذا ما انتزعت ثقة الشعب منها إن لم تتطابق ممارساتها في السلطة مع ما سبق أن أعلنته والتزمت به. وهذا الشعب الذي اعتاد على كل أنواع التجارب المخيبة للآمال غير متطلب، لكن جلّ ما يطالب به هو قليل من كثير. وهذا القليل لا يحتاج إلى معجزات لكي يتحقّق، وبالتالي فهو في الوقت الحاضر لا يأمل في أن تُعاد إليه أمواله بكبسة زر كما اختفت. هو يعرف أن هذه المسألة أكبر من قدرات حكومة عمرها قصير نسبيًا. لكن جلّ ما يطالبه به، وهذا من حقّه الطبيعي، بأن يضمن بأن ودائعه لن تُشطب في عملية حسابية سريعة، وألا تكون كلمة "عدم شطب الودائع يجب أن تُشطب من القاموس اللبناني" مجرد كلام سبق أن سمعه من رأى جنى عمره يتبخّر كالسراب أكثر من مرّة.
وما يطالب به هذا الشعب المسكين يجب أن يوضع على أجندة أولويات العمل الحكومي، التي اتخذت لنفسها شعار "الإصلاح والإنقاذ". فمن أين ستبدأ لكي تستعيد ثقة الناس بدولتهم؟ المصدر: خاص "لبنان 24"