ثقافة الإنصاف.. أين نحن؟ (1-2)
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
محمد بن حمود الصواعي
قد يعتقد البعض أنَّ النظرة الوسطية للحياة في جميع المجالات تعكس شخصية مثالية خالية من العيوب والشوائب، كما أنه إنسان منفتح ذو عقلية ناضجة تحترم الجميع حينها تكتشف ذات الشخص موغل في أمور مفصلية تصل إلى تجاوز الخطوط الحمراء فتراه مثلاً يدعو لأمر محمود في المساواة بين الرجل والمرأة، ظاهره محمود وحثَّ عليه الإسلام كلٌّ محفوظة حقوقه وواجباته، أما باطنه فتراه مثلاً يبيح عمل الرجل والمرأة في مكتب واحد مع إبراز المرأة لمحاسنها.
فتقول: "يا فلان، ما هذا الذي نراه؟"، فيقول: "المساواة بين الرجل والمرأة في ميادين الحياة"، فتقول له: "يا رجل، الإسلام كرم المرأة كما كرم الرجل. نعم مع المساواة، ولكن ليس تعدي الخطوط الحمراء"، فيقول لك: "وما هي الخطوط الحمراء يا شيخ، أو يا صاحب الفضيلة؟".
فتقول دعنا نتأمل ونتدبر قوله تعالى: "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" سورة النور(31)
ودعنا نمر بين أطياف كتاب الله الحكيم ونتأمل قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا" سورة الأحزاب (59)
هنا.. يتزمَّت الشخص برأيه ويغتر بمعرفته ويتعصب لثقافته، فيقول: تلك حالات خاصة واستثنائية، وأخذ يتمتم بكلمات ملغومة هذا تشدد وضد حرية المرأة وفهمكم للإسلام سطحي وتفسرون القرآن وفق ما يتوافق مع كهنتكم أي يقصد (مشايخ العلم).
ثم تقول لهذا الشخص: هدئ من روعك.. دعنا نتحاور ونتناقش بهدوء وأدب، أين الخصوصية في الآية الأولى عندما تذكر لفظة المؤمنات فهي تعميم لجميع المؤمنات في العالم بالأوامر الآتية:
- غض الصر، صون العرض، عدم إظهار المرأة زينتها أمام الناس ماعدا وجهها وكفيها وتغطية بعض الأماكن كالعنق والصدر عبر الحجاب واللباس الساتر
- هل هذا التوجيه الرباني خاص بنساء دون نساء؟
- هل هذا التوجيه الرباني قيد في زمن معين وعصر محدد حتى يصنفه البعض أنه تخلف للمرأة وخارج عن نطاق الذوق والشهوة والموضة؟
- هل هذا التوجيه الرباني قيد بمكان معين في المكتب مثلا أم في التسوق ومكان العمل فقط أم جعل إطلاقا بمجرد ان تخرج المرأة من منزلها؟
ومن ثم، عندما ننتقل إلى الآية الثانية من سورة الأحزاب فهي نزلت على سيدنا محمد يأمر زوجاته أن يلبسن الجلباب أي العباءة الساترة عند الخروج، خوفا من أن يلحقهم الأذى من ضعاف النفوس، وهنا إن نزلت على سيدنا محمد في تنبيه زوجاته فهي نصيحة عامة لكل فتاة تخرج من منزلها الالتزام بلبس الجلباب الساتر، ل اسيما أنها تعمل في بيئة محاطة بالشباب خوفا عليها من الفتنة.
الإنصاف هو المرادف الفعلي للعدل؛ حيث إنك تمنح حقوق الآخرين كما تحب أن يمنح الآخرين حقك وهي تشتمل على الصفات والخصال الحميدة كالصدق والأمانة والوفاء والاعتراف بالحقيقة والتواضع معها وتجنب الجدال على الباطل وتقبل النصيحة والابتعاد عن الفجور في الخصومة وغيرها.
أبدى القرآن الكريم للعدل والمساواة أهمية بالغة؛ حيث شرعها الله عزوجل على جميع الأمم السابقة بما فيه الإسلام وعليه فقد كان حازما في تحقيق العدالة الإنسانية دون تمييز بين المسلمين سواء من جهة عرقية أو قبلية أو قومية فقد جعلهم سواسية وأن أكرمهم عند الله أتقاهم ليس من كان عربيا أو قرشيا أو سلطانا أو عالما بل المقياس الحقيقي هو التقوى وهذا ما نص عليه الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: "لا فَضلَ لعَرَبيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقْوى، الناسُ من آدَمَ، وآدَمُ من تُرابٍ".
ومن هنا، ورد ذكر العدل ومشتقاتها في القرآن الكريم 28 مرة في حين ورد ذكر لفظة المقسطين ومشتقاتها وهو معنى من معاني العدل في القرآن الكريم 15 مرة من جهة أخرى ذكر الظلم نقيض العدل 289 مرة تأكيدا على الوعيد والعقاب الذي يناله الظالم، في حين ذكر البغي عشر مرات والجور مرة واحدة فقط.
ثقافة الإنصاف تُولد المحبة والإلفة والاحترام بين الأفراد والمجتمعات والأسر، فحينما الفرد يعترف بتقصيره في مساعدة والده مثلا هنا يتفهم الأب خطأ ابنه وأنه لن يعيد تكراره مرة أخرى، أو أنه إذا الموظف قصر في خدمة فرد من أفراد الوطن هنا يدرك المسؤول صراحة الموظف فيعدل في الحكم بين نصح وإرشاد بأسلوب مهذب وبين محاولة تنبيه الموظف عدم تكرار هذا التقصير في حق الوطن والمواطن.
ومن ذلك، ما ورد عن أروع قصص العدل بين الحاكم ورعيته قصة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي -رحمه الله- فقد كان يملك ناقة فعرضها للبيع فأراد أحد أفراد البادية أن يشتريها منه فطلب البدوي من الإمام الخليلي أن يحجزها له؛ حيث إنه سيغادر الدار وسيرجع بعد فترة، فنسي الإمام الخليلي بسبب أشغال الدولة ومطالب الرعية، فقد باع الإبل لشخص أرادها، فجاء البدوي بعد فترة من الزمن أمام مجلس الإمام الخليلي يطلب ناقته، وسط حضور القضاة والعلماء وجمع غفير من النَّاس، فعندما علم أن الإمام الخليلي قد باع ناقته، قال: إني أشتكي منك إليك، فقال له الإمام يحق لك ذلك ولكن أعرض شكواك على القاضي لأنَّ الشكوى ضدي فلا يحق أن أحكم على نفسي، فهنالك قاضٍ، ثم طلب الإمام من القاضي أن يحكم بينه وبين البدوي في منظر يُظهر جلال التواضع وعظمة الإنصاف ورونق العدل بين الحاكم والمواطن، جلس الإمام الخليلي بجوار خصمه منتظرا صدور حكم القاضي في مشهد يكشِف لنا جمال الحضارة الإسلامية ورقيها في تحقيق أعلى منارات المساواة، كاشفاً مدى تطبيق مقاصد العدل الذي يدعو إليها الإسلام؛ حيث جعلوا سلطة القضاء لها الحق المطلق في إصدار الأحكام، ولو كانت ضد الإمام دون تدخل السلطة التنفيذية. هنا أصيب البدوي بعلامات الدهشة والانبهار عندما رأى موقف الإمام وهو يجلس بجواره منتظرا إصدار الحكم فسر سرورا شديدا عندما رأى عدل الإمام في تطبيق الأحكام، وأنه لا حجاب بين الإمام وعامة الشعب، فشعر بالحياء وتنازل عن حقه وسامح الإمام الخليلي.
ثقافة الإنصاف أن يلتزم المسلم بروح العاقل المتأدب الباحث عن الحقيقة أن يتحرى الصدق والنزاهة من الأخبار والأحداث المختلفة وأن يقول الحق وأن يكتب ويُعبر بروح الحقيقة المتجردة من داء التعصب المقيت ومرض التزمت وفيروس الإجحاف تجاه الآخرين وعضال نكران المعرفة وازدراء الحقائق فجورا وبغضا وطغيانا وكل ذلك يكون بالحجج الساطعة والأدلة القاطعة والبراهين الفاضحة.
أين نحن من قول الله عزوجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (سورة المائدة: 8).. الآية القرأنية صريحة بأن العدل مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية وهو منهج رباني حيث أمر الله المسلمين أن يكون العدل ميزان بين الحق والباطل كما نهى عن ظلم صاحب الحق وأن كان أشد الأعداء بل الإسلام رعى حرمات الديانات الأخرى التي تعيش تحت حكم المسلمين وقد عبر عن ذلك بصورة واضحة الفقيه ابن تيمية: "إن الله يبقى الأمم العادلة حتى لو كانت مشركة، ويفنى الأمم الظالمة حتى لو كانت مسلمة"
ولنا في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قدوة حينما عاش تحت كنف الدولة الإسلامية يهود بني فريضة وبني قينقاع وبني النظير؛ حيث منحت لهم الحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم الدينية ولم تهدم كنائسهم فنالوا رغد العيش من أمن وسلام واستقرار حيث حرم الله عزوجل الظلم على نفسه.
ولا ننسى الملحمة التاريخية للعهدة العمرية، حينما فتح بيت المقدس من أيدي النصارى كيف عاملهم واحترم كنائسهم ولم يهدمها، بل استثنى الرهبان وكبار السن والأطفال من دفع الجزية، بل وسن قانونا بمنح مبلغ ما بين 20 إلى 50 درهما لكل طفل حديث الولادة، فشمل القانون المسلمين والنصارى على حد سواء؛ فما أجمل الإنصاف، وما أروع العدالة وهي تتجلى في أسمى رونق وأبهى حلة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تعرف على.. أبرز الإسهامات والجولات الخارجية لشيخ الأزهر لـ عام 2024
شهد عام 2024 سلسلة من الزيارات الخارجية لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والتي أسهمت في تعزيز مكانة الأزهر كإحدى أبرز المؤسسات الدينية والفكرية على المستويين العربي والعالمي. جاءت هذه الزيارات في إطار تعزيز الحوار بين الثقافات وترسيخ قيم التسامح والسلام، إضافة إلى تسليط الضوء على التحديات الإنسانية المشتركة، مثل أزمة التغير المناخي. كما أبرزت التزام الأزهر الشريف بدعم القضايا العربية العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وذلك في ظل تصاعد الجرائم الوحشية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، واستمرار الانتهاكات المتزايدة بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني.
شملت زيارات الإمام الأكبر دولًا عدة، منها: ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند والإمارات وأذربيجان، حيث التقى ملوكًا ورؤساء وقادة سياسيين ودينيين، وناقش قضايا إسلامية ودولية ركزت على دور الأزهر في نشر الفكر الوسطي ومكافحة التطرف، إلى جانب الدعوة لتبني نهج التعاون المشترك لمعالجة القضايا البيئية والإنسانية.
زيارات حافلة بالرسائل الحضارية
ماليزيا (1-4 يوليو 2024):
استهل الإمام الأكبر، أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر جولاته الخارجية بزيارة إلى ماليزيا وذلك استجابة لدعوة رسمية من رئيس الوزراء أنور إبراهيم، حيث استقبله الملك، إبراهيم بن السلطان إسكندر استقبالًا حافلًا، وذلك بعدما أوقف زيارته المقررة إلى ولاية جوهور خصيصًا للقاء شيخ الأزهر. وخلال اللقاء، عبّر ملك ماليزيا عن تقديره الكبير لدور الأزهر الشريف في مكافحة التطرف ونشر قيم الوسطية، مؤكدًا تطلعه الدائم لتعزيز التعاون مع هذه المؤسسة العريقة.
في إطار الزيارة، ألقى الإمام الأكبر محاضرة مميزة في الجامعة الإسلامية العالمية، تناول فيها سبل مواجهة التحديات المعاصرة التي تعصف بالعالم الإسلامي، مشددًا على أهمية التعليم الديني المعتدل كركيزة أساسية لبناء مجتمعات مستقرة وآمنة.
كما شهدت الزيارة حدثًا بارزًا، حيث افتتح الإمام الأكبر برفقة رئيس الوزراء الماليزي مجلسًا مخصصًا لعلماء وشباب الباحثين في ماليزيا، كان هذا المجلس منصة مثالية للتباحث حول وسطية الإسلام، وسماحته، ودوره في تعزيز الأخوة والوئام داخل المجتمعات.
تايلاند (5-8 يوليو 2024):
حظيت زيارة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إلى مملكة تايلاند بترحيب رسمي وشعبي مميز يعكس مكانته كرمز عالمي للإسلام. في بداية زيارته، التقى الملك ماها فاجيرا لونجكورن والسيدة قرينته، حيث دار بينهما حديث عميق حول أهمية تعزيز قيم التسامح الديني والتعايش السلمي في المجتمعات التي تتميز بتعدد الثقافات. عبّر الملك عن تقديره الكبير لدور الأزهر الشريف في نشر الاعتدال وترسيخ القيم الإنسانية، مؤكدًا على أهمية التعاون لتعزيز هذه الرسالة العالمية.
وفي لقاء آخر، اجتمع شيخ الأزهر برئيس الوزراء التايلاندي، سريتا تافيسين، لبحث سبل توثيق التعاون بين الأزهر وتايلاند، خصوصًا في مجالات التعليم والتدريب الديني. تضمن النقاش مقترحات لتوسيع المنح الدراسية المقدمة للطلاب التايلانديين للدراسة في الأزهر الشريف، بالإضافة إلى تقديم برامج تدريبية للأئمة والدعاة في تايلاند، بهدف ترسيخ الخطاب الوسطي ومواجهة الأفكار المتطرفة، وخلال الزيارة، سلط فضيلته الضوء أيضًا على القضية الفلسطينية، مستنكرًا العدوان الإسرائيلي على غزة والممارسات الإجرامية التي تسببت في استشهاد آلاف المدنيين، ومؤكدًا على ضرورة تكاتف الدول الإسلامية لدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.
كما قام الإمام الأكبر، أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر بزيارة تاريخية للبرلمان التايلاندي حيث رحب السيد وان محمد نور ماثا، رئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس النواب بمملكة تايلاند، مؤكدًا أن زيارة فضيلة الإمام الأكبر للبرلمان التايلاندي هي صفحة تاريخيّة مضيئة في سجلات البرلمان التايلاندي، وأنَّه يشعر بالفخر والامتنان لكون هذه الزيارة هي أول زيارة لشيخ من شيوخ الأزهر للبرلمان التايلاندي، وهو أمر سيتذكره التايلانديون، وسيظل محفورًا في ذاكرة البرلمان التايلاندي.
وأعرب رئيس البرلمان التايلاندي عن تقديره لفضيلة الإمام الأكبر وللأزهر الشريف على حسن استضافة طلاب تايلاند الدارسين في مختلف الكلية والمعاهد الأزهرية، والذين يزيد عددهم على ٣٠٠٠ طالبٍ وطالبة، وتقديم ١٦٠ منحة دراسية سنوية لمسلمي تايلاند، واستضافة وفود أئمَّة تايلاند للتدريب في أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ، مشيرًا إلى أن معظم -إن لم يكن كل- خريجي الأزهر في تايلاند يتواجدون في مناصب مرموقة في مختلف الوزارات والهيئات، فهم الآن كبار علماء تايلاند وأئمتها، ومنهم القضاة والمعلمون والأطباء.
وخلال اللقاء، قرَّر شيخ الأزهر زيادة أعداد المبعوثين الأزهريين إلى تايلاند؛ استجابةً لطلب رئيس البرلمان التايلاندي، ليصبح العدد ٢١ مبعوثًا بدلًا من ١٥، وتكثيف الدورات التدريبية لأئمة تايلاند في أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمَّة والوعاظ، وتصميم برنامج خاص يقوم على إعداده كبار علماء الأزهر وأساتذته بما يناسب طبيعة المجتمع التايلاندي.
إندونيسيا (8-11 يوليو 2024):
زار الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إندونيسيا خلال الفترة من 8 إلى 11 يوليو 2024، وذلك في إطار جولته حيث شهدت الزيارة جدولًا حافلًا بالفعاليات واللقاءات التي أكدت على الدور المحوري للأزهر الشريف في تعزيز الوسطية والتعاون الإسلامي.
بدأت الزيارة باستقبال رسمي مهيب في مطار سوكارنو هاتا بالعاصمة جاكرتا، حيث كان في استقبال شيخ الأزهر عدد من المسؤولين الحكوميين والدينيين البارزين. كما استُقبل بحفاوة شعبية عارمة، حيث احتشد الآلاف من أعضاء الجمعيات الإسلامية الكبرى مثل جمعية نهضة العلماء والجمعية المحمدية. في لفتة رمزية مليئة بالتقدير، في تقليد يعكس التواضع والاحترام العميق لشخصية فضيلته.
وخلال الزيارة، التقى شيخ الأزهر بالرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في القصر الرئاسي، حيث ناقشا سبل تعزيز التعاون بين الأزهر وإندونيسيا في مجال التعليم، وتوسيع برامج المنح الدراسية للطلاب الإندونيسيين بالأزهر. إضافة إلى توقيع بروتوكولات تعاون أكاديمية مع جامعة الأزهر. كما ألقى فضيلته محاضرات تناولت دور التعليم في نشر الوسطية ومواجهة الأفكار المتطرفة، مشيدًا بجهود المؤسسات الدينية الإندونيسية في ترسيخ الهوية الإسلامية المعتدلة.
وفي لقاء آخر، اجتمع مع وزير الدفاع والرئيس المنتخب برابوو سوبيانتو. تناول اللقاء القضايا المشتركة، بما في ذلك التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، مثل الإسلاموفوبيا، وضرورة التعاون لمواجهة التطرف، مع التأكيد على الدور الريادي للأزهر في نشر الوسطية، كما أكد فضيلته خلال الزيارة على دعمه الثابت للقضية الفلسطينية، مشددًا على رفض الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في غزة، وداعيًا المجتمع الدولي إلى وقف العدوان ومساندة الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع.
الإمارات (15-17 سبتمبر 2024):
زار شيخ الأزهر دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث التقى صاحب السمو، الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة، وناقش سبل تعزيز التعاون في نشر قيم التسامح وتأصيل ثقافة التَّعايش والحوار الحضاري والسِّلم بين مختلف الثقافات والشعوب في العالم، إلى جانب التَّصدي لخطاب الكراهية والتطرف، والعمل على تفعيل دور علماء الأديان وحكمائها في مواجهة التَّحديات الإنسانية المعاصرة.
وأشاد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال اللقاء بالجهود المقدرة التي يبذلها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في نشر رسالة التَّسامح والتَّعايش الإنساني وتعزيز ثقافة احترام الآخر، إضافة إلى دور الأزهر المحوري في التعريف بالصورة الحقيقيَّة للإسلام والحفاظ على رسالته السمحة الداعية إلى الخير والسلم والتآلف.
أذربيجان (11 نوفمبر 2024):
وفى نوفمبر من عام 2024 لبى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، دعوة رسمية من الرئيس إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان، للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP29). حملت الزيارة رسالة واضحة تؤكد التزام الأزهر الشريف بالقضايا البيئية والإنسانية التي تمثل تحديات مشتركة للعالم أجمع. حيث دعا فضيلته إلى تعزيز الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي، وشدد على أهمية دور القادة الدينيين في رفع الوعي البيئي. كما ناقش مع الرئيس الأذربيجاني تعزيز التعاون الثنائي ودعم القضايا الإنسانية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والعدوان التي يشكنه الكيان الصهيوني على المدنيين في غزة ولبنان.
كما التقي على هامش الزيارة، السيد الرئيس قاسم جومارت توقاييف، رئيس جمهورية كازاخستان، وذلك خلال مشاركته في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ COP29 حيث أعرب الرئيس الكازاخستاني خلال اللقاء عن تقديره للدعم الذي يقدمه شيخ الأزهر لمؤتمر قمة قادة الأديان الذي يعقد في كازاخستان بشكل سنوي، مؤكدًا أن دعم الأزهر لهذا المؤتمر أسهم في نجاحه وتحقيقه للهدف المنشود منه.
كما التقى بالسيد شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، في مقر إقامة فضيلته بالعاصمة الأذربيجانية باكو، وذلك على هامش مشاركته في مؤتمر الأطراف، حيث جرى خلال اللقاء مناقشة الأوضاع الإنسانية المعاصرة، لا سيما العدوان الذي يشنه الكيان الصهيوني المحتل على قطاع غزة. وأكد فضيلته أن:" هذا اللقاء يشكل فرصة للاستماع إلى الهموم المتبادلة والآلام والمآسي الإنسانية التي تجاوزت كل حدود العقل والمنطق، مشيرًا إلى أن العديد من المسؤولين الغربيين لا يستطيعون تصور حقيقة ما يحدث في غزة، ويطلقون نداءات يغلب عليها طابع الموازنة غير المقبولة بالنسبة لنا".