انتهاكات الدعم السريع في السودان هل هي ثقافة قتالية؟
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
الخرطوم- اتسع نطاق الانتهاكات وجرائم القتل والنهب والتدمير التي تُتهم قوات الدعم السريع بارتكابها، ونزوح المواطنين من المناطق التي تسيطر عليها، وتباين تفسير خبراء للظاهرة وعَدّوها جزءا من ثقافة "الغنائم" لدى القوات واستعانتها بمرتزقة أجانب وقطاع طرق دافعهم للقتال هو الحصول على الأموال والذهب والسيارات.
وبدأت الانتهاكات في ولاية الخرطوم بنهب أكثر من 60 ألف سيارة وفق البلاغات الإلكترونية للشرطة، وذهَبٍ من المنازل والمصارف وأموال، وطرد المواطنين من منازلهم وإقامة عناصر الدعم السريع فيها.
كما وقعت أحداث مماثلة في مدن نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، وزالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، والجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وامتدت إلى ولايتي الجزيرة ثم سنار في يونيو/حزيران الماضي ولا تزال، إلى جانب الجزء الشمالي من مناطق ولاية النيل الأبيض، وولايتي شمال كردفان وغربها وجنوبها.
جرائم حربواتهم مراقبون مستقلون تابعون للأمم المتحدة -في تقرير لمجلس الأمن– الدعم السريع و"المليشيات العربية المتحالفة معها" بتنفيذ أعمال عنف عرقية مروعة في الجنينة أودت بحياة نحو 15 ألف شخص، قد ترقى إلى "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
ويروي محمد جار النبي، الذي نزح إلى الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان من بابنوسة بولاية غرب كردفان -التي لا زال الجيش يسيطر عليها-، أن قوات الدعم السريع قصفت المدينة وحاصرتها حتى فر منها أكثر من 90% من سكانها، ونهبت ممتلكات ومنازل المواطنين ولم تترك حتى سقوف المنازل وشبابيكها وأبوابها.
ويقول للجزيرة نت إن عناصر يرتدون زي القوات نكلوا بهم لدى فرارهم، وضربوا كبار السن بالسياط والعصي، وأطلقوا الرصاص على شباب فقُتل عدد منهم، ولم تترك لهم أي أموال أو هواتف محمولة، وجردت النساء من الحلي والذهب، وتم حجر أطفال ولم يفرج عنهم إلا بعد دفع فدية مالية.
وفي سنار كشف المرصد السناري لحقوق الإنسان، الأسبوع الماضي، عن سقوط عشرات القتلى والجرحى المدنيين برصاص الدعم السريع وآلاف المفقودين بمدينة سنجة عاصمة الولاية، وقال إن المدنيين فيها يواجهون "جرائم حرب مكتملة الأركان" بواسطة هذه القوات التي استولت عليها نهاية الشهر الماضي.
ويشرح الأستاذ الجامعي "م.ح" الذي نزح من مدينة الدندر في سنار إلى كسلا في شرق البلاد، أن ما عاشه في رحلة الفرار كان مؤلما وقاسيا، حيث تعرض الشيوخ والنساء والأطفال إلى الضرب والإهانة من عناصر يرتدون زي الدعم السريع، ونهب ممتلكاتهم وأموالهم.
ويضيف للجزيرة نت أن هذه القوات أطلقت الرصاص بشكل عشوائي لدى اقتحامها الدندر لنشر الخوف والذعر، ولم تترك للمواطنين مجالا للتفكير وإنما التدافع للهرب بأرجلهم لعدم توفر سيارات إلا لعدد محدود، وانتشر المسلحون في الأحياء وكانوا يركزون على الذهب والأموال والسيارات، وفي حال عدم الاستجابة يتم إطلاق الرصاص على الأرجل والضرب بالعصي والهراوات.
من جانبه، يقول المستشار الإعلامي السابق لقائد الدعم السريع يعقوب الدموكي -للجزيرة نت- إن من نهب ودمر في بداية الحرب بالخرطوم "ليست القوات لأنها كانت وقتها مشغولة بالعمليات الحربية"، لكن نائب قائد القوات عبد الرحيم دقلو دعا المواطنين إلى نهب مؤسسات ومنازل، واستجاب لهذه الدعوة سكان الأحياء الفقيرة في أطراف ولاية الخرطوم.
ويكشف الدموكي أن المرحلة الثانية من الحرب شهدت استخدام الدعم السريع المستنفرين من إقليمي دارفور وكردفان والمرتزقة الأجانب الذين أتوا بهم من دول الجوار، فكان هدفهم المال لذا كانوا ينهبون ويقتلون كل من يعترضهم، كما أنهم نهبوا المؤسسات الحكومية والمستشفيات والسيارات وغادروا بها إلى بلادهم.
أما المرحلة الثالثة، فإن المقاتلين نهبوا الأموال والسيارات وأجهزة كهربائية وهربوا من ميادين القتال بـ"الغنائم" إلى الولايات الغربية في دارفور وكردفان حسب ثقافتهم القتالية، وفق الدموكي.
شحنٌ للقتالوفي حديث للجزيرة نت، يلاحظ اختصاصي علم النفس سامي عبد الفتاح أن قطاعا مقدرا من عناصر الدعم السريع هم من صغار السن ولم ينالوا حظا من التعليم، وتعرضوا إلى شحن قبل دفعهم للقتال تحت مزاعم أنهم يقاتلون من أجل المهمشين والمظلومين، لذلك دمروا مؤسسات ومرافق خدمية مثل الكهرباء ومحطات المياه والمستشفيات باعتبار أن أهلهم محرومون منها.
وحسب عبد الفتاح، فإن الشحن الزائد والحماس لدى مقاتلي الدعم السريع، يدفعهم للإفراط في استخدام العنف ويعتبرون التخريب والتدمير نوعا من الردع والنصر يحقق لهم ارتياحا نفسيا وشعورا بالنشوة والفرح، كما أنهم يفتقدون قيمة الحياة المدنية والحضرية نسبة لنشأتهم في بيئة ريفية بدوية.
وفي ولاية الجزيرة، اتهمت لجان المقاومة بالولاية قوات الدعم السريع بارتكاب مجازر وانتهاكات في عدة مناطق وعشرات القرى، ونهب ممتلكات المواطنين والمعدات الزراعية وحتى التقاوي والسلع والمحاصيل.
ويكشف عضو لجان المقاومة " خ.ع" -للجزيرة نت- أن القرى التي اقتحمتها القوات لا يوجد بها جيش ولا شرطة، وكان المسلحون ينكلون بالمواطنين ويهينونهم وينهبون أموالهم وسياراتهم، وتجاوز عدد القتلى 400 شخص منذ سيطرة القوات على ود مدني عاصمة الولاية في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ووفقا له، طال النهب أيضا المستشفيات والمراكز الصحية والمرافق الحكومية و"طلمبات" (مضخات) المياه وخلايا الطاقة الشمسية التي تُستخدم في توليد الطاقة لتشغيل آبار مياه الشرب وإنارة المستشفيات، وكذلك "طواحين" الغلال ومعدات الزراعة حيث يتم ترحيلها نحو غرب السودان.
وفي تقرير حديث نُشر الاثنين الماضي، كشفت المبادرة الإستراتيجية لنساء القرن الأفريقي "صيحة"، عن 14 حالة حمل غير مرغوب فيه ضمن 75 حالة اغتصاب وعنف جنسي ارتُكبت ضد النساء بواسطة قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة. ووثقت 250 حالة عنف جنسي في جميع أنحاء البلاد منذ اندلاع الحرب، بينها 75 حالة في الجزيرة وقعت بين ديسمبر/كانون الأول وأبريل/نيسان الماضيين.
وتحدث التقرير -الذي اطلعت عليه الجزيرة نت- عن أنه عادة ما يطلق مقاتلو الدعم السريع الأعيرة النارية في الهواء وينطلقون في عملية النهب، بدءا من الأسواق، والمتاجر، والمجمعات التجارية، والمخازن والمرافق الحيوية مثل البنوك إذا وُجدت.
كما أشار إلى أنهم يدخلون المنازل عنوة لتفتيشها بحثا عن جنود القوات النظامية أو غيرهم من المقاتلين كما يزعمون، "وإمعانا في الترويع يستخدمون العنف الجنسي على النساء والفتيات داخل البيوت ويصاحب ذلك قتل أفراد الأسر من الرجال والشباب -وأحيانا الصبية- حال تدخلهم لمقاومة هذه الاعتداءات".
النشأةوفي بيان لها أمس الثلاثاء، اتهمت شبكة أطباء السودان "كيان تطوعي" الدعم السريع في ولاية الجزيرة بنهب الأجهزة والمعدات الطبية وتخريب ما تبقى في كليتي الطب والمختبرات بجامعة الولاية. وقالت إن ذلك يأتي في إطار الأعمال والاعتداءات الممنهجة المتكررة التي تستهدف الجامعات والمراكز البحثية.
وفي حديث سابق للجزيرة نت اتهم والي ولاية الخرطوم أحمد عثمان حمزة الدعم السريع بتدمير البنية التحتية بطريقة ممنهجة، وطمس ملامح العاصمة التاريخية من المتاحف والآثار ودار الوثائق القومية، وحرق سجلات الأراضي حتى يفقد المواطنون حقوقهم وإثبات ملكيتهم لمنازلهم.
من جانبه، يقول الباحث في شؤون دارفور علي منصور حسب الله إن الدعم السريع -عند نشأتها- استوعبت في صفوفها مجرمين ولصوصا كانوا بالسجون وبعضهم محكومون بالإعدام، وقطاع طرق معروفين كانوا ينشطون في النهب المسلح وأقلعوا عن نشاطهم الإجرامي وعُرفوا بـ"التائبين"، في إقليم دارفور.
وحسب حديث الباحث للجزيرة نت، فإن قيادة هذه القوات استجلبت مقاتلين مرتزقة من النيجر وتشاد ومالي وغيرها وبعضهم، كان هدفهم السلب والنهب والعودة بما يحصلون عليه إلى بلدانهم، كما أن عملية الاستنفار للقتال من أبناء إقليمي دارفور وكردفان تقوم على الإغراء بالغنائم والمنهوبات لا الأجور والمرتبات.
كما أن غياب قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" وضعف قدرات نائبه وأخيه عبد الرحيم دقلو وخلافاته مع قيادات ميدانية ومقتل قيادات مؤثرة في المعارك، أضعف سيطرته على قواته، إلى جانب ثقافة القوات القائمة على خوض الحروب من أجل المغانم، وفقا للباحث.
غير أن الغالي شقيفات رئيس التحرير الأسبق لصحيفة "الصيحة" المقربة من الدعم السريع يقول -للجزيرة نت- إن كل حرب لديها آثار سالبة على المدنيين والبنية التحتية، وإن حرب السودان رافقتها الدعاية والأخبار المضللة والشائعات والعمل الاستخباري لتجريم الآخر.
ويضيف أن قوات الدعم السريع ضبطت مجموعات وعصابات إجرام تروع المواطنين وتنهب ممتلكاتهم، وبعد التحري معهم يتضح أنهم "جزء من عمل استخباري للجيش لتشويه صورة القوات" وصناعة صورة ذهنية مرتبطة بالعنف والنهب والتدمير.
ويوجد متفلتون، لكن الدعم السريع شكلت لجنة لمحاربة الظواهر السالبة ومحاكم ميدانية أصدرت أحكاما بحقهم، كما يوجد طرف ثالث من أنصار النظام السابق تحاول أجهزتهم نسب أي انتهاكات للقوات، حسب شقيفات.
وبرأيه، فإن ظاهرة "الغنائم" باتت وسط قطاع من المجتمع السوداني بصورة مزعجة، واستغل بعضهم ظروف الحرب للنهب والاستيلاء على أموال ممتلكات الآخرين، وكان ذلك واضحا في بعض مناطق ولاية الخرطوم بشكل لافت.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الدعم السریع الدعم السریع فی ولایة الخرطوم عاصمة ولایة فی ولایة کما أن
إقرأ أيضاً:
الجيش يهاجم الدعم السريع بعدة جبهات ويسعى للسيطرة على مركز الخرطوم
يواصل الجيش السوداني معاركه مع قوات الدعم السريع في عدة جبهات متفرقة حيث يسعى للسيطرة على مركز العاصمة الخرطوم، كما كثف هجماته الجوية على معاقل الدعم في الفاشر ويسعى للسيطرة على طرق رئيسية بولاية شمال كردفان، بعد أن حقق تقدما بولاية النيل الأبيض حيث توفي 100 شخص هناك بسبب وباء الكوليرا.
وتستمر المعارك بوتيرة متصاعدة بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ يسعى الجيش عبر محور وسط الخرطوم إلى السيطرة على مركز العاصمة، بما في ذلك القصر الرئاسي، ومرافق حكومية سيادية.
وفي ولاية شمال كردفان تدور مواجهات بين الجانبين ويسعى الجيش من خلالها للسيطرة على طرق رئيسية.
وجنوبا، تتواصل المعارك أيضا بولايتي النيل الأبيض والنيل الأزرق حيث أعلن الجيش سيطرته على مدن وبلدات تقع على الشريط الحدودي بين السودان وجنوب السودان.
وفي ولاية شمال دارفور، استهدفت قوات الدعم السريع بالمسيّرات مواقع بمدينة المالحة شمالي الولاية اليوم الأحد.
وفيما يتعلق بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، قال الإعلام العسكري في بيان له "إن الطيران الحربي للجيش السوداني نفذ غارات جوية دقيقة، مستهدفا تجمعات العدو ـفي إشارة لقوات الدعم السريعـ بالمحور الشمالي الغربي مساء أمس مما كبّدهم خسائر كبيرة في العتاد والأرواح".
إعلانوأضاف البيان أن مدينة الفاشر تشهد حالة من الاستقرار الأمني وأن القوات المسلحة تواصل تقدمها بثبات في جميع المحاور، وسط انهيار واضح في صفوف العدو وأن المعركة مستمرة حتى تحقيق النصر الكامل واستعادة أمن واستقرار البلاد وفقا للبيان".
وفي وقت سابق، قالت وكالة الأنباء السودانية "سونا" إن مدرعات الفرقة السادسة مشاة بالفاشر "نفذت عملية عسكرية محكمة في المحور الشمالي الشرقي للمدينة، أسفرت عن تدمير عربة جرار محملة بالأسلحة والذخائر تابعة لمليشيا آل دقلو المتمردة، إضافة إلى تدمير 3 عربات لاندكروزر كانت تتولى حراستها، دون نجاة أي من العناصر التي كانت على متنها".
كما نقلت عن الفرقة السادسة مشاة قولها إن "الضربات المدفعية الثقيلة مستمرة بمعدل 4 حصص يوميا، بالتزامن مع حملات التمشيط والرمايات الدقيقة، مما أجبر عناصر المليشيا على الانسحاب الواسع من المدينة، بينما فر بعضهم سيرا على الأقدام نحو المناطق النائية".
وخلال هجمات قوات الدعم السريع في الولاية في 16 فبراير/شباط الماضي، أصابت قوات الدعم السريع محطة توليد الطاقة في ربك، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع وتعطيل محطات المياه.
وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود وفاة نحو من 100 شخص بسبب وباء الكوليرا في غضون أسبوعين منذ بدء تفشي الوباء المنقول بالمياه في ولاية النيل الأبيض.
وقالت المنظمة، الخميس الماضي، إن 2700 شخص أصيبوا بالمرض منذ 20 فبراير/شباط، كما لقي 92 آخرون حتفهم.
وقالت المنظمة إن أهالي المنطقة اضطروا إلى الاعتماد بشكل أساسي على المياه التي يتم الحصول عليها من عربات تجرها الحمير، لأن مضخات المياه لم تعد تعمل.
وقالت مارتا كازورلا، منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في السودان "إن الهجمات على البنية التحتية الحيوية لها آثار ضارة طويلة الأمد على صحة المجتمعات الضعيفة".
إعلانوبلغ تفشي الكوليرا في الولاية ذروته بين 20 و24 فبراير/شباط الماضي، عندما هرع المرضى وأسرهم إلى مستشفى كوستي التعليمي، مما أدى إلى إرهاق المنشأة بما يتجاوز قدرتها.
ووفقا لمنظمة أطباء بلا حدود، كان معظم المرضى يعانون من الجفاف الشديد، وقدمت المنظمة 25 طنا من المواد اللوجستية مثل الأَسِرة والخيام إلى كوستي للمساعدة في استيعاب المزيد من مرضى الكوليرا.
كما استجابت وزارة الصحة بولاية النيل الأبيض لتفشي المرض من خلال توفير إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة للمجتمع وحظر استخدام عربات الحمير لنقل المياه. كما أدار مسؤولو الصحة حملة تطعيم عندما بدأ تفشي المرض.
وقالت وزارة الصحة السودانية يوم الثلاثاء الماضي إن هناك 57 ألفا و135 حالة إصابة بالكوليرا، بما في ذلك 1506 حالات وفاة، في 12 ولاية من أصل 18 ولاية في السودان.
وأعلنت وزارة الصحة رسميا تفشي الكوليرا في 12 أغسطس/آب من العام الماضي بعد الإبلاغ عن موجة جديدة من الحالات بدءًا من 22 يوليو/تموز من العام نفسه.
وانزلق السودان إلى الحرب منذ ما يقرب من عامين عندما تصاعدت التوترات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وقتلت الحرب في السودان ما لا يقل عن 20 ألف شخص، كما دفعت الحرب أكثر من 14 مليون شخص إلى النزوح من منازلهم، ودفعت أجزاء من البلاد إلى المجاعة، وتسببت في تفشي الأمراض.