#سواليف

قال الكاتب البريطاني، ورئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي”، #ديفيد_هيرست، إن #دولة_الاحتلال الإسرائيلي قد دخلت حقبة جديدة حيث لم تعد المجموعات المقاومة في المنطقة ترفع الراية البيضاء، بل ترد الصّاع صاعين.

وأوضح هيرست، في مقال له، نشر على موقع “ميدل إيست آي”، أن الإسرائيليين بات ينبغي عليهم التخلّي عن #سفينة #نتنياهو التي تغرق.

وفي ما يأتي النص الكامل للمقال:
هل تذكرون كيف بدأت أطول حرب في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي؟ لقد اندلعت بعد أن تفاخر جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة، قائلاً: “إن منطقة الشرق الأوسط أهدأ اليوم من أي وقت مضى خلال العقدين المنصرمين”.

مقالات ذات صلة قبيل خطاب نتنياهو.. اعتقالات لنشطاء داخل الكونغرس احتجوا على الحرب الإسرائيلية على غزة / فيديو 2024/07/24

في شخصي جو بايدن ودونالد ترامب، حصلت إسرائيل على اثنين من أكثر رؤساء الولايات المتحدة تساهلاً في العلاقة بين الدولتين. لقد كان الرئيسان الراحلان رونالد ريغان وجورج إتش دبليو بوش أشد بأساً بالمقارنة معهما.

في زمن السلم، سمح ترامب لإسرائيل بضم مرتفعات الجولان المحتلة، ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، وأطلق اتفاقيات أبراهام، في مسعى لحمل الدول العربية الثرية على الاعتراف بإسرائيل وتجاوز الفلسطينيين.

وفي #زمن_الحرب، أغرق بايدن إسرائيل بالأسلحة، واستخدم حق النقض (الفيتو) مراراً وتكراراً ضد وقف مباشر لإطلاق النار، وحينما حاول وقف الهجوم على رفح، تجاهله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

أخفقت تارة أخرى استراتيجية “عناق الدب”
من الممكن رؤية إخفاق كل رئاسة أمريكية يتجلّى في سلوك رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، الذي مازال العقبة الرئيسية في المفاوضات حول إطلاق سراح الأسرى وإنهاء الحرب المستمرة منذ تسعة شهور، بل هو عقبة أكبر بكثير من حماس ومن الوسطاء أو حتى من المفاوضين الإسرائيليين أنفسهم.

من أجل تكريس فكرة أن إسرائيل لن تسحب قواتها من حدود رفح أو من ممر فيلادلفيا، وهو الأمر الذي لابد من تنفيذه بموجب المرحلة الأولى من الاتفاق الذي لم يلبث وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، يقول عنه إنه كان أمراً مقضياً، زار نتنياهو رفح ليعلن من هناك، مرة أخرى، إن النصر بات وشيكاً.

ثم قصف رصيف نفط كبير في ميناء الحديدة اليمني خلال نهاية الأسبوع رداً علي هجوم شنه الحوثيون يوم الجمعة على تل أبيب.

تهديد الاستقرار
سارع المعلّقون الإسرائيليون إلى الحديث عن المغزى الاستراتيجي للهجوم الإسرائيلي. كان ذلك أكثر من مجرد ضربة تكتيكية ضد الحوثيين، الذين يعرفون باسم أنصار الله، رداً على هجومهم بطائرة مسيرة على تل أبيب، والذي نجم عنه مقتل إسرائيلي وجرح عدد آخر، كما كتبوا.

كانت الضربة علي الميناء النفطي بمثابة رسالة إلى إيران، مفادها أن جزيرة خرق، ميناء تصدير النفط الرئيسي لديها، يمكن أن تكون هدف الضربة الانتقامية التالية التي تنفذها الطائرات الحربية الإسرائيلية.
إلا أن الضربة الإسرائيلية كانت رسالة موجهة أيضاً إلى المجتمع الدولي الذي تزعم أنها جزء منه، ومفادها أن إسرائيل بإمكانها تعطيل خط الطاقة الحيوي في الشرق الأوسط.
كتبت المعلقة مورييل آي لوتان تقول: “كما تذكر هذه الخطوة المجتمع الدولي بالتداعيات الأوسع لانعدام الاستقرار في الإقليم، وذلك أن الاقتصاد العالمي مرتبط بشكل وثيق بالتدفق المستمر للنفط من الشرق الأوسط. إن أي انقطاعات كبيرة، وخاصة من موانئ تصدير رئيسية مثل جزيرة خرق، ستكون لها تبعات اقتصادية عميقة على العالم أجمع. من خلال إثبات إمكانية حدوث مثل هذه الانقطاعات، فإن إسرائيل تقوم ضمنياً بحث القوى العالمية على أخذ التهديد الإيراني على محمل الجد، ودعم الجهود التي تبذل من أجل تقويض النشاطات الإيرانية التي تهدد الاستقرار”.

بمعنى آخر، لقد هدّدت إسرائيل صراحة استقرار تجارة النفط العالمية من خلال هجومها على ميناء الحديدة.

يعتبر ذلك إجراءً خطيراً آخر يتخذه نتنياهو قبل سفره إلى واشنطن استعداداً للخطاب الذي سوف يلقيه أمام الكونغرس، هذا الأسبوع.

وكما يمكن أن يخبرك به أي قبطان يقود ناقلة نفط أو سفينة حاويات مسجلة لدى دولة غربية تعبر مضيق باب المندب على مدخل البحر الأحمر، فإن الملاحة الغربية أكثر عرضة للهجمات الحوثية من عرضة الحوثيين أو إيران للهجمات الإسرائيلية.

وكذلك الحال بالنسبة لأرامكو في المملكة العربية السعودية، والتي انخفض انتاجها إلى النصف بسبب هجوم بالطائرات المسيرة في عام 2019، أو ناقلات النفط التي تتوجّه إلى موانئ دولة الإمارات العربية المتحدة لتنقل النفط منها، والتي تظل تحت رحمة ألغام البحرية الإيرانية. كلا الدولتين الخليجيتين، السعودية والإمارات، تلقتا الرسالة التي تكشف عن مدى انكشافها، وهي الرسالة التي مازالت سارية المفعول حتى اليوم.

إرث بايدن
ذلك هو إرث الفترة الرئاسية الأولى والوحيدة لبايدن، ففي عهده، وبتشجيع قوي منه، شنّت إسرائيل على مدى تسعة شهور حرب إبادة جماعية، دمرت غزة وجوعت سكانها، ولكنها لم تنجح في خلع حماس، في الوقت الذي جرت فيه المنطقة بأسرها إلى حافة الحرب.

وفي عهده رفضت إسرائيل بشكل قطعي حل الدولتين، وفي عهده أصبحت بشكل رسمي دولة فصل عنصري من وجهة نظر القانون الدولي.

ها قد دخلت أمريكا في صدام مفتوح مع أرفع محكمتين دوليتين في العالم: محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، بينما هي مستمرة في الزعم بأنها تدافع عن نظام دولي يقوم على القواعد والأحكام.

والأسوأ من ذلك كله أن بايدن سمح لإسرائيل بتجويع غزة عبر جميع معابرها البرية، ناهيك عن أن خط المساعدات الذي كان من المفترض أن يمر عبر الرصيف العائم المشؤوم الذي أقامته، صار الآن يمر عبر ميناء أشدود الإسرائيلي.

أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة مازالت تمنع الأموال عن وكالة غوث اللاجئين (الأنروا)، الوكالة الأممية الوحيدة التي تعترف بوجود اللاجئين الفلسطينيين وذراريهم. بل لقد أجاز الكونغرس في شهر مارس (آذار) الماضي قانوناً يحظر تزويد الأونروا بأي تمويل إضافي حتى شهر مارس (آذار) من عام 2025.
بدلاً من أن تحقق إسرائيل الردع خلال هذه الحرب، ها هي قد خسرته تماماً.
إن حماس وحزب الله والمجموعات الفلسطينية المسلحة الأخرى، والمجموعات المدعومة من قبل إيران في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن، أكثر جرأة اليوم، وأقوى شكيمة، وأعلى قدرة من الناحية العسكرية، على رد الصاع بصاعين، بل وأكثر من أي وقت مضى خلال الصراع المستمر منذ 76 عاماً.

مازالت شبكة الأنفاق في غزة سليمة، ولقد أثبتت حماس ذلك من خلال ضرب الدبابات الإسرائيلية في شمال ووسط وجنوب القطاع بشكل متزامن، ومن خلال توصيل الشريط إلى قناة الجزيرة العربية خلال ساعات.

لقد أذهل إسرائيل أن حماس مازالت بعد تسعة شهور من الحرب تحتفظ بالتحكم الوطني بالقطاع.
بالإضافة إلى ذلك، اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن حماس دمرت الكثير من الدبابات، وأنه لم يعد لديه من الدبابات ما يكفي لغزو لبنان.

في مرافعة قانونية لدى المحكمة العليا الإسرائيلية، ورداً على عريضة تطالب بإدماج النساء المقاتلات في سلاح المدرعات الإسرائيلي، قال الجيش إن كثيراً من دباباته قد أُعطبت خلال الحرب على غزة وأنه لم يعد لديه ما يكفي من الذخيرة.

نشرت الصحيفة اليومية الإسرائيلية “يديعوت أحرونوت” نقلاً عن المرافعة المقدمة أمام المحكمة ما يلي: “إن عدد الدبابات الشغالة في سلاح المدرعات غير كاف لاحتياجات الحرب ولا لإجراء تجارب على إدخال النساء فيه”.

في شمال إسرائيل، كانت ضربات حزب الله بالمسيرات والصواريخ ضد الإشارات الإسرائيلية وعلى مراكز جمع المعلومات الاستخباراتية بالغة الدقة لدرجة أن أجزاء من جنوب لبنان غدّت نقاطاً عمياء أمام المسيرات الإسرائيلية وأمام مختلف العمليات العسكرية الأخرى.

وحتى لو أراد جيش الاحتلال الإسرائيلي شنّ هجوم لدفع حزب الله بعيداً عن الحدود وحمله على الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، فإن الجيش لم يعد في وضع يؤهله لفتح جبهة ثانية، فهو بحاجة إلى زمن وإلى ذخيرة لكي يتعافى مما حل به في غزة.

حقبة جديدة
لقد انتهت حقبة الحملات العقابية القصيرة من أجل “قص العشب” وفرض إذعان يستمر لسنين.

دخلت إسرائيل اليوم حقبة جديدة لم تعد فيها مجموعات المقاومة ترفع الراية البيضاء بعد بضعة أسابيع من القتال، ولم تعد تخرج إلى المنافي، وليس لديها الاستعداد للتخلي عما في أيديها من الأسرى بسهولة.

بل ترد الصّاع صاعين، وتكبد الدبابات والاحتياطيين الذين يقودونها ثمناً باهظاً، وتكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسارة كبيرة. لقد ارتفعت تكلفة مثل هذه الحروب على إسرائيل بشكل مضطرد. إضافة إلى ذلك فإن العالم العربي بأسره يغلي غضباً.

ولعل في حكاية الجندي السابق، الراحل أحمد عاهد المحاميد، من محافظة معان في جنوب الأردن، مؤشراً صغيراً ولكنه ذا مغزى كبير.

كميزة إضافية، بإمكان الجنود في الجيش الأردني التقدم بطلب قرض إسكاني من القوات المسلحة الأردنية بعد عشرين عاماً من الخدمة. ما لبثت عائلته أن اكتشفت بعد وفاته، حسبما أفادها به محاموه، أن أحمد المحاميد تبرع بكافة مبلغ القرض الذي حصل عليه لأهل غزة.

تنهال الأموال والأسلحة على الضفة الغربية المحتلة. كلما حل الليل بعد النهار، يتصاعد مستوى المقاومة في وجه الاجتياحات الإسرائيلية. خلال الشهر الماضي، استخدمت عبوات ناسفة قاتلة ومعقدة، مصممة على النمط العراقي، في شن هجمات على الجنود الإسرائيليين وعلى العربات المصفحة الإسرائيلية.

وفي هذا تكمن الخسارة الاستراتيجية الكبرى الثانية التي تمنى بها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.

إثر نجاحها في اعتراض معظم الصواريخ البالستية والمسيرات التي أطلقتها إيران رداً على الهجوم الإسرائيلي على سفارتها في دمشق، وكثير من هذا الاعتراض وقع في المجال الجوي الأردني، تفاخرت إسرائيل بأنها تحظى بدعم جيرانها. ولكن هذا الكلام غير صحيح.

يدرك الحكام العرب جيداً مدى عجزهم عن الاستمرار في احتواء الغضب الشعبي داخل بلدانهم.
يعيش في أرض الأحلام كل من يتصور داخل إدارة بايدن المغادرة أو داخل إدارة ترامب القادمة أنه بعد انقضاء الحرب في غزة فإن المملكة العربية السعودية سوف تقدم بوداعة على التوقيع على اتفاقيات أبراهام، وأنه سيكون باستطاعة الولايات المتحدة وإسرائيل العودة إلى حقبة التطبيع مع الدول الخليجية الثرية وتجاوز الشعب الفلسطيني.

انتهت هذه الحقبة كذلك
بالطبع، لربما مازال وارداً أن يظهر توقيع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان على وثيقة يقدمها له ترامب، ولكن مثل هذا التوقيع يعني أقل بكثير مما كان سوف يعنيه لو تم في يوم السادس من أكتوبر.

لقد فقدت إسرائيل القدرة على إملاء ما سيكون عليه مستقبل هذا الصراع. بإمكانها أن تبقى السلطة الفلسطينية على قيد الحياة مالياً، ولكنها اليوم في وضع لا يساعدها على إملاء أو هندسة من سيكون الرئيس الفلسطيني المقبل.

بمجرد أن يرحل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، سوف يرحل معه خليفتاه المختاران: حسين الشيخ، أمين عام منظمة التحرير الفلسطينية، أو ماجد فرج، رئيس جهازه الأمني. كلاهما يتمتعان بقوة كبيرة تحت إدارة عباس، ولكن لا يتمتع أي منهما بالشرعية أو النفوذ، ولا حتى داخل حركة فتح.

لقد ولت الصيغة السياسية المنتهجة ما بعد أوسلو، والتي كان يتم بموجبها تدقيق أو إملاء من ذا الذي يمثل الفلسطينيين ممنياً إياهم بالمباحثات التي لا تتم أبداً أو لا تفضي إلى شيء بتاتاً. ينسب هذا الإنجاز لإسرائيل بقدر ما ينسب لحماس.

إسرائيل سفينة تغرق
في الأسبوع الماضي، صوت الكنيست بأغلبية ساحقة على رفض حل الدولتين، بما في ذلك ما يسمى بالمعتدلين في هذا الموضوع، زعيم المعارضة بيني غانتس وحزبه.

جاء في نص القرار ما يلي: “سوف يشكل قيام دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل وعلى مواطنيها، وسوف يديم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويفضي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.”.

وقال القرار إنها مسألة وقت ثم تسيطر حماس على الدولة الفلسطينية وتحولها إلى “قاعدة للإرهاب الإسلامي المتطرف”. إلا أن الكلمات المفتاحية هنا، والرسالة الصهيونية الحقيقية، هي التي تعبر عنها الكلمات التالية: “في قلب أرض إسرائيل”.

ليس هذا القرار، كما قال مصطفى البرغوثي، أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية، مجرد إعلان وفاة لأوسلو.

وإنما هو أيضاً إعلان عن حل الدولة الواحدة، دولة ذات أغلبية يهودية تهيمن على الأرض من النهر إلى البحر. إنه الحلم الذي يصنع دولة يهودية مرادفة لأرض إسرائيل التوراتية. لم تزل تلك هي غاية الصهيونية من البداية.

ليس بإمكان أنصار حل الدولتين، وهؤلاء يتضمنون كل حكومة غربية والأمم المتحدة؛ الاستمرار في تجاهل هذه الحقيقة بالذات على الأرض. إن الزعيم الفلسطيني الذي يعترف بإسرائيل لا يكاد يجد أحداً يتحدث إليه.

لن تجد جهة تفوق الكنيست الإسرائيلي في فعل كل ما في وسعها من أجل تدمير النظرية التي تقول إن العقوبات الاقتصادية الدولية تعيق التقدم نحو تسوية سياسية تقوم على حل الدولتين. لقد بذل الكنيست من الجهد لدفن هذه الجثة بالذات أكثر مما بذله المستوطنون أنفسهم.

وهذا يقودنا إلى الأمر الرابع الذي تخسره إسرائيل بينما يستعد نتنياهو لإلقاء خطابه أمام الكونغرس: ألا وهو الرأي العام العالمي.

بات جيل كامل من الشباب الأمريكي يرى أن إسرائيل لن تسمح بتاتاً لدولة فلسطينية بأن تنشأ، وغدت القضية الوطنية الفلسطينية القضية الحقوقية الإنسانية الأولى في العالم.

بإمكان نتنياهو أن يحقر من شأن الحكم التاريخي الذي صدر الأسبوع الماضي عن محكمة العدل الدولية، وأن يعتبره “سخيفاً”.

فقد قال نتنياهو في تغريدة عبر حسابه على منصة “إكس”: “إن الشعب اليهودي ليس محتلاً في أرضه، بما في ذلك في عاصمتنا الأبدية القدس ولا في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وطننا التاريخي.”
ولكنه محتل بالفعل من وجهة نظر الرأي العالمي ومن وجهة نظر القانون الدولي.

أنجز قرار المحكمة عدة أمور. لقد فنّد الحجة التي لم تزل تستخدمها كل من بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة سعياً لنزع الصلاحية من محكمة العدل الدولية للنظر في أفعال إسرائيل داخل الأراضي المحتلة، بذريعة أنه بموجب اتفاقيات أوسلو، لا يحق للسلطة الفلسطينية محاكمة القوات الإسرائيلية. قالت محكمة العدل الدولية إن القانون الدولي يفوق المعاهدات.

من خلال القول ليس فقط إن احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية غير شرعي وينبغي أن تتم إزالته “في أسرع وقت ممكن”، وإنّما أيضاً ينبغي على كل دولة عضو في محكمة العدل الدولية العمل على تحقيق ذلك وجوباً، منحت محكمة العدل الدولية مساندتها للحركة الدولية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (بي دي إس). كما أعلنت أن إسرائيل دولة فصل عنصري (أبارتيد). فيما سوف تتجاهل الولايات المتحدة الآن ما صدر عن المحكمة من قرار.

خلال الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب، لم يجد وزير خارجيته مايك بومبيو صعوبة في فرض عقوبات على مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسوده، وعلى مسؤول آخر كبير في مكتب ادعاء المحكمة اسمه فاكيزو موتشوتشوكو، بالإضافة إلى تقييد منح التأشيرات لعدد آخر ممن لهم علاقة بالتحقيق الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية. لا ريب في أن ذلك من الممكن أن يتكرر.

إلا أن أوروبا، القارة التي تقوم وحدتها وهويتها على أكتاف المؤسسات التي أنشأتها، ستواجه صعوبة أكبر في تيتيم طفلها الوحيد، محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وهذا أمر سيعني إسرائيل، لأن إسرائيل، فوق كل اعتبار، يقطنها أحفاد المهاجرين الذين لجأوا من أوروبا.
وإلى بريطانيا وألمانيا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا واليونان سوف يلجأ الإسرائيليون إذا ما خسروا هذا الصراع وأجبروا على التفاوض مع الفلسطينيين.

لماذا يحرص كثير من الإسرائيليين في هذا الوقت بالذات على الحصول على جوازات سفر أوروبية؟ ما كانوا ليحرصوا على الحصول على ثقب مسمار في أي مكان لو أنهم كانوا واثقين من البقاء في الأراضي الفلسطينية التي يستعمرونها.

لا ريب في أن مثل هذا القرار سوف يعزز الرأي العام ويشكل ضغطاً على الحكومات في كل أرجاء أوروبا حتى تغير من سياساتها. ترتد الحكومات نفسها الآن على أعقابها، بل وتواجه صعوبة بالغة في تبرير عقود التسليح التي أبرمتها مع إسرائيل.

تقوم محكمة العدل الدولية بأمر آخر. لا توجد لديها قوة تتمكن من خلالها من إنفاذ أحكامها، ولكنها تسمح لأي محكمة في أي دولة عضو، لديها صلاحيات بالحكم على سياسة الحكومة، بأن تتحدى مبيعات السلاح أو أي عقود تجارية يتم إبرامها مع إسرائيل.

إذا ما فقدت إسرائيل الموقف الأخلاقي، وإذا أصبحت رسمياً دولة فصل عنصري، وليس فقط في رأي المنظمات غير الحكومية، وإنما في رأي أرفع المحاكم الدولية، إذا ما أوجدت ملايين المعارضين لها حول العالم، فإن كثيراً من الشركات سوف تتوقف عن الاتجار مع إسرائيل. بل إن المقاطعة العالمية لإسرائيل ماضية حالياً.

إن فقدان القدرة الرّدعية، والتخلّي عن المفاوضات من خلال الإعلان الواضح بأن جميع الأرض هي ملك للشعب اليهودي، وخسارة الرأي العام، والآن الإدانة القانونية من قبل القانون الدولي، ينبغي أن يدفع كل ذلك الإسرائيليين البراغماتيين نحو خلاصة واحدة: حان الوقت لوقف القتال والبدء بالكلام.

في هذه اللحظة بالذات، كل المؤشرات تدل على أنهم عالقون في السفينة الغارقة ويغرقون معها.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف ديفيد هيرست دولة الاحتلال سفينة نتنياهو زمن الحرب الاحتلال الإسرائیلی محکمة العدل الدولیة الولایات المتحدة القانون الدولی حل الدولتین أن إسرائیل من خلال من أجل

إقرأ أيضاً:

كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» بـذور التطـرف ( 2)

تنشر بوابة «الأسبوع» فصولًا من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» للكاتب الصحفي مصطفى بكري رئيس التحرير، والصادر عن دار كنوز للنشر والتوزيع. وفي الحلقة الأولى من الكتاب، رصد المؤلف تاريخ نتنياهو منذ الطفولة وعلاقته بوالده الذي لقنه الأفكار المتطرفة والمعادية للعرب والفلسطينيين، خاصة وأن جده كان من كبار دعاة الحركة الصهيونية. لقد رباه والده على كراهية أي يهودي يقبل بمصافحة العرب، وكان دائم الترديد على مسامعه «أن العربي إذا مد يده بالسلام، فانظر إلى يده الأخرى.. فإنك ستجد خنجرًا ممدودًا إليك» وإلى الحلقة الثانية

الحلقة الثانية

يحلم باحتلال سيناء وإعلانها عاصمة للدين اليهودى

كان يعاني عقدًا نفسية لازمته طوال حياته

سر الخلاف بينه وبين شقيقه «يوناثان»

يرى أن العرب يجب أن يعودوا إلى مهنة رعي الأغنام وتربية الماشية

فى الحلقة الثانية من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» الصادر عن دار «كنوز للنشر والتوزيع» يرصد الكاتب الصحفى مصطفى بكرى مراحل التطرف فى حياة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو من خلال قراءة مذكراته وأقواله وتصريحاته، ويتوقف الكاتب فى هذه الحلقة عند مقولة نتنياهو عن سيناء حيث يقول: «إنها المكان الذى جاءت فيه رسالة موسى الذى أرسل لبنى إسرائيل، ومن الطبيعى أن يكون لليهود عاصمتهم فى سيناء (كما يزعم).

ويحلم نتنياهو من خلال كتاباته بأن يبنى وسط سيناء المقر الرسمى للحكومة الإسرائيلية تحيط به المعابد اليهودية الكبرى، وأن تكون سيناء عاصمة للدين اليهودي.

ويتناول المؤلف مسيرة نتنياهو فى فترة الشباب وأسباب ارتباطه بالقدس وعقده النفسية التى نتجت من خلال تطرفه ومعاملة الآخرين له.

مثّل مقتل “جوناثان نتنياهو” شقيق بنيامين نتنياهو نقطة تحول خطيرة فى فكر بنيامين، حيث إن “بنيامين” كان يحب أخاه “جوناثان” الذى كان بدوره متشددًا ضد العرب، وكان يرى ضرورة العمل على تقوية دولة إسرائيل، حيث يرى أن ضعفها الأساسى هو فى قلة عدد سكانها، وأنه لابد من العمل على تجميع شتات اليهود فى داخل الدولة، وتوفير كل مقومات الحياة الآمنة لهم. كان “جوناثان” الأخ الكبير لبيبى، وأخوهم الثالث هو “عيدو”، يجلسون سويًا عندما تدور بينهم أحاديث مهمة فى الحديقة الكبيرة التى كانت تتوسط منزلهم الذى استقروا فيه فى الولايات المتحدة الكائن فى ضاحية وينكوت، وهى إحدى الضواحى الأمريكية القريبة من فيلادلفيا، وكان هذا المنزل الذى استقروا فيه منذ عام1963 مكونًا من طابقين، كان إيجاره زهيدًا، حصل عليه “تسيون نتنياهو” “الوالد” من خلال أحد أصدقائه الأمريكيين والذى رشح للعمل كمحاضر للتاريخ فى كلية درونسى، وهى من الكليات غير المشهورة بل كانوا يعتبرونها أشبه بمدرسة، إلا أن “تسيون” قرر أن يقبل العمل بهذه الكلية بعد الضغوط الشديدة التى تعرض لها داخل إسرائيل.

كان عمر “بنيامين” 13 عامًا، ويحكى عن هذه الفترة من خلال أوراقه الخاصة بقوله إنها “كانت فترة مفعمة بالحيوية والنشاط وتكوين الأفكار، ويقول: لقد أحببت إسرائيل جدًا وعندما علمت أننى سأغادرها إلى الولايات المتحدة لم أكن فرحًا مثل غيرى ممن يمكن أن يتلقوا هذا الخبر ومضيت أنا وأخى “جوناثان”، ومررنا على الشوارع والأزقة والمنازل فى القدس، ويضيف أتذكر ذلك اليوم جيدًا على الرغم من أننى كنت صغيرًا وكنت أبكى بشدة وجوناثان يهدئ من روعى، كنت أشعر بأن هناك رباطًا قويًا بينى وبين كل طوبة، وكل رجل وامرأة وطفل، وكان بداخلى إحساس بأننى لن أعود مرة أخرى، وأن هذا الإحساس كان يزيد معاناتى، إلا أننى أقسمت لنفسى أن أعود وأستقر فى هذه المناطق الجميلة، ويقول كانت الحديقة الكبرى فى منزلنا ببينكوت الأمريكية جميلة.. وكنت دائمًا أجلس مع أخواى “جوناثان” و”عيدو”، وعلى الرغم من صغر سننا إلا أننا كنا نتحدث فى مستقبل إسرائيل وكأننا حكومة إسرائيلية نخطط ونقرر وكنا نطلب من “عيدو” أن يكتب ما نقوله، وكان “جوناثان” أكثرنا صوابًا فى الرأى، ودراية بالمسائل والمشاكل التى تعوق نهضة دولة إسرائيل، وأتذكر أنه فى خلال حقبة الستينيات وقبل 1967، كان الرئيس المصرى جمال عبد الناصر يأخذ قدرًا كبيرًا من المناقشات وكانت لدينا رؤية مشتركة فى أن هذا الرجل يجب أن يقتل، وأعددنا خطة على الورق فى 1965 لذلك، وكنا نرى أن قتل جمال عبد الناصر قد يعطى بعض الأمان لإسرائيل لأنه كان شخصية كريهة يتشبث بأفكار كلها تدور ضد إسرائيل، وكان “جوناثان” يقول: إن هذا الرجل لا يمكن التفاوض معه لأنه يعتبر نفسه زعيمًا للعرب بمعاداته لإسرائيل وكان يرى أنه إذا تفاوض معه الإسرائيليون فإنه سيتخلى عن زعامته، كانت خطتنا التى أعددناها على الورق تقوم على أساس تفجير طائرة الرئيس المصرى فى إحدى زياراته الخارجية بوضع قنبلة فيها فى أى من المطارات الدولية، وخططنا لكيفية الاتفاق مع الشخص الذى سيضع القنبلة والذى يجب أن يكون من العاملين بالمطار، وكتبنا فى الخطة أيضًا جزءًا عن كيفية اختراق أى فرد يمثل عائقا أمنيا مفروضا على الطائرة.

ويتذكر “بنيامين” أن والده “تسيون” أطلع على بعض هذه الأوراق وأعجب بخطة قتل الرئيس المصرى، ويومها قال: إنه لو كان هناك جهاز استخبارات قوى فى إسرائيل لكان من الممكن أن ينفذ مثل هذه الخطة و ألقى باللوم على حكومة إسرائيل وسياستها واستخباراتها فى عدم التخلص من جمال عبد الناصر، أيًا كان الأمر فإن “جوناثان” فى جلساته مع “بنيامين” فى المدينة الكبيرة- على حد ما يرى بنيامين نفسه- كان يفكر فى أن تكون إسرائيل دولة عظيمة وكبيرة وأن عظمتها تكمن فى زيادة سكانها وحدودها وأن يكون لها امتداد جغرافى يمكن حمايته فى أى وقت وبأيسر السبل الممكنة، ويقول: كان لدينا تخطيط جيد على ضرورة أن يتجمع كل يهود العالم فى إسرائيل، كنا نحلم بأن تكون إسرائيل العاصمة السياسية والدينية ليهود العالم وأن تكون هناك ثلاثة أيام فى العام يتجمع فيها كل اليهود من أرجاء العالم ليحجوا إلى القدس وزيارة الأماكن الدينية، وأن يعقد مؤتمر قومى ودولى شامل يتم فيه اتخاذ قرارات جوهرية بشأن مستقبل دولة إسرائيل العظمى، ورأينا أن الوسيلة المثلى لذلك هى إنشاء صندوق لجمع التبرعات وأن تكون هناك نسب مقننة ومحددة فى دخل أى شخص يهودى يجب أن تذهب لهذا الصندوق، وأن تكون له فروع فى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ومن الفروع تنشأ إدارات فى المدن والأحياء والضواحى الأمريكية والأوروبية، ثم يتم تسليم هذه الأموال فى كل عام قبل بداية أعمال المؤتمر الشامل إلى سفراء إسرائيل وقناصلها والذين بدورهم ينقلونها إلى الخزانة الإسرائيلية وكانت فكرة “بنيامين”، أن الوظيفة الأولى لهذه الأموال هى إنشاء المستوطنات والمنازل وتشييد دولة عصرية اقتصاديًا.

ولا شك فإن هذه الفترة من حياة بنيامين، وما ورد فى أوراقه توضح أمرين أساسيين: أولهما كرهه الشديد للرئيس عبد الناصر وسنرى بعد ذلك أنه يكن كراهية أيضًا للرئيس السادات، لأنه فى ظنه ضحك على بيجين “كما يرى” وحصل على سيناء وأن هذا الكره متوارث للرؤساء المصريين الذى تشكل فى عقيدة بنيامين منذ صغره وتحديدًا منذ أن كان يبلغ من العمر 13عامًا وهذا يفسر العديد من السياسات التى يتبعها بنيامين حاليًا وأن أكثر شيء يخشاه هو ما عبر عنه فى أكثر من مناسبة وبخاصة فى لقائه مع المستوطنين- هو أن تتوحد المصالح العربية سياسيًا واقتصاديًا وهذا يمثل خطر على إسرائيل.

لقد أكد ذلك فى اجتماع مع بعض المستوطنين فى16 من فبراير1996، حيث أشار فى هذا الاجتماع إلى أن هناك ثلاثة أنواع من السياسات الأولى: سياسات مصيرية ولا يمكن التراجع عنها أو تغيير الموقف بشأنها واعتبر أن سياسات الاستيطان من السياسات المصيرية وأمن إسرائيل وحماية حدودها وأمنها.

الثانى: سياسات إستراتيجية، وهى أيضًا من الصعب تعديلها أو تغييرها مثل رفض الانسحاب من الجولان أو القدس أو إقامة الدولة الفلسطينية.

كتاب نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى «الرؤية والتخطيط»

والثالث: سياسات تكتيكية، وهى نوع من السياسات التى نرفضها فى البداية إلا أننا على استعداد لأن نقبل بها أو نكون مخططين للقبول بها ولكن بعد أن نحصل على ما نريد من العرب، وأن السياسات التكتيكية هى التى يقع فى نطاقها العديد من مسائل عملية السلام أو غالبية الخطط الإسرائيلية فى السلام، وأنه من الممكن إذا رأينا أن السياسات التكتكية فاشلة ولم تحقق أيًا من أهدافها فإننا نسقط بعض السياسات الإستراتيجية ونجعلها تكتيكية، إلا أننا فى النهاية لن نقبل بأى شيء يضر بأمننا أو يغير من نظرتنا إلى المستقبل، وهو يرى هنا أن السياسات التكتيكية لها فوائد كبيرة وأن أهم فائدة يمكن توقعها هو عدم السماح للعرب باتخاذ موقف موحد ضد إسرائيل.

ويرى “بنيامين” أن إسرائيل يجب أن تكون مستعدة اقتصاديًا للتعامل مع الدول العربية، وأن ما يهمه هو تقوية علاقاته الاقتصادية مع الدول الخليجية وأنه لا يهمه أن يكون له علاقات اقتصادية قوية مع المصريين أو المغاربة، ويتوقع أن مسألة التعاون الاقتصادى مع دول الخليج يمكن أن تشكل بداية لنهضة كبيرة فى الاقتصاد الإسرائيلى وأن دخول إسرائيل اقتصاديًا فى مشروعات مع هذه الدول سيجعل إمكانية الاندماج لاقتصاديات الخليج مع اقتصاديات الدول العربية صعبًا الأمر الآخر: أن نتنياهو استقرت فى عقيدته منذ الصغر سياسات الاستيطان والتوسع فى الأراضى العربية وأن فكرة الحدود الآمنة أساسية وضرورية، مضت الأيام ثقيلة فى الولايات المتحدة خاصة بعد أن تقرر نقل تسيون نتنياهو من كلية درونسى إلى جامعة كورنيل، وكان تسيون هو الذى سعى إلى إتمام هذا النقل وبخاصة أنه كان يريد الانتقال إلى جامعة معروفة بالإضافة إلى الانتقال إلى نيويورك، حيث اليهود ذوو النفوذ والمال، وكان تسيون لدية رغبة فى أن ينخرط وسط هذه المجموعة حيث بدأ بعد إقامته فى ضاحية وينكوف يهتم بجمع الأموال وكان يريد أن يؤمن مستقبل أولاده الثلاثة وبخاصة أن محاضراته فى كلية درونسى التى كانت المصدر الوحيد للدخل لم تكن تشعر أولاده الثلاثة بأنهم يعيشون حياة جيدة ومرفهة ولقد كانت لديهم تطلعات مثل أصدقائهم الذين كانوا يتفاخرون بالدولارات والسيارات والأشياء غالية الثمن، وكان بنيامين يرى فى نفسه أنه ليس أقل من هؤلاء، ويقول عنهم: “لقد كانوا أغبياء وكنت أذكى منهم كثيرًا وكان لدى طموح بأننى من خلال ذكائى أستطيع أن أجمع المال وأن أكون أكثر قوة من هؤلاء الأغبياء، وكنت دائمًا أرى أن والدى يجب أن يكون من الأغنياء لأنه مفكر وقادر على ان يكون منظرًا لفلسفات وسياسات إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة، إلا أن احدًا لم يهتم بوالدى كمفكر، ويرى أن السبب فى ذلك قد يعود إلى تشدده فى آرائه وأفكاره وأنه على استعداد لأن يدافع عنها حتى الموت، وهو يرى صواب والده فى ذلك وأنه كان يجب أن يكون محل احترام من الآخرين الذين كانوا يحقدون عليه وكان يجب أن يصفوه بأنه رجل مبادئ ورجل فكر، إلا أن العكس هو الذى حدث، حيث أدى ذلك إلى مطالبتهم له بأن يغير افكاره القديمة ويساير ركب الأفكار الجديدة، وكانت جامعة كورنيل التى تقع فى بلدة إيثاكا الأمريكية فى شمال نيويورك من الجامعات المرموقة التى حصل فيها على دخل كبير استشعر معه بأنه من خلال هذا الدخل يمكن أن يعوض أولاده سنوات الحرمان أو سنوات الكفاح كما يطلق عليها، وعلى الرغم من الحياة الجديدة التى انتقل إليها “بنيامين” إلا أنه كان هناك شيء ما فى شخصيته، حيث كان يلازمه شعور الغربة دائمًا حتى فى ظل حياته الجديدة التى انتقل إليها، لم يكن فرحًا بحياة أكثر راحة وأكثر تألقًا لأن حياته الأساسية كانت القدس كما يقول، كتب ذات مرة إلى أحد أصدقائه فى القدس يقول: “إن الهواء الذى نتنفسه يا صديقى لن تجد له مثيلًا فى أمريكا أو غيرها، إن روعة المكان الذى تسكن فيه أروع من البيت الأبيض، ولو أن الأمر بيدى لأتيت إليك فورًا، وأرجو أن تقبَّل الجدران نيابة عنى حتى أعود، لا تدع رجلك ترتفع من على الأرض الطيبة التى تسير عليها” وطلب إلى صديقه أن يدعو له فى صلواته ليرحمه من الاختناق وأن يعود سريعًا إلى موطنه وأهله، لقد كان هذا الشعور بالغربة واضحًا فى الحياة المدرسية، حيث إن بنيامين وفق ما يصفه مدرسوه و زملاؤه فى المدرسة كان إنسانًا غير مفهوم لكل الآخرين، دائمًا شارد الذهن إلا أنه حاد الذكاء، يفكر فى شيء ويتكلم مع الآخرين فى شيء آخر، كان إنطوائيًا، لا يحب الدخول فى جدال مع الآخرين حول أمر غير مقتنع به، وبالنسبة إلى الأفكار التى تصادف ولو قبولًا غير مؤكد من الآخرين فإنه يعمل على أن يزيدها قوة، ولكنه أيضًا كان حاد الطبع، وكثير المناقشات مع المدرسين، وأنه كان يهوى لعبة الشطرنج، وكان يرى أنها لعبة التخطيط والذكاء، وكان يعتقد أن من لا يعرف الشطرنج فقد خسر نصف عقله، وكان يبدو ماكرًا فى هذه اللعبة، حيث إنه كان يحرص فى البداية على أن يخدع الشخص بأنه يمكنه الفوز، إلا أنه يأخذ زمام المبادرة فى لحظات، ويقول عنه مدرسوه أيضًا: إن أهم ما يميزه أنه سريع التفكير، وأن القرار الذى يتخذه كان لا يعلن عنه، ولكنه يجرى مشاورات مع كل زملائه الذين يعرفونه ليستطلع وجهة نظرهم، إلا أنه لم يكن على استعداد لأن يتنازل عن قراره بعد هذه المشاورات، كان من الممكن أن يحصل على نقاط إضافية تدعم قراره.. وكان زملاؤه لا يثقون به كثيرًا، فقد كان لديهم اعتقاد بأن بيبى يخطط للإيقاع بهم، وأنه ربما يدبر مؤامرات ضدهم وبخاصة أنه كان يهوى تشكيل حركات غريبة فى المدارس التى التحق بها، وكانت لديه القدرة على أن يكوِّن حركة من عدد محدود من التلاميذ، وكانت هذه الحركات تكتسب شهرة واسعة فى المدارس المحيطة، على الرغم من أن شخصيته الانطوائية كانت لا تنم عن قيادته لهذه الحركات، وكان له صديق يدعى “هاشومير هاتسير” كان أيضًا عضوًا فى الحركات اليهودية مثل حركة الفتى الحارس.. وكان هاشومير شخصية مؤثرة فيمن حوله، إلا أنه لم يكن مؤثرًا فى بيبى الذى أثر بدوره على هاشومير.

وكان بيبى أو بنيامين يعد مخططًا لحركة الفتى الحارس دون أن يظهر على السطح، حيث إنه كان يبلغ هاشومير بالمضامين الأساسية لهذه الأفكار والمخططات، وكان الأخير يتولى الدفاع عنها فى الحركة، ويقول عنه مدرسوه أيضًا “إن هناك وقتًا كبيرًا قضاه بنيامين فى الظل، ولكن عرفوا مؤخرًا أنه كان وراء تحريك أحداث مهمة فى المدرسة” وكان الاعتقاد أن زملاءه هم أبطال هذه الحوادث، ويقولون عنه أيضًا: إن رغبته فى أن يكون فى الظل ليست رغبة مستمرة ولكن يجب أن يهيئ الأحداث قبل أن يظهر، فإذا جاءت توقعاته مطابقة لخططه وأفكاره فإنه يعلن عن نفسه، وإذا كان هناك فارقًا ما فإنه ينسب الفشل لغيره، ومع ذلك فإن العديد من أفكاره التى كان يشيعها فى المدرسة، وبخاصة المتطرفة التى كانت تؤدى إلى خلافات ومشاجرات بين التلاميذ وبعضهم، وأحيانًا مع المدرسين، كانت تنتقل بسرعة إلى العديد من زملائه.

تحدث عنه أحد أصدقائه فى برنامج تليفزيونى إسرائيلى وهو أمريكى الأصل قائلًا: لقد كنت مع بيبى فى المدرسة، وكنا أصحابًا، وكان دائمًا يحدثنى عن إسرائيل، ولكن الشيئ الأساسى فى حياته هو كرهه الشديد للحكام العرب، وكان يلعب الشطرنج لفترات طويلة، إلا أنه فجأة قرر أن يلعب كرة القدم، ولما سألته عن السبب فى ذلك قال إن كرة القدم هى الممارسة العملية للعبة الشطرنج، وكان بنيانه قويًا، وفى خلال فترة قصيرة من التدريب والمواظبة على هذه اللعبة استطاع أن يكون من اللاعبين الجيدين جدًا، وأنه حاز إعجاب مدرب فريق النمور لكرة القدم، وكان يشغل مركز الجناح الأيسر وأحيانًا كان يحب اللعب فى خط الوسط، إذا أدرك أن الفريق الذى يلعب أمامه قوى ومتمرس، حيث إنه كان يجيد اللعب أمام الفرق القوية، وكان يدرك أنه يجب أن يكون عقل الفريق، وأداته المفكرة.

ويضيف: أن بيبى مولع بالتحدى وبخاصة تحدى الأقوياء، وأنه على استعداد لأن يلعب فترة طويلة إذا كان خصمه قويًا، حيث إنه لا يحب الهزيمة، وإذا شعر بأن الفريق الخصم ضعيف، ولا يتساهل أن يكون عقلًا مفكرًا للفريق، كان يلعب فى الجناح الأيسر وكان من أمهر اللاعبين فى إحراز الأهداف، وكان مراوغًا جيدًا، ويقول عنه خبراء النفس: إن نتنياهو معتز بشخصيته وبنفسه وبخاصة عقله، وأنه يعتبر نفسه أذكى من الآخرين، وأنه يمكنه الايقاع بهم إذا دخل معهم فى مناقشات، إلا انه من المهم عدم اليأس فى استكمال هذه المناقشات وألا يخالج الآخرين الشعور بالضيق من المناقشة.

وقد أحب لعبتى الشطرنج وكرة القدم لأن هاتين اللعبتين بهما العديد من الخطط، ولم يكن يهوى أى نشاط اجتماعى مع بقية التلاميذ الأمريكيين حيث كان يرفض فى مرات كثيرة الانضمام إلى الرحلات أو الألعاب الأخرى، وكان قليلًا ما يستجيب لهذه الأنشطة وبخاصة الرحلات إذا وافقت على مشاركته فى الرحلة زميلته اليهودية “هاتحياه”، وعلى الرغم من أن هاتحياه كانت عنيفة فى حديثها مع الآخرين، وأن زملاءها كانوا يتجنبون النقاش معها لفترة طويلة، إلا أنها كانت ضعيفة الشخصية مع بيبى، وكان بيبى قد عرفها على صديقه “هاشوير” أحد رواد الحركة اليهودية المتطرفة “الفتى الحارس” وكان الثلاثة دائمًا يذهبون إلى دور السينما، وكان بيبى يهوى مشاهدة أفلام العنف، وكان يحرص بعد عودته على أن يروى تفاصيل هذه الأفلام لأخويه، وكانت “هاتحياه” يهودية متطرفة مثل “هاشومير”، وكان الثلاثة مع بيبى يشكلون فريق عمل مشترك واطلقوا على حركتهم اسم حركة “الأم” إلا أن “هاتحياه” على الرغم من حبها الشديد لبيبى، انقلبت عليه فجأة، حيث اكتشفت أن بيبى بدأ يعشق فتاة أخرى، وهى زميلته فى الفصل الدراسى وهى “زيلداه راين”، وكانت “زيلداه” تستمع كثيرًا إلى بيبى ولا تتحدث إلا قليلًا، وكانت “هاتحياه” تريد إنهاء علاقة بيبى مع “زيلداه”، إلا أن بيبى كان يرى أن “زيلداه” بها شيء غامض، وأنه يريد البحث عن هذا الشيء، وإن كان أحد أصدقائه قد قال: إن بيبى نفسه كان غامضًا، وكان لا يحب أن يكون الآخرون غامضين عليه، وكان من الممكن أن يؤرقه، ويذهب عنه النوم ليلًا إلى أن يكتشف الغموض فى شخصية ما، وأنه كان يهوى تحليل الشخصيات التى أمامه، ويرى أن أفضل دراسة لأى شخص هو جعله يتكلم والنظر من بعيد إلى حديثه جيدًا، وكان بيبى يجيد هذه الطريقة فى التعرف على أصدقائه، حيث تقول عنه صديقته زيلداه: إن بيبى كان يدرك شيئًا واحدًا هو أن إسرائيل دولة الأحلام، وكان على الجميع أن يحلم بالرخاء والازدهار فى دولة إسرائيل، وكان بيبى على غير وفاق مع عدد كبير من التلاميذ الأمريكيين لأنه يتكلم بحماس عن إسرائيل، ومعاركها مع الفلسطينيين والعرب، إلا انهم لم يكونوا متحمسين لسماع هذه القصص، وكانوا أحيانًا يسخرون منه، لذلك فضل أن يكون أصدقاؤه من اليهود، وكان دائمًا يطلب من الآخرين أن يحافظوا على ترابطهم القوى وأن تكون لهم هويتهم التى تميزهم عن غيرهم، وأنه من العار على العالم أن يفكر فى إقامة وطن قومى لليهود، فى حين أن هذا ليس حقًا، بل إنه واجب وهدف، يجب أن يكون العالم على استعداد للحفاظ عليه، لأنهم يدركون أن اليهود هم قادة هذا العالم!!

مقالات مشابهة

  • تعرف على رئيس الشاباك رونين بار الذي أقاله نتنياهو
  • لانعدام الثقة.. نتنياهو يتحرك لإقالة رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي
  • كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» بـذور التطـرف ( 2)
  • على الخريطة.. ما الذي يريده نتنياهو في جنوب سوريا
  • لماذا غضب نتنياهو من صفقة تبادل الأسرى التي وافقت عليها حماس؟
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين: نتنياهو يفضل التضحية بحياة المختطفين من أجل مصالحه
  • الاتحاد الآسيوي يضع خارطة طريق توضح المعايير التي ينبغي الالتزام بها
  • فوكس: ما الذي يعنيه فعلا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين تستنجد بترامب وتهدد بكشف أكاذيب نتنياهو
  • ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟