لماذا يخشى العالم من تسليح ألمانيا؟
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
في حين شكل سقوط جدار برلين نهاية للحرب الباردة، فإن صواريخ توماهوك الأميركية -التي تعهدت واشنطن في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بنصبها في ألمانيا خلال عام 2026- يمكن أن تعيد تلك الأجواء بقوة وتضع هذا البلد الاوروبي أمام تحولات ومخاطر جديدة في المستقبل.
ويأتي هذا في ظل مؤشرات لعودة الحرب الباردة، حيث يبحث الناتو تعزيز الأمن العسكري للقارة العجوز ردا على الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا دون أفق واضح للسلام أو تسوية سياسية.
ومن جهة أخرى تتزايد الدلائل التي تشير إلى تشكيل تكتلين جديدين حيث تتنافس على النفوذ في العالم كل من الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، مع دول مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران من جهة أخرى.
تسليح ألمانيابالنسبة للخبراء، فإن قرار معاودة نشر أسلحة أميركية على الأراضي الألمانية قادرة للوصول إلى الأراضي الروسية لا يخلو من حساسية بالغة، إذ إن الخوف من أن تصبح برلين هدفا للأسلحة الروسية ينتشر على نحو واسع في ألمانيا، تماما مثلما يثير تسليحها هواجس قديمة ومخاوف مبررة في العالم.
لكن في تقدير المستشار الألماني أولاف شولتس فإن هذا القرار سيكون "ضمانة للردع والسلام" في نفس الوقت، على الرغم من افتقاده إلى الإجماع داخل البلاد ولا سيما من جانب اليسار الراديكالي الذي أعلن عن مخاوفه من تحويل ألمانيا من جديد إلى ساحة حرب في المستقبل.
ولا تريد الجبهة المناهضة لإعادة تسليح ألمانيا تحمل العبء العسكري والدفاعي للاتحاد الأوروبي بجانب الاقتصادي أيضا، فضلا عن السوابق التاريخية التي كلفت البلد والعالم خسائر مادية وبشرية ضخمة ودمارا هائلا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، إلى جانب حرب أوروبية دينية طاحنة على الأراضي الألمانية في القرن الـ17.
وقد حذرت سارة فاغينناخت الرئيسة السابقة لحزب اليسار الراديكالي "دي لينك" من أن إعادة نصب الصواريخ الأميركية ستزيد من مخاطر تحويل ألمانيا إلى مسرح حرب جديدة.
وبالعودة إلى عقود سابقة قبل سقوط جدار برلين عام 1989، كان شولتس من بين سياسيي الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارضين بقوة لقرار المستشار الراحل هلموت شميت بداية ثمانينات القرن الماضي، عندما وافق على نصب صواريخ بيرشينغ الأميركية (تم سحبها عام 1991) ردا على نصب الاتحاد السوفياتي آنذاك صواريخ "إس إس 20" بألمانيا الشرقية.
لكن ألمانيا اليوم تبدو في سياق مختلف، حيث لا تعكس الخطط المعلنة من قبل الحكومة اعتمادا كليا على المظلة العسكرية الأميركية والأطلسية وحدها، وهناك مؤشرات فعلية على ذلك.
سياسيا، أشار شولتس إلى أن قرار نشر الصواريخ الأميركية في البلاد يتماشى تماما مع إستراتيجية الأمن للحكومة الاتحادية التي تمت مناقشتها علنا، كما أظهر في قمة حلف الناتو في واشنطن نبرة مختلفة تضمنت تعهدا باضطلاع ألمانيا بدورها ومسؤولياتها في حلف الناتو بصفتها أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق، كثيرا ما واجهت ألمانيا في السابق انتقادات بسبب تكرار تخلفها عن تحقيق هدف الناتو المتمثل في إنفاق 2% من ناتجها الاقتصادي على الدفاع.
وكانت حكومة برلين أعلنت إبان الاجتياح الروسي لأوكرانيا عن تخصيص صندوق بتمويلات بقيمة 100 مليار يورو بهدف تحديث الجيش، علاوة على زيادات منتظمة للموازنة السنوية للدفاع، حيث تضاعفت من 37 مليار يورو عام 2017 إلى 75 مليارا عام 2024. وقال شولتس بوضوح في سبتمبر/أيلول 2023 إنه يسعى لأن يكون الجيش الألماني الأفضل تجهيزا في أوروبا.
وبموازاة ذلك، تعمل الحكومة على اتخاذ خطوات تشريعية لتعديل الدستور بهدف السماح بفرض الحد الأساسي للخدمة العسكرية الإجبارية، ويعتقد أن يتم الانتهاء من الإجراءات عام 2025 لتعقبها عملية تجنيد لما يقارب 5 آلاف مجند إلزامي إضافي في البداية.
ومع ذلك، تحاول الحكومة الألمانية ترسيخ نموذج جديد للخدمة العسكرية إلى حين الانتهاء من التعديل الدستوري، يعتمد على المزج بين الخدمة الأساسية المحدودة مع إضافة فترة تطوعية تمتد إلى 17 شهرا.
وذكر وزير الدفاع بوريس بيستوريوس -في تصريحات صحفية- أن هذا النموذج ساعد على زيادة عدد المتقدمين للجيش بنسبة 15% عام 2024 حتى يوليو/تموز مقارنة بنفس الفترة من 2023.
وزير الدفاع الألماني بيستوريوس يخاطب عناصر وحدة مشاة ميكانيكية (غيتي) مبررات ألمانيةيرى المحلل السياسي رضوان قاسم مدير "مركز بروجن للدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية" في بريمن -في حديثه للجزيرة نت- أن حجم اقتصاد ألمانيا يجعلها ركيزة أساسية في حلف الناتو، وهذا يساعدها على تأهيل جيشها، رغم اختلاف العقيدة العسكرية السائدة هناك عما كانت عليه في السابق.
ويتابع قاسم في تحليله أن "التوجهات السياسية الحالية في برلين مختلفة، وأن الدولة بصدد إعادة تأهيل الجيش، ومن هنا نفهم إعادة النظر في قوانين التجنيد وميزانية الدفاع، والهدف من ذلك تكوين جيش على قدر القوة الاقتصادية لألمانيا ودورها في الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي أيا كان الوضع السياسي أو الحكومة المقبلة مستقبلا".
وهناك أكثر من تبرير يدفع ألمانيا إلى تغيير سياستها وعقيدتها العسكرية، ويعددها الخبير كالتالي:
الانطباع السائد لدى ألمانيا والاتحاد الأوروبي بتداعي الوحدة في حلف شمال الأطلسي وسياسات الانطواء للدول الأعضاء، بجانب تهديدات مرشح الرئاسة الأميركية دونالد ترامب بعدم حماية الدول التي لا تلتزم بأهداف الإنفاق الدفاعي في الناتو، وهو تهديد يصب في مصلحة موسكو أولا. معارضة المرشح ترامب للدعم الأميركي العسكري والمالي لأوكرانيا الذي يمثل خط المواجهة مع روسيا، مما يدفع الاتحاد الأوروبي إلى التعويل على إمكاناته الذاتية بما في ذلك الصناعة العسكرية، وهو هدف شدد عليه بوضوح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. تنامي النزعة الأحادية داخل التكتل الأوروبي، وهو ما يدفع كل دولة إلى أن يكون لها جيش فعال بشكل منفرد لتأمين مصالحها. تحولات سياسية عسكرية أفضت إلى تحالفات وتكتلات تحصل خارج نطاق حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، على غرار منظمة الأمن الجماعي في أوراسيا التي تضم دول ما بعد الاتحاد السوفياتي، التقارب الروسي الصيني من جهة والتقارب الروسي الإيراني من جهة ثانية، بجانب التجارب العسكرية في كوريا الشمالية وروسيا وإيران. إعادة إطلاق سباق التسلحعلى الرغم من القيود العسكرية والدستورية التي فرضت على ألمانيا إبان نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا أن قرار برلين بإحداث مراجعات شاملة تشمل الجيش والتجنيد والتمويل العسكري لم يثر تحفظات داخل حلف الأطلسي وجيرانها في الغرب بقدر ما أثار ردود فعل قوية من قبل موسكو.
ويشير رضوان في تعليقه "في حال نشر الصواريخ الأميركية أو تصعيد أكثر مع روسيا، فإن الأخيرة لن تبقى مكتوفة الأيدي لأن هذا تهديد لأمنها القومي، وعلى ألمانيا إعادة النظر في هذه الحسابات، وإن برلين بعيدة عن الحروب منذ الحرب العالمية الثانية وليس من مصلحتها الانسياق وراء مصالح واشنطن الدفاعية".
ولم تنشر الولايات المتحدة أنظمة صواريخ أرضية في أوروبا منذ ثمانينيات القرن، وهي المرة الأولى منذ الحرب الباردة التي تكون فيها أنظمة أسلحة قادرة على الوصول إلى الأراضي الروسية موجودة على الأراضي الألمانية.
وصواريخ "توماهوك" المزمع نشرها يتم إنتاجها من قبل شركة "راثيون" الأميركية، ويختلف مداها من صاروخ إلى آخر، بحسب أنواع الرؤوس الحربية المخصصة لحملها ومدى الطيران ونوع أنظمة التوجيه.
وعام 2023 وافقت واشنطن على صفقة بقيمة 2.35 مليار دولار لتسليم 400 صاروخ توماهوك كروز لحليفتها اليابان من أجل تعزيز أمنها ضد الصين، ويصل مدى الصاروخ 1600 كيلومتر وبسرعة تتراوح ما بين 800 و1000 كيلومتر في الساعة، وهي قادرة على حمل رؤوس حربية نووية وتقليدية.
كما وقعت أستراليا صفقة اقتناء مماثلة مع واشنطن بقيمة 800 مليون دولار مقابل 200 صاروخ في أغسطس/آب.
وفي حين تقدر المسافة بين روسيا وألمانيا في حدها الأدنى بـ1200 كيلومتر فإن الصواريخ الأميركية التي تصل مداها إلى 2500 كيلومتر يمكنها أن تضرب عمق روسيا بسهولة وتشكل تهديدا عسكريا كبيرا لها، ومن المنتظر أن تدفع هذه الخطوة موسكو إلى مراجعة عقيدتها النووية، وفق تلميحات للمسؤولين الروس.
ونقلت وكالة أنباء تاس الروسية الرسمية عن سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، في أول رد فعل على الخطوة الأميركية، قوله "سنعمل على إعداد رد عسكري بالدرجة الأولى على ذلك، دون توتر عصبي أو انفعال" مشيرا إلى أنها "حلقة جديدة في سلسلة التصعيد وتكتيك الترهيب ضد موسكو".
كما قال رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف إن بلاده باتت أقوى بكثير مما كانت عليه قبل 20 عاما، وأكثر استعدادا للصراع مع الغرب "لكنها تعتمد على الدبلوماسية بدلا من القوة العسكرية".
ومنتصف 2024، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن أن بلاده لابد أن تستأنف إنتاج الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى ذات القدرة النووية، ثم تفكر في مكان نشرها.
ويحذر خبراء من إعادة إطلاق سباق تسلح دولي محموم بين أكبر قوتين نوويتين، ويقول هانز مولر كريستنسن مدير مشروع المعلومات النووية باتحاد العلماء الأميركيين -في مقال له بمجلة "بيزنيس إنسايدر"- إن كل طرف يستخدم تصرفات الطرف الآخر لتبرير المزيد والمزيد من الإجراءات الرامية إلى تعزيز قدراته العسكرية.
ويلخص في مقاله تعقيبا على الرد الروسي بالقول "سلكنا هذا المسار من قبل، وكلفنا هذا الأمر عدة عقود لنخرج بدروس قاسية حول مخاطر التصعيد من وراء الصواريخ متوسطة المدى في أوروبا".
إعادة نشر صواريخ أميركية بألمانيا قد يعطي ذريعة لواشنطن لاستعادة الهيمنة المباشرة عليها (رويترز) من حرب باردة إلى حرب نجومووفق الخبير قاسم، فإن الجدل الحالي حول صواريخ توماهوك يذكر بأزمة الصواريخ النووية السوفياتية في كوبا، حينما حبس العالم أنفاسه من خطر حرب نووية كانت وشيكة.
ويشير للجزيرة نت "نحن متجهون بنسق حثيث إلى المربع الأول للصراع الذي كان سائدا بين المعسكرين الشرقي والغربي، ولكن هذه المرة ربما تكون حرب نجوم.. هناك الكثير من الجوانب التقنية اليوم تتجاوز ما كان سائدا في الحرب الباردة مثل طبيعة الأسلحة، بما فيها أسلحة الليزر والطائرات المسيرة والصواريخ الفرط صوتية، وهذا يشكل خطرا أكبر بكثير من مجرد حرب باردة".
وبحسب هذا الخبير يمكن أن تكون هذه المخاطر مضاعفة بالعودة إلى التطورات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا وإمكانية ضم هذا البلد إلى الناتو، مما يجعل هذا الحلف في مواجهة مباشرة وحرب معلنة ضد روسيا.
كما أن إعادة نشر صواريخ أميركية على الأراضي الألمانية قد تعطي ذريعة لواشنطن لاستعادة الهيمنة المباشرة على هذا البلد، وهو ما قد يدفع إلى زيادة التوتر مع روسيا ودول آسيوية أخرى مثل الصين وكوريا الشمالية، وهذا ليس من مصلحة ألمانيا ولا الدول الأوروبية.
أما عن المخاطر الاقتصادية، فيشير قاسم إلى أن أغلب الشارع الألماني والأوروبي يعارض التورط في حرب أوكرانيا بسبب تداعياتها الاقتصادية وما نجم عنها من زيادة في التضخم والاستنزاف المالي الذي كان يفترض أن يستخدم في تقوية الاقتصادات الوطنية ولإنعاش منطقة اليورو والتعافي من تداعيات جائحة كورونا.
وفي تقديره، يمكن أن تشكل الحرب الباردة الجديدة ضغطا مضاعفا على الاقتصاد وعلى الشركات العاملة في ألمانيا وأوروبا، وقد تدفعها التداعيات الأمنية إلى المغادرة إلى أميركا اللاتينية أو آسيا وأي مناطق أخرى أكثر استقرارا وأمنا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات على الأراضی الألمانیة الصواریخ الأمیرکیة الاتحاد الأوروبی الحرب الباردة حلف الناتو إلى أن من جهة من قبل
إقرأ أيضاً:
الصراع حول إعادة تعريف ما يمثله الإسلام في عالم القرن 21.. قراءة في كتاب
لقد بدأت المعركة على الإسلام مع نزول الوحي. وتنوعت صورها والمشاركين فيها عبر العصور المختلفة، وتعددت أهدافها ووسائلها؛ لكنها اتخذت في هذا القرن والقرن الماضي صورا جديدة تغلفها مسميات جديدة للإسلام. وفي هذا الإطار نقدم عرضا لكتاب د. جيمس دوروسي "المعركة على روح الإسلام: تعريف العقيدة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين"، والذي صدر عن دار باليغراف ماكميلان بلندن في يوليو 2024.
وللكاتب مجموعة من الدراسات والمقالات حول هذا الموضوع منشورة بمركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية، والذي عرفه بأنه متخصص في خطوط الصدع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العالم الإسلامي، وهو تعريف يفسر لنا سر اهتمام المركز والصحافة الإسرائيلية والمراكز البحثية الغربية بما يكتبه، وخطورة ما تضمنه الكتاب الذي نقدم عرضا له في هذا المقال.
أهمية الكتاب
يأتي الكتاب في وقت تُرسم فيه الخرائط الإقليمية والدولية، وتتنافس القوى الدولية والإقليمية على السيطرة والهيمنة، وتتبارى الأنظمة المستبدة على تقديم الولاءات والتنازلات ومبررات البقاء في الحكم عبر محاولة السيطرة على القوة الناعمة لهذا الدين وتطويعها لمصالحهم، يقول مؤلف الكتاب:
ـ "المعركة على روح الإسلام" هي صراع لإعادة تعريف ما يمثله الإسلام في عالم القرن الحادي والعشرين. وهي أكبر بكثير من مجرد مواجهة وقمع الإسلام السياسي. إنها معركة طويلة الأمد منذ عقود من أجل القوة الدينية الناعمة، تتنافس فيها دول من الشرق الأوسط وآسيا على: الاعتراف بها كزعيمة للعالم الإسلامي، وأن تكون محركات لتفسير "معتدل" ومتسامح وتعددي للإسلام.
إن جهود السعودية والإمارات لتعريف "الإسلام المعتدل" على أنه أكثر ليبرالية اجتماعيا مع خضوعه لحاكم استبدادي، هي محاولة: لضمان بقاء النظام، وتعزيز تطلعاته لقيادة العالم الإسلامي، ودرء التحديات المتجذرة في فروع متنوعة من التيارات الدينية المحافظة المتطرفة.ـ يستخدم المتنافسون الدين لكسب التأييد والتعاطف في أروقة السلطة في الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك بين المجتمعات اليهودية والمسيحية المؤثرة.
ـ إن جهود السعودية والإمارات لتعريف "الإسلام المعتدل" على أنه أكثر ليبرالية اجتماعيا مع خضوعه لحاكم استبدادي، هي محاولة: لضمان بقاء النظام، وتعزيز تطلعاته لقيادة العالم الإسلامي، ودرء التحديات المتجذرة في فروع متنوعة من التيارات الدينية المحافظة المتطرفة.
ـ تكتسب المعركة أهمية إضافية في الشرق الأوسط، حيث يحاول الخصوم تخفيف حدة التوترات الإقليمية من خلال إدارة نزاعاتهم وصراعاتهم؛ بدلا من حلها. ويركز الخصوم على التنافس على القوة الناعمة؛ بدلا من مواجهة القوة الصلبة التي غالبا ما تشمل وكلاء بالمنطقة كأطراف فاعلة.
عرض موجز للكتاب
عندما ألغى أتاتورك الخلافة العثمانية، قال عبد الله بن الحسين مؤسس الأردن: "لقد انتحر الأتراك. فقد كانت الخلافة أعظم القوى السياسية لديهم. أود أن أشكر مصطفى كمال، فالخلافة عربية، كان النبي عربيا، والقرآن باللغة العربية، ويجب أن يكون الخليفة عربيا من قريش. وقد عادت الآن إلى الجزيرة العربية". لكن ذلك لم يحدث، إذ لم يُظهر القادة العرب اهتمامًا بعودتها، وركزت الحركات السياسية الإسلامية المبكرة على إحياء خلافة طموحة كهدف بعيد المدى بدلاً من كونها هدفًا فوريًا.
وبعد مرور قرن، لم تعد الخلافة هي محور الصراع الإسلامي العالمي. بدلاً من ذلك، تتورط القوى الإسلامية في الشرق الأوسط وآسيا في صراع ديني متعمق "على روح الإسلام"، للسيطرة على قوته الناعمة، وتوظيفه لتحقيق النفوذ والهيمنة الجيوسياسية. والمتنافسون في هذا الصراع متعددون، منهم: تركيا والسعودية والإمارات وقطر وإندونيسيا والمغرب، دون فائز واضح؛ لكن مسار المعركة يدور حول:
ـ تعريف الإسلام وشكل الإيمان في القرن الحادي والعشرين.
ـ الطاعة المطلقة للحكام، وتحويل المؤسسات الدينية إلى أدوات للدولة.
ـ جوهر العلاقة بين الدولة والدين، والدور الذي يجب أن تلعبه الدولة في تطبيق الأخلاق الدينية.
ـ مكانة الدين في التعليم والقضاء والسياسة.
ونظرا لأنه صراع على القوة الناعمة للدين، فقد أصبحت الحدود بين الدولة والدين أكثر غموضًا من أي وقت مضى خاصةً في البلدان الأكثر استبدادًا. وقد صمم المستبدون الاعتدال الديني للحفاظ على سيطرتهم مع تلبية متطلبات التنويع الاقتصادي، وتطلعات الشباب إلى تجربة دينية أقل تقييدا وطقوسا، مع الحفاظ.
السعودية اللاعب الرئيسي منذ الستينيات
بدأت "المعركة على روح الإسلام" على يد السعوديين خلال الستينيات، إذ وضعوا الأساس الأكثر تركيزًا وتمويلًا لحملة الدبلوماسية العامة الإسلامية لتعزيز الإسلام المحافظ. وقد اعتبرت القوى الغربية آنذاك هذه الجهود جزءًا من جهودها العالمية لاحتواء الشيوعية.
قامت السعودية بهذه العملية من أعلى إلى أسفل كمبادرة ممولة من الحكومة إلى حد كبير. ونجحت، بمرور الوقت، في الحصول على دعم شعبي واسع النطاق. وذهب الجزء الأكبر من الأموال السعودية إلى مؤسسات دينية وثقافية محافظة للغاية وغير عنيفة في بلدان متعددة. وكان بعض المتلقين للسخاء السعودي سياسيين؛ والبعض الآخر لم يكونوا كذلك. وقد امتد الجهد الديني السعودي، بعد الثورة الإيرانية عام 1979، لمواجهة المد الشيعي الإيراني، عبر الاستعانة الانتقائية بوكلاء في مختلف دول الشرق الأوسط، ومولت المملكة بشكل مباشر الجماعات المسلحة ردًا على ظروف محددة: أفغانستان ضد السوفييت في الثمانينات، وباكستان لدعم الجماعات المعادية للشيعة والمناهضة لإيران، والعراق الذي شهد تمردًا مناهضًا للشيعة، وإيران في محاولات لإثارة الاضطرابات العرقية. وتم نقل الأموال يدويًا، أو عبر رجال الأعمال والصرافين والبنوك المختارة، أو عبر أسماء تجعل من الصعب تعقب المتبرعين.
محمد بن سلمان ونهج جديد
مع صعود محمد بن سلمان، تبنت المملكة نهجًا جديدًا. قلل الأمير محمد بشكل كبير من دور الشخصيات والمؤسسات الدينية المحافظة للغاية، وخفض التمويل العالمي للنشاط الوهابي، وعزز حقوق المرأة، وبنى قطاع ترفيه على النمط الغربي، في سعى لتصوير المملكة وتقديم إسلامها كمتسامح طموح منفتح يهدف إلى فتح أبوابها. وعلى سبيل المثال، كانت "رابطة العالم الإسلامي" سابقا وسيلة للترويج عالميا ل"لإسلام المحافظ"؛ لكنها الآن تبني علاقات أقوى مع الجماعات اليهودية والمسيحية الإنجيلية، وحولها بن سلمان إلى منبر لنشر رؤيته حول "الإسلام المعتدل". وفي الوقت نفسه، تراجعت تبرعات المملكة الموجهة دينيًا، ويتم تنقية الكتب المدرسية، وهناك تغيير في لغة هذه الكتب فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل.
وبينما تطبق المملكة قوانين صارمة بشأن التبرعات الخيرية للخارج، فإن تمويل المقاتلين الذين يخدمون أهدافها الجيوسياسية يظل غامضًا. وقد ذكر متشددون باكستانيون تدفق أموال كبيرة إلى المدارس الدينية المحافظة على الحدود الباكستانية مع إيران وأفغانستان. وذكروا أن هذه الأموال كانت تُوجه عبر مواطنين سعوديين من أصول بلوشية، وغالبًا ما تُنقل في حقائب، في وقت كان صانعو السياسة الأمريكيون يقترحون فيه زعزعة استقرار النظام الإيراني عن طريق دعم الحركات الانفصالية العرقية.
الدور الإيراني بعد ثورة 1979
كانت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بمثابة الشرارة التي أطلقت مرحلة جديدة من التنافس السعودي الإيراني الذي اجتاح تدريجيا الشرق الأوسط ومناطق آخرى، مع الاختلاف بينهما في مفاهيم القوة الدينية الناعمة. كان التركيز الأساسي للسعودية عقائديا؛ بينما ركزت إيران الثورية على الحصول على القوة الصلبة، ومحاولة تصدير الثورة، ثم اتجهت إيران إلى رعاية وتجنيد الجماعات الشيعية بالمنطقة كخط دفاع أول بالنسبة لها. وفي جنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا، ركزت إيران على القضايا الدينية والاجتماعية.
المعركة تصبح أكثر تعقيدا
بعد التنافس السعودي الإيراني على القوة الدينية الناعمة و"المعركة على روح الإسلام"، دخل معهما لاعبون جدد: الإمارات وتركيا وقطر وإندونيسيا، مما أدى إلى زيادة الخطوط الفاصلة بين القوة الناعمة الدينية والثقافية والقومية البحتة، والصراع داخل المجتمعات الإسلامية على القيم والحريات والحقوق والأنظمة السياسية المفضلة، والجمع بين القوتين الناعمة الدينية والقوة الصلبة، واستخدام الوكلاء:
ـ الحرب التي تقودها السعودية والإمارات لمواجهة إيران في اليمن.
ـ الدعم الإماراتي والمصري والتركي للأطراف المتصارعة في ليبيا والسودان.
ـ التورط التركي والخليجي في سوريا.
هذه التدخلات تكشف عن الانتهازية التي يتبناها معظم اللاعبين. فالإمارات داعية الاعتدال، لا تزال تدعم قوات خليفة حفتر في ليبيا التي تضم صفوفها عددا كبيرا من المقاتلين السلفيين.
اللاعبون والتعامل مع الإسلام السياسي والربيع العربي
كان انبعاث "الإسلام السياسي" نتيجة لثورات الربيع العربي سببا في تغذية أسوأ مخاوف قوى المنطقة سواء في الخليج أو العسكر في مصر. وخلقت الاضطرابات فرصة لتحرك مضاد قادته الإمارات، فأطلقت مشروعا لتسويق "مشروع الإسلام المعتدل المتسامح" الذي يحترم التنوع والحوار بين الأديان. وفي الوقت نفسه، رضخ بن زايد للسلفيين الذين سعوا إلى فرض الشريعة الإسلامية الصارمة على معقل حفتر في شرق ليبيا، بما يتناقض مع وجهة نظره القاتمة حول التيارات والتفسيرات الإسلامية المحافظة. وهي وجهة نظر عبر عنها يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن عندما قال: "خاضت أبوظبي 200 عام!! من الحروب مع السعودية بسبب الوهابية".
الإسلام المسيس
لعب بن زايد دورا رئيسيا في تشكيل سياسات بن سلمان ضد الوهابية والانحياز إلى ما يطلق عليه "الإسلام المسيس"، أو "الاتجاه الثالث في الإسلام السياسي"، وهو اتجاه مرتبط ارتباطا وثيقا بسلطة الدولة وخاضع لها. وقد آتت جهوده ثمارها في الترويج لهذا النوع من الإسلام، والترويج الدعائي للإمارات عبر جماعات الضغط الغربية على أنها مجتمع تعددي مستنير متسامح دينيا. كما قدمت نفسها كدولة علمانية على الرغم من أن دستورها يتطلب أن يكون التشريع متوافقا مع الشريعة الإسلامية. وسجلت واحدة من أهم نجاحاتها مع الزيارة البابوية الأولى لها وتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية مع شيخ الأزهر، والتي صاغها قاض مصري. وسعى بن زايد إلى نشر أفكاره عبر إنشاء منظمات دينية خاصة به، وإطلاق برامج تدريب للأئمة غير الإماراتيين، وتشجيع تبني الأزهر للغة معتدلة لمكافحة التطرف والتعصب. وقد حققت الإمارات نجاحات أولية بتدريب الآلاف من رجال الدين الأفغان، وعرضت تقديم خدمات مماثلة للأئمة الهنود.
الإٍسلام الإماراتي والثورة المضادة
النسخة الإماراتية من الإسلام "الإسلام المسيس" عززت الثورة المضادة لمواجهة الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين وفروع أخرى من الإسلام السياسي. وساعد بن زايد في تدبير انقلاب عسكري بمصر في 2013 أطاح بالرئيس الذي فاز في الانتخابات الحرة والنزيهة الأولى والوحيدة في مصر. وفي 2017، هندست الدبلوماسية الإماراتية السعودية البحرينية المصرية المقاطعة الاقتصادية والسياسية المُنهِكة لقطر التي تُتهم بأنها ركيزة من ركائز الإسلام السياسي.
أدوات التغلل الإماراتي
كان التأثير العالمي المتنامي للإمارات واضحا في قائمة الأشخاص الذين شاركوا في مؤتمر غروزني عاصمة الشيشان 2016 ، الذي حرم الوهابية. كان من بين المشاركين: شيخ الأزهر، ومفتي مصر شوقي علام، وصوفي السلطة علي جمعة المؤيد القوي للرئيس السيسي، وأسامة الأزهري مستشاره للشؤون الدينية، ومفتي سوريا عبد الفتاح بزم المقرب من بشار، والحبيب علي الجفري رئيس "مؤسسة طابة الإسلامية" التي تتخذ من أبوظبي مقرا لها، ومفتي الهند الشيخ أبو بكر أحمد؛ ونظيره الأردني عبد الكريم الخصاونة.
النسخة الإماراتية من الإسلام "الإسلام المسيس" عززت الثورة المضادة لمواجهة الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين وفروع أخرى من الإسلام السياسي. وساعد بن زايد في تدبير انقلاب عسكري بمصر في 2013 أطاح بالرئيس الذي فاز في الانتخابات الحرة والنزيهة الأولى والوحيدة في مصر. وفي 2017، هندست الدبلوماسية الإماراتية السعودية البحرينية المصرية المقاطعة الاقتصادية والسياسية المُنهِكة لقطر التي تُتهم بأنها ركيزة من ركائز الإسلام السياسي.وتمول الإمارات أيضا "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية"، الذي أُنشئ ليواجه اتحاد علماء المسلمين الموجود بالدوحة. ويتبني المنتدى مفهوم مكيافيلي للدين كأداة قوية في يد الأمير. وبدأ أفراد الأسرة الحاكمة في مغازلة عبد الله بن بيه نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين في أوائل 2013 الذي قبل دعوة الإمارات في نفس الشهر الذي أطاح بمرسي. ويرأس بن بيه مجلس الفتوى، ويتحدث نيابة عن حكومة الإمارات.
تأتي مغازلة الإمارات للشخصيات الدينية المؤثرة في العالم الإسلامي من إدراك بن زايد أنه بحاجة إلى القوة الدينية الناعمة لتبرير استخدام الإمارات للقوة الصلبة في بلدان مثل اليمن وليبيا. وسوف يقرر النفوذ المالي والسياسي للإمارات درجة نجاحها في حملة نشر الفكر السياسي الإسلامي المضاد للثورة. يقول يحيى بيرت، وهو باحث بريطاني مسلم من رجال الدين المدعومين من الإمارات: "ثمن الرعاية الإماراتية للعلماء مرتفع للغاية. إذ أن أي انتقاد لانتهاكات حقوق الإنسان فيها يبدو مستحيلا".
هذا لتغليف الأنيق لحملة العلاقات العامة يمنح الإمارات ميزة تنافسية مع السعودية المكبلة بصورتها كدولة متشددة محافظة تحاول التخلص من السجل المتضخم المشوه بشدة لحقوق الإنسان.
تركيا والتوق إلى المجد الإمبراطوري
تتمتع حملة القوة الناعمة الدينية التركية بميزة قومية وهي الشوق إلى المجد الإمبراطوري الماضي. فأعاد أردوغان مسجد آيا صوفيا الذي حوله آتاتورك إلى متحف، وشرع في حملة دعم المساجد والمجتمعات المسلمة التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية. كما يشير إلى نيته استعادة المجد التركي وموقع بلاده كزعيمة للعالم الإسلامي، وكمدافعة عن المسلمين في جميع أنحاء العالم. وجعل لمؤسسة الديانة التركية دورا رئيسيا في السياسة الخارجية والمساعدات ونشر الشكل المعتدل من الإسلام، وزادت ميزانيتها 27 ضعفا أثناء حكمه. وبذلك غرس نسخته من الإسلام السياسي ضمن مكونات مهمة في استراتيجية تركية متعددة الجوانب لتقوية النفوذ عبر التنمية، والمساعدات الإنسانية، ومشروعات البنية التحتية، والاستثمار، وفتح الجامعات.
ليس أردوغان هو أول زعيم تركي يربط الهوية الإسلامية لتركيا بماضيها العثماني. فقد سبقه رئيس الوزراء تورغوت أوزال في الثمانينيات وأوائل التسعينيات، إذ كان رائدا في الانفتاح على آسيا الوسطى، وتشجيع الاستثمار التركي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
جمعية نهضة العلماء و"الإسلام الإنساني"
إندونيسيا هي المنافس الجديد على القوة الدينية الناعمة، مستفيدة في ذلك بجمعية "نهضة العلماء" وقدرتها على الوصول إلى ممرات السلطة في عواصم العالم، بما في ذلك واشنطن ولندن وبرلين والفاتيكان ودلهي، وما أقامته من علاقات عمل وثيقة مع القاعدة الشعبية المسلمة في مختلف أنحاء العالم، والجماعات اليهودية والمسيحية البارزة. كان هذا الوصول من خلال تبنيها عام 2015 لمفهوم "الإسلام الإنساني"، والذي يقوم على أن هناك إشكالية في المفاهيم الإسلامية فيما يتعلق بالعلاقة مع غير المسلمين، وعلاقة المسلمين بالدولة والنظام القانوني السائد في الدول التي يقيمون فيها، مما يجعلهم غير قادرين العيش بانسجام وسلام في إطار التعددية الثقافية، والمجتمعات متعددة الأديان في القرن الحادي والعشرين.
كان رئيس وزراء أندونيسيا يأمل في البداية، من خلال تبني "الإسلام الإنساني"، أن تصبح إندونيسيا منارة لتفسير معتدل للدين، فقال في احتفال وضع حجر الأساس للجامعة الإسلامية العالمية في جاوة الغربية: "إنه من الطبيعي والمناسب أن تصبح إندونيسيا المرجع الرسمي الذي يقدم الحضارة الإسلامية".
هناك مخاوف سعودية وإماراتية من أن تظهر إندونيسيا كمنافسة لقوتهما الناعمة الدينية عبر سعي نهضة العلماء إلى دفع مفهوم "الإسلام الإنساني" على مستوى العالم، وأعلى المستويات الحكومية في العواصم الغربية والهند، مدعومة في ذلك برئيس الوزراء الأندونيسي، مما أعطاها قدرة على المنافسة على القوة الناعمة للإسلام مع الإمارات والسعودية اللتين تحظران الأحزاب السياسية، ولا تعملان بالقواعد القائمة بعد الحرب العالمية الثانية: حقوق الإنسان، سيادة القانون، الديمقراطية، واحترام سيادة الدول الأخرى.
تستفيد الجمعية برفض "الوجه العربي للإسلام" الموسوم بالتطرف في الغرب. وهناك بعض العناصر الغربية مهتمة ب "الإسلام الآسيوي"، الذي يبدو لهم أكثر اعتدالا وتسامحا من الإسلام العربي.
بين التجاهل والتنسيق
خلال معظم العقد الماضي، اختارت دول الخليج تجاهل جمعية "نهضة العلماء"، المنافس الأقوى المحتمل لتفسيرهم للدين، ورفض أمين رابطة العالم الإسلامي الالتقاء بهم. لكن في 2018، وتلبية لاقتراح محاور أمريكي، تم اللقاء في مكة بين الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وزعيم جمعية نهضة العلماء.
إندونيسيا هي المنافس الجديد على القوة الدينية الناعمة، مستفيدة في ذلك بجمعية "نهضة العلماء" وقدرتها على الوصول إلى ممرات السلطة في عواصم العالم، بما في ذلك واشنطن ولندن وبرلين والفاتيكان ودلهي، وما أقامته من علاقات عمل وثيقة مع القاعدة الشعبية المسلمة في مختلف أنحاء العالم، والجماعات اليهودية والمسيحية البارزة.لا يمكن للسعودية والإمارات تجاهل الجمعية، فهي أكبر وأقدم جمعية إسلامية رسمية في العالم، عدد أعضائها 90 مليون على مستوى العالم، ولها حزب سياسي ممثل في الحكومة، وسلطة دينية خاصة بها، ووصول إلى أروقة السلطة في العالم، وبنية تحتية تعليمية واسعة النطاق، وميليشيا قوية يبلغ قوامها خمسة ملايين. لذا، قامتا بالتواصل معها في محاولة لاستمالتها، مع منافستها في الوقت نفسه.
الخلاصة
يرى الكاتب أن المعركة الكبرى على القوة الناعمة للإسلام هي إلى حد كبير معركة حول تعزيز النفوذ العالمي والإقليمي؛ ولا علاقة لها بمفاهيم الإسلام المعتدل على الرغم من ادعاءات مختلف المنافسين، ومعظمها دول استبدادية مع القليل من الاهتمام بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات أو الحريات الأساسية. لكن تأتي إندونيسيا خارج الإطار التقليدي والمحافظ، فجمعية نهضة العلماء، حازت على الاحترام والاعتراف الدوليين باحتضانها "إسلام إنساني" يعالج المفاهيم الإسلامية التي تعتبرها قديمة كالخلافة، بما يشكل تحديا للجهات الفاعلة القوية في "المعركة على روح الإسلام". ولا تزال "نهضة العلماء" تواجه تحدي التغلب على وجهة النظر العربية التي عبر عنها عبد الله الأول ملك الأردن بعد نهاية الخلافة بأنها يجب أن تعود إلى العرب.
يثير المدح المبالغ فيه الذي كاله المؤلف ل"جمعية نهضة العلماء" الكثير من التساؤلات حولها: هل هي كيان مواز في أندونسيا وجنوب شرق آسيا على غرار جمعية فتح الله جولن في تركيا؟ ما هي حدود علاقتها بإسرائيل واليمين الصهيوني فقد زار زعيمها فلسطين المحتلة والتقى بنتنياهو؟ وهل هي محاولة لتدجين الإٍسلام وإخراج نوع منه متوافق مع الغرب قيما وسلوكا، ومنفصل عن قضايا العالم الإسلامي، وفاقد لأسباب المقاومة؟ وهل هي محاولة أيضا لاختراق الجاليات المسلمة بالغرب وإضعاف دورها في نصرة قضايا العالم الإسلامي؟ وهل يكون الإسلام الإنساني الذي تدعو إليه الجمعية مدخلا لشرق أوسط جديد تكون إسرائيل عضوا مقبولا وفاعلا فيه؟ هذا على الرغم من أن القاعدة الأساسية للجمعية مؤيدة لفلسطين مثل باقي الشعب الأندونيسي.