يبدو أن عديد المسؤولين في السلطة الفلسطينية لا يقرؤون ما يكتب عنهم، وإذا قرؤوا لا يبالون ولا يهتمون. فقد سبق قبل أسابيع قليلة أن نصحتهم لوجه الله بتجنب كل ما من شأنه تعميق الجراح وتوسيع الشقة بين الفلسطينيين في هذا الظرف الحرج والخطير، ويعطي فرصة للعدو الذي يفتك بالجميع.
لكن الجماعة فيما يبدو لا تتعامل مع المسألة الوطنية من هذا المنظور.
خطاب صادم، ولغة مخيفة تعبر عن حقد دفين. هذا الشخص لا يتحدث عن الجيش الإسرائيلي الذي يتلذذ بقتل الأطفال والنساء، وإنما يوجه خطابه إلى إخوان له في الوطن. ويؤسس هذا الخطاب على خلفية إسلامية يستعمل مفرداتها بشكل مغلوط ومغرض مثل قوله بأن القضاء على حركة حماس "فريضة شرعية" وليس مواجهة العدو الصهيوني!!.
منهم من ينفخ في الاتجاه المعاكس، ولا يتردد في تهديد المقاومة بلغة عدائية إلى أقصى الحدود. من بين هؤلاء مستشار الرئيس الفلسطيني محمود الهباش وقاضي القضاة وعضو سابق بحركة حماس الذي اعتبر مؤخرا أن "إنهاء حماس فريضة شرعية وواجب ووطني، ودماؤهم مستباحة". متحديا الجميع بقوله "ليغضب من يغضب، وليرضى من يرضى".علينا تجنب الاقتراب من المطبخ الفلسطيني وأن نرفض المساهمة في نشر الغسيل الداخلي للفصائل الفلسطينية. فما يجري على الأرض أكبر وأهم من هذا التراشق المبتذل بالتهم والتهديدات. وإنما نسأل لمصلحة من تهديد المقاومين الذين يتعرضون في هذا السياق إلى مختلف التهديدات والدسائس بالتصفية الجسدية من طرف فيه أنه يحدث باسم السلطة؟. أليس ذلك تأييد مباشر للصهاينة ودعم لهم بالتسريع في القضاء على نخبة فلسطينية شجاعة تدافع عن قضيتها ببسالة نادرة؟. أليس ذلك إعلانا صريحا بأن السلطة بسكوتها عن مثل هذه الصريحات المتشنجة تضع نفسها في موضع الريبة والشك، وتدفع بالمراقبين نحو الاعتقاد بكونها شريكة في هذه الحرب الاستئصالية التي يستنكرها العالم ويطالب بإيقافها في أقرب وقت؟.
ألا يعرف السيد محمود الهباش وهو إمام جمعة أن استباحة دماء الفلسطينيين حرام حرام، وأن الجهاد في مثل هذه الأوضاع فرض على كل قادر. وأن قتل مجاهد في سبيل وطنه يعتبر من الكبائر. هذه أبجديات يعلمها حتى العوام، فما بالك بمسؤول في سلطة تحكم باسم شعب مهدد في وجوده.
أمام وضع كهذا وجب التذكير بالمسائل التالية:
ـ لابد من الأخذ بعين الاعتبار هذه التهديدات بجدية. إذ بمجرد الإفصاح عنها وبهذه الحدة والعبارات الملغمة فهي تعكس درجة عالية من الحقد ولرغبة في تجسيد هذه الطاقة الشريرة على الأرض في أول فرصة تتاح. فهذه الأصوات تهيأ الأرضية المناسبة للشروع في الاقتتال الأهلي من أجل استكمال مهمة القضاء على عوامل المقاومة في الساحة الفلسطينية على أيدي بعض الفلسطينيين الذين اختلطت بهم السبل وفقدوا التمييز بين الخطوط الحمراء والقضايا المصيرية والأوليات الوطنية.
ـ قد يكون هذا التصريح وغيره رسائل موجهة إلى العدو، لإقناعه بأن هناك من يطالبها بمنح الثقة فيه حتى يواصل نفس المهمة ويحقق نفس الغرض. المهم بالنسبة له وقف الحرب الصهيونية مقابل قيام السلطة بردع المقاومة بوسائلها الخاصة. لكن هؤلاء يدركون بأن الإسرائيليين لن يثقوا فيهم وفي قدرتهم على فعل أي شيء يحول دون إتمام مشروعهم الاستعماري. السلطة لم تعد تزن في المعادلات الراهنة وبالأخص التوازنات القادمة. إسرائيل لم تعد في حاجة إلى وسطاء فلسطينيين لتأمين نفسها وفرض إرادتها.
ـ لا يذهب الظن بالقراء إلى أن كل أعضاء السلطة وتحديدا جميع الفتحويين يفكرون بمثل هذه الطريقة الهوجاء. كثير منهم يخالفون هذا المنهج الاستئصالي، ويرفضون بشدة مثل هذه التصريحات المتناقضة مع الخط الوطني الذي سبق لهم أن رسموه بدماء قادتهم. لهذا كانت قيادة حماس محقة عندما أصرت إلى حد الآن على ضرورة إطلاق سراح مروان البرغوثي وأحمد سعدات، لأن الأول من شأنه أن يساعد كثيرا على إعادة الروح النضالية لعموم الفتحويين الذين يبحثون عن شخصية جامعة ذات ثقل تاريخي تتولى توحيد القوى والفصائل، وترفض الخضوع لإرادة العدو الصهيوني وشروطه. أما الثاني فهو شخصية يسارية صلبة ذات قيمة رمزية نادرة. فرغم أزمة اليسار الفلسطيني والعربي بقي الرجل يشكل أيقونة يفتخر بها الجميع.
ومجرد التمسك بهاتين الشخصيتين يعكس إيمان المقاومة بوحدة المصير، وتثبت بكونها أكبر بكثير من أن تتورط في معركة هامشية مع دعاة الحرب الأهلية، أو بتعبير أدق مع دعاة الفتنة الذين سيكون التاريخ هو الحكم الفيصل في خلافهم مع حماس وغيرها من فصائل المقاومة ذات المرجعية الإسلامية. فما يحصل داخل فلسطين في السياق الراهن مخلف تماما عما حدث ويحدث في دول أخرى بالمنطقة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السلطة الفلسطينية التهديدات فلسطين سياسة تهديدات رأي سلطة مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مثل هذه
إقرأ أيضاً:
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية من الله
وفي هذ السياق يعتبر أن مقولة "الإسلام هو الحل" تحتوي على تناقض، ويتساءل قائلا "لماذا الإسلام هو الحل؟ ومشاكل الناس تتعلق بالسكن والتعليم الجيد والخدمات الصحية الجيدة وغيرها من المطالب.."
ويعارض مسألة أن الإسلاميين بإمكانهم أن ينازعوا على السلطة ويحكموا بالشريعة الإسلامية، وهذا في نظره "طريق مسدود"، و"ما يقوله الإسلاميون ليس هو ما يدعون إليه: الإسلام هو الحل".
ويعتبر بن كيران، وهو أمين عام حزب العدالة والتنمية "أن النزاع بين الإسلاميين والسلطة الحاكمة خطيئة"، لأنه يدخل الإسلاميين في متاهات طلاب السلطان عبر التاريخ، ومن يطلب السلطان والحكم يكون مصيره، إما القتل أو السجن أو التهميش أو النصر والحكم.
ويرى أن الإسلاميين وقعوا في خطأ آخر، عندما أوّلوا ما وقع لهم في سبيل طلب السلطان بأنه ابتلاء في سبيل الله، ويقول إن ذلك منعهم من أن ينتبهوا لأخطائهم.
ويشدد رئيس الحكومة المغربية الأسبق على أن دور الإسلاميين ليس طلب السلطان والحكم، مدللا على موقفه بالقول، " لم أجد في القرآن الكريم ولا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا يسمى طلب السلطان أو الحكم"، ولفت أنه لم يجد سوى قول الله عز وجل: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت"، أي أن دور المسلم هو أن يساهم في الإصلاح.
رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني في لقاء حزبي سابق مع بنكيران ـ الجزيرة نت (الجزيرة) طوفان الأقصى هدية من اللهومن جهة أخرى، يتطرق رئيس الحكومة المغربية الأسبق في حديثه لبرنامج "المقابلة" إلى موضوع التطبيع بين المغرب و الاحتلال الإسرائيلي في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2020.
ويقول في رده على سؤال بشأن توقيع حزب إسلامي (حزب العدالة والتنمية) على اتفاق التطبيع: " فوجئنا كما فوجئ العالم كله بتوقيع سعد الدين العثماني (رئيس الحكومة) ولم يكن عند أحد منا علم وأنا شخصيا لم أكن أعلم".
ومن جهة أخرى، يصف الإسلامي المغربي عملية "طوفان الأقصى"، بأنها "هدية من الله عز وجل"، لأن "القضية الفلسطينية كادت أن تنتهي والمسجد الأقصى كاد أن يضيع"، واعتبر أن دروس طوفان الأقصى لا تنتهي.
كما يستعرض بن كيران مساره السياسي الذي بدأ في الستينيات والسبعينيات، حيث استهل هذا المسار في صفوف اليسار، ثم التحق في العام 1976 بتنظيم "الشبيبة الإسلامية"، والتي انفصل عنها في العام 1981، ليؤسس رفقة آخرين "الجماعة الإسلامية"، ومن الذين كانوا معه محمد يتيم وسعد الدين العثماني وعبد الله بها، وصولا إلى تأسيس "جمعية الجماعة الإسلامية" عام 1983.
وتولى الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عام 2008.
24/11/2024-|آخر تحديث: 24/11/202410:02 م (بتوقيت مكة المكرمة)