اشتكي د. حيدر إبراهيم مرة من مقاطعة المثقفين لمحاضرة قدمها. وقلة عناية صفوتنا بطلب المعرفة في مظانها قديمة. فقد حكي لي د. قمرالدين قرنبع أنهم استضافوا في معهد الدراسات الأضافية بجامعة الخرطوم فيلسوف التاريخ الانجليزي آرنولد توينبي في النصف الثاني من الستينات. ولم يحضر لمحاضرته أحد وهو الرجل صاحب النظرة النافذة في منزلة السودان في فريقيا.
واستفدت من العنوان لاحقاً وكتبت كلمتين عن الأزهري والمحجوب عنوانهما "أزهري او المحجوب: آسف جداً" في جريدة الميدان، يارب! ولم يقيض لي الله بعد مراجعة أسفي حيال مأثرة الرجلين كما يفعل بعض جيلي ومن تبعهم بإحسان او بغيره. فأنا ملحد حيال القداسة التي تحيط قديماً ومؤخراً بالرجلين وأتمني ألا اتوب عن نقضي لمساهمتيهما في السياسية. وقد عبرت عن اسفي هذا للمحجوب و"جهولجا" يوم لقيته في النصف الثاني من الستينات بحضرة حبيبنا الشاعر المجذوب. وتلك قصة اخرى.
قلت أن صفوة الخرطوم تثاقلت عن دعوة معهد الدراسات الإضافية لداعي المعرفة بعلم توينبي. وقال قرنبع أنه خاف على توينبي من الصدمة حين يحضر ويري المقاعد خالية على عروشها. وفكر قرنبع وقدر. ولا تعوز الحيلة قرنبع. فقد اشتهر أنه هو الذي اخترع كل أنواع السلفيات التي تمنحها جامعة الخرطوم لموظفيها من سلفية ضائقات وشدة. فما توجع قرنبع من نقص في المال حتى اقنع الجامعة بوجوب تخصيص سلفية لنوع ضائقته واستفاد وافاد من جاءوا بعده.
قلت أن قرنبع خشي أن يأتي توينبي ويكتشف أن الخرطوم هي عاصمة للجاهلية الأفريقية العربية. وكان قرنبع موفور الحيلة. ألم يخرص النديم المتطفل الذي أفسد الجلسة بإصراره على مناقشة الماركسية وبرهان انها نظرية ناقصة في مجلس أنس وندامي! لقد فعل قرنبع ذلك ولم يتكلف غير تخصصه في اللامعقول. فلما الحف الرجل في الحديث عن نقص الماركسية قال له قرنبع: "يا أخ ممكن بالله. انت الماركسية ناقصة كم صفحة؟" وقيل إن الرجل صمت عن الكلام المباح عن نواقض الماركسية حتى الصباح.
قلت أن قرنبع واسع الحيلة وسرعان ما تفتق عن حيلة ماكرة يضع بها العروش علي كراسي محاضرة توينبي. فطاف بداخليات الجامعة واتصل بالفراشين من وردية الليل وأغراهم بلبس جلاليبهم وحضور المحاضرة. وتعهد لهم أن الجامعة، بجانب تقديرها الأكاديمي لوجودهم في محاضرة توينبي بالطبع، ستصرف لهم "أوفرتايم" جزاء تكرمهم بالحضور. واشترط عليهم امراً واحداً وهو الامتناع عن الاسئلة والتعليق أو المحاضرة الموازية المشهورة في ندوات الفكر المزعومة عندنا.
وقد يقول قائل لماذا احتاج قرنبع إلى هذا الاشتراط والمحاضرة بالإنجليزية على كل حال والفراشون متحدثون بغيرها. وغيرها ليست العربية بالطبع، بل هي لغات حمدها في بطن صديقنا ابو الجعافر الناشط النوبي بلسانه. وهذا اعتراض وجيه علي شرط قرنبع ولكن الدنيا ما معروفة. فبعض الناس لا يمنعه الجهل بشيء من الخوض فيه والافتاء بشأنه. بل أن هذا هو الديدن عندنا. فلربما كان هناك مرمطون سابق مع مستر ويلس أو مكمايكل او هدلستون بيه وأنس بنفسه العلم بالإنكليزية فهماً وكتابة. ولربما طرب هذا المرمطون (معاش) وحن للأيام الخوالي فأبت أريحيته الا بالتطوع بسؤال من شاكلة دونكي مي رايد يو خرطوم بلس بياستر تو . . . ياجنابو.
زادت كلمات العمود عن مقررها. ونقول للمشفقين أن المحاضرة انتهت ولم يعكر صفوها أحد. وقبض المرمطونات أوفرتايم الاستماع الي توينبي. وربما لاحظ توينبي صمت الجمهور ولكنه لا بد قد اعجب بدماثته. وخلا فؤاد الصفوة من علم الرجل حتى اشتكي حيدر بآخرة من تقاعس الصفوة. وقلنا نجدد الذكري فالذكري ناقوس يدق وين مش عارف.
• تخلص قرنبع بظرف عبثي من دعوة من أخي المرحوم زين العابدين لمشاهدة فيلم ما.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
طقوس عند قبر سبب الحرائق في كوريا الجنوبية
قالت الشرطة الكورية الجنوبية اليوم الأحد، إنها حجزت رجلاً تسبب في اشتعال ما أصبح أكبر حريق غابات في البلاد والذي أودى بـ26 ضحيةعلى الأقل، ودمر آلاف المباني بنها معابد تاريخية.
وقال مسؤول في شرطة إقليم كيونجبوك إن السلطات تعتقد أن الرجل، وهو في الخمسينيات من عمره، بدأ الحريق في منطقة ويسونغ بجنوب شرق البلاد عندما كان يؤدي طقوساً لتكريم الموتى عند قبر عائلي في 22 مارس(آذار)، وأضاف المسؤول "نحن بصدد التحقق من الأدلة".
وذكرت وكالة يونهاب للأنباء أن الرجل نفى الاتهامات، وأتى الحريق على نحو 30 ألف هكتار، ودمر 4 آلاف مبنى، وأجبر عشرات الآلاف على إخلاء بيوتهم.
وبحلول يوم الجمعة، تمكنت السلطات من احتواء الحريق إلى حد كبير لكن رجال الإطفاء، يسعون لإخماد النيران في بؤر صغيرة تأججت أمس السبت.
وقالت هيئة الغابات اليوم الأحد، إن حريق غابات آخر اندلع في جنوب البلاد قربن مدينة سونتشونسي، وأرسلت السلطات 23 مركبة إطفاء و 4 مروحيات، و123 رجل إطفاء.