أوراق شمعون المصري… رواية متجاسرة
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد
إن كان الأديب العالمي الأستاذ نجيب محفوظ قد قدم ملحمة أولاد حارتنا بتجاسر أدبي ينحو بإتجاه مكثف لتاريخ الخليقة منذ أن تبدت له في مورثاتها المشرقية المجللة بالرموز والنصوص في قالب يستلهمهما ويغوص في اعماقهما ويقتطف منهما عملا ابداعيا متخيلا وواقعيا. يسرد فيها عذابات الإنسان واشواقه وتطلعاته لقيم العدل وتحققه ونواياه في الاحتفاظ بما أنجز من تلك القيم دون أن تتآكل بفعل آفة هي سمة الحارة المائزة وجوهر مادتها التي ترتد إليها كلما بلغ من الكمال مبلغا.
قد يكون من العسير تصور أن كاتباً قد يأتي بعد الأستاذ نجيب ليفتح مغاليق ذلك الموروث ليصيغ منه قصصاً أو أوراقاً فيما يُمكن أن يُسمى أدب السير والرحلات بتوظيف المخيال في التاريخ ليسجل ملحمة أخرى هي أقرب للمجازفة منها لأي شئ آخر... ليطل عمل روائي ملحمي مبدع تتداعى فيه الأحداث بصورة مدهشة فينتقل الحكي كما ورد في العديد من سور القرآن- حتى ليصعب على القارئ فرز الخيال من التاريخ، بل في أحيان قد تحمله الدهشة ليعاود التأمل في السرد من خلال نص قرآني متنقلاً بين سور البقرة وآل عمران والأعراف والكهف وغيرها في سيرة بني إسرائيل. ليجد نفسه أمام ملحمة جديدة مستلهمة هذه المرة من القصص القرآني وإن بجراة أقل ومباشرة أكثر مما فعل الأستاذ نجيب، لكنها لا تقل عظمة لا في النوع ولا في المحتوى... فرواية (أوراق شمعون المصري) هي حكاية التيه الذي ضُرب على بني إسرائيل في الوصول الي الأرض المقدسة ليكابد الإنسان أهوال التيه وليكتشف أنه ليس في البيداء ولا في الصحاري ولا في مكابدة الأسفار وتواصل التسيار، وإنما بالنظر للداخل في أغوار النفس البشرية، حيث يستكنُّ اليقين ويقيم المقدس وتتفجر ينابيع الحكمة وتنصت الروح لذلك الصوت الأبدي الذي جُبلت على سماعه من لدن بدء الخليقة...
فبرغم أن الرواية تبدو توديناً ليوميات رحلة التيه في عمق برية سينا، وأنها عذاب حاق ببني إسرائيل، إلا أنها تفاجئ القارئ بنهاية تفضح مشروع التسلط والتغول على حق الآخرين في أرضهم بمبرر "الميعاد" لشعب الله المختار وبالتالي تنسف فكرة "المشروع الصهيوني" برمته وكل ما اكتنفه من أساطير ودعاية مدعومة بآلة اعلامية ماضية ... فبرغم أن الهدف من الرحلة التي تم تدوينها كان يصبو للوصول للأرض المقدسة، إلا أن الكاتب يقرر بعد كل ذلك الرهق المضني من "سِفر الخروج" البحث عن الأرض المقدسة ليست سفراً قاصداً وإنما فكرة جسدها الكاتب بذكاء مفرط في قوله على لسان شمعون المصري :(أن الأرض تتقدس حين تسود فيها عدالة السماء، فإذا عمّ فيها الظلم والجور فهي أرض ملعونة ولن يشفع لها بيت ولا حجر، وعلمت أن الإنسان هو أسمى ما على الأرض وأن الرب يسرّه أن تعمر القلوب بالإيمان على أن تُعمر بيوته بقلوب خاوية... ص 538) هكذا إذن توجد الأرض المقدسة حيثما وجدت اشتراطاتها المندغمة في العدالة وعمار القلوب بالإيمان. لا وطن يُختلق اختلاقاً ولا أرض تُغتصب اغتصاباً بتصور من وعد لم يتحقق لنبي مرسل.
فكما تبدأ الرواية بالرحيل ودون أن تنتهي الرحلة يختار كاتب الأوراق ألا بستأنفها ويتمسك بأثر النبي - موسى- لقيم حيث أقام الي أن تنتهي حياته ليكون قد أصاب هدفه بعد عهد تطاول فيه الارتحال والتيه. لينعم هو بحياة أبدية مستقرة حينما يسدل جفنيه لمعانقة محبوبته (زوجه- أروى) ليقرر أن تكون نهايته في الموضع الذي قضت فيه نحبها، ثم يسأل القارئ في ختام أوراقه - المتخمة بالمتعة والممتدة على مدار ستون عاماً وثمانية أشهر - أيّاً مَن كان ذلك القارئ أن يدعو له بالرحمة والغفران... لينقل الكاتب للقارئ تلك الوصية بمشاعر أمينة لتثير في النفس نوازع شوق متجدد لشمعون المصري، وليرتبط معه القارئ بوشيجة حب قد لا يدري كنهها أو أصل منبعها، وبلا شك تمتد تلك الآصرة بذات الحب والتقدير لعبقرية مؤلف هذا العمل المتاجسر د. أسامة عبد الرؤوف الشاذلي.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
شهادة الدكتوراه في البيولوجيا لحسين نجيب الدين في كندا
نال الطالب حسين عدنان نجيب الدين من بلدة جباع الجنوبية شهادة الدكتوراة في البيولوجيا من كلية الطب في جامعة شيربروك الكندية على أطروحته، بعنوان "تأثير مادة الصوديوم على بطانات شرايين القلب عند الرجال والنساء".
واشار الى انه "بعد جهود بحثية مثمرة توصل الى إكتشاف مهم حول إختلاف تأثير مادة الصوديوم على بطانات شرايين القلب عند الرجال، وعند النساء مما سيحتم على الشركات المنتجة لأدوية الضغط والسكري إنتاج أنواع جديدة منها تراعي هذه الفروقات لتكون أكثر فعالية".