سودانايل:
2025-03-11@12:55:32 GMT

أوراق شمعون المصري… رواية متجاسرة

تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد

إن كان الأديب العالمي الأستاذ نجيب محفوظ قد قدم ملحمة أولاد حارتنا بتجاسر أدبي ينحو بإتجاه مكثف لتاريخ الخليقة منذ أن تبدت له في مورثاتها المشرقية المجللة بالرموز والنصوص في قالب يستلهمهما ويغوص في اعماقهما ويقتطف منهما عملا ابداعيا متخيلا وواقعيا. يسرد فيها عذابات الإنسان واشواقه وتطلعاته لقيم العدل وتحققه ونواياه في الاحتفاظ بما أنجز من تلك القيم دون أن تتآكل بفعل آفة هي سمة الحارة المائزة وجوهر مادتها التي ترتد إليها كلما بلغ من الكمال مبلغا.

آفة ما إنفك الظلم يعيش عليها كلما شاءت له الاقدار أن ينيخ بكلكله على كاهل أهل الحارة... تلكم هي آفة النسيان.. والنسيان هو غفوة العقل وغفلة الضمير عما يقيم الحياة ببعدها الإنساني عندما يُتاح له بعد جهيد جهيد أن يصرع الظلم بمباركة (الجد الأكبر)... هكذا نفذت بصيرة نجيب الفنية لتوظيف الموروث الديني في تلك الملحمة بتجاسر لا يجرؤ عليه إلا كاتب تمكن من أدوات عمله وعلمه كما فعل نجيب محفوظ.
قد يكون من العسير تصور أن كاتباً قد يأتي بعد الأستاذ نجيب ليفتح مغاليق ذلك الموروث ليصيغ منه قصصاً أو أوراقاً فيما يُمكن أن يُسمى أدب السير والرحلات بتوظيف المخيال في التاريخ ليسجل ملحمة أخرى هي أقرب للمجازفة منها لأي شئ آخر... ليطل عمل روائي ملحمي مبدع تتداعى فيه الأحداث بصورة مدهشة فينتقل الحكي كما ورد في العديد من سور القرآن- حتى ليصعب على القارئ فرز الخيال من التاريخ، بل في أحيان قد تحمله الدهشة ليعاود التأمل في السرد من خلال نص قرآني متنقلاً بين سور البقرة وآل عمران والأعراف والكهف وغيرها في سيرة بني إسرائيل. ليجد نفسه أمام ملحمة جديدة مستلهمة هذه المرة من القصص القرآني وإن بجراة أقل ومباشرة أكثر مما فعل الأستاذ نجيب، لكنها لا تقل عظمة لا في النوع ولا في المحتوى... فرواية (أوراق شمعون المصري) هي حكاية التيه الذي ضُرب على بني إسرائيل في الوصول الي الأرض المقدسة ليكابد الإنسان أهوال التيه وليكتشف أنه ليس في البيداء ولا في الصحاري ولا في مكابدة الأسفار وتواصل التسيار، وإنما بالنظر للداخل في أغوار النفس البشرية، حيث يستكنُّ اليقين ويقيم المقدس وتتفجر ينابيع الحكمة وتنصت الروح لذلك الصوت الأبدي الذي جُبلت على سماعه من لدن بدء الخليقة...
فبرغم أن الرواية تبدو توديناً ليوميات رحلة التيه في عمق برية سينا، وأنها عذاب حاق ببني إسرائيل، إلا أنها تفاجئ القارئ بنهاية تفضح مشروع التسلط والتغول على حق الآخرين في أرضهم بمبرر "الميعاد" لشعب الله المختار وبالتالي تنسف فكرة "المشروع الصهيوني" برمته وكل ما اكتنفه من أساطير ودعاية مدعومة بآلة اعلامية ماضية ... فبرغم أن الهدف من الرحلة التي تم تدوينها كان يصبو للوصول للأرض المقدسة، إلا أن الكاتب يقرر بعد كل ذلك الرهق المضني من "سِفر الخروج" البحث عن الأرض المقدسة ليست سفراً قاصداً وإنما فكرة جسدها الكاتب بذكاء مفرط في قوله على لسان شمعون المصري :(أن الأرض تتقدس حين تسود فيها عدالة السماء، فإذا عمّ فيها الظلم والجور فهي أرض ملعونة ولن يشفع لها بيت ولا حجر، وعلمت أن الإنسان هو أسمى ما على الأرض وأن الرب يسرّه أن تعمر القلوب بالإيمان على أن تُعمر بيوته بقلوب خاوية... ص 538) هكذا إذن توجد الأرض المقدسة حيثما وجدت اشتراطاتها المندغمة في العدالة وعمار القلوب بالإيمان. لا وطن يُختلق اختلاقاً ولا أرض تُغتصب اغتصاباً بتصور من وعد لم يتحقق لنبي مرسل.
فكما تبدأ الرواية بالرحيل ودون أن تنتهي الرحلة يختار كاتب الأوراق ألا بستأنفها ويتمسك بأثر النبي - موسى- لقيم حيث أقام الي أن تنتهي حياته ليكون قد أصاب هدفه بعد عهد تطاول فيه الارتحال والتيه. لينعم هو بحياة أبدية مستقرة حينما يسدل جفنيه لمعانقة محبوبته (زوجه- أروى) ليقرر أن تكون نهايته في الموضع الذي قضت فيه نحبها، ثم يسأل القارئ في ختام أوراقه - المتخمة بالمتعة والممتدة على مدار ستون عاماً وثمانية أشهر - أيّاً مَن كان ذلك القارئ أن يدعو له بالرحمة والغفران... لينقل الكاتب للقارئ تلك الوصية بمشاعر أمينة لتثير في النفس نوازع شوق متجدد لشمعون المصري، وليرتبط معه القارئ بوشيجة حب قد لا يدري كنهها أو أصل منبعها، وبلا شك تمتد تلك الآصرة بذات الحب والتقدير لعبقرية مؤلف هذا العمل المتاجسر د. أسامة عبد الرؤوف الشاذلي.
د. محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

نار الثأر .. إحالة أوراق شقيقين للمفتي أنهيا حياة شخصين في أسيوط

أحالت الدائرة العاشرة بمحكمة جنايات أسيوط، أوراق شقيقان، للمفتي لقيامهما بقـ.ـتل شخصين أخذا بثار والدهم وشقيقهم بقرية دوينة بمركز أبوتيج، وحددت جلسة 12 ابريل للنطق بالحكم.


عقدت الجلسة برئاسة المستشار محمد رفاعي عبد الحافظ رئيس المحكمة و عضوية المستشارين أحمد محمد حلاوة الرئيس بالمحكمة و حسين إبراهيم محمد نائب رئيس المحكمة وأمانة سر عبد المنصف إبراهيم وعاطف رمسيس.


تعود وقائع القضية رقم 8065 لسنة  2024 جنايات مركز أبوتيج إلى ورود بلاغا لمركز شرطة أبوتيج بإطلاق أعيرة نارية ناحية قرية دوينة ووفاة شخصين .
انتقل إلى موقع البلاغ ضباط مباحث مركز شرطة أبوتيج وتبين من المعاينة والفحص مقتل " جمال . م . أ " و نجل شقيقه " عمرو . ا . م ". 

تحريات مباحث مركز شرطة أبوتيج 

توصلت تحريات المباحث إلى أن وراء ارتكاب الواقعة كلا من " علي . ح . ع " و شقيقه " مهران . ح . ع " وشخص آخر هارب.

بسبب معسل الشيشة.. السجن المشدد 7 سنوات لعاطل أنهى حياة والده بأسيوطالسجن المشدد 15 عاما لعامل هـ.ـتك عرض تلميذ بأسيوط


وأشارت التحريات إلى قيام المتهمين بحمل الأسلحة النارية والتربص للمجني عليهما وسط الزراعات الخاصة بالمجني عليهما وما أن شاهدوهما أثناء مرورهما قاموا بإطلاق وابل من الأعيرة النارية صوبهما مما أودى بحياتهما وذلك على خلفية خصومة ثأرية بين عائلتي المتهمين والمجني عليهما.

مقالات مشابهة

  • الأستاذ الفرحان: اللجنة ستكون موجودة على الأرض وستستمع إلى شهود عيان ولن تكتفي بما ينشر على وسائل التواصل من مقاطع فيديو
  • الرئيس عون تسلم أوراق اعتماد 3 سفراء
  • الجوهر: النصر لم يقدم أوراقًا تثبت عدم تفرغ الرويلي.. فيديو
  • انطلاق المرحلة الأولى من مسابقة القارئ الصغير بموسمها الرابع بالسويداء
  • النبات الراقص.. الظاهرة التي يعجز العلماء عن تفسيرها
  • الإجراءات الجنائية.. هل يجوز إعادة الإجراءات عند فقدان أوراق التحقيق
  • نار الثأر .. إحالة أوراق شقيقين للمفتي أنهيا حياة شخصين في أسيوط
  • رواية يوم القيامة!
  • بوجلبان يعيد ترتيب أوراق المصري بعد وداع كأس مصر
  • جربي محشي الكرنب بطريقة الكب كيك .. فكرة جديدة