سودانايل:
2024-09-07@07:56:10 GMT

بؤس الخطاب الثقافي

تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT

Mugheira88@gmail.com

المغيرة التجاني علي

ليس من سبيل لإيقاف تمدد هذه الحرب و توسع رقعتها و احتمالات إعادة انتجها كل مرة , سوي إعمال العقل و تسخير قدرات المثقفين و اصطفاف التربويين لتحسين صورة الخطاب الثقافي القائم في بلادنا السودان و لقطع الطريق أمام تنامي خطاب الكراهية و وقف الشعارات التي تكرس الانقسام المجتمعي الاثني و الجهوي بصورة حاسمة وبوعي كاف بمخاطر لغة ( نحن أو أنتم ) و محاولة محو الآخر و استحضار صور الوهم المتخيلة المليئة بالمشاحنات و المولدة لمزيد من الأحقاد .


إن بؤس الخطاب الثقافي و الذي سيطر علي المشهد الجيوسياسي , وساد لفترة من الزمن , ينذر بشر مستطير و عواقب وخيمة و مألات عظام قد تجر البلاد الي منزلق الفوضى و الضياع و الدخول في أتون حرب أهلية لا تبقي و لا تذر و يعود علي الأرض و الشعب بالبؤس و الشقاء و خيبة الرجاء و يحيل كل جميل فيه الي تعيس و كل أخضر الي يابس و يبدل حسنه و نعيمه الي قبح و جحيم .

فتحسين صورة الخطاب الثقافي صارت ضرورة ملحة , لأن الثقافة والفكر و التربية هي العوامل الاساسية التي تقوم علي أساسها عمليات البناء و النهضة و التطور و ترتقي بالحياة الاجتماعية لإنسان هذا البلد العامر بالتنوع و التعدد الثقافي و الاثني و تعمل علي حل المشكلات و تحصين المجتمع من الصراعات و تمنع نشؤ الكوارث و الحروب ضمن منظومة من القيم و الضوابط الاجتماعية والقانونية والسياسية . و البشرية , من خلال رحلتها التاريخية الطويلة , مدينة , ولا مندوحة , الي العديد من الفلاسفة والعلماء و المفكرين و المثقفين و المصلحين الاجتماعيين الذين قاموا بأدوار محورية في ميادين التنظير و الترشيد والتنظيم, ضمنت بقاء و سلامة أفراد المجتمع و أحدثت كثيرا من اجراءات التغيير و التحديث و صياغة قوانين النظام الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي و الثقافي في توازن منضبط نقلته من حياة البداوة و الحروب الي حياة التقدم المدني و التطور الحضاري و التعايش السلمي .

فللثقافة و التربية أدوار هامة و عظيمة في تربية النفوس وصقل العقول و تهذيب السلوك السوي الذي يحصن المجتمعات من شرور الكراهية ونبذ التباغض و تأجيج المشاحنات كما لها من آثار في تهيئة الأجيال المتعاقبة لقبول المخالف و التعايش السلمي و التعاون المثمر و التراضي المجتمعي لمواجهة متطلبات الحياة و العيش الكريم في كنف بلد واحد يسع جميع ابنائه .

فالمثقف الأصيل مكانه قلب المعركة الاجتماعية التي تفرض عليه الالتزام بقضايا الناس و الانخراط في الفعل المجتمعي السياسي لينتح الرؤي و الأفكار و يطرح المبادرات و يقدم المشاريع الجماعية الهادفة و يقوم بعمليات الرصد و التحليل و اجتراح الحلول و المساهمة في صياغة القرارات السياسية و يقود مبادرات الاصلاح لقطع الطريق علي ممارسات التمييز والتهميش و الازدراء بالفقراء و حمايتهم من أساليب القهر لدفع المجتمع نحو المصالحة و منع القمع البنيوي الذي يمارسه الأقوياء تجاه الضعفاء و الأثرياء تجاه أصحاب العوز .
وللمثقفين و المفكرين دور باين في التدخل لهزيمة النوايا المشحونة بالحقد بما قد يسهم في بلورة مشاريع توافقية سلمية في مواجهة رغبات الانزلاق في متاهات البغض المؤدية الي التناحر و الحروب .
و علي المثقفين والتربويين والدعاة وقادة الرأي المساهمة في تحسين الخطاب الثقافي و تعزيز قيم التسامح و التواصل الاجتماعي و ادارة الحوار بين اطياف المجتمع علي أسس سليمة و عادلة و مجابهة خطاب الكراهية و حسن ارشاد الشباب علي الاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي و تقوية أواصر المحبة بينهم .
وديننا الحنيف يدعونا الي الألفة والمحبة والسلام و صياغة خطابنا للآخر المختلف بعناية و ذلك لصلاح المجتمع و لنبذ الفرقة و تعزيز سبل السلام و تجنب اثارة الكراهية والبغضاء و تحقير وازدراء الغير ، قال تعالى:" لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيما". صدق الله العظيم .  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الخطاب الثقافی

إقرأ أيضاً:

لا عزاء لضحايا الحروب العبثية والفرص المهدرة

بقلم: حسن أبو زينب عمر

على مدار أسبوع كامل طغى مشهدان مصدرهما السودان على كل وسائل الميديا المحلية تاركان كل أجهزة الاعلام المسموع والمقروء تلهث للحاق بهما. بل ان المشهد الثاني كان مؤهلا بأن تتسابق عليها وكالات وصحف وتلفزيونات العالم لاكتمال كل عناصر الاثارة والتشويق فيه لولا ان ولادته كانت في بلدة هامشية منسية في خاصرة الشرق لا نعرف ان كانت مصنفة قرية كبيرة أو مدينة صغيرة فطارت فرصة السبق الصحفي عن أجهزة العالم.

(2)
المشهد الأول سجل باسم امرأة (قوز هندي) التي أسمعت البرهان رئيس مجلس السيادة كلمات استغاثة وهي حاسرة الرأس لم يكن (معتصم السودان) جاهزا للرد عليها من هول المفاجأة والمباغتة ووجع الإحساس. لا أدرى مصيرها الآن هل حققت معها أجهزة الأمن أم تركتها وشأنها. المشهد الثاني لطبيب مستشفى (طوكر) وهو يخوض بيديه العاريتين أمواج السيول العارمة للوصول الى مرضاه الذين غمرت مياه الفيضانات مأواهم في مشهد من الوفاء والأمانة لم له مثيلا في زماننا هذا. لا أدري هل وجدهم على قيد الحياة أم جرفتهم المياه فأصبحوا أثرا بعد عين.

(3)
لكن الخبر الذي أوقفني وأوقف كل سكان العاصمة الإدارية بورتسودان هو خبر ضجت به الأسافير وسبح فوق غيمه من السعادة الآلاف من أصحاب المسغبة والحرمان .. الخبر كان قبل شهرين تقريبا وكان يتحدث حديث الواثق عن دولة خليجية أبدت استعدادها للدخول في استثمارات واسعة في شرق السودان لهدوئه وسلامه النسبي ..رأس الرمح في الاستثمار الزراعي كان في مدينة طوكر المشهورة بمنتجاتها الزراعية العضوية organic وكان التركيز فيه على فاكهة (الفراولة) التي أكدت الأبحاث الزراعية عن ملائمة المناخ والتربة على نجاحها .المياه أيضا كانت ضمن أولويات المستثمر الخليجي وهو التركيز الى الحل النهائي لأزمة مياه بورتسودان وربما كل الشرق بمد أنبوب من المياه من النيل ..في مجال تطوير أداء الميناء كانت خطة المستثمر توفير كل المعينات من الرافعات وتوسيع المواعين بإدخال أحدث تكنولوجيا الصادر والوارد .

(4)
على صعيد التعليم فقد ركز المستثمر على جامعة البحر الأحمر التي توقفت عمليات تشييد مقرها في قرية كليناييب (5 كيلومترات جنوب بورتسودان ) لضيق ذات اليد لتكون مأوى للكلاب الضالة والهوام وعوامل التعرية جعلتها على مرمى حجر من آثار سواكن ..الخطة هنا انتشال الجامعة من وهدتها بتوفير كل المعامل والمكتبات ومراكز البحث والكوادر المتخصصة .. ولكن آه ثم آه فسرعان ما انتهت كل هذه الطموحات المشروعة الى لا شيء فما كل ما يتمناه المرأ يدركه فقد تحول الحلم الى كابوس لنستيقظ على واقعنا المرير الذي نعيشه بنفي السفارة الخليجية الخبر جملة وتفصيلا .

(5)
واقعة الحلم الأخضر والنفي الأسود يفتح على مصراعيه جدوى الاستثمار في السودان ويترك علامة استفهام حائرة حتى قبل أن تتلبد سمائنا بالصراعات السياسية العبثية حول أسباب فشل الاستثمار رغم الموارد الزراعية والحيوانية والمعدنية المهولة والمتنوعة التي حباها الله بلادنا يواكبه أيضا فشلنا الذريع الفاضح في استغلال الموقع الاستراتيجي النادر للسودان وقربه من أكثر أسواق العالم استهلاكا.

(6)
اذا تحدثنا عن طوكر المستهدفة بعيدا عن مشاريع الاستثمار العملاقة في الجزيرة والشمالية والقضارف فهي أرض بكر معظم أراضيها بور لقلة الإمكانيات ومنتجاتها الزراعية عضوية وهي المطلوبة في الأسواق العالمية فضلا عم موقعها الجغرافي المميز فهي على فركة كعب من أسواق الخليج على بعد 500 كيلومتر فقط .. جرت العادة أنه بعد الحصاد وفي نهاية الموسم الزراعي تواجه منتجاتها الزراعية من خضر وفاكهة عالية الجودة أزمة تسويق فهي تفيض عن الاحتياجات الفعلية لمدينة بورتسودان فيبدأ المزارعون ركضهم العشوائي نحو الأسواق البعيدة في الخرطوم للخروج بأقل خسائر.

(7)
ستصاب بخيبة أمل كبرى اذا كنت مثلي تبحث عن السودان في أسواق الخليج فالفلفل الأخضر والشطة والبصل الأخضر والبامية والكرمب المعروضة في (فترينات) البيع اللامعة في الأسواق قادمة من سريلانكا والهند وسيرتفع ضغطك اذا علمت ان بلدا مثل الشقيقة السعودية يستورد الدجاج اللاحم من البرازيل ولكن اللافت هنا ان العملية لا تتم عبر الشحن الجوي كما يعتقد الكثيرين بل لجأت البرازيل الى بديل أشبه بالخيال العلمي وهو الشحن البحري ولأن المسافة طويلة تقدر بعشرة آلاف كيلومتر تقطعها السفينة في شهرين فان الشحنة في بداية الرحلة هي بيض يتم وضعه داخل السفينة وفي الطريق يتم تعريضه لدرجة حرارة معينة داخل فقاسات معدة سلفا حتى يتحول الى كتاكيت يتم تغذيتها حتى تشب عن الطوق وتنمو لتصبح دجاجة كاملة الدسم على مشارف السعودية فيتم ذبحها وتنظيفها وشحنها داخل كراتين مكتوب عليها منتج برازيلي product of brazil .

(8)
المشهد هنا لعالم يمتلك إرادة ويؤمن بتطوير الذات والارتقاء بإنسانه الى سماوات ليست لها سقوف ولكن الأمر يختلف عندنا تماما فهو النقيض وهو الاتجاه المعاكس ..وأقولها ويعترف بها الجميع أننا فشلنا في قضية الاستثمار وفشلنا في توظيف موقعنا الاستراتيجي وسمعنا ما تشيب له رؤوس الأجنة في أرحام النساء من فساد وذمم منحطة وسلوكيات قذرة دفعت الكثير من المستثمرين يحمدون الله أنهم هربوا أحياء بجلودهم بعد أن أحاطت بهم ذئاب الاستلام (تحت التربيزة) كشرط لتطبيق الاتفاقيات ..أحد هؤلاء أصدر شريطا مسجلا لم يكتفي فيه بتوجيه أصابع الفساد الى مسئولي الاستثمار في السودان بل ذهب بانهم مرضى بداء الحسد والعياذ بالله .

(9)
نحن اخصائيون في اهدار الفرص حينما تأتينا على طبق من الذهب ..قبل شهرين من اندلاع الحرب اللعينة التي دفنت وتحت أعماق سحيقة من الأرض مقولة (السودان سلة غذاء العالم) رأيت في التلفاز رجلا قيل انه رئيس اتحاد نقابة المزارعين في حالة مزرية يشكو الى طوب الأرض ويستنجد بالبرهان بالتدخل السريع لإنقاذ الآلاف من المزارعين من السجن والسبب و يا لغرابة الأسباب انهم عاجزون عن دفع سلفيات البنوك بعد أن تدهورت أسعار البصل لضخامة الإنتاج ..الذي يلفت النظر هنا أن الطفرة الإنتاجية هنا جاءت مواكبة لقرار دولة خليجية بإلغاء عقد استيراد بصل من مصر مما جعل السوق مكشوفا أمام التاجر السوداني لتوظيفه لصالحه ولكن كل ذلك تحطم على صخرة الفساد واللامبالاة واللا تخطيط فطارت الفرصة وذهبت أدراج الرياح توسلات رئيس النقابة .

(10)
رغم توفر عناصر الإنتاج من أرض خصبة ومياه وفيرة ومناخ ملائم متنوع وثروات حيوانية وغابية ومعدنية فالإشكالية تكمن هنا في عقلية أجهزة التشريع والتنفيذ مع ضعف الرقابة ..الشاهد ان دولة مثل سنغافورة عديمة الموارد وكان يجمعها اتحاد مع ماليزيا ولكن الأخيرة طردتها لفقرها ولكن وبعكس كل التوقعات أصبحت الدولة التي لا تتجاوز مساحتها (عشر) مساحة امارة دبي الأكثر نجاحا في تاريخ البشرية خلال مدة وجيزة من عمر الدول ...يكشف (لي كوان يو) مؤسس الدولة عن الخلطة السرية فيقول ان رهاننا على أسس نهضتنا لم يكن على الموارد الطبيعية ولكن على العنصر البشري والحوكمة والشفافية وتطوير قدرات الانسان الذي يجر عجلات التنمية .

مدخل للمغادرة
بعد التحاقي بجريدة الصحافة عقب التخرج من الجامعة كلفني رئيس التحرير وقتها الراحل محمد الحسن أحمد ذات مرة اجراء حوار مع مدير منظمة الزراعة والأغذية (الفاو) ..سألته ماهي المساعدات التي تقدمها المنظمة للسودان فأجاب الدراسات والبحوث والتوصيات ثم صمت برهة وقال لي لديكم منطقة اسمها جبل مرة تنتج برتقال أبوصرة ووالله اذا قطعت برتقالة في راحة كفك فانك لن تستطيع استعادة استقامة راحة الكف بسبب تركيز السكر الناتج من العصير ..لكن للأسف تستوردون البرتقال من بلدي لبنان . فما حيلتنا اذن مع القائد (المظفر) محمد نور المشهور بمستر نو MR NO وجاره (الكومنادور) الحلو الذي لم يجد اعتراضا على نظم الحكم سوى الغاء البسملة وتغيير الاجازة من الجمعة الى الأربعاء. ولكن رغم اختلاف الرؤى بين الاثنين فان الذي يجمع بينهما هو رفض الأنظمة المدنية والعسكرية.

oabuzinap@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • صناعة المعجزات لا انتظارها
  • الابتذال الإلكتروني: تهديد جديد للقيم الاجتماعية
  • كريم جبر يلتقي رئيسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
  • «الأعلى للإعلام» يبحث مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تعزيز التعاون المشترك
  • كرم جبر يلتقي رئيسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
  • لا عزاء لضحايا الحروب العبثية والفرص المهدرة
  • الحرب ليست عادلة بالنسبة إلى ضحاياها
  • وزير الأوقاف لنقيب الممثلين: الدراما الدينية أحد أدوات تجديد الخطاب الديني
  • وزارة الشؤون الاجتماعية تدشن توزيع الاغاثة للأسر المتضررة في المناطق المنكوبة جراء الامطار والسيول
  • لغة الخطاب الاعلامي في ظل التحولات الرقمية.. إصدار جديد لجامعة المستقبل