نقاط بعد البث
حسن الجزولي
أزمنة الكرب وبعثرة الأوطان (30).
***********************
* خلال الأيام القريبة الماضية ظهر شريط فيديو يظهر ضابط من القوات المسلحة السودانية برتبة عسكرية عالية وهو يحمل شنطة جلد يدوية كبيرة ويوزع رزما مربوطة من أوراق مالية على الناس في الشوارع, موضحا لهم أنها بمثابة منحة من الجيش للجماهير المتضررة وتعيش المعاناة والضنك جراء الحرب.
* وتبرز عدة علامات استفهام وأسئلة تتعلق بهذا المشهد المصور:-
* من اي ميزانية تم اقتطاع هذه الاموال؟.
* كيف يتم ضبط الصرف ومراجعته طالما أنه يتم دون إشراف مالي مسؤول. حيث لا كشف تتم فيه امضاءات من المستلم للمسلم بعناوين واضحة أو اسماء معلومة وخلافه من ما هو متبع في مثل هذه الضوابط المالية في جوانب الصرف؟.
* لماذا لم يتم الإعلان مسبقا عن هذه ( العطية) المقدمة من الجيش وكم من قادة الجيش الذين يشاركون مثل هذا الضابط الرفيع الرتبة في توزيع عطاياهم على المحتاجين بالشوارع؟
* اوليس في كل ذلك شبهة تتعلق بالمال العام ( السائب) وهو مال خارج ولا بد من الخزينة العامة وهو بالتالي مال الشعب وملكه العام؟.
* وهل هذه طريقة ناجحة وناجعة في كيفية تقليل معاناة الجماهير المكتوبة بنار الحروب؟!. الا توجد طرق أخرى أكثر انضباطا في توزيع المال العام ؟.
* كيف نتفهم حسن نوايا قيادات الجيش ونثق في ذممها المالية وهي تقود دفة الحكم بوضع اليد وتمثل سلطة الأمر الواقع، بينما أمة محمد تشهد وتقسم أن المساعدات الإنسانية التي تم تقديمها من المجتمع الدولي للسكان في المناطق التي يسيطر عليها الجيش لم تصل مطلقا لمستحقيها ، بل تسربت للاسواق حسب شهادة الأمم لمتحدة!؟.
* وكيف يثق الناس بحسن نوايا هولاء القوم وهم الذين كانوا بالأمس القريب العقبة الكؤود أمام مناشدات العالم لهم من أجل ضرورة فتح المعابر لمرور المساعدات الإنسانية وقيادة الجيش تتعنت وترفض الا بشروط تعجيزية، ولم يتسن لها أن ترأف على مصير " نزوح عشرة مليون شخص داخل وخارج السودان، واقتراب خمسة مليون شخص من حافة الجوع بينهم 700 الف شخص يعانون من الجوع الحاد حسب إحصائية الأمم المتحدة" كيف يثق الناس بهؤلاء الذين تراهم يوزعون مبالغ مالية طائلة على ناس بقارعة الطريق هكذا كيفما اتفق؟!. وهل الذين توزع عليهم هذه الأمول تصل نسبتهم لاحصائية الأمم المتحدة من لذين يواجهون المسغبة وشبح المجاعة، أم أن الأمر ليس سوى ذر للرماد على الأعين فقط؟!.
* ثم آخيراً تعالوا هنا نسألكم بحيرة حول ملاحظة جديرة بالتركيز. وتتعلق بتصوير مثل هذه المشاهد على الشارع والجيش يوزع عطاياه على المحتاجين ثم يبثها عبر وسائط الميديا، بينما تعاليم الإسلام السمحاء أوصت ـ فيما أوصت ـ المسلم بأن ينفح الشحاذ وابن السبيل ما يجود به من مساعدة دون أن تعلم يده اليسرى ما قدمت اليمنى .. ( ولا فكاك)!.
ــــــــــــــــــــــــ
* هذا زمن التكاتف، فالنعزز الدعوة له بشعار ثوار كميونة أعتصام القيادة " لو عندك خت ،، لو ما عندك شيل"!.
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
سجناء المُطالبات المالية
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
يضم هذا الكوكب البشر ومخلوقات أخرى بعضها سخره الله تعالى لخدمة الإنسان، وإذا كان المولى عزَّ وجلَّ سخر الشجر والدواب ليكونا في خدمة الإنسان ومن أجل الإنسان، فمن باب أولى سخرنا لخدمة بعضنا البعض، وأن هذا الكوكب وهذه الحياة قائمة على هذا التسخير، وإلا لن تكون هنالك حياة إذا لم يكن كل منَّا بحاجة الآخر.
فمثلا الأعمال حتى تنجز بحاجة إلى البشر للقيام بها، وليس كل البشر بمقدورهم العمل أو خدمة ومنفعة نفسه، قس على ذلك الطفل حتى يكبر، يحتاج إلى من يخدمه ويعتني به، وينسحب ذلك على بقية المجالات الحياتية.
ولما كان الأمر كذلك، فإن من تمام الإيمان وكماله حب الخير والسعادة والهداية والصلاح لعموم البشر، والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال "لا يُؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
الحال- إذن- يقتضي أن نحب كل خير عندنا لغيرنا، وإن لم نستطع أن نجعله في مستوانا من العيش والكفاف والكفاية، لا نكون حجر عثرة في طريقه، أو نتسبب في أذيته وإلحاق الضرر به، أو نكون سيوف ذل ومهانة وقهر تغرس في خاصرته.
فمتى ما علمنا عن ذي كربة، علينا أن نسارع بفك كربته بالحال والمال والكلمة فورا، ومتى ما علمنا عن محتاج أو متعسر أو يعيش أوضاعا حياتية مأساوية وصعبه، علينا أن لا نتردد في مد يد العون له.
ومن الشهامة والنخوة والرجولة والكرم والخيرية، أن يفزع الإنسان لخدمة الآخر ونجدته وإنقاذه ومساعدته، ولو بالقليل والبسيط والمتيسر، فليس بالضرورة المساعدة بالمال إن لم يكن متوفرًا كل حين؛ بل حتى المساعدة بالكلمة الطيبة خير، والتحرك من أجل حل مشكلته وقضاء حاجته خير، فخير الناس أنفعهم للناس.
واليوم ونحن نعيش نِعمًا شتى، ينبغي ألا ننسى غيرنا من الناس، حتى المُستغني مالًا وحالًا وجاها ومنصبا، يجب أن لا ننساه من الدعاء له في ظهر الغيب بما يجعله قريبًا من الله تعالى، وبما يجعله في خيرٍ وصحة وعافية وسلامة.
والإنسان مطالب أن يستأنس بقرب الله تعالى، فليس كل ذي مال موفق لذلك، وليس كل ذي منصب ودرجة ومكانة اجتماعية وعلمية وعملية وصاحب شهادة وعلم موفق إلى ذلك.
وقيل إذا أردت أن تعرف مع الله مكانك، فانظر في ماذا أقامك وأوجدك، إذن لطالما نظرتنا يجب أن تكون نظرة رحمة للجميع، فأولئك الذين يقبعون اليوم في السجون من مسندم إلى ظفار بسبب المطالبات المالية، نقول ليس من الخير فينا والشهامة والمروءة والكرم بيننا، أن يكونوا في السجن بسبب مطالبتهم بسداد ما عليهم من ديون، وهم لا يملكون شيئًا، ولا حول ولا قوة لهم إلا بالله تعالى.
في السجون اليوم أناس كبار في السن تجاوزوا الستين سنة، وهناك الشباب ومتوسطو الأعمار، قادتهم الظروف ليكونوا في السجن بسبب مطالبات مالية مختلفة.
اليوم الذي سُرِّح من عمله وعليه قروض بنكية أو تمويل نجده بعيدًا عن أولاده وزوجته وأهله يقبع في السجن، والذي عليه إيجارات متأخرة، أو دين لأحد أو نفقة شرعية أو تنفيذ مدني أو التزام مالي أي كان ولم يستطع الوفاء به، نجده في السجن.
لقد تعودنا أن يبادر الناس واللجان والجمعيات الخيرية بفك الكُرَب في شهر رمضان، وإذا انتهى الشهر فترت الناس وضعفت الهمم، وظل من في السجن مكانه لسنوات طويلة يعاني ويتألم ويفكر في مصيره ومصير أولاده وأسرته.
إن الأمر لم يتوقف عند سجن المدين؛ بل تعدى الى ضياع أسرته وخرابها وتشردها؛ فالسجين الذي ضاع أولاده بسبب لجوء الزوجة إلى طلب الطلاق، وترك الأولاد مع أهلهم من أبيهم، أمر يحُز على النفس ويخلق أناساً ضعيفي الانتماء للأصل والفرع، وهذا الوطن لا يقوم إلا بسواعد الجميع.
لقد سمعنا وتصلنا الكثير من الاتصالات والقصص الموجعة والمؤلمة التي لا نرضاها على أنفسنا، ولا نرضاها في غيرنا من الناس، وللأسف أصبح الوضع وكأن لا حياة لمن تنادي، وكأنه إذا سلمت ناقتي ما عليَّ من ناقة رفاقي.
إن الله تعالى يقول "وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ".. فيا أصحاب المال والجاه والمنصب والكلمة والقرار، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
ابحثوا للناس عن حلول غير الزج بهم في السجن، وجدوا لهم مخارج غير السجن، ضعوا أنفسكم في مكانهم لو جار عليك الزمان ودارت عليك الدوائر، أو على أولادك ورميت في السجن لأي سبب أو آخر.
من هذا المنبر ندعو إلى إنشاء هيئة أو لجنة وطنية مهمتها إبعاد الناس عن دخول السجن من خلال ابتكار حلول عملية، واتخاذ خطوات فعَّالة لحفظ كرامة المواطن والحيلولة دون دخوله السجن بسبب المطالبات المالية.
اجلسوا على طاوله واحدة واطرحوا الآراء والحلول، واستنبطوا الأفكار حتى تصلوا للحل، ومتى عُقدت النية، تأكدوا أن الله تعالى سيلهمكم الصواب، وسيكون التوفيق حليفكم لا محالة، وتذكروا أن الرحمة فوق القانون.