مها أبو النور.. الطفلة الأم
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
غزة - مدلين خلة - صفا
لم يكن مساءً عاديًا، بل كان يحمل في طياته وجع الفقد لقلبين صغيرين حرمتهم الحرب من والديهما وشقيقتهما الصغرى، بعد قصف طائرات الاحتلال منزلهم في شمالي قطاع غزة.
مها براء أبو النور التي لم تتجاوز ثمانية أعوام بعد، وشقيقها يامن ذو الستة أعوام، باتوا في عداد الأيتام عقب إلقاء جيش الاحتلال برميلًا متفجرًا نال من بيتهم وأدى إلى استشهاد والديهما وشقيقتهما براءة.
الطفلة الصغيرة التي من المفترض أن تكون أقصى أحزانها تلف لعبتها المفضلة، بات قلبها في هذا العمر الصغير يحمل وجع فقدان والديها وشقيقتها، وأصبح مفروضًا على جسدها الصغير وروحها البريئة أن تتحمل مسؤوليات شقيقها الأصغر التي نال الحزن من قلبه الكثير.
لم تستطع مها كتم الدموع في عينيها، فانفجرت كشلال وهي تحكي بحرقة كبيرة عن ألم سكن قلبها: "ماما وبابا راحوا وتركوني أنا ويامن لحالنا، اليهود قصفوهم وهم بالدار، حرمونا منهم، حتى أختي براءة كانت بحضن ماما وراحت هي كمان".
"ماما وبابا ما عملوا شيء لليهود، بس هم اليهود هيك بحبوش يخلونا مع بعض، احنا ما عنا لا طيارات ولا صواريخ نطخ عليهم، كنا قاعدين نضحك مع بعض وبلحظة ما ضل حدا منهم، كنت أنا ويامن معهم بنفس الغرفة بس طلعونا قبلهم من تحت الانقاض"، تضيف مها.
في لحظة تبدلت الضحكات إلى دموع، ولم يعد هنا أي طعم للحياة بعد رحيل الوالدين، وتُرك المنزل المدمر يبكي أصحابه الذين رحلوا عنه.
بعد لحظات من الصمت عادت مها لتقول: "لمين رح نضل أنا ويامن، بعرف إنو بابا أخذ ماما وبراءة وراحوا على الجنة، بس ليش ما أخذوني معهم، شو بدي أعمل بالدنيا هذه".
تنظر الطفلة الصغيرة إلى صورة جمعتها بوالديها، تتحسسها بأناملها الصغيرة وعينيها تذرفان الدموع، وشفتيها ترتجفان وهي تطبق عليهما بشدة محاولة حبس صرخة ألم كادت أن تخرج من أعماقها.
تضيف الطفلة: "كل إلي بجمعني فيهم هذه الصورة، كل ما بشتاق إلهم بطلعها وبضمها إلي بس بضل مشتاقة إلهم، يا ريت بنفع أحضنهم وأشوفهم مرة ثانية".
تستذكر "الطفلة الأم" حديثًا لوالدتها "كانت ماما تضل تقلي إنتي الكبيرة يا مها، لازم تضل عينك على يامن وبراءة، إنتي الفهمانة العاقلة، ما كنت بعرف إنها كانت بدها تروح وتسيب يامن وأنا أربيه".
أضحت القضية للطفلة الصغيرة شخصية، فهي التي أصبحت أمًا دون أن تكبر، وتحمل في طيات ذاكرتها حقدًا دفينًا على الاحتلال الإسرائيلي الذي حرمها من أغلى الأشخاص على قلبها، وتحوّلت وشقيقها إلى يتيمين يصارعان الحياة .
"رح أكبر أنا ويامن واعلمه إنه اليهود هم إلي حرمونا من ماما وبابا ولازم ناخذ بثارنا منهم، ونطلعهم من عنا مهزومين"، تضيف الطفلة.
تبكي الصغيرة حزنها وتواسي نفسها بأن النهاية ستكون لقاءً بالجنة يذهب به وجع الدنيا وآلام أيام حفرت في عقلها وروحها وأرّقت مضجعها وأبكت عينيها.
ستكبر مها ويامن بمفردهما دون أن يشاركهما والديهما لحظات حياتهما، حالهم كحال آلاف الأطفال الذين فقدوا ذويهم في حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من تسعة أشهر، والذين يحملون في ذاكرتهم حكايات الألم والمرار.
ووفق تقرير حكومي فإن أكثر من 16 ألف طفل استشهدوا بفعل الحرب الإسرائيلية على القطاع، فيما أصبح أكثر من 17 ألفًا أيتامًا، وأصيب نحو 34 ألفًا بجراح.
وحصدت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد القطاع حتى اليوم نحو 40 ألف شهيد، و10 آلاف مفقود تحت الأنقاض، و90 ألف جريح، عدا عن تدمير نحو ثلثي مباني غزة ومنشآتها وبناها التحتية.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: حرب غزة شهداء غزة أطفال غزة
إقرأ أيضاً:
الوشق المصري.. حارس مقابر القدماء من قوى الشر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
احتل الوشق المصري مكانة كبيرة في الحضارة المصرية، وله الكثير من المنحوتات والتماثيل، كما تشير منحوتات الوشق إلى حراسته مقابر قدماء المصريين، ويقول عنه عالم الآثار المصرية سليم حسن، في موسوعته عن الحضارة المصرية، إنه كان حيوانا مقدساً ويحظى باحترام المصريين القدماء.
يعتبر الوشق المصري جزءًا مهمًا من الحياة البرية في مصر القديمة، فقد كشفت الرسومات والنقوش الفرعونية أن المصريين القدماء كانوا يعتبرونه رمزًا للقوة والذكاء، وتم تصويره في العديد من جدران المعابد وهو يقطع رأس الفوضى، والذي كان متمثلا في صورة للمعبود "رع وأتوم"، ويعد الإله "آتوم رع" واحدًا من أهم الألهه وأشهرها فى الفلسفة الروحية المصرية، إذ يمثل القُدرة الإلهية التى خلقت النور (الشمس/ النجوم)، ومن النور خلقت الكون كله، والقُدرة الإلهية تتجلى فى السماء وفى الشمس والنجوم، وتتجلى كذلك على الأرض فى صور كثيرة منها الإنسان و الصقر، ومعها فصيلة السنوريات كلها مثل (الأسد والقط البرى والنِمس).
تتحدث أساطير النشأة في مصر القديمة، إن قصة الخلق بدأت بصراع دار بين "آتوم رع" الذى يمثل النور والنظام وقوى البناء، وبين غريمه "عَبيب" الذي يمثل الظلام والفوضى وقوى الهدم، وقد انتهى الصراع بانتصار آتوم رع على غريمه، وبالتالي أصبح الخلق ممكنا بعد ما كان مستحيلا بسبب هيمنة "عَبيب".
ولعل السبب في اختيار القط البري تحديدا دونا عن كائنات أخرى لتجسيد "آتوم رع" يرتبط كذلك بقدرته على الرؤية الليلة، وايضا لارتباط القطط في وجدان شعوب العالم القديم بالرؤية الليلية الواضحة، لذلك كان أفضل كائن يعبر عن قدرة "آتوم رع" على التعامل مع قوى الظلام والفوضى، لذلك تقول الأسطورة المصرية إن "آتوم رع" يغير هيئته لقط بري ليرى جيدا ويقطع رقبة الظلام.
كما تم ذكر الوشق المصري في متون الأهرام والذي جاء تحت اسم “مادفت” كمهاجمة ومنقضة على الشر ممثلا في ثعبان شرير، وكذلك مساعدة الملك المتوفى ضد الثعابين الشريرة، حيث صُوّرت برأس قطة أو نمس، ورُسمت لاحقًا على شكل فهد أو وشق، ومن الأدوار الأخرى أنها كانت تصطاد وتقتل أعداء المعبود الشمسي الأسطوري رع.
يستطيع الوشق المصري القفز حتى 3 أمتار في الهواء لاصطياد الطيور أثناء طيرانها، ويتمتع بسرعة تصل إلى 80 كيلومترًا في الساعة، مما يجعله من أسرع الصيادين في البرية.
كما يمتلك حاسة سمع خارقة، تمكّنه من التقاط أدق الأصوات من مسافات بعيدة ، ورغم أنه مفترس، إلا أنه لا يهاجم البشر إلا إذا شعر بالخطر أو تمت مضايقته ، ويتراوح طول الوشق بين 60 و130 سنتيمترًا، ويعرف بعدة أسماء منها: الوشق الفارسي، الوشق الإفريقي، أم ريشات، التُفه، الوشق الصحراوي، الكراكال، القرقول، وعناق الأرض.
2635785_0 egyptiangeographic.c_663_082721 images