لجريدة عمان:
2024-09-07@07:20:51 GMT

بلال فضل: لكي تظل في حكاياتك اللذيذة

تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT

بلال فضل: لكي تظل في حكاياتك اللذيذة

لا نلمح كثيرًا تصنيف «حكايات» على أغلفة الكتب. لا يبدو تصنيفًا مشجّعًا، إذ يبدو وكأنه أدنى من التصنيفات المكرّسة في القصة أو الرواية أو المقالة. تصنيف ضبابي، مثله مثل تصنيف «نص». ولو تذكّر القرّاء ما ابتُلوا به من كوارث صُنّفت على أنها «نصوص»، لن نلومهم لو انفضّوا عن هذه التصنيفات العجائبية. ولكن لو صبرنا قليلًا لنميّز، لا بد من محاولة تعريف هذه التصنيفات.

ما «الحكاية» هنا؟ بتعريف بسيط، هي نص ليس قصة بالمطلق، وليس مقالة بالمطلق، بل هجين بين الاثنين. ليست الهُجنة هنا مرتبة أدنى، بل محاولة جريئة لتكريس نوع أدبي؛ إعادة تكريس لو شئنا الدقة، إذ أن له تاريخا مديدا في التراث العربي قديمه وجديده، ولو اكتفينا بما هو راهن سنتذكّر التصنيف ذاته على أغلفة كتب لعلاء الديب وياسر عبداللطيف. أحدث كتب بلال فضل «فندق الرجال المنسيّين» (نُشر إلكترونيًّا في تطبيق «أبجد»، ويصدر ورقيًّا عن دار المشرق في القاهرة) يتبنّى هذا التصنيف بقوة، بل ربما نقول إنه سيكون المُكرِّس لصنف الكتابة هذا في السنوات القادمة، من دون أن يتحمّل مسؤولية الكوارث التي ستُكتَب تيمّنًا به وبحكاياته. الأصناف الهجينة أصعب من المكرّسة، إذ تتطلّب خطوًا حذرًا بين حدود التصنيفات، وبين حدود الفصحى والمحكية، وبين حدود ما الجاد وما الهزلي، من دون أن يكون الهزل إسفافًا. تلك خلطة يبرع فيها بلال فضل كما لا يبرع أحد من بين من أعرفهم اليوم عربيًا؛ خلطة تبدو للمتابع العجول خلطة سهلة، إلا أنّ معرفة المقادير لا تعني طبخة متقنة ولذيذة في آن.

يستند فضل في حكايات كتابه الجديد (الذي سبقه كتاب في الجنس الأدبي ذاته: «ماذا صنع الله بعزيزة بركات؟») إلى تجربته الحياتية، وخبراته الصحفية، وحصيلة قراءات كبيرة وغنية، لينتج حكايات تنطلق من الصحافة من دون أن تكون قصصًا صحفية بالمعنى الضيق للمفردة، وتنهل من أساليب السرد التخييليّ في القصة لتقدّم خلطة فريدة لا مثيل لها عربيًّا. ثمة تجارب «مشابهة»، ولا بد من إدراج المزدوجين هنا، فالتشابه شكليّ، بيد أن المضمون والبراعة لا يقارنان أبدًا. ثمة من تنقصه الخبرة، وثمة من تنقصه الحنكة، وثمة -وهم الغالبية- من تنقصه خفة الظل التي يقدّمها فضل في جرعة لا تزيد ولا تنقص عما هو مطلوب لإنجاح هذه الطبخة الحكائية. نجد منغّصات قليلة في هذه الطبخة، حين يقدّم لنا فضل ما نعرفه أساسًا، لا بمعنى مضمون الحكاية، بل بمعنى حكاية تندرج ضمن تصنيف القصة الصحفية في الغالب. لا مشكلة في القصة الصحفية بطبيعة الحال، إلا أن هذا الكتاب يطرح نفسه بكونه مغايرًا لا بكونه محض تجميع لقصص صحفية لها جمهورها وسياقها، وكتبها. نجد الحكايات «التقليدية» (بمعنى التزامها القواعد المكرّسة في الكتابة الصحفية) في كتابه السابق أيضًا، ولكن بدرجة أقل.

لو أردنا اقتباس فضل نفسه، نتذكّر توصيفه الثاقب لمسلسلات الراحل أسامة أنور عكاشة الأحدث التي يرى فضل -محقًّا- أنها أقل مستوى من أعمال عكاشة الأقدم. تصلح المقارنة ذاتها هنا بين الحكايات التقليدية (القليلة بطبيعة الحال) وبين الحكايات البلالية التي تبدو أبهى وأفضل وأبرع بدرجات كبيرة. ولكن، مجددًا وباقتباس المقارنة نفسها، نحن نتحدث هنا عن مستوى بلال فضل الذي لا يشبهه أحد، كما هو عكاشة في سيناريوهاته (رواياته التلفزيونية) البديعة. في تلك الحكايات القليلة، تتعزّز قوة وأهمية وجمال الحكايات البلالية الأخرى، إذ يعجز فضل عن بلوغ مستوى فضل، ولكن -في نهاية المطاف- ليس في وسع الكاتب أن يكتب كل يوم حكايات من مستوى «السيدة ليف وما فعلته بالراهب المتعبد»، و«شيء عفن في الزبداني»، و«ملك الجبال وسيد التلال»، و«في كابوس واحد» (من هذا الكتاب)، أو «ماذا صنع الله بعزيزة بركات»، و«عن العم صلاح وتلفزيونه اللعين»، و«لكي تظل في ضلالاتك اللذيذة» (من كتاب «ماذا صنع الله بعزيزة بركات»).

ما تقدّمه هذه الحكايات البلالية لنا الإمتاع والمؤانسة كما يشير بلال فضل دومًا، وهي تقدّم لكلٍّ منا ما يكمّل نقصه، ويُعينه في لحظات الشدائد التي تتضاعف كل يوم. ثمة جرعات كآبة عالية في الحكايات لا نجدها في نصوص بلال القديمة حين كان ما يزال في مصر ولا يزال يضحك، بل يقهقه، ويضحكنا معه. كآبة لا تعني زيادة غمّ القارئ، بل تنجح الحكايات ببراعة غريبة آسرة في حفر مكان لهذه الكآبة الجديدة بعد أن تُزيح أختها القديمة، ولكن لا بد من ألم جديد يترافق مع الكآبة الجديدة. ألم جديد علينا حين نتلقّى الحكايات، وعلى بلال حين يدخل عالمًا لا يبتعد كثيرًا عن عالمه القديم في براعة الحكي، وينأى -في الوقت نفسه- كثيرًا عن العبث اللذيذ الذي كان يسم كتاباته القديمة. ولذا ربما تبدو الحكايات التقليدية القليلة ناتئة عما سواها، بخاصة حين يكتب بلال عمّا لا يعرف تمام المعرفة. لا نجد تقليدية أو تعثّرًا في الحكايات المصرية، بل في الحكايات «الأمريكية» على الأخص.. يكتب بلال هنا بعين السائح وإن كان مقيمًا، يكتب (من دون قصد على الأغلب) بعين العابر الذي يحاول تلخيص كل شيء في عجالة، على عكس الذكريات التي بدا واضحًا أنها مشغولة بإتقان أكبر، بل ومكتوبة على دفعات، بخاصة في الحكاية المرعبة من فرط جمالها: «على هامش المشمشية»؛ نص مكتوب بدفقات الحنين من دون أن تكون نوستالجيا مكرورة، مكتوب بدفقات تنقيح المشاعر التي يبدو فضل وكأنّه يقلّم ألمها وألمه وألمنا فيها، غير أنها تُفلت من قيوده وتوجع أكثر.

يمنّ الله على بعضنا بكمّ قراءات واسع، ويمنّ على آخرين بموهبة الحكي، ويُفرِد لقلة قليلة نعمة القراءة والحكي في آن. بلال أحد هؤلاء القلة الذي يبرعون في الحكي عمّا يحبّون فيحبّبون المستمع بما أحبّوه. حكاية مثل «السيدة ليف وما فعلته بالراهب المتعبد» مثال عن تلك الحكاية الكاملة التي لا سبيل إلى تغيير حرف فيها تعديلًا أو زيادةً أو حذفًا. تضم الحكاية جميع توابل بلال المتنوّعة التي تُنكّه سرده البارع، من دون أن ينسى فيها موهبته الأخرى في القراءة، وفي الحكي عن القراءة، وفي دفع القارئ إلى عالم لا يعرفه، أو إلى عالم يعرفه ولكن من زاوية مختلفة. حكاية كهذه تدفع المرء إلى التعرّف أكثر إلى ليف أولمن، وإلى إنغمار برغمان، وأنا أحد الذين لم يشاهدوا فيلمًا لبرغمان أو أولمن ولم أقرأ مذكراتها، ولكني سأفعل لأسباب غير تلك التي اعتدت القراءة من أجلها. سأقرأ من أجل قطرات الطحينة المندلقة على لحية بلال وثيابه وهو يلتقي أولمن للمرة الأولى، ثم يمهّد بافتتاحية عابثة قبل أن يدخلنا إلى عالم مذهل تتداخل فيه الذكريات بالكتب بالأفلام بصالات السينما بوجع تقدّم العُمر، إذ يتذكّر بلال ويذكّرنا أنّ العمر ينقضي. في هذه الحكاية تذكير آخر بمهارة بلال في العبث اللذيذ الذي بقي جوهره، وإن تغيّرت سماته، إذ يترك القارئ معلّقًا حين يريد القارئ المزيد، ولكن يدرك بلال -مرة أخرى- أن وصفة الحكاية البلالية ستنكسر لو قال أكثر وحكى أكثر، وأن المزيد الذي يريده القارئ طمعًا سيثقل السرد والخفّة والبهاء.

يظن المرء أحيانًا أنه وصل إلى مرحلة قناعة مغرورة، بخاصة حين يكون من أهل الكتابة والقراءة، تتمثّل في الجملة التي لا تُقال كثيرًا: «أتمنى لو كنتُ كاتب هذا العمل». لا نقولها إلا عن كتب مضت، إذ ندرك (بدافع من وهم أو يأس) أن ما فات فات، وأن ما هو آت لن يُبهرنا إلى درجة نطق تلك الجملة. ولكن بلال موجود وحاضر ونشيط ويحرّضنا في كلّ حكاية بلالية مكتوبة أو منطوقة على التلفظ بالجملة، وبشتائم بدافع المحبّة بطبيعة الحال. ثمة ما سيتلاشى مع مرور الأيام، بخاصة حين يكون الكاتب غزير الإنتاج، وهذا أمر طبيعي يدركه فضل قبل سواه، ولكن ثمة ما يبقى ليؤسِّس جنسًا أدبيًا مستعادًا. لا نصادف يوميًّا كتابة بارعة مُؤسِّسةً، ومن هنا ندرك جمال حضور بلال فضل في هذه الأيام الموجعة.

يزن الحاج كاتب ومترجم سوري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من دون أن کثیر ا

إقرأ أيضاً:

ياسمين عز تضرب ولا تبالي.. هجوم على الفنانات بسبب المساكنة ايه الحكاية؟

تصدر اسم الإعلامية ياسمين عز مواقع التواصل الاجتماعي والتريندات خلال الساعات القليلة الماضية، إذ فتحت أبواب النار على الفنانات محللي المُساكنة التي انتشر الحديث عنها بكثرة مؤخرًا، بعد أن صرحت المخرجة إيناس الدغيدي بأنها عاشت حياة المساكنة مع زوجها قبل أن يتم الزواج بفترة على أوراق رسمية، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أثار محامي يدعي هاني سامح بعد أن أيد فكرة المساكنة قبل الزواج معتبرًا أنها حرية شخصية وأن ابنته إذا فعلت هذا الأمر لن يمنعها، فهو يقبل بالحقوق الإنسانية، وسرعان ما تسبب الأمر في جدل كبير وغضب على نطاق واسع. 

ياسمين عز 

 

ياسمين عز تهاجم محللي فكرة المساكنة.. إيناس الدغيدي في مرمى النار 

بعد الجدل الكبير الذي سببته فكرة المساكنة، خرجت ياسمين عز عن صمتها وأعلنت الحرب على أصحاب الفكرة التي تشجع الشباب على الحرام، إذ قالت في برنامجها كلام الناس: إزاي بتحللوا المساكنة من غير جواز؟ ومين اخترع الاسم ده، والمساكنة واحد مش عاوز يتجوز واحدة قالها تعالي أنتِ هتبقي مراتي صدقتوه وراحت، ده تعريف مؤدب وبسيط، هناك تعريف محترم في تعريف آخر قليل الأدب مش هقوله، المساكنة قلة أدب".

 

وطلبت ياسمين عز من الجمهور عدم اتباع أراء الفنانين الذين يحللو الدين من منظورهم الشخصي وإبداء رأيهم في الثوابت الدينية قائلة :" ده مش عيب ده حرام وشتان بين العيب والحرام، وإهانة للمرأة، أين دينك، فين حقوقك؟ وكرامتك فين في موضوع المساكنة، أنا ذيكورست وبقولك ده تقليل من شأن المرأة، ممكن اللي بتمثل تمثل بس، واللي بتغني تغني بس، واللي بترقص ترقص بس، ممكن متقولوش رأيكم في الدين، وتحفظي بيه لنفسك، قوليه قدام مرايتك". 

 

ياسمين عز تهاجم إلهام شاهيم بعد تصريحاتها المثيرة للجدل بشأن الصلاة 

هاجمت الإعلامية ياسمين عز الفنانة إلهام شاهين بعد أن صرحت سابقًا عن أولية العمل على الصلاة، والأمر الذي تسبب في غضب شيوخ وعلماء الأزهر وفتحوا أبواب النار عليها، إذ قالت عز :" لا آراء في الدين والعقيدة ولا مساس بهم، المساكنة حرام، والدين مفيهوش آراء، إحنا في زمن بنقول يا رب استرنا والقيامة قربت، وأنا عمري ما اتكلمت عن الدين كل واحد يصلح نفسه، دين إيه اللي اديي فيه نصائح، الدين مفيهوش وجهات نظر ولا رأي، واللي معترض على كلامي وكلام ربنا فيه حيطة وتانية وتالتة". 

ياسمين عز وإلهام شاهين

وتابعت ياسمين عز: الصلاة فريضة والحجاب فرض ورأيكِ في الصلاة احتفظي به لنفسك قدام مرايتك وانتي بتركبي رمش قد مش الجبل، احنا في زمن اللي ملتزم بدينه زي اللي قابض على جمرة من نار، سيبونا نعمل حاجة لله وآخرتنا، لا تعبثوا في الدين وكلمينا عن آخر أعمالك أفضل، واللي معترض على كلامي يخبط دماغه في الحيط". 

 

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • رحلة هاتف خلوي من لندن إلى إحدى المُدن الصينية.. اعرف الحكاية
  • عائشة الماجدي: يا (عمر النعمان) لا أحتمل أن أرثيك أو أقرأ عنك رثاء ولكن
  • ياسمين عز تضرب ولا تبالي.. هجوم على الفنانات بسبب المساكنة ايه الحكاية؟
  • براهيمي يقترب من مزاملة بلعيد في سانت تروند
  • "فاصل من اللحظات اللذيذة" يورّط السبكي أمام الشرطة
  • تامر عاشور في حفل مميز "الليلة" على "MBC مصر" وبرنامج الحكاية يُعرض على "MBC مصر2"
  • تركيا: العراق أحرز تقدماً في مجال مكافحة الإرهاب ولكن لا نراه كافياً
  • احتفالًا بمولد النبوي الشريف| طريقة تحضير النوجا بالشوكولاتة اللذيذة
  • أصل الحكاية «قضايا شائكة +18» .. هل يواجه نفس مصير فيلم "الملحد"؟
  • للمرة الثالثة.. تأجيل فيلم شيري عادل “أصل الحكاية”