أفتحُ عينيّ مشدودتين إلى ساقية الفلج، لم يكن ثمة أحد على امتداد الساقيّة، كنتُ وحدي، أحمل خيطا مربوطا بإبرة معقوفة في نهايته، وعينة من الطحين مبلولة بالماء تثبت بها نهاية الإبرة، أغمسها بالماء وأنتظر الصّد الذي سيتهافت إلى مصيدتي، يهتز الخيط، وأنا أراقب السمكة أسفل صفحة الماء الشفيف، تفلت من الشرك، تنهي السمكة على الطّعم، تليها أخرى، تتلصص إلى الطعم الجديد، يتماوج جسدها متحسسة إغواءها في الطُّعم، تفتح فمها على اتساعه وتنقض أخيرًا إلى طرف الإبرة، أشد الخيط على عجالة، أجذبها إلى الهواء.
افتح عيني مشدودتين إلى الحنين، أشدّه وأتعسه، تعاسة أن الفلج لم يعد بجانب بيتنا، ولا الوادي، لا أتذكر آخر مرة تعثرتُ فيها بحصاة ضخمة أدمت إصبع قدمي، لا أتذكر آخر مرة كان جدي وأخوه يحرثان في المزرعة، أتبع جدي لأقطف الفرصاد والليمون، لا أتذكر شكل منجلهما ومحراثهما، مات جدي، مات أبي، ماتا على ناحية الحنين الذي يجتاحني الآن.
افتح عيني مشدودتين إلى والدي، مقبلا ببزته العسكرية باتجاه بيت، إنه بيتنا الذي على منحدر، يحمل بيديه القويتين كيسًا، كيسًا من السمك الطّري لتعده أمي لغداء الغد، يعود أبي من العمل ظهرًا، يحمل معه في كل عودة شيئا، أتى ذات مرة حاملاً يدهُ المُصابة بحروق، ببزته العسكرية، يدٌ مكلومة، يأتينا بها كل يوم بشيء، ماذا فعلوا بيدك في «شافع» يا أبي؟ ستقول لا شيء لا شيء سوى أننا نخدم بصمت، ونتأذى بصمت.
لكنك لن تقول ذلك، ستدخل البيت كعادتك، بيدٍ متقيّحة ومحروقة مزمومةً برباط أبيض، ستصمت أمام نظراتنا المفجوعة والمُتسائلة «ماذا حصل لك يا أبي؟» ستصمت طويلا وأبدًا لكي لا تجترّ شفقتنا إليك، لكي لا تبدو أمامنا سوى صلب وقوي، فالرجال لا يسقطون أمام أحد، لكنهم يسقطون كل يوم في جراحهم الخفية، التي تبدو كمُدن منكوبة، رماديّة ومهجورة مظللة بالمآسي، حتى يموتون داخل مُدنهم تلك، يتساقط كل شيء منهم شيئا فشيئا، ثم يقولون: فلان مَات من أثر المرض، لكنك ستموت داخل مدينتك التي تحرسها وحدك من أي شيء وأي أحد، سقطت يدك أول الأمر، ثم سقطت حصونك كلها، آه ولم نكن نعلم.
ماذا لو أنك قلتَ لأمي عن أذيتك وبكيت في حضنها طويلا ؟ أتمنى لو أنك فعلت، ولا أريد أن أعرف ما إذا فعلت أم لا، فأنا أفضّل -ولِجُبني من انكشاف الحقائق- حالة الحنين التي تدفعني لكل الاحتمالات المفتوحة لا الحاسمة وهذا مريح؛ لأنك لو لم تفعل سأتذى أيضا.
لحسن الحظ الجروح الظاهرة هي الشيء المرئي الوحيد في الرجال، إنها ولسبب ما جعلتنا ندرك لأول مرة في طفولتنا أن آباءنا الأشدّاء يُجرحون وتدمي جلودهم وتنسلخُ بأقل إصابة، لديهم جلد كجلدنا وملمس كملمس الصخر لكنها صورة مُضلّلة، جلدهم ينخدش ويتقيّح ويلتئم، أما جراحهم الخافية، فهي مُدنهم الرمادية التي لم نرها قط.
أفتحُ عينيّ مشدودتين بالحنين، بسبب ذكرى عابرة ألقاها أخي في تجمّع لعشاء العائلة، وجعلك حاضرًا بيننا فجأة، أنا أيضا حزينة لأنني لا أتذكر مقدمك البيت بجرح نازف، وإن كنتُ شهدت كل يوم على جراحك المطمورة، مشدودة بلوم قاسٍ إلى الذكرى الوحيدة التي لم أشهدها في مصابك لأنني كنت أصغر بكثير من أن أتذكر، لطالما كان الحنين بالنسبة لي هي الذكريات المعدومة في مخيّلتي، التي يتذكرها الآخرون بالنيابة عنّي، وأحزن لها الآن مستعيضةً بما فاتني من مشاعري تلك في حينها، بالأخصّ عندما لم أكن حاضرةً في تلك الذكّرى، الحضور في الذكرى هو حضور في الماضي؛ لأنني لو كنتُ تذكرت استطعت اليوم أن أقول أنني كنت حاضرة على الأقل، فالحضور مواساة ومشاركَة، كنت استطعت على الأقلّ أن أقول لأبي بعدما تكون يده قد تعافت « هل تتذكر عندما كنتَ متألمًا؟ إنك بخير الآن!» لكن لم يبقَ شيء، فالطفولة سالِبّة، سلبتنا قدرتنا على التذكر أو التعبير عما نحسّه وقتها لأحبائنا؛ لأن العمر يمنحنا الطفولة لكنّه يستلبُ منها القدرة على التذكّر، العينان تصوّران ما تريدان توثيقه؛ لأن ألمي وقتها لم يكن في صورةِ أبي مجروحًا، ألمي كان في صورتي وأنا طفلة جريحة، تعيش طفولتها طليقة لكنها تهجس كل يوم ألمًا لا يليقُ ببراءتها، فكيف لعينيّ أن تلتقطَا صورةً لأبي؟ لقد كان أبي في ضفّة وأنا في الضّفة الأخرى، وعندما عاد، عاد كصورة فوتوغرافية عارمة بالحنين، ولكنني أتساءل لماذا نتمنى لو أننا فعلنا كذا وكذا في طفولتنا؟ من قال أن لدينا وقتئذ مقدرة على الإرادة؟ لماذا نكبرُ ويصيح ضميرنا بداخلنا باللوم والحسرة، ألم نكن أطفالًا وحسب؟
والآن ماذا يريدُ المرء أكثر من صديق يضع كفّا يديه على راحته ليحكي له أنه استيقظ صباحا يبكي؛ لأنه يشتاقُ حبيبًا آخر هو والدُه؟ صديق يسرّي عن حزنك وتسرّي عن حزنه، بذكر حبيب آخر تحبّانه؟
- 27 يونيو – 2020 .
أسماء الشامسية قاصة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
عن الابادات الجماعية التي عايشناها .. لكم أحكيها
قصة قصيرة [ لم أعد حياً .. لكني أتنفس ]
بقلم / عمر الحويج
باغتنا الإنفجار ، جاءنا.. مدوياً ، من فوقنا . جاءنا .. عابراً سماءنا ، تلك التي ظلت .. تظلل صفاءنا ، جاءنا مخترقاً جبالنا ، تلك التي أبداً ، كانت .. أماننا و حِمانا.
حينها .. تحولت قريتنا ، الوادعة ، إلي كتل من اللهب ، والنيران ، والدخان .. تلتها ، لا بل رافقتها ، زخات من المطر الرصاص ، المنهمر علينا ، من كل أنواع الأسلحة ، الخفيف منها ، و الثقيل .. أحاطنا من جميع أركاننا ، من أمامنا ، من خلفنا .. من يميننا ، من يسارنا ، أما من تحتنا ، فقد اهتزت ، بنا الأرض ومادت ، وكأنها زلزلت زلزالا ، رجّتها أصوات الدبابات وحركتها الضاجة ، حين أخذت ، تخبط خبط عشواء ، في أرضنا.. في مساكننا.. في البشر والناس .. و حتى قطعاننا وطيرنا وأنعامنا .
إلا ، أنا .. وجدتني ، مازلت حياً .. أتنفس .. !!
بدأت أتحسس ما حولي ، ببصري .. لا أري ، غير الدخان ، وألسنة النيران واللهب ، كما لا أسمع ، غير ضجيج الدبابات وهديرها ، وهي تجوب المكان هنا وهناك .. مسرعة .
لا أدري ، ما هو فاصل الزمن ، بين بداية الانفجار الأول .. وما تلاه . ولكني وجدت نفسي ، في الحالة الأخيرة ، التي كنت عليها ، حين حملني ، أحفادي الأربعة ، على ظهر ، نقّالتي الخشبية . المتآكلة بفعل الزمن ، وثِقل الجسد ، والتي صنعوها، خصيصاً لحركتي اليومية ، خاصة من قُطّيتي .. سكني إلي حيث شجرتي الظليلة ، و التي تحتويني ، تحت ظلالها ، طيلة نهاري ، وبعض ليلي .
وحتماً .. أن شجرتي الظليلة ، هي التي حمتني .. أو ربما هي بالتأكيد التي أبقتني حياً ، بعد كل ما حدث .. وما يزال . وأنا الحي كميت منذ زمان مضى .. بعيد ، حين أصابني ذلك البلاء ، الذي شل كامل جسدي ، عن الحركة ، وترك لي فقط ، بعض من حواسي : عيناي .. اللتان ظلتا ، تخترقان بعض الضوء .. إلا قليلاً. وسمعي .. دون لساني .. وقلبي الذي يخفق .
وهكذا ، أنا .. وجدتني .. ما زلت حياً .. أتنفس ..!!
إلا أن شجرتي الظليلة ، والتي حمتني .. أو ربما هي بالتأكيد التي أبقتني حياً . لم تستطع أن تحمي الآخرين . فها أنذا ، قد طال انتظاري ، ولم يأتيني أحد ، من أهلي ، حتى الآن ، ليتفقدني .. كما عودوني .
وأنا .. لا زلت ، لا أرى أمامي ، سوى الدخان .. والفضاء ، حالك السواد ، بعيني الغائمتين . فقط يخترق أذني ، ذلك الهدير الآتي ، من هياج الدبابات وما يلحق بها ، من الآليات العسكرية ، التي أعرفها جيداً ، وأكاد أحدد ، أنواعها .. فقط ، من صوت ، تحرك عجلاتها . ففي زمان مضى .. بعيد ، عملت جندياً ، بعد تجوالي ، في العديد من المهن ، السفلى منها والأسفل.. !!. أذكر في ذلك العهد .. البعيد ، كانوا أيضاً يدفعون بنا دفعاً ، لاقتحام القرى والمدن . لنقتل ونحرق ، في تلك الأنحاء البعيدة .. كبعدنا الآن ، عن هؤلاء الذين جاءوا ، لحرقنا وقتلنا .. لماذا ؟؟ ، لست أدري . ما أدريه الآن فقط ، أن كل ما حولي ، أضحى هامداً خامداً .. ومتلاشياً . أين يا ترى ، إختفى نبض قريتي ، الذي كان يحتويني ، رغم عجزي وقلة حيلتي ، بدفئه وحنيته وحنينه ، أين أهلي؟.. أين ناسي؟ أين حتى ، قطعاننا وطيورنا وأنعامنا ؟. فانا لا أسمع لها : خواراً أو صهيلاً ، نهيقاً أو نقيقاً . ولكني الآن أسمع : قد أتتني ، أصوات أقدام ، تتقدم نحوي ، بخطوات منتظمة، وأخرى مهرولة .. بل بدأت ، أسمع أصوات أصحابها ، يتصايحون .. يتجادلون .. يأمر بعضهم ، ويأتمر البعض الآخر .. عرفتهم ، من أصواتهم .. عرفتهم ، من لسانهم .. الذي به ينطقون ، نعم عرفتهم . لقد عذبني ، هذا اللسان كثيراً : أبني الصغير ، أصغر أبنائي .. في ذلك الزمن .. البعيد . يوم عمّت الفوضى ، تلك المدينة الكبيرة .. وحين استعادوها "من المتمردين" يقولون . أخذوا .. يبحثون ، يفتشون ، ينقبون : في الشوارع ، في البيوت ، في الدّواخل وفي النفوس ، في سحنات الناس ، وفي ألوانهم . وفي الطريق العام ، كان إبني يسير .. حين أوقفوه ، عن اسمه .. سألوه . حين سمعوه أخذوه .. ثم قتلوه . في ذات الطريق العام .. قتلوه . أنا عرفت.. فيما بعد .. أنا عرفت . إبني قتله لسانه.. ولم يقتله سلاحه . والآن .. لا أنا ، ولا أهلي وناسي ، نملك سلاحنا ، وإن كنا نملك لساننا ، وهذا ربما مورد هلاكنا ، وكذلك أحفادي . ولكن أين هم الآن . لماذا لم يأتوا ، ليتفقدوني كعادتهم .. أثار تعجبي منهم . وأندهاشي . أنهم في الأيام الأخيرة ، وبغير عادتهم وجدتهم ، يتحلَّقون حولي ، تحت ظل ، شجرتي الظليلة . أسعدوني بوجودهم قربي ، ولكنهم أحزنوني بحواراتهم ، فعن طريقهم ، عرفت الحرب ، التي تدور حولنا ، عرفت بعنفها .. أغلقت مدارسهم "وعرفت حينها سبب تحلقهم حولي" عرفت منهم ، أن الناس هناك ، يهربون من قراهم ، إلى الكهوف ، في جبالهم.
ما أدمى قلبى ، أن إثنان من أكبر أبنائي ، قد التحقا بها "تلك الحرب اللعينة" ما أدمى قلبى أكثر ، أن أحدهم ، يحارب في جانب ، والآخر في الجانب المقابل . وما أدمى قلبى ، أكثر وأكثر ، أن اثنان من أحفادي ، تعاركا أمامي ، كُل منهم .. دفاعاً عن والده . وأنا العاجز أصلاً ، وجدتني عاجزٌ عن الفهم ، وعاجزٌ أكثر ، عن وقف عِراكهما أمامي ، فقط .. ما قدرني عجزي عليه ، أن دمعت عيناي ، كما الآن .. فقد دمعت عيناي ، لهذا الذي مر بخاطري ، حتى غامتا ، ولم تريا ، أصحاب تلك الأقدام ، التي أخذت تحوم حولي ، بل تتقدم نحوي ، أراهم الآن .. ينحني أربعة منهم ، تقبض أياديهم على أركان ، نقالتي الخشبية .. المتآكلة بفعل الزمن ، وثِقل الجسد ، أحسست بعدها ، بارتفاعي المفاجئ عن الأرض ، بعنف لم أعهده في أحفادي ، حين يحملونني برفق ، ليتحركوا بي ، من موقع لآخر . وبعنف أقوى .. مشوا بي ، إلي أين؟.. لست أدري ، فقط مشوا بي ، ثم مشوا . ثم فجأة توقفوا ، ودون انتظار ، دون إنذار ، أطلق أربَعتَّهم ، سراح أيديهم ، من أركان ، نقّالتي الخشبية .. المتآكلة بفعل الزمن ، وثِقَّل الجسد ، وبعنفٍ .. تركوني إرتطم بالأرض ، وقبل أن أفيق قليلاً ، انحنى اثنان منهم ، ومن جانب واحد ، من نقّالتي الخشبية ، دفعا بي إلى أسفل .. ولكن دون نقالتي الخشبية !! . ووجدتني داخل حفرة ، وإن لم تكن عميقة ، لسرعة وصولي .. قاعها ، وحين أفقت .
وجدتني ، لا زلت حياً .. أتنفس..!!
وبدأت أتبين ما حولي . أجساد محترقة ، إنهم أهلي .. ناسي . هؤلاء الأربعة .. إنهم أحفادي ، عرفتهم .. بإحساسي عرفتهم ببصيرتي . إثنان منهما ، متلاصقان .. متماسكان ، يحضنان بعضهما ، هل يا ترى كانا يتصافحان ، أم كانا يواصلان عِراكهما .. لست أدري !! . ما أدريه فقط الآن ، أن نظري المتلاشي قد وقع ، على جسد آخر . إنها زوجة حفيدي : صغير السن هو .. صغيرة السن هي ، والآن بكامل زينتها . تزوجها حفيدي ، قبل عام مضى ، أقام لهما والده حفل زواج ، ظل حديث قريتنا زماناً طويلاً ، رقص فيه الشباب .. فتياناً وفتيات ، كما لم يرقصوا من قبل ، إستدعوا فيه ، كل موروثاتهم القديمة والمتنوعة .. رقصاً وغناءً . فقد كانت زوجته من قبيلة مجاورة ، وليسوا من قبيلتنا .. !! .
ولكن .. ما أرى؟؟ .. إنها دماء ، دماء على ساقيها ، دماء على فخذيها .. يا الهي .. لقد أتوها ، حتماً أتوها ،ثم اغتصبوها .. ولكني لا أدري .. إن كان أتوها .. ثم اغتصبوها ، قبل موتها .. أم بعد موتها أتوها .. ثم اغتصبوها . ظللت طيلة سنوات عجزي ، بالنية داخلي .. أصلّي . الآن .. على ضياع صباها أصلّي . وأنا أصلّي .. أتاني من خلفي أنين ، إنه أنين طفلة ، تيقنت منه ، إنه منبعث ، من إبنة حفيدتي .. آخر عهدي بها ، ذاك النهار ، جاءتني .. وتحت ظل شجرتي الظليلة ، علي الأرض ، جلست تحفر ، بأظافرها الرقيقة .. اذكرها ، حين التفتت نحوي ، نادتني : جدي.. جدي.. " أنا جعانة ".. أخذني منها ، صوت آخر ، إنه هدير جرّافة ، أعرفها هذه الجرّافة ، عملت عليها أيام الجندية ، دائماً جاهزة ، هذه الجرّافة.. للحفر والردم .
مالهم هؤلاء الناس !!.. هل سيدفنوننا ، بهكذا عجلة أحياء .. !! .
تذكرت أجدادي .. في ذلك الزمن البعيد ، يحكون لنا .. أن مواراة الميت الثرى عندهم ، تستغرق أياماً بلياليها ، يعدون حفرة الدفن ، بمرقدها .. يتوسدها الميت ، يحيطونه ببعض ، مقتنياته الثمينة . أما هؤلاء .. فما اعجلهم !! .
أسمعها .. الجرّافة ، تتحرك .. تملأ جوفها ، بالرمل والحصى والتراب .. تتقدم نحونا ،
ولا يزال أنين حفيدتي يأتيني من خلفي ، والجرّافة تُفرِغ ما بجوفها ، في حفرتنا .. فيسكت الأنين . أصرخ أنا من داخلي.. يا هؤلاء : هل جئتم تسكتون جوع حفيدتي ، أم جئتم تسكتون أنينها ..؟؟
وعادت الجرّافة مرة اخرى ، بعد أن ملأت جوفها .. بالرمل والحصى والتراب .. وأفرغت حمولتها في حفرتنا ، وبعدها .. لم أعد أرى !!.
ولكني .. وجدتني ، لا زلت حياً.. أتنفس ..!!
وعادت الجرّافة ، وملأت جوفها .. بالرمل والحصى والتراب .. وقبل أن تُفرِغ حمولتها ، صحت بكل قوتي ، ومن داخلي مرة اخرى .. أمهلني يا هذا حتى .. أتشهد !!. ولكنه .. لن يسمعني .. ولا يريد أن يسمعني . بل سمعته أنا .. يردد : " ... وقتلاهم في النار " .
ثم أفرغ حمولته ، في حفرتنا .
وبعدها .. لم أعد أسمع !!.
ولكني .. وجدتني ، لا زلت حياً .. أتنفس ..!!
وعادت الجرّافة ، وملأت جوفها .. بالرمل والحصى والتراب .. وأفرغت ما في جوفها ، في حفرتنا .
وبعدها.. لم أعد حياً !! .
ولكني .. وجدتني ، ما زلت .. أتنفس !! .
***
omeralhiwaig441@gmail.com