1
الكذب المتواصل و تغبيش الوعى
عندما قامت ابنة شقيقتى العاملة فى الأمم المتحدة فى " جنيف " بسؤال المستشار السياسى لميليشا الجنجويد و بتهذيب مطبوعة عليه ( متى يخرجون من منازل أسرتها الممتدة فى أمدرمان ، الخرطوم و بحرى و التى ما زالو يقطنونها )..... رد عليها فى صلف و زهو ( انهم لن يطلعوا من الخرطوم و لن يطلعوا من منازلهم أبدا )!
بالطبع رد المستشار السياسى لآل دلقو، تنقصه الحصافة و النضج السياسي، الضعف فى قراءة الواقع الأجتماعى فى السودان يرافق كل ذلك عنجهية بائنة للعيان.
لكن للدهشة ان اعلام الجنجويد تتباين مواقفه حول هذه المسألة و لديه أكثر من موقف و توضيح حول مسألة سكن منازل المواطنين:
- فى بعض الحالات هو النفى الكامل لسكنهم بيوت المواطنين و سرقتها و العبث بمحتوياتها
- فى بعض المرات هو الاعتراف الخجول بأن هنالك متفلتين من الدعم السريع يقومون بذلك الفعل
- و فى أحيان أخر الادعاء بأن هنالك قوات أخرى تساند الجيش و هى التى ترتكب تلك التجاوزات
- و فى حالة متفردة كما فى حالة المستشار السياسى مع ابنة شقيقتى هو الاعتراف المغلظ و أنهم سيمكثون فى تلك المنازل.
و كما يقولون و حتى لا نلغى الكلام على عواهنه سأقوم بايراد أمثلة لبعض منازل الأسرة فى الموردة التى يحتلها الجنجويد.
- منزل الاسرة أو منزل زاهر سرور السادات و منزل شقيقتى و هو محتل، و يقيمون فيه ، منذ الأسبوع الثانى لبداية الحرب ليس ذلك فقط بل يجلسون فى الأمسيات فى الكراسي التى نجلس عليها أمام المنزل و مسترخين ( يعنى ماخدين راحتهم ) !
بل الأدهى عندما أتى المستأجر لمنزل شقيقتى لأخذ بعض أشيائه و جدهم مستلقين على الأسره بعد أخذوا حمامهم و " شادين كمان حلة " !!....ينطبق هذا السلوك الهمجى على كل منازل حى " ريد " الذين خرجوا أهلها منها بعدما تعرض الحى للقذف المتبادل بين الجيش و الجنجويد لقرب الحى من اذاعة و تلفزيون جمهورية السودان !..... أما منزل شقيقاتى د. خالده زاهر و د فهيمة زاهر فى الخرطوم فقد تم سرقتهما و تحطيم محتويات المنزلين.
- تسبيب المضايقات للمواطنين و التجار فى سوق الموردة و استفزاهم و أمرهم بقفل دكاكينهم و بدون ابداء أسباب. قبل اسبوعين و بالقرب من حديقة الموردة أطلقوا النار على أمراة و من مسافة قريبة على بطنها و منعوا المواطنين من اسعافها، و بعد موتها غطوا جسدها بقطعة من الكرتون و ذهبوا. ناس الحى الهميمن اخذوا المرأة بعربة كاروا ثم قامت نسوة من الحى بغسلها و تكفينها و تم دفنها بالقرب من خور أبوعنجه فالجنجويد يمنعون الدفن فى مقابر حمدالنيل .....لقد أرسل لى صديق الرسالة التالية ( أحوالنا... البلد خربت.....كل الموردة سرقت و نهبت..منازل...دكاكين....و سوق الموردة أصبح خرابة )
- أتت مجموعة من الجنجويد الى منزل فى الموردة و سألوا عن ضابط قيل انه يسكن المنزل، للحقيقة الضابط يحمل رتبة اللواء و هو قد تقاعد بالمعاش منذ سنين عدة، و عندما أجاب شقيقه بأنه لا يسكن المنزل و قد رحل الى مكان آخر منذ فترة طويلة، قام الجنجويد بدم بارد بافراغ ثلاث رصاصة فى جسده و تركوه بعد أن فارق الحياة !
- أحد أقربائى عندما رفض اعطاءهم الموبايل الذى يملكه باعتباره الوسيلة الوحيدة للاتصال بأهله قاموا باطلاق عدد من الرصاصات فى رأسه .هذه بعض العينات من قصص كتيرة حدثت و تحدث كل يوم.
2
للتاريخ و للتوثيق
- ابتداء أريد أن أوضح أشياء لا يدركها الجنجويد رغم اقتناعى انهم غير حريصين على معرفتها، و ذلك أن كل مناطق هذه العاصمة ساهمت فى بناء تاريخ السودان....الفتيحاب التى عسكرت بها جيوش المهدى قبل اجتياح الخرطوم، الكلاكلة و الثغرة التى تسللت بها جنود المهدية للخرطوم، أحياء الخرطوم و الخرطوم بحرى العريقة ، أمدرمان بقعة المهدى و اشعاع الثقافة و الفكر.أحاول الكتابة عن بعض تاريخ منازل اسرتى التى استولى عليها الجنجويد لأنه بشكل أو آخر يعكس و يعبرعن تاريح منازل أدرمان القديمة و ينطبق و بشكل جزئى على سكان منازل الخرطوم و بحرى وهى جزئية لا تخل بالمضمون.
- ان تاريخ معظم منازل أمدرمان خاصة أمدرمان القديمة يرجع الى أكثر من مائة عام و هى منازل من الطين و الجالوص، تم ترميمها ثم أضيف اليها بعض الغرف عند زيادة أفراد الأسرة ،كما أن هذه المنازل بنيت بعرق و جهد ساكنيها منهم من عمل فى الحكومة و قام بدفع سعرها أقساطا و منهم من أغترب و ساهر الليالى و قسوة البعد عن الأسرة و الأهل ليبنى سقفا يقى " يلم " ابناءه.
أيضا منهم من وفر من مرتبه المتواضع و هم يقومون بالتدريس فى نيالا ، الفاشر و الجنينه و ينشرون الوعى و المعرفة ليس فقط فى الغرب بل فى أرجاء كل بقاع السودان.
هل يعرف الجنجويد و مستشاريهم ما قدمه هؤلاء المواطنون الى السودان و هم يعيشون فى منازلهم المتواضعة التى يصر الجنجويد بعدم الخروج عنها ؟!
- ساهموا مع آخرين بنشر الوعى السياسى و بأحقية شعوب السودان فى المشاركة فى السلطة و الثروة و ذلك منذ زمن بعيد، و تحملوا تبعات رأيهم سجنا ، تعذيبا و شنقا.
- هم من ساهموا بتضحية و بعد نظر، فى محاولات ارساء الديمقراطية فى السودان و فى البحث عن طرق ووسائل لرفع و سيادة راية القومية السودانية بين شعوبها المختلفة.
- هم عملوا مع احزابهم و المنظمات الأنسانية المهتمة بحقون الأنسان و قوانينه لايصال ما يحدث فى دارفور من انتهاكات فى ذلك الجزء العزيز من الوطن.
- يحاول الأعلام الجنجويدى بجهد واضح تغبيش الحقيقة الموجودة على أرض الواقع بنفى تجاوز مليشاتهم فى الخرطوم و فى مدن السودان المختلفة. يتم ذلك بشكل ساذج، و نفى واقعة سكنهم منازل المواطنين كما انهم لا زالوا يرهبون من تبقى فى منازلهم بالقتل،الضرب و التعذيب بل أكثر من ذلك سرقة محتويات المنازل " بالدفارات " و الأستيلاء على العربات....أنا لا أتحدث عن أحوال الجميع بل عن تجربة شخصية يعيشها من أهلى من تبقى هنالك.
ان محاولة و ممارسة الأستيلاء على منازل المواطنين باعتبارها أسلاب حرب هى قرصنة و تتعارض مع الأفكار التى يحاول الجنجويد تسويقها بين الناس مثل الايمان بالتعدد،الديمقرطية ، الدولة المدنية ...دولة القانون و أحترام حقوق الأنسان.
سؤال يخطر على البال كيف سيحكمون أو يمارسون العمل السياسى و هم يقومون باغتيال المواطنين كالغزاة ؟!
قراءة مستقبلية للصديق الراحل منصور محمد خير
كنت أجلس مع منصور محمد خير المتوفى قبل عام فى دكان يواجه شارع الموردة،عندما مر بالشارع أسطول من عربات الجنجويد محملة بالمدافع الرشاشة و هم يسيرون فى سرعة فائقة مطالبين كل العربات اخلاء الطريق مع اشارات للراجلين بالتنحى....كان ذلك ابان شهر عسلهم مع البرهان و كان الغرض ارهاب المواطنين مع توصيل رسالة انهم فوق القانون...القيم و الأخلاق السائدة. كان كل المواطنين فى المناطق التى انتشر فيها الدعم السريع غاضبين و متضجرين و رافضين لما يقوم بفعله الجنجويد.
قال لى منصور و هو ينظر الى عربات الجنجويد المسرعة كطائرات الميج ( انت عارف يا عدنان،الجنجويد ديل " ما حيجيبوها على البر " لكن، لو فعلوا ذلك.... بعدين شوارع العاصمة و خاصة أمدرمان دى بتبقى ليهم أضيق من " خرم الأبرة ".....ما حيعرفو يمشوا وين و مافى زول حيرجع الحته الجه منها تانى )!
أضاف منصور الذى عركته التجارب و العمل السياسى ( الشعب السودانى شعب صبور لكنه شعب مكار و ما برضه الحقارة و قلة الأدب ).
توفى منصور قبل عام و لم يشاهد الحرب و الدمار الذى ألحقه الجنجويد بالعاصمة فهل يتحقق الأستقراء الذى تنبأ به........أعتقد ذلك و قريبا.
عدنان زاهر
5 اغسطس 2023
elsadati2008@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: منازل المواطنین
إقرأ أيضاً:
السودان واستغلال الفرص
تلاحقت المبادرات الإقليمية والدولية خلال الأيام الماضية للمشاركة في وضع تصور لإنهاء الحرب الأهلية في السودان.
ويبدو أن هذا الزخم الإقليمي، والدولي قد جاء عقب إشارة من حاكم العالم في البيت الأبيض الأمريكي فقد أعربت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان كبار مسؤوليها خاصة وزير الخارجية انتوى بلينكن عن رغبتها في وقف الحرب وإسعاف النازحين والمتضررين منها، وتعاقبت المواقف الدولية التى تبنت هذا الاتجاه حيث أعربت تركيا عن رغبتها في القيام بالوساطة بين السودان والإمارات من ناحية ولعب دور لإنهاء الأزمة بالداخل من ناحية أخرى كما ساندت العديد من الدول الأفريقية ضرورة وقف الحرب، والمشاركة في الجهود الساعية لذلك.
والتزمت دولة الإمارات العربية أمام جلسة مجلس الأمن التى عقدت نهاية الأسبوع الماضي لوقف دعمها العسكري لميليشيا الدعم السريع، وفي وصف بأنه تحرك محسوب لأمريكا، وينفذ أهدافها في السودان.
أعلنت عن تقديم 200 مليون دولار كمساعدات للسودان، وخصصت 30 مليون دولار منها لدعم المجتمع المدني، وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية لا تزال متمسكة بدعم مناصريها من التيارات السياسية التى تتبني التدخل الأمريكي والغربى في البلاد، وتتخذ موقفًا معاديًا للحكومة الشرعية، ومجلس السيادة بزعامة عبد الفتاح البرهان، كما يعتبر قادة المجتمع المدني أنفسهم أصحاب الثورة، ومن ثم رفض مشاركة أي تيارات أخرى في إدارة العملية الانتقالية، أو رسم مستقبل السودان.
أمريكا إذن تريد وقف الحرب بالسودان مع استبعاد الجيش، والشكل العسكري للدعم السريع وتسليم السلطة والقرار لمجموعات تقدم التي يقودها عبد الله حمدوك وآخرون ينتسبون إلى المجتمع المدني وتأتي الرغبة الأمريكية في إنهاء الحرب بغرض تبريد المناطق الساخنة في العالم قبل القيام بحرب شاملة ضد روسيا وهو ما كشف عنه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين الذي قال نهاية الأسبوع الماضي إن الغرب يحضر لهجوم شامل على بلاده.
وانطلاقًا من هذا الأمر قامت أمريكا وحلفاؤها بإنهاء الوجودين الروسي والإيراني من سوريا حتى يصبح استهداف إيران مع روسيا دون أي مشاكل سياسية، أو عسكرية في المنطقة كما أن إنهاء الحرب في السودان بالطريقة الأمريكية التي خططت لها إدارة جو بايدن تمثل انتصارًا كبيرًا لتلك الإدارة لأنها تضمن طرد روسيا من السودان ووضع ممثليها على رأس السلطة في هي مرحلة إحلال وتجديد تقوم بها أمريكا الآن بالسودان وسوريا وفلسطين ويتوقع المراقبون أن تحاول أمريكا وإسرائيل تغيير النظام في إيران بعد تدمير قدراتها النووية والإستراتيجية.
السودان إذن أمام فرصة دولية لأنهاء الحرب يمكن أن يكسبها إذا ما توحدت الإرادتان الشعبية والسياسية مع الإرادة العسكرية في إنهاء هذه الأزمة غير المسبوقة مع الاحتفاظ بوحدته واستقلاله وإزاحة الفرص من أمام العملاء لتولي الحكم في البلاد والحقيقي أن إلقاء كميات من الدولارات الأمريكية في الشارع السوداني يمكن الاستفادة منها بعملية فرز أخيرة تفصل بين أولئك القابلين على حب السودان واستقلاله ووحدة أراضيه وبين اللاهثين خلف الدولار والذين يستبيحون بيع الوطن قطعة قطعة.