استحوذ الهجوم الليلي على يافا المحتلة “تل أبيب” بالمسيّرة يافا اليمنية على اهتمام غير مسبوق داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي وخارجه، فالطائرة يافا المسيّرة استهدفت أضخم شوارع يافا وسط المدينة المحتلة التي تعتبر مركز الثقل المالي والاقتصادي وصناعة القرار السياسي فيه، محدثة انفجاراً هزَّ شوارعها ومناطق حولها، وهي بالمناسبة منطقة أمنية تعج بالأبراج والسفارات والدفاعات الجوية الإضافية وبمكاتب تابعة للقنصلية الأمريكية.

هذا الحدث النوعي أدخل كل الأوساط السياسية والعسكرية والاستخبارية والشعبية الإسرائيلية في دوامة كبيرة وموجة من الذهول، لما له من دلالات يمكن إيجاز أبرزها، وهي:

أولاً: اختراق واحدة من أهم وأقوى أنظمة الدفاع الجوي المتعددة الطبقات في المنطقة والعالم وكامل منظومات الرادار الأمريكية والأوروبية والأطلسية في كامل منطقة البحر الأبيض المتوسط، هذا يؤشر إلى حجم المأزق الذي تواجهه هذه الأنظمة التي تظهر في بعض الأحيان عاجزة عن اكتشاف الطائرات المسيّرة الهجومية وإسقاطها.

من ناحية ثانية، يشير هذا الهجوم إلى حجم التطور الهائل الذي تشهده صناعة الطائرات المسيّرة في دول محور المقاومة، ومنها اليمن بالتأكيد، كما أن هذا الهجوم يؤكّد أن دول وقوى محور المقاومة في جعبتها الكثير من المفاجآت على مستويات عدة، ومنها الطائرات المسيَّرة والصواريخ وغيرها من أوراق القوة التي ستصدم كيان الاحتلال الإسرائيلي وكل مستوياته العسكرية، كما حدث مع المسيَّرة اليمنية.

ثانياً: يدلّ هذا الهجوم على المستوى العالي والكبير الذي بلغه التنسيق بين قوى محور المقاومة، ما يعني أن هناك هجمات مستقبلية قادمة أشد قوةً وإيلاماً لكيان الاحتلال الإسرائيلي.

ثالثاً: الهجوم في توقيته يأتي رداً على حالة التصعيد في كل جبهات المواجهة في المنطقة، والذي لجأت إليه حكومة الاحتلال الإسرائيلي وجيشها المأزوم العاجز عن تحقيق إنجاز يذكر في غزة ولبنان وسوريا واليمن والعراق، إذ شهدت الجبهات الأخرى، كالجبهة مع لبنان، تصاعداً وتصعيداً في إطلاق المسيّرات والصواريخ وتوسع رقع ومناطق الاستهداف في داخل فلسطين المحتلة، إذ تكشف المقاومة في لبنان عن قدرة كبيرة ونوعية في ضرب أهداف حيوية وحساسة في عمق عدة كيلومترات، وهي غير مرئية من الجانب اللبناني، ويعكس الهجوم في توقيته أنه جاء بعد خطابين مفصليين لكل من أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وقائد حركة أنصار الله اليمنية السيد عبدالملك الحوثي، هذان الخطابان تحولا إلى مادة يومية تشغل كل الأوساط في كيان الاحتلال الإسرائيلي.

رابعاً: الهجوم جاء عقب تصويت الكنيست الإسرائيلي بالأغلبية على مشروع قرار يرفض إقامة أي دولة فلسطينية في غرب نهر الأردن، باعتبار أن مثل هذه الدولة سيشكل “خطراً وجودياً على دولة إسرائيل ومواطنيها”، بحسب نص القرار.

خامساً: الهجوم النوعي بالمسيّرة اليمنية يافـا جاء قبل زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ هذه الزيارة التي يبدو أنها كانت وفق التصورات الإسرائيلية لحشد المزيد من الدعم والانخراط الأمريكي أكثر في الحرب الدائرة في المنطقة، والدفع باتجاه استدراج الإدارة الأمريكية للتورط في أي حرب مقبلة مع لبنان، حيث يكمن مصدر الخطر الوجودي على كيان الاحتلال الإسرائيلي وفق التقديرات السياسية والعسكرية والاستخباراتية، والضغط على الأمريكيين أكثر لكسر الحصار الذي يفرضه اليمن على كيان الاحتلال الإسرائيلي، إذ يسجل الاقتصاد الإسرائيلي يوماً بعد يوم خسائر كبيرة وتراجعاً غير مسبوق، فضلاً عن توقف ميناء إيلات الذي يعد أهم الموانئ الإسرائيلية عن العمل، وقد نشر موقع “وورلد كارغو” المعني بأخبار الشحن العالمي خبراً عن إعلان ميناء إيلات إفلاسه نتيجة الهجمات التي تشنها صنعاء على سفن الاحتلال والسفن المرتبطة به في البحر الأحمر.

سادساً: تهاوي الجغرافيا والحدود، إذ قطعت المسيّرة اليمنية قرابة 2000 كلم، ووصلت إلى هدفها دون اكتشافها واعتراضها، وهذا في حد ذاته رسالة واضحة لكيان الاحتلال الإسرائيلي حول ما يمكن أن يحصل لهذا الأخير في حال اندلاع مواجهة شاملة وكبرى، وخصوصاً أن أقوى الجبهات وأكثرها خطراً هي الجبهة اللبنانية المحاذية لفلسطين المحتلة، هو إذاً سقوط جديد للردع ولحصانة العمق الأمني الإسرائيلي والتفوق المزعوم، فلا يوجد مكان آمن في كيان الاحتلال الإسرائيلي.

سابعاً: ثمة دلالة بالغة الأهمية لهجوم الطائرة اليمنية المسيرة يافــا هي تلك التي تتعلق بالولايات المتحدة ودورها في الدعم الكامل للحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة، ودورها في العدوان على اليمن واستهداف موقفه المنحاز إلى غزة ونصرته لها، إذ إن سقوط الطائرة المسيّرة أحدث أضراراً في مكاتب تابعة للقنصلية الأميركية، وهذا يعني أن المصالح الأمريكية باتت غير حصينة ومهددة، وبالتالي على الإدارة الأمريكية أن توقف عدوانها المتمادي على اليمن.

في المحصلة، يمكن اعتبار الطائرة اليمينة المسيّرة يافا بداية تحول جديد في مسار المواجهة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، ستتبعه تحولات ستترك تداعياتها على الداخل الإسرائيلي، إذ استعر الجدل الداخلي وتحوَّل إلى مادة خلافية جديدة تعمق الشرخ في البنية الداخلية لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وتؤكد أن جولات التصعيد الموعودة بدأت ولا تراجع عنها، كما أن استهداف عمق الكيان الإسرائيلي بات جزءاً من المواجهة المفتوحة معه، والتي تبدو أنها حافلة بالكثير من المفاجآت.

*كاتب وباحث لبناني

 

 

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

خبير علاقات دولية: الاحتلال الإسرائيلي يريد تصفية القضية الفلسطينية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور عبد المسيح الشامي أستاذ العلاقات الدولية، إنّ الاحتلال الإسرائيلي يريد تصفية القضية الفلسطينية وتهجير ما تبقى من الفلسطينيين وإنهاء وجودهم في أرض فلسطين التاريخية وتهجيرهم إلى الدول المجاورة، مشددًا، على أن هذا الأمر مرفوض.

وأضاف الشامي، في مداخلة هاتفية عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أنّ هناك صمت دولى على مظالم الشعب الفلسطيني، فالحياة أصبحت أشبة بالجحيم داخل القطاع بلا غذاء بلا دواء بلا أي شئ وهذه قضية غير مسبوقة في تاريخ البشرية.

وتابع، أنه حتى في قوانين الحروب فمن المفترض أن تكون الصراعات تحكمها قوانين، وبخاصة الطرف المتحكم، الذي يجب عليه السماح بإرسال المساعدات الإنسانية، وافساح الفرصة لممراتها بالعمل.

وأوضح، أن الموقف المصري نبيل ومتقدم، إذ تبنت الدولة المصرية المواقف العربية وحاولت قدر المستطاع  حماية ما تبقي من الحقوق الفلسطينية ولكن دولة الاحتلال خارج القانون لا تستجيب للدعوات فهي مصره على تصفية الفلسطينين.

ولفت، إلى أنّ قرار محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الاحتلال الإسرائيلي بتسهيل المساعدات بشكل إلزامي، يجب أن يكون نافذا ومفعلا وأن يتم الالتزام بها، وبخاصة المساعدات الإنسانية يجب أن تخرج خارج الصناعات فلا يجوز أن تكون هي أصل الصراع.

مقالات مشابهة