ملفات صعبة تتصدرها المصالحة ومعضلة اليوم التالي للحرب:هل تفلح الدبلوماسية الناعمة للصين في إنهاء الانقسام الفلسطيني؟
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
خلال يومي 21 و 22 من الشهر الجاري، تابع كثيرون جولة المحادثات الثانية التي رعتها بكين على مدى يومين للمصالحة الفلسطينية بمشاركة ممثلين من جميع الفصائل الفلسطينية، بما فيها “فتح وحماس”، أملاً في إنها الانقسام العاصف بالشعب الفلسطيني منذ 17 عاماً، بالرهان على الميزات الجديدة التي تملكها الصين لحلحلة هذا الملف والتغيرات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية الوحشية في قطاع غزة، ولا سيما بعد قرار الكنيست الإسرائيلي منع إقامة الدولة الفلسطينية.
الثورة /تحليل / أبو بكر عبدالله
البيانات الصادرة عن حركتي «فتح وحماس» التي أعلنت فيها المشاركة في محادثات المصالحة والتعاطي الإيجابي مع جهود الصين لتوحيد الصف وإنهاء الانقسام الفلسطيني أشاعت الأمل بانفراج وشيك للأزمة، سيما في ظل الزخم الدولي المؤيد للقضية الفلسطينية وما أفرزته حرب الكيان الإسرائيلي في قطاع غزة من تحديات وجودية جعلت جميع الفصائل الفلسطينية هدفا لمشاريع الكيان في التدمير الشامل والتهويد والتهجير وتصفية القضية الفلسطينية.
ويُنتظر أن تشهد بكين جولة حوار سياسي ثانية تواصلا لجهود سابقة رعتها بكين في أبريل الماضي وتناولت وفقا لبكين ملفي المصالحة السياسية واليوم التالي لانتهاء حرب غزة، على أمل أن يتم خلال هذه المحادثات إحراز اختراق في نقاط الخلاف التي حالت دون تحقيق المصالحة في العديد من المؤتمرات واللقاءات التي رعتها دول عربية وأجنبية خلال السنوات الماضية.
وقد أثارت هذه الجولة من المحادثات التساؤلات عن إمكانية نجاحها في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني خصوصا وأن نبرة التفاؤل الصيني التي سادت محادثات الجولة الأولى في أبريل والتي قالت الصين إن الفصائل أجرت خلالها «حواراً معمقاً وصريحاً» لم تنعكس على مواقف حركتي «فتح وحماس» اللتين التزمتا الصمت حيالها وسط اتهامات متبادلة ظهرت بشأن عدم الجدية، ما عزز التكهنات لدى الشارع الفلسطيني بأن الجولة الجديدة لن تكون أكثر من إجراء بروتوكولي دون نتائج ملموسة.
مع ذلك، ثمة آمال في أن تلعب الدبلوماسية الناعمة للصين دورا محوريا خلال هذه الجولة بانتزاع التنازلات وتعزيز أجواء الثقة والتأسيس لمسارات جديدة تهيئ المناخ لمصالحة وطنية فلسطينية بعد أن صار هذا الهدف متصدرا أولويات جميع الفصائل الفلسطينية في ظل التعنت الإسرائيلي الرافض لأي تسويات تحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه التاريخية وتصعيده الخطير بمصادقة الكنيست الإسرائيلي على قانون منع إقامة الدولة الفلسطينية.
ما يدعو لذلك أن بكين المتفائلة كثيرا في هذه الجولة تبدو قد استخلصت معطيات مهمة في اللقاء الذي استضافته في أبريل الماضي وجمع ممثلين من حركتي «فتح وحماس» وتسعى اليوم عليها للدفع قدما باتجاه تفاهمات مشتركة تقود إلى مصالحة مستقبلة، خصوصا وأن احتفاظ الصين بعلاقات مع الكيان قد يمنحها فرصا إضافية لإنجاح أي توافقات باتجاه إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني على أسس الحوار.
أكثر من ذلك فإن الجهود الصينية الحالية تتمتع بمزايا جيدة في جانبي التوقيت ومستوى التمثيل، ناهيك بالميزة المضافة المتمثلة بقدرة الوسيط الصيني على سد الفجوات سيما وأن اللقاء المرتقب للفصائل الفلسطينية سيتيح للمسؤولين الصينيين إدارة حوارات ثنائية مباشرة مع كبار قادة الفصائل في قضية هي في الواقع موضع إجماع وفي ظل رغبة أكثر الفصائل عدم الخوض في التفاصيل المعززة لحالة القطيعة والانقسام الذي تعانيه الساحة الفلسطينية بوجود حكومتين الأولى في الضفة الغربية تقودها السلطة الوطنية الفلسطينية والثانية في قطاع غزة تقودها «حماس».
هذا المعطى على ما يبدو شجع الوسيط الصيني على اعتماد آلية جديدة بتوسيع دائرة الحوار ليشمل سائر الفصائل الفلسطينية بما فيها حركتا «فتح» و«حماس» أملا في التأسيس لتفاهمات مشتركة تحظى بإجماع وتتخطى إمكانية التأثير عليها من أي فصيل وتحصينها من الوقوع في خندق الخلافات الذي طالما عرقل مسار المصالحة في سائر المبادرات الإقليمية الدولية السابقة.
وقد عبّرت عن هذا التوجه تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان الذي أكد أن بكين «تدعم كل الأطراف الفلسطينية في هدف تحقيق المصالحة والوحدة عن طريق الحوار والتفاوض وأنها مستعدة لتوفير الفرص لتحقيق هذا الهدف».
سقف منخفض
خلافا لجولة الحوار الأولى التي احتضنتها الصين في أبريل الماضي بدت القيادة الصينية هذه المرة متفائلة تجاه الهدف الصعب الذي وضعته لتحقيق المصالحة الفلسطينية بين حركتي «فتح وحماس» خصوصا بعد إعلان بكين استعدادها لتهيئة الأجواء اللازمة لتحقيق التوافق والمصالحة.
ورغم التمثل الرفيع المستوى المعلن عنه لوفدي حركتي « فتح وحماس» في هذه الجولة وتأكيدهما الجدية في الوصول إلى تفاهمات تنهي حالة الانقسام وتعزز الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات، إلا أن التقديرات تقلل من سقف التوقعات من هذه الجولة في ظل القيود التي تكبل الفصيلين في الوصول إلى تفاهمات نهائية لإنهاء الانقسام.
لكن الحديث عن خطوات جدية لمصالحة نهائية تنهي الانقسام على أرض الواقع ليس أكثر من أمنيات بعيدة المنال في الوقت الراهن على الأقل، فالتركة الثقيلة للخلافات وحالة انعدام الثقة القائمة تقلل سقف التوقعات بما يجعل من هذه الجولة خطوة مهمة لخفض التوتر بين الجانبين، بعد أن شهدت العلاقات بينهما تصعيدا خطيرا خلال الشهور الماضية للحرب الإسرائيلية الوحشية في قطاع غزة.
والثابت أن تعقيدات المشهد السياسي الفلسطيني وتباين الرؤى والمواقف والبرامج السياسية بين حركتي «فتح وحماس» يكفي بحد ذاته للتقليل من فرص إحراز أي تقدم في هذا الملف الشائك خلال جولة المباحثات الجديدة، غير أن استئناف اللقاءات والتصريحات الإيجابية التي ظهرت حتى الآن تشير إلى إمكانية حدوث اختراق ما في جدار الأزمة قد يؤسس لخطوات جديدة لترتيب البيت الفلسطيني.
يشار في ذلك إلى عقبات داخلية عدة تتصدرها حالة التوتر المرتفعة بين حركتي فتح « و»حماس» والاتهامات المتبادلة والتهديدات التي ظهرت إلى السطح خلال الشهور الماضية على خلفية الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة والشحن الإعلامي والسياسي بين الفصيلين بما أحدثه من انقسام في الشارع الفلسطيني الذي يعيش حالة إحباط من إمكانية التوصل لاتفاق بين حركتي فتح وحماس بشأن تحقيق المصالحة.
وعلاوة على العقبات الداخلية ثمة عقبات دولية قد تحول دون تحقيق الهدف، ولا سيما في ظل الضغوط الأمريكية المنزعجة من التحركات الصينية والروسية في ملف القضية الفلسطينية الذي تحتكره واشنطن منذ عقود في ظل انحيازها الأعمى للاحتلال الإسرائيلي.
تاريخ حافل
يسود الانقسام الساحة الفلسطينية منذ أن سيطرت حركة «حماس» على قطاع غزة في العام 2007م، بعد فوزها في الانتخابات عام 2006، في حين تصاعدت حدة الانقسام خلال السنوات الأخيرة لتبلغ حدا عجز فيه الفصيلان عن إيجاد أي قواسم مشتركة تقود لحلحلة الأزمة.
وقد فشلت العديد من المبادرات المحلية والدولية في مساعيها لرأب الصدع الفلسطيني خلال السنوات الـ 17 الماضية، حيث انخرطت حركتا «فتح وحماس» منذ العام 2007 في العديد من اللقاءات والمؤتمرات التي أثمرت عن اتفاقيات للمصالحة وإنهاء الانقسام، بدءاً من لقائي مكة والقاهرة ثم الدوحة والقاهرة وصولا إلى محادثات الجزائر في 2022 ولقاء العلمين المصرية في يونيو2023، وأخيراً محادثات موسكو وبكين 2024م، دون أن تُسفر عن خطوات عملية جادّة لتحقق هدف المصالحة وإنهاء الانقسام.
واستنادا إلى معطيات الداخل الفلسطيني وتعقيداته فإن القول بإمكانية نجاح الصين في قيادة مصالحة حقيقية بين الفصيلين تنهي الانقسام لا يزال أمرا بعيد المنال فحجم الخلافات لا يزال كبيرا للغاية، وقد فشلت معه جميع المبادرات الإقليمية والدولية السابقة لتصل مؤخرا إلى حالة القطيعة الكاملة.
وخلال جولات الحوار السابقة، لم تتمكن الفصائل الفلسطينية الرئيسية من إيجاد أرضية مشتركة في قضايا رئيسية كمقررات اتفاق أوسلو وخطط تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وإصلاحات منظمة التحرير الفلسطينية، وأضيف إليها اليوم الخلافات الحاصلة بشأن مرحلة ما بعد حرب غزة، في ظل الضغوط الأمريكية التي تطالب بإنهاء حكم «حماس» على قطاع غزة شرطا لإنهاء الحرب والتآم البيت الفلسطيني تحت قيادة حركة «فتح» المقبولة دوليا لإدارة خطة ما بعد الحرب.
تقاطعات وفرص
رغم كل الميزات التي وفرتها الصين لجولة الحوار الحالية فإن التفاؤل الفلسطيني والعربي بشأن نجاحها لا يزال حذرا للغاية، بالنظر إلى حجم القضايا الخلافية وفي الصدارة قبول حماس بإقامة دولة فلسطينية في إطار حل الدولتين والذي لا يزال حتى اليوم من أهم القضايا الخلافية في مسار جهود المصالحة.
ذلك أن حركة «حماس» ، اعتمدت منذ تأسيسها، استراتيجية عدم الاعتراف بإسرائيل وانتهاج الكفاح المسلح ومعارضة اتفاقات السلام الموقعة في أوسلو عام 1993، في حين لم يكف قادة «حماس» عن التأكيد في مناسبات عدة أن هذه الأمور محسومة وغير مطروحة للنقاش.
يضاف إلى ذلك الخلافات بشأن التسويات الانتخابية وتشكيل الحكومة وإدارة الحرب مع العدو الإسرائيلي وغيرها من القضايا الخلافية التي لا يمكن حلها في الوقت الراهن إلا بقبول الطرفين بالواقع الجديد الذي فرضته الحرب، والعمل من أجل الشراكة السياسية الحقيقية في القرار والحكم سواء في الضفة أو القطاع في حين أن ارتهان بعض الأطراف للمواقف الخارجية، وللمصالح الخاصة بحلفائهم الإقليميين لا يزال يمثل عائفا كبيرا أمام تحقيق المصلحة.
وفقا لذلك فإن التقديرات الواقعية تذهب إلى أن جولة المحادثات الثانية في بكين ستكون محطة مهمة على مسار تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية في ظل تعاظم دور الصين على المستوى العالمي وتبني بكين مواقف مؤيدة للدولة الفلسطينية المستقلة على قاعدة «حل الدولتين» في المحافل الدولية.
ذلك أن هدفاً كبيراً لتحقيق المصالحة وتوحيد الصف الفلسطيني يحتاج بالضرورة إلى كثير من المحادثات التي يصعب التكهن بأنها ستمضي قدما دون إسناد دولي، في ظل الصعوبات التي ستوجهها «فتح وحماس» لحسم خلافاتهما في ظل المناخ السياسي والأمني المضطرب على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية ولا سيما في قضايا مرحلة ما بعد حرب غزة وإصلاح منظمة التحرير وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
وأكثر ما يؤمل الوصول إليه من محادثات بكين الثانية، هو أن تفتح الطريق لمسار جديد من المفاوضات يمكن أن تقود إلى توافقات مستقبلية من غير أن يكون لها صدى على أرض الواقع في الوقت الراهن.
مع ذلك فإن وقائع الحرب الإسرائيلية المروعة في قطاع غزة بما أحدثته من خراب شامل ونزوح الملايين وامتداد الحرب الإسرائيلية إلى الضفة الغربية بما فرضته من معاناة شاملة للشارع الفلسطيني، يمكن أن تدفع بالفرقاء إلى خطوات متقدمة على طريق المصالحة وهو أمر تراهن الصين عليه بتقديم الطرفين تنازلات من شأنها تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة الحرب الإسرائيلية التي تسعى للاستفراد بكل فصيل على حدة بما يحقق مشروعها في إنهاء الوجود السياسي الجغرافي والبشري الفلسطيني بصورة عامة.
يزيد من ذلك إدراك قيادات الفصائل أن استمرار الانقسام قد يؤدي إلى خسارة الدولة الفلسطينية للزخم الدولي الذي أحدثته المجازر الوحشية للحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، سميا وأن أكثر الدول المؤيدة للقضية الفلسطينية تريد أن ترى فلسطين موحدة وليس مناطق جغرافية تحكمها أو تسيطر عليها فصائل، كما تدرك أن عدم الوصول إلى مصالحة وطنية في الوقت الراهن قد يزيد من تعقيدات أزمة فرض الوصاية الخارجية على قرار ومصير الدولة الفلسطينية.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الانقسام يضرب ديوان المحاسبة الليبي.. ما دور الدبيبة وحفتر؟
طرحت أزمة الانقسام الجديدة التي ضربت ديوان المحاسبة الليبي بعض الأسئلة حول تداعيات الخطوة على ممارسة الرقابة والمحاسبة على المؤسسات والمسؤولين في البلاد وما إذا كان الخلاف سياسي أكثر منه قانوني.
وتتلخص أزمة ديوان المحاسبة، أعلى سلطة رقابية مالية في البلاد، في تنازع الرئاسة بين "خالد شكشك"، المدعوم من البرلمان وواللواء المتقاعد خليفة حفتر مع نائبه المعين حديثا "عطية الله السعيطي"، المدعوم من طرابلس والذي يشكك في شرعية الأول بعد صدور حكم من محكمة طرابلس يعفيه من مهامه كرئيسا للديوان.
"الدبيبة والبرلمان"
وأصدرت محكمة جنوب طرابلس الابتدائية حكما يقضي بإيقاف رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، عن العمل بناءً على انتهاء ولايته، ما دفع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة "الدبيبة" لاعتبار شكشك غير شرعي وأن نائبه هو المكلف برئاسة الديوان.
في المقابل، رفض مجلس النواب هذه الخطوة كون رئاسة ديوان المحاسبة من المناصب السيادية التي لا يبت فيها إلا بقرار من مجلسي النواب والدولة، وسط مطالبات باستمرار شكشك رئيسا للديوان لحين حسم هذا المنصب.
كما أن شكشك نفسه رفض القرار وتقدم بطعن قانوني، مؤكدًا تمسكه بمنصبه كون المحكمة غير مخولة بالتدخل في ملف المناصب السيادية التي ينص الاتفاق السياسي الليبي على تبعية الملف لمجلسي النواب والدولة وفقط.
"تهديد محلي ودعم دولي"
من جهته، وجّه وكيل ديوان المحاسبة، عطية الله السعيطي، خطابا رسميا طالب فيه رئيس الديوان، خالد شكشك، بتسليم مهامه تنفيذاً للأحكام القضائية الصادرة بحقه، متهما إياه بانتحال الصفة والاستمرار غير القانوني في ممارسة مهامه، معتبرًا أن تجاهله للأحكام القضائية يمثل خرقاً واضحاً للقانون، كما شدد على أن الديوان سيتخذ إجراءات قانونية صارمة في حال عدم امتثاله"، وفق الخطاب.
في سياق آخر، أكدت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا دعمها لديوان المحاسبة وقيادته (شكشك) بعيدًا عن أي تدخلات سياسية، كون المؤسسة الرقابية تلعب دورًا أساسيًا في ضمان الإدارة الفعالة للمالية العامة، ويعد مؤسسة محورية لتعزيز الثقة الدولية في ليبيا، مشددة على ضرورة احترام استقلالية ونزاهة الديوان من قبل جميع الأطراف السياسية.
كما أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها العميق إزاء الوضع المتدهور لديوان المحاسبة، محذرة من أن استمرار الصراع قد يُقوّض جهود مكافحة الفساد والشفافية المالية.، داعية جميع الأطراف إلى احترام ولاية الديوان وتجنب تسييس المؤسسات السيادية، لما لذلك من تداعيات على استقرار البلاد وحوكمتها.
فما تداعيات حالة الانقسام التي ضربت ديوان المحاسبة الليبي؟ ومن المستفيد؟
"شرعية شكشك"
من جانبه، أكد عضو اللجنة السياسية بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، أحمد همومة أن "رئاسة ديوان المحاسبة من المناصب السيادية التي نص الاتفاق السياسي على أن تنصيب رئيس لها يكون بالتوافق بين مجلسي النواب والدولة".
وأكد في تصريحاته لـ"عربي21" أنه "رغم صدور حكم قضائي ضد رئيس الديوان، خالد شكشك بعدم شرعيته إلا أنه يبقى حكم لا نهائي ما يعني ما لم يتوافق المجلسان على بديل لشكشك لايستطيع أحد أن يقوم بتغييره مهما كبرت المليشيات المسلحة التي تريد إزاحته"، وفق قوله.
وأضاف: "هذا الأمر هو ما جعل الدول الكبرى تدعم استقلالية ديوان المحاسبة واستمرار رئيسه كون هذه الدول تحترم تعهداتها بضمان تطبيق الاتفاق السياسي التي كانت هي الراعية له وبضماناتها والذي أصبح جزءاً من الإعلان الدستوري"، كما صرح.
"نفوذ حفتر والدبيبة"
في حين رأى الكاتب السياسي الليبي، محمد بويصير أن الأزمة الحالية لديوان المحاسب "هي مؤشر على تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة في طرابلس ليتخطى المؤسسات الحكومية، ولا أستغرب أن يطال سلطات حكومية أخرى قريبا، كون السلطة الحقيقية فى ليبيا هي للجماعات المسلحة شرقا وغربا كونها من يملك الأنياب والمخالب أما الباقي فيتحول بالتدريج إلى تسميات شكلية".
وأشار خلال تصريحه لـ"عربي21" إلى أن "مجلس النواب نفسه هو تسمية شكلية فالأنياب لدى حفتر وجيشه والبرلمان لا يستطيع حتى الاحتجاج على تغييب أعضاءه إذا كان الاشتباه يشير نحو حفتر وقواته، ونفس الشيء في طرابلس فالنفوذ الحكومي يتآكل بالتدريج والدبيبة يحاول استرضاء الجماعات المسلحة للبقاء، وهو أداءه جيد مثل أداء عقيلة فى الشرق"، حسب وصفه.
وتابع: "لذا الحل الممكن هو إيجاد صيغة للتفاهم بين جيش الشرق وجماعات الغرب للحفاظ على البلاد ووحدة أراضيها، مع تأجيل كل المطالبات الأخرى غير الممكنة الآن، فالسياسة فن الممكن.. فقط الممكن". وفق قوله.
"تسييس وغياب الرقابة والمحاسبة"
الأكاديمي والإعلامي الليبي، عاطف الأطرش قال من جانبه إن "هذه الأزمة هي من بين الأزمات الخطيرة التي يواجهها ديوان المحاسبة إثر الصراع بين شكشك المدعوم من البرلمان ونائبه السعيطي، المدعوم من المجموعات المسلحة في طرابلس، مما عزز من مشهد الانقسام القانوني والإداري، والذي أفضى إلى إنشاء مقرين منفصلين للديوان، مما يهدد بشكل كبير نزاهة المؤسسة الرقابية الأهم في ليبيا".
وأوضح أن "اللاعبين الدوليين الكبار لم يتجاوزوا الأمر، بل شددوا على ضرورة احترام استقلالية الديوان ورفض أي محاولات لإقالة شكشك خارج الأطر القانونية، في المقابل يعكس الانقسام الداخلي خطر تسييس المؤسسات السيادية مما قد يفتح الباب أمام فساد مالي وإداري غير خاضع للرقابة"، وفق تقديره.
وتابع: "استمرار هذا النزاع دون حلول جذرية يهدد بإضعاف آليات المساءلة والشفافية في ليبيا، ويجعل من الضروري التوصل إلى تسوية تحفظ حيادية واستقلالية ديوان المحاسبة، باعتباره صمام الأمان في مواجهة الفساد وسوء الإدارة"، حسب تصريحاته لـ"عربي21".