الجزيرة:
2024-09-07@06:08:06 GMT

هل نشهد نهاية المجال الحيوي لإسرائيل؟

تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT

هل نشهد نهاية المجال الحيوي لإسرائيل؟

لم يعد بوسع تل أبيب الحديث بثقة عن "مجال حيوي" لها كانت قد حدّدته قبل عقود، وذلك بعد أن صار بوسع قوى مناوئة لها تهديدها في عقر دارها، كما جسّدته مؤخرًا المُسيَّرة التي أطلقها الحوثيون لتضرب قلب تل أبيب، وعجز الدفاع الجوي الإسرائيلي عن رصدها، ومن قبلها رأينا صواريخ إيران تصل إلى مناطق حيوية في إسرائيل، بينما كان من المعتاد إطلاق المقاومة في غزة ولبنان صواريخ نحو مختلف مدن الدولة العبرية وبلداتها ومستوطناتها.

نظرية الحدود الآمنة

قبل هذه الأحداث كانت إسرائيل غير مكتفية بتطبيق "نظرية الحدود الآمنة" التي بمقتضاها خططت لخوض حروبها خارج أرض أقامت عليها دولتها عام 1948، بل حددت مجالًا حيويًا، يتعدّى ما تسمى "دول الطوق العربية" أو "دول المواجهة" ليشمل العالم العربي كله مضافًا إليه إيران، وتركيا، وباكستان، ودول أواسط آسيا شمالًا وشرقًا، وإثيوبيا وزيمبابوي جنوبًا وغربًا حتى المحيط الأطلسي.

وتقسم إسرائيل هذه المساحة الجغرافية الشاسعة، التي تعتبرها مجالًا حيويًا لها، إلى ثلاث دوائر، هي: الدائرة التقليدية، التي تشمل دول المواجهة. ودائرة ثانية هي الدول العربية التي تساند مواجهي إسرائيل بالمال والتأييد السياسي والإعلامي في الدوائر الدولية، وبوسعها أن تصيب خطوط مواصلات إسرائيل وإمدادها في مقتل. وتضم الثالثة الدول الخارجية التي تؤثر مكانتها ومواقفها السياسية على الأمن القومي الإسرائيلي، وتقع خارج العالم العربي.

وحرصت تل أبيب على امتلاك أسلحة تغطي هذه الدوائر الجغرافية المتسعة، عبارة عن طائرات وصواريخ وقاذفات سريعة، تستخدمها في الحروب والردع معًا. وتبني إسرائيل نظرية أمنها هذه على عدة اعتبارات، هي ضيق رقعتها الجغرافية، وقلة عدد سكانها، وبُعد المسافة بينها وبين أصدقائها، ووجودها وسط محيط شعبي يرفض وجودها، حتى لو أبرمت مع بعض الحكومات العربية اتفاقيات أو معاهدات، فضلًا عن هشاشة اقتصادها الذي يعتمد على المساعدات.

وفي ظل هذا الإدراك تتصرف إسرائيل حيال دوائر مجالها الحيوي وفق سياسة محددة، تتمثل في منع التقارب والتنسيق بين الدول التي تشكل هذه الدوائر، والعمل بدأب وإصرار على قيام انشقاق داخلها، ومنع حدوث تماس بين الدائرة الإسلامية والدائرة الخليجية والعربية، وإقامة علاقات وثيقة مع دول منابع النيل للضغط على مصر والسودان، وهو ما ظهر جليًا في مشكلة "سد النهضة" الإثيوبي.

حدود مرنة تتمدد في كل اتجاه

لكن تصوُّر إسرائيل لمجالها الحيوي لا يقف عند حد الاعتبارات السابقة، بل إنه ينبع من أيديولوجية، تستند إلى عقيدة تُبشر بإسرائيل الكبرى و"أرض الميعاد". وهذا الاعتقاد يفتح شهية إسرائيل للاستيلاء على الحد الأقصى من أرض الغير، دون توقف وأن تبذل في سبيل ذلك كل ما تملك من قوة مادية ومعنوية ورمزية.

وتعكس نظرية المجال الحيوي الإسرائيلي مفارقة بين ضرورتين: الحدود الجغرافية التي يجب أن تتخذها الدولة، أو نواتها، والأيديولوجية التي لا تؤمن بحدود ثابتة، ولا تقر بها، وفق ما ورد في أطروحة ماجستير للباحثة الفلسطينية آمنة سرحان، بعنوان "المجال الحيوي للأمن القومي الإسرائيلي في الدول العربية المجاورة".

ومن ثم تواصل تل أبيب الاستيطان، وتشجيع هجرة اليهود من مختلف دول العالم إلى إسرائيل، وتحرص دومًا على القيام بضربات استباقية ضد أي قوة تظهر في محيطها، وأن تمتلك القدرة على خوض حروب متكررة، واجتياح أرض عربية، مثلما جرى في حرب يونيو/حزيران 1967، وغزو لبنان 1982.

وبعيد قيامها 1948، صار المجال الحيوي جزءًا من الأمن القومي لإسرائيل، التي بررت هذا بأنها تعاني من ضيق عمقها الجغرافي، وليست لها موانع طبيعية قوية، وتحاط بالأعداء. من هذا المنطلق بقيت الجغرافيا السياسية لإسرائيل في حراك دائم، وصارت حدودها مرنة، تتمدد في كل الاتجاهات، كلما سنحت لها الفرص، أو استطاعت إلى ذلك سبيلًا. وبالطبع فإن تحقيق هذا الهدف الإسرائيلي البعيد، يتطلب تفريغ الأرض من سكانها، وإحلال المهاجرين اليهود مكانهم.

نزعة عدوانية

وتفرض نظرية المجال الحيوي لإسرائيل عليها نزعة عدوانية بالضرورة، حيث تقوم على فرضية أساسية وهي الحيلولة دون بروز أية قوة عربية في المنطقة وضربها في مهدها، كما حدث بضرب المفاعل النووي العراقي، وضرب الجيشين: المصري والسوري في حرب يونيو/حزيران 1967، التي اتجهت إسرائيل بعدها سريعًا إلى ذروة قوتها، ثم بدأت تتراجع بعد حرب الكرامة ضد المقاومة الفلسطينية 1970، ثم حرب 1973.

ورغم الطموح النظري لنظرية المجال الحيوي لإسرائيل فإنها لم تتمكن من تطبيقها، كما أرادت، فقد اضطرت إلى إعادة سيناء إلى مصر بمقتضى اتفاقية سلام أبرمت عام 1979، وكانت من النتائج التي ترتبت على الانتصار العربي في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، كما انسحبت من أرض أردنية بمقتضى اتفاق وادي عربة 1994، وانسحبت كذلك من طرف واحد من جنوب لبنان، بل هربت، عام 2000، ولم تطق البقاء في غزة التي انتهت إلى مستقنع لقوات الجيش الإسرائيلي، وانسحبت من مدن في الضفة الغربية بمقتضى اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين 1993.

وفيما كسر امتلاك الدول العربية صواريخ قادرة على الوصول إلى عمق أرض إسرائيل، نظرية الحدود الآمنة، امتلكت قوى مسلحة غير نظامية، متمثلة أساسًا في حزب الله اللبناني وحركة حماس في غزة، صواريخ تغطي جغرافية إسرائيل كاملة، وتضع حدودًا لمجالها الحيوي، سواء على مستوى الفكرة، أو محاولة تطبيقها في الواقع المعيش.

جاءت عملية "طوفان الأقصى" لتدق المسمار الأخير في نعش نظرية "المجال الحيوي" لإٍسرائيل، فبعد أن كان الجيش الإسرائيلي يحارب خارج الأرض التي أُعلنت عليها الدولة عام 1948، وبعد أن امتلكت الجيوش التي تطوق الدولة العبرية، ثم مختلف فصائل المقاومة، صواريخ تغطي كل مدن إسرائيل وأماكنها الحيوية، جاء الدور على اقتحام هذه الأرض، ولأول مرة، بهذا التكثيف والتأثير والقدرة على الإيلام، ليضغط أكثر على جغرافية إسرائيل، الصغيرة أساسًا.

وبعد أن كانت إسرائيل تفكر في مجال حيوي، من خلال الحرب والتآمر تارة والتطبيع أخرى، صار لزامًا عليها الآن، أن تفكر في كيفية الحفاظ على أرض اقتطعتها من الدولة الفلسطينية التاريخية، وأقامت عليها دولتها، لاسيما مع وجود خطط لدى حزب الله أيضًا لاقتحام الجليل الأعلى ومزارع شبعا، علاوة على سابقة تاريخية في "طوفان الأقصى" ليس هناك ما يمنع تكرارها، ولو بعد سنوات طويلة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تل أبیب مجال ا

إقرأ أيضاً:

مؤتمر يستعرض مستجدات أمراض وزرع الكلى

انطلقت مساء امس أعمال المؤتمر الدولي الثاني لأمراض وزرع الكلى، الذي تنظمه المديرية العامة للخدمات الصحية لمحافظة ظفار، بالتعاون مع الجمعية العمانية لأمراض وزرع الكلى بمشاركة حوالي 250 من الفئات الطبية والطبية المساعدة المعنية بأقسام الكلى والتخصصات المرتبطة بها من داخل وخارج سلطنة عمان، وذلك بفندق روتانا صلالة. ورعى حفل افتتاح المؤتمر صاحب السمو السيد تركي بن مروان آل سعيد محافظ ظفار، بحضور عدد من أصحاب السعادة و مديري العموم بالمحافظة.

و قال الدكتور عيسى السالمي رئيس الجمعية العمانية لأمراض وزرع الكلى في كلمته الافتتاحية :إن الأمراض الكلوية المزمنة وزرع الكلى تشكل تحديًا كبيرًا للنظام الصحي، ليس فقط في سلطنة عمان بل على مستوى العالم أجمع. ومن هذا المنطلق، نؤمن في الجمعية العمانية لأمراض وزرع الكلى بأهمية التكاتف وتوحيد الجهود بين كافة الأطراف، سواء من الهيئات الصحية، أو الجامعات، أو الشركات المتخصصة في هذا المجال، للتغلب على هذه التحديات وتحقيق قفزات نوعية في الرعاية الصحية المقدمة لمرضى الكلى. و أضاف السالمي: إن "رؤية عمان 2040" تضع في قلب أولوياتها تطوير القطاع الصحي، ومن خلال هذا المؤتمر نسعى إلى دعم هذه الرؤية عبر تطوير قدرات الكوادر الطبية في مجال أمراض الكلى، وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على صحة الكلى والوقاية من الأمراض الكلوية.

فيما يهدف المؤتمر الثاني لأمراض وزرع الكلى إلى عدد من الأهداف يأتي في مقدمتها متابعة التطورات الحاصلة في أمراض الكلى، والاطلاع على جديد مجال التكنولوجيا المستخدمة للعلاج، وكذلك إتاحة المجال لمناقشة البحوث العلمية وما توصل إليه العلم الحديث في آليات العلاج، وحث المجتمع على الأخذ بالتوجهات الجديدة في علاج أمراض الكلى، بالإضافة إلى تنظيم حلقات عمل حول رعاية وصلات وقسطرة الغسيل الدموي والبروتيني بهدف تعزيز تدريب الأطباء والممرضين في هذا المجال.

واستعرض سعادة الدكتور أحمد بن سالم المنظري وكيل وزارة الصحة لشؤون التخطيط إستراتيجيات الأمراض غير المعدية للحد من المد المتزايد من أمراض الكلى المزمنة.

و قدم محمد الجابري من مكتب المؤتمرات بوزارة السياحة النقاط المحورية التي يضطلع بها المكتب في تعزيز السياحة العلمية والمؤتمرات بسلطنة عمان وتشجيع الكوادر الوطنية في تقديم المشروعات البحثية المهمة للمجتمع.

و يستمر المؤتمر الدولي الثاني لأمراض وزرع الكلى ثلاثة أيام، يركز خلالها المشاركون على التطورات الحاصلة في مجالات الطب المتعددة مثل تعزيز التوازن بين صحة المرأة وأمراض الكلى وكذلك مجال الرعاية الحرجة وحالات الفشل الكلوي الحاد و الرعاية الصحية المقدمة لفئة الأطفال من مرضى الفشل الكلوي.

كما قام صاحب السمو السيد تركي بن مروان آل سعيد محافظ ظفار والحضور بالتجول في المعرض المصاحب للمؤتمر والذي يشتمل على البحوث العلمية المتعلقة بمرض الفشل الكلوي والتقنيات المستحدثة في هذا المجال.

مقالات مشابهة

  • التاريخ اليهودي وسياسية إسرائيل.. هذه الدورات التي تلقاها يحيى السنوار
  • “بلدي إسرائيل تحاول قصـ.ـفي دون توقف”.. آخر كلمات “هيرش غولدبرغ” الأسير الإسرائيلي قبل مقتله
  • مؤتمر يستعرض مستجدات أمراض وزرع الكلى
  • نظرية «حل اللا حل»!
  • ما هي الدول التي علقت أو قيدت تصدير الأسلحة لإسرائيل؟
  • وقال كيربي: “حماس مسؤولة عن مقتلهم”، وكما قال الرئيس جو بايدن: قادة حماس سيدفعون ثمن ذلك. التقى الرئيس بالأمس مع فريق التفاوض لمناقشة الخطوات التالية. إن عمليات الإعدام التي جرت نهاية هذا الأسبوع تؤكد مدى إلحاح الأمر أكثر.” وأضاف كيربي:
  • بالأرقام.. كم بلغ عدد الصواريخ التي أطلقت من لبنان باتجاه شمال إسرائيل خلال 8 أشهر؟
  • الرئيس السيسي: نشهد ازدهار مستمر في التواصل بين الشعبين المصري والتركي
  • تعرف على قائمة الدول التي أوقفت تصدير الأسلحة لإسرائيل
  • قائمة الدول التي علقت أو قيّدت تصدير الأسلحة لإسرائيل