الجزيرة:
2024-12-19@07:08:56 GMT

هل نشهد نهاية المجال الحيوي لإسرائيل؟

تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT

هل نشهد نهاية المجال الحيوي لإسرائيل؟

لم يعد بوسع تل أبيب الحديث بثقة عن "مجال حيوي" لها كانت قد حدّدته قبل عقود، وذلك بعد أن صار بوسع قوى مناوئة لها تهديدها في عقر دارها، كما جسّدته مؤخرًا المُسيَّرة التي أطلقها الحوثيون لتضرب قلب تل أبيب، وعجز الدفاع الجوي الإسرائيلي عن رصدها، ومن قبلها رأينا صواريخ إيران تصل إلى مناطق حيوية في إسرائيل، بينما كان من المعتاد إطلاق المقاومة في غزة ولبنان صواريخ نحو مختلف مدن الدولة العبرية وبلداتها ومستوطناتها.

نظرية الحدود الآمنة

قبل هذه الأحداث كانت إسرائيل غير مكتفية بتطبيق "نظرية الحدود الآمنة" التي بمقتضاها خططت لخوض حروبها خارج أرض أقامت عليها دولتها عام 1948، بل حددت مجالًا حيويًا، يتعدّى ما تسمى "دول الطوق العربية" أو "دول المواجهة" ليشمل العالم العربي كله مضافًا إليه إيران، وتركيا، وباكستان، ودول أواسط آسيا شمالًا وشرقًا، وإثيوبيا وزيمبابوي جنوبًا وغربًا حتى المحيط الأطلسي.

وتقسم إسرائيل هذه المساحة الجغرافية الشاسعة، التي تعتبرها مجالًا حيويًا لها، إلى ثلاث دوائر، هي: الدائرة التقليدية، التي تشمل دول المواجهة. ودائرة ثانية هي الدول العربية التي تساند مواجهي إسرائيل بالمال والتأييد السياسي والإعلامي في الدوائر الدولية، وبوسعها أن تصيب خطوط مواصلات إسرائيل وإمدادها في مقتل. وتضم الثالثة الدول الخارجية التي تؤثر مكانتها ومواقفها السياسية على الأمن القومي الإسرائيلي، وتقع خارج العالم العربي.

وحرصت تل أبيب على امتلاك أسلحة تغطي هذه الدوائر الجغرافية المتسعة، عبارة عن طائرات وصواريخ وقاذفات سريعة، تستخدمها في الحروب والردع معًا. وتبني إسرائيل نظرية أمنها هذه على عدة اعتبارات، هي ضيق رقعتها الجغرافية، وقلة عدد سكانها، وبُعد المسافة بينها وبين أصدقائها، ووجودها وسط محيط شعبي يرفض وجودها، حتى لو أبرمت مع بعض الحكومات العربية اتفاقيات أو معاهدات، فضلًا عن هشاشة اقتصادها الذي يعتمد على المساعدات.

وفي ظل هذا الإدراك تتصرف إسرائيل حيال دوائر مجالها الحيوي وفق سياسة محددة، تتمثل في منع التقارب والتنسيق بين الدول التي تشكل هذه الدوائر، والعمل بدأب وإصرار على قيام انشقاق داخلها، ومنع حدوث تماس بين الدائرة الإسلامية والدائرة الخليجية والعربية، وإقامة علاقات وثيقة مع دول منابع النيل للضغط على مصر والسودان، وهو ما ظهر جليًا في مشكلة "سد النهضة" الإثيوبي.

حدود مرنة تتمدد في كل اتجاه

لكن تصوُّر إسرائيل لمجالها الحيوي لا يقف عند حد الاعتبارات السابقة، بل إنه ينبع من أيديولوجية، تستند إلى عقيدة تُبشر بإسرائيل الكبرى و"أرض الميعاد". وهذا الاعتقاد يفتح شهية إسرائيل للاستيلاء على الحد الأقصى من أرض الغير، دون توقف وأن تبذل في سبيل ذلك كل ما تملك من قوة مادية ومعنوية ورمزية.

وتعكس نظرية المجال الحيوي الإسرائيلي مفارقة بين ضرورتين: الحدود الجغرافية التي يجب أن تتخذها الدولة، أو نواتها، والأيديولوجية التي لا تؤمن بحدود ثابتة، ولا تقر بها، وفق ما ورد في أطروحة ماجستير للباحثة الفلسطينية آمنة سرحان، بعنوان "المجال الحيوي للأمن القومي الإسرائيلي في الدول العربية المجاورة".

ومن ثم تواصل تل أبيب الاستيطان، وتشجيع هجرة اليهود من مختلف دول العالم إلى إسرائيل، وتحرص دومًا على القيام بضربات استباقية ضد أي قوة تظهر في محيطها، وأن تمتلك القدرة على خوض حروب متكررة، واجتياح أرض عربية، مثلما جرى في حرب يونيو/حزيران 1967، وغزو لبنان 1982.

وبعيد قيامها 1948، صار المجال الحيوي جزءًا من الأمن القومي لإسرائيل، التي بررت هذا بأنها تعاني من ضيق عمقها الجغرافي، وليست لها موانع طبيعية قوية، وتحاط بالأعداء. من هذا المنطلق بقيت الجغرافيا السياسية لإسرائيل في حراك دائم، وصارت حدودها مرنة، تتمدد في كل الاتجاهات، كلما سنحت لها الفرص، أو استطاعت إلى ذلك سبيلًا. وبالطبع فإن تحقيق هذا الهدف الإسرائيلي البعيد، يتطلب تفريغ الأرض من سكانها، وإحلال المهاجرين اليهود مكانهم.

نزعة عدوانية

وتفرض نظرية المجال الحيوي لإسرائيل عليها نزعة عدوانية بالضرورة، حيث تقوم على فرضية أساسية وهي الحيلولة دون بروز أية قوة عربية في المنطقة وضربها في مهدها، كما حدث بضرب المفاعل النووي العراقي، وضرب الجيشين: المصري والسوري في حرب يونيو/حزيران 1967، التي اتجهت إسرائيل بعدها سريعًا إلى ذروة قوتها، ثم بدأت تتراجع بعد حرب الكرامة ضد المقاومة الفلسطينية 1970، ثم حرب 1973.

ورغم الطموح النظري لنظرية المجال الحيوي لإسرائيل فإنها لم تتمكن من تطبيقها، كما أرادت، فقد اضطرت إلى إعادة سيناء إلى مصر بمقتضى اتفاقية سلام أبرمت عام 1979، وكانت من النتائج التي ترتبت على الانتصار العربي في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، كما انسحبت من أرض أردنية بمقتضى اتفاق وادي عربة 1994، وانسحبت كذلك من طرف واحد من جنوب لبنان، بل هربت، عام 2000، ولم تطق البقاء في غزة التي انتهت إلى مستقنع لقوات الجيش الإسرائيلي، وانسحبت من مدن في الضفة الغربية بمقتضى اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين 1993.

وفيما كسر امتلاك الدول العربية صواريخ قادرة على الوصول إلى عمق أرض إسرائيل، نظرية الحدود الآمنة، امتلكت قوى مسلحة غير نظامية، متمثلة أساسًا في حزب الله اللبناني وحركة حماس في غزة، صواريخ تغطي جغرافية إسرائيل كاملة، وتضع حدودًا لمجالها الحيوي، سواء على مستوى الفكرة، أو محاولة تطبيقها في الواقع المعيش.

جاءت عملية "طوفان الأقصى" لتدق المسمار الأخير في نعش نظرية "المجال الحيوي" لإٍسرائيل، فبعد أن كان الجيش الإسرائيلي يحارب خارج الأرض التي أُعلنت عليها الدولة عام 1948، وبعد أن امتلكت الجيوش التي تطوق الدولة العبرية، ثم مختلف فصائل المقاومة، صواريخ تغطي كل مدن إسرائيل وأماكنها الحيوية، جاء الدور على اقتحام هذه الأرض، ولأول مرة، بهذا التكثيف والتأثير والقدرة على الإيلام، ليضغط أكثر على جغرافية إسرائيل، الصغيرة أساسًا.

وبعد أن كانت إسرائيل تفكر في مجال حيوي، من خلال الحرب والتآمر تارة والتطبيع أخرى، صار لزامًا عليها الآن، أن تفكر في كيفية الحفاظ على أرض اقتطعتها من الدولة الفلسطينية التاريخية، وأقامت عليها دولتها، لاسيما مع وجود خطط لدى حزب الله أيضًا لاقتحام الجليل الأعلى ومزارع شبعا، علاوة على سابقة تاريخية في "طوفان الأقصى" ليس هناك ما يمنع تكرارها، ولو بعد سنوات طويلة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تل أبیب مجال ا

إقرأ أيضاً:

تمكين المرأة في المجال الأمني محور ملتقى نظمه أمن بني وليد

ليبيا – وزارة الداخلية تنظم ملتقى لتعزيز دور المرأة في المجال الأمني

أكدت وزارة الداخلية بحكومة الدبيبة التزامها بدعم وتعزيز دور المرأة في القطاع الأمني من خلال تنظيم ملتقيات تهدف إلى تمكين المرأة في هذا المجال.

وذكرت الوزارة في بيان صحفي، اطلعت عليه صحيفة “المرصد“، أن مديرية أمن بني وليد نظمت ملتقى للمرأة بمشاركة عدد من قيادات الوزارة وضيوف ونخبة من النساء العاملات في المجال الأمني.

وشهد الملتقى مناقشة التحديات التي تواجه المرأة في العمل الأمني، إلى جانب استعراض تجارب ناجحة لنساء ساهمن في تعزيز الأمن والاستقرار. كما تضمن الملتقى ورش عمل وحوارات مفتوحة حول سبل دعم وتمكين المرأة في مختلف الأنشطة الشرطية، مما يعكس التزام الوزارة بتطوير دورها في العمل الأمني.

مقالات مشابهة

  • عاجل | الجيش الإسرائيلي: تفعيل صفارات الإنذار في مناطق عدة وسط إسرائيل إثر إطلاق صاروخ من اليمن
  • سابقة... المغرب يسلم تل أبيب فلسطينيا مطلوبا لإسرائيل
  • الأمم المتحدة تدعو إلى انتخابات حرة وعادلة في سوريا
  • قناة عبرية: نشهد الأيام الأخيرة للمفاوضات بشأن الحرب في غزة
  • خدمة لإسرائيل.. التصعيد خيار أمريكي في اليمن
  • نتنياهو يوعز للجيش الإسرائيلي بالبقاء في جبل الشيخ السوري حتى نهاية 2025
  • تمكين المرأة في المجال الأمني محور ملتقى نظمه أمن بني وليد
  • الجيش الإسرائيلي يتلقى تعليمات من رئيس الحكومة بالبقاء في جبل الشيخ في سوريا لأكثر من عام وحتى نهاية 2025
  • تحقيق أوروبي يستهدف "تيك توك" بسبب انتخابات رومانيا
  • بيان لوزارة الزراعة بشأن الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي جراء العدوان الإسرائيليّ