الجزيرة:
2025-04-25@13:37:13 GMT

هل نشهد نهاية المجال الحيوي لإسرائيل؟

تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT

هل نشهد نهاية المجال الحيوي لإسرائيل؟

لم يعد بوسع تل أبيب الحديث بثقة عن "مجال حيوي" لها كانت قد حدّدته قبل عقود، وذلك بعد أن صار بوسع قوى مناوئة لها تهديدها في عقر دارها، كما جسّدته مؤخرًا المُسيَّرة التي أطلقها الحوثيون لتضرب قلب تل أبيب، وعجز الدفاع الجوي الإسرائيلي عن رصدها، ومن قبلها رأينا صواريخ إيران تصل إلى مناطق حيوية في إسرائيل، بينما كان من المعتاد إطلاق المقاومة في غزة ولبنان صواريخ نحو مختلف مدن الدولة العبرية وبلداتها ومستوطناتها.

نظرية الحدود الآمنة

قبل هذه الأحداث كانت إسرائيل غير مكتفية بتطبيق "نظرية الحدود الآمنة" التي بمقتضاها خططت لخوض حروبها خارج أرض أقامت عليها دولتها عام 1948، بل حددت مجالًا حيويًا، يتعدّى ما تسمى "دول الطوق العربية" أو "دول المواجهة" ليشمل العالم العربي كله مضافًا إليه إيران، وتركيا، وباكستان، ودول أواسط آسيا شمالًا وشرقًا، وإثيوبيا وزيمبابوي جنوبًا وغربًا حتى المحيط الأطلسي.

وتقسم إسرائيل هذه المساحة الجغرافية الشاسعة، التي تعتبرها مجالًا حيويًا لها، إلى ثلاث دوائر، هي: الدائرة التقليدية، التي تشمل دول المواجهة. ودائرة ثانية هي الدول العربية التي تساند مواجهي إسرائيل بالمال والتأييد السياسي والإعلامي في الدوائر الدولية، وبوسعها أن تصيب خطوط مواصلات إسرائيل وإمدادها في مقتل. وتضم الثالثة الدول الخارجية التي تؤثر مكانتها ومواقفها السياسية على الأمن القومي الإسرائيلي، وتقع خارج العالم العربي.

وحرصت تل أبيب على امتلاك أسلحة تغطي هذه الدوائر الجغرافية المتسعة، عبارة عن طائرات وصواريخ وقاذفات سريعة، تستخدمها في الحروب والردع معًا. وتبني إسرائيل نظرية أمنها هذه على عدة اعتبارات، هي ضيق رقعتها الجغرافية، وقلة عدد سكانها، وبُعد المسافة بينها وبين أصدقائها، ووجودها وسط محيط شعبي يرفض وجودها، حتى لو أبرمت مع بعض الحكومات العربية اتفاقيات أو معاهدات، فضلًا عن هشاشة اقتصادها الذي يعتمد على المساعدات.

وفي ظل هذا الإدراك تتصرف إسرائيل حيال دوائر مجالها الحيوي وفق سياسة محددة، تتمثل في منع التقارب والتنسيق بين الدول التي تشكل هذه الدوائر، والعمل بدأب وإصرار على قيام انشقاق داخلها، ومنع حدوث تماس بين الدائرة الإسلامية والدائرة الخليجية والعربية، وإقامة علاقات وثيقة مع دول منابع النيل للضغط على مصر والسودان، وهو ما ظهر جليًا في مشكلة "سد النهضة" الإثيوبي.

حدود مرنة تتمدد في كل اتجاه

لكن تصوُّر إسرائيل لمجالها الحيوي لا يقف عند حد الاعتبارات السابقة، بل إنه ينبع من أيديولوجية، تستند إلى عقيدة تُبشر بإسرائيل الكبرى و"أرض الميعاد". وهذا الاعتقاد يفتح شهية إسرائيل للاستيلاء على الحد الأقصى من أرض الغير، دون توقف وأن تبذل في سبيل ذلك كل ما تملك من قوة مادية ومعنوية ورمزية.

وتعكس نظرية المجال الحيوي الإسرائيلي مفارقة بين ضرورتين: الحدود الجغرافية التي يجب أن تتخذها الدولة، أو نواتها، والأيديولوجية التي لا تؤمن بحدود ثابتة، ولا تقر بها، وفق ما ورد في أطروحة ماجستير للباحثة الفلسطينية آمنة سرحان، بعنوان "المجال الحيوي للأمن القومي الإسرائيلي في الدول العربية المجاورة".

ومن ثم تواصل تل أبيب الاستيطان، وتشجيع هجرة اليهود من مختلف دول العالم إلى إسرائيل، وتحرص دومًا على القيام بضربات استباقية ضد أي قوة تظهر في محيطها، وأن تمتلك القدرة على خوض حروب متكررة، واجتياح أرض عربية، مثلما جرى في حرب يونيو/حزيران 1967، وغزو لبنان 1982.

وبعيد قيامها 1948، صار المجال الحيوي جزءًا من الأمن القومي لإسرائيل، التي بررت هذا بأنها تعاني من ضيق عمقها الجغرافي، وليست لها موانع طبيعية قوية، وتحاط بالأعداء. من هذا المنطلق بقيت الجغرافيا السياسية لإسرائيل في حراك دائم، وصارت حدودها مرنة، تتمدد في كل الاتجاهات، كلما سنحت لها الفرص، أو استطاعت إلى ذلك سبيلًا. وبالطبع فإن تحقيق هذا الهدف الإسرائيلي البعيد، يتطلب تفريغ الأرض من سكانها، وإحلال المهاجرين اليهود مكانهم.

نزعة عدوانية

وتفرض نظرية المجال الحيوي لإسرائيل عليها نزعة عدوانية بالضرورة، حيث تقوم على فرضية أساسية وهي الحيلولة دون بروز أية قوة عربية في المنطقة وضربها في مهدها، كما حدث بضرب المفاعل النووي العراقي، وضرب الجيشين: المصري والسوري في حرب يونيو/حزيران 1967، التي اتجهت إسرائيل بعدها سريعًا إلى ذروة قوتها، ثم بدأت تتراجع بعد حرب الكرامة ضد المقاومة الفلسطينية 1970، ثم حرب 1973.

ورغم الطموح النظري لنظرية المجال الحيوي لإسرائيل فإنها لم تتمكن من تطبيقها، كما أرادت، فقد اضطرت إلى إعادة سيناء إلى مصر بمقتضى اتفاقية سلام أبرمت عام 1979، وكانت من النتائج التي ترتبت على الانتصار العربي في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، كما انسحبت من أرض أردنية بمقتضى اتفاق وادي عربة 1994، وانسحبت كذلك من طرف واحد من جنوب لبنان، بل هربت، عام 2000، ولم تطق البقاء في غزة التي انتهت إلى مستقنع لقوات الجيش الإسرائيلي، وانسحبت من مدن في الضفة الغربية بمقتضى اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين 1993.

وفيما كسر امتلاك الدول العربية صواريخ قادرة على الوصول إلى عمق أرض إسرائيل، نظرية الحدود الآمنة، امتلكت قوى مسلحة غير نظامية، متمثلة أساسًا في حزب الله اللبناني وحركة حماس في غزة، صواريخ تغطي جغرافية إسرائيل كاملة، وتضع حدودًا لمجالها الحيوي، سواء على مستوى الفكرة، أو محاولة تطبيقها في الواقع المعيش.

جاءت عملية "طوفان الأقصى" لتدق المسمار الأخير في نعش نظرية "المجال الحيوي" لإٍسرائيل، فبعد أن كان الجيش الإسرائيلي يحارب خارج الأرض التي أُعلنت عليها الدولة عام 1948، وبعد أن امتلكت الجيوش التي تطوق الدولة العبرية، ثم مختلف فصائل المقاومة، صواريخ تغطي كل مدن إسرائيل وأماكنها الحيوية، جاء الدور على اقتحام هذه الأرض، ولأول مرة، بهذا التكثيف والتأثير والقدرة على الإيلام، ليضغط أكثر على جغرافية إسرائيل، الصغيرة أساسًا.

وبعد أن كانت إسرائيل تفكر في مجال حيوي، من خلال الحرب والتآمر تارة والتطبيع أخرى، صار لزامًا عليها الآن، أن تفكر في كيفية الحفاظ على أرض اقتطعتها من الدولة الفلسطينية التاريخية، وأقامت عليها دولتها، لاسيما مع وجود خطط لدى حزب الله أيضًا لاقتحام الجليل الأعلى ومزارع شبعا، علاوة على سابقة تاريخية في "طوفان الأقصى" ليس هناك ما يمنع تكرارها، ولو بعد سنوات طويلة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تل أبیب مجال ا

إقرأ أيضاً:

العرب يدعون واشنطن لإنهاء انحيازها لإسرائيل ويرفضون تهجير الفلسطينيين

القاهرة – دعا المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية الولايات المتحدة الأمريكية إلى مراجعة مواقفها المنحازة لإسرائيل، مؤكدا رفضه تهجير الفلسطينيين من أرضهم المحتلة “تحت أي مسمى أو ظرف”.

جاء ذلك في قرار صدر عن اجتماع الدورة 163 لوزراء الخارجية العرب، بمقر الجامعة في القاهرة يوم الأربعاء، برئاسة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” امس الخميس.

ويأتي هذا الاجتماع تمهيدا لانعقاد القمة العربية المقررة بالعاصمة العراقية بغداد في 17 مايو/أيار المقبل.

كما يأتي قبل زيارة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط بين 13 و16 مايو، يزور خلالها السعودية وقطر والإمارات، حسب البيت الأبيض قبل يومين.

ودعا وزراء الخارجية العرب في قرارهم “الولايات المتحدة الأمريكية إلى مراجعة مواقفها المنحازة لإسرائيل”.

وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بقطاع غزة، خلّفت أكثر من 168 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل.

كما دعا الوزراء واشنطن إلى “العمل بجد وإخلاص مع الأطراف المعنية لتنفيذ حلّ الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967”.

وأكدوا ضرورة “تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره في دولته المستقلة ذات سيادة قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا”.

وحثوا واشنطن على “الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها، ووقف أعمالها الأحادية التي تُدمّر حل الدولتين”.

** إعادة إعمار غزة

الوزراء العرب دعوا جميع الدول إلى “تقديم الدعم السياسي والمالي والقانوني للخطة العربية الإسلامية التي اعتمدتها القمة العربية بتاريخ 4 مارس/آذار 2025، ووزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في 7 مارس 2025 بجدة”.

ولفتوا إلى أن هذه الخطة خاصة بـ”التعافي وإعادة الإعمار في قطاع غزة، في إطار مسار سياسي يؤدي إلى تجسيد استقلال دولة فلسطين، ويضمن تثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه والتصدي لمحاولات تهجيره”.

ووفق الخطة، تستغرق عملية إعادة إعمار غزة خمس سنوات، وتتكلف نحو 53 مليار دولار.

لكن إسرائيل والولايات المتحدة رفضتا الخطة، وتمسكتا بمخطط ترامب لتهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو ما رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى ومنظمات إقليمية ودولية.

ورحب الوزراء بـ”عقد مؤتمر دولي في القاهرة في أقرب وقت، للتعافي وإعادة الإعمار في قطاع غزة، بالتعاون والتنسيق مع دولة فلسطين والأمم المتحدة”.

ودعوا المجتمع الدولي إلى “المشاركة فيه للتسريع في تأهيل قطاع غزة وإعادة إعماره بعد الدمار الذي تسبب به العدوان الإسرائيلي”.

وشددوا على ضرورة “العمل على إنشاء صندوق ائتماني يتولى تلقي التعهدات المالية من كافة الدول ومؤسسات التمويل المانحة، بغرض تنفيذ مشروعات التعافي وإعادة الإعمار”.

** حل الدولتين

وأعرب الوزراء عن “دعم جهود عقد مؤتمر دولي رفيع المستوى لتحقيق حل الدولتين وتجسيد استقلال دولة فلسطين، وفقا للمرجعيات الدولية، برئاسة مشتركة من السعودية وفرنسا في يونيو/ حزيران المقبل بمقر الأمم المتحدة”.

وأكدوا “الرفض القاطع لأي شكل من أشكال تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه أو داخلها، وتحت أي مسمى أو ظرف أو مبرر أو دعاوى، باعتبار ذلك جزءا من جريمة الإبادة الجماعية وانتهاكاً جسيماً للقانون الدولي”.

ودعوا مجلس الأمن الدولي إلى “اتخاذ قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يضمن امتثال إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، لقرارات المجلس”.

وتك القرارات، وفق الوزراء، هي “ذات الصلة بالوقف الفوري لإطلاق النار والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة”.

وكذلك القرارات الخاصة بـ”تنفيذ أوامر محكمة العدل الدولية وفتاواها، ومنع تهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه”، وفق القرار العربي.

وأصدرت المحكمة في 28 مارس و26 يناير/ كانون الثاني 2024، مجموعتين من التدابير المؤقتة طلبتها جنوب إفريقيا في قضية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة.

ومن بين هذه التدابير ضرورة توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها دون عوائق، فضلا عن الإمدادات والرعاية الطبية للفلسطينيين في جميع أنحاء غزة.

لكن إسرائيل تواصل تجاهل تلك التدابير، إذ تغلق كافة معابر غزة؛ ما أدخل القطاع في مرحلة المجاعة جراء منع إدخال المساعدات الإنسانية والمستلزمات الطبية المنقذة للحياة.

وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاما، وبات نحو 1.5 مليون من مواطنيها، البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون فلسطيني، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.

كما أصدرت المحكمة في 29 يوليو/ تموز 2024 رأيا استشاريا أكدت فيه أن استمرار وجود إسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة “غير قانوني”.

وشدت على أن المنظمات الدولية، بما فيها الولايات المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع الناشئ عن هذا الوجود غير القانوني.

وبالتوازي مع حرب الإبادة الجماعية بغزة صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 952 فلسطينيا، وإصابة قرابة 7 آلاف، واعتقال 16 ألفا و400 وفق معطيات فلسطينية.

وتحتل إسرائيل منذ عقود أراض في فلسطين وسوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.

 

الأناضول

مقالات مشابهة

  • حديث سفينة الأسلحة المتجهة لإسرائيل يشغل المغاربة
  • استقالات في شركة ميرسك اعترضا على شحن الأسلحة لـإسرائيل
  • العرب يدعون واشنطن لإنهاء انحيازها لإسرائيل ويرفضون تهجير الفلسطينيين
  • السيسي: نشهد جهودًا غير مسبوقة لتحقيق نهضة شاملة وبناء مصر الحديثة
  • محاضرات نظرية وتطبيقات عملية في ختام ورشة وقت الريشة
  • نتنياهو: إيران تمثل تهديداً وجودياً لإسرائيل
  • نظرية جديدة تُعيد رسم ملامح أسباب مرض ألزهايمر
  • الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مدرسة يافا التي تؤوي نازحين بحي التفاح
  • وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا: “إسرائيل” ملزمة بإدخال المساعدات إلى غزة
  • هكذا علقت إسرائيل على الغارات الأميركية التي تشنها على اليمن