ما النظام الغذائي الذي أنقذ 12 مليون شخص من السرطان؟
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
في خضم الضجة المثارة حول النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط طوال ما يقرب من نصف قرن، بدءا من البرامج التلفزيونية، إلى المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، بخلاف كثير من الدراسات والمقالات التي تُعدد فوائد هذا النظام للصحة وطول العمر، والتساؤلات عن موقف العلم من الادعاءات حول التأثيرات الصحية المفترضة لتناول الطعام وفقا للنظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط.
وبعد أن قام الباحثون بتحليل بيانات أكثر من 12 مليون شخص، "لتحديد نمط الأكل الأكثر صحة على الإطلاق" أظهرت ورقة بحثية جديدة نُشرت في مجلة "نيو إنغلاند" الطبية المرموقة أن "النظام الغذائي المتوسطي يساعد على تقليل الوفاة، والعيش لفترة أطول، وتجنب السرطان، وأمراض القلب والسكري وألزهايمر"، وفقا لما نشره موقع "آي إن سي" مؤخرا.
فما النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط بالضبط؟ ولماذا يُعد الأفضل للصحة العامة؟ وما ألذ أسراره؟
ليس مجرد نظام للأكلالنظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط، هو ثقافة اجتماعية تعتمد على "مجموعة من الممارسات والتقاليد السائدة في بعض البلدان المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، وخصوصا اليونان وإيطاليا، تبدأ من الاهتمام بالطبيعة، وتنتهي بالمطبخ".
وقد حمل عالم الأحياء الأميركي أنسيل كيز، وزوجته الكيميائية مارغريت كيز على عاتقهما نشره لأول مرة في عام 1975، "باعتباره أسلوب حياة فريد من نوعه".
فهو نظام غذائي تشير الدراسات إلى أنه "فعال في الحد من أمراض القلب والأوعية الدموية وبعض أنواع السرطان، ويساعد في الحفاظ على وزن صحي، كما يحد من التدهور المعرفي والاكتئاب، ويدعم الصحة على المدى الطويل".
نظام البحر الأبيض المتوسط فعال في الحد من أمراض القلب والأوعية الدموية وبعض أنواع السرطان (بيكسابي)وذلك لاعتماده على نمط أكل منخفض السكر واللحوم الحمراء، مقابل مزيد من زيت الزيتون والحبوب الكاملة والبقوليات والأسماك والبيض والفواكه والخضروات الطازجة، والمكسرات والأعشاب والتوابل.
وبحلول القرن الـ21 أصبح النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط أحد أكثر الأنظمة الغذائية شعبية. ففي عام 2024، احتل المرتبة الأولى للعام السابع على التوالي -منذ عام 2018- كأفضل نظام غذائي صحي للقلب، وأفضل نظام غذائي لصحة العظام والمفاصل، وأفضل نظام غذائي لمرض السكري، وأفضل نظام غذائي للأكل الصحي، كما تم تصنيفه في المرتبة الثانية كأفضل نظام غذائي نباتي.
الحل الأمثل لحياة صحية وطويلةفالنتائج التي توصلت إليها الورقة البحثية الأخيرة ليست الدليل الأول على أن النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط له فوائد صحية مثيرة للإعجاب، حيث سبقتها دراسة أجريت بجامعة هارفارد العام الماضي، تابعت ما حدث عندما تحول أشخاص يعيشون في أماكن باردة -كالمملكة المتحدة، على سبيل المثال- يمكنهم الاستفادة من اتباع النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط.
النظام الغذائي للبحر الأبيض يعد نمط أكل منخفض السكر واللحوم الحمراء (بيكسلز)وخلص الباحثون إلى أن أولئك الذين قاموا بهذا التحول انخفض لديهم خطر الوفاة بنسبة 29% خلال فترة الدراسة، كما انخفض خطر الإصابة بالسرطان بنسبة 28%.
وقبلها وجدت مراجعة أجريت في عام 2020 أن التحول إلى نظام غذائي متوسطي "يُحدث فرقا حقيقيا في صحة القلب والأوعية الدموية، وفي الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب، وفي الوقاية من خطر الخرف، ومن مرض السكري، والحفاظ على وزن صحي".
أيضا، تشيد نتائج الأبحاث بالنظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط باعتباره "الحل الأمثل لحياة صحية وطويلة"، حيث "ينصب التركيز فيه أكثر على ما يجب تناوله من الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية"، مع الحفاظ في الوقت نفسه على وزن صحي، بدلا من "الاستغراق فيما يجب الامتناع عن تناوله".
النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط يعتبر الحل الأمثل لحياة "صحية وطويلة" (بيكسلز)وهو ما يمكن أن يساعد في "الحفاظ على تشغيل القلب والأوعية الدموية، والهيكل العظمي، والجهاز الهضمي، والجهاز العصبي، وتقليل خطر الإصابة بالمرض، أو تكرار المرض"، بحسب مايو كلينك.
ومن خلال تضمين جميع المجموعات الغذائية -بدلا من استبعادها، كما في معظم الأنظمة الغذائية الأخرى- يوفر النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط التغذية الشاملة والاستدامة، التي تسمح باتباع نهجه "إلى الأبد".
أسرار النظام الغذائي المتوسطيفي مقال لها على موقع "بزنس إنسايدر"، أفشت الكاتبة الأميركية ألكسندرا فروست، بعض أسرار النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط، بعد أن عاش أجدادها المقدونيون حتى عمر 90 عاما بتمسكهم بها، وهذه 6 منها:
لا تخف من الخل، فالأجداد على مائدة العشاء في حوض البحر الأبيض المتوسط، يحملون زجاجة خل في يد وقطعة خبز في اليد الأخرى، حيث يعد الخل وزيت الزيتون من العناصر الأساسية لمنح طعامهم نكهة أخف وألذ. استبدل الأطعمة المغرية بالسلطة اليونانية أو المخلل، فبدلا من الوجبات الخفيفة السهلة مثل "الشيبس" والبطاطس المقلية، يمكن للسلطة اليونانية أن تجعلك تشعر بالرضا تماما، وهي عبارة عن قطع صغيرة من البصل والخيار والطماطم والفلفل الاختياري، يُسكب عليها زيت الزيتون والخل الأبيض أو الأحمر، ثم الملح وجبنة الفيتا. كما يمكن استخدامها كطبقة علوية على كل وجبة، من البيتزا والسندويشات إلى المعكرونة والأرز. بحلول القرن الـ21 أصبح النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط أحد أكثر الأنظمة الغذائية شعبية (بيكسلز) أما المخلل أو الطُرشي، فهو تشكيلة شعبية من الخضر المخللة في ملح وخل وبعض الماء، معروفة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. استبدل الساندويتشات بالحساء، فرغم أنه من السهل تحضير ساندويتش رتيب وسريع من شرائح السلامي والجبن أثناء فترة الغداء، لكن تناول حساء الدجاج أو العدس مع الليمون -على سبيل المثال- هو طريقة سهلة لتعبئة طبقك بالبروتين والخضار. يمكنك الاستمتاع بالحلوى، فاتباع نظام غذائي متوسطي، لا يعني عدم الاستمتاع بالحلوى، بل يمكن وضع مغرفة من الآيس كريم مع الكثير من الفواكه والمكسرات، أو تناول كوب من مجموعة متنوعة من الفاكهة المقطعة، ضمن مكونات وجبة الإفطار. الفلفل عنصر لذيذ ومتعدد الاستخدامات، تقول فروست "كان جدي يُرجع الفضل في أمعائه الصحية إلى الفلفل"، فهو يُعد أحد المفضلات لدى عائلتي للطهي، حيث يمكن حشوه باللحم المفروم والأرز، كما يمكن لمزيج من صلصة الطماطم والفلفل، رفع مستوى الوجبات السريعة التي قد لا تشمل الخضروات، مثل البرغر بالجبن والبيتزا، بالإضافة إلى الفلفل المشوي الذي يُخلط بزيت الزيتون والخل بعد تقشيره. الفلفل عنصر لذيذ ومتعدد الاستخدامات في النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط (بيكسلز) لا تحتاج إلى التوقف عن تناول منتجات الألبان، فالنظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط لا يُحد من تناول الجبن ومنتجات الألبان، فهو يتضمن الاستمتاع بالجبن كامل الدسم والحليب والزبادي، ويسمح بإضافة الكريمة الحقيقية إلى قهوتنا الصباحية، ويجعل من جبن الفيتا دعامة أساسية في كل وجبة غير وجبة الإفطار.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات النظام الغذائی للبحر الأبیض المتوسط القلب والأوعیة الدمویة البحر الأبیض المتوسط نظام غذائی
إقرأ أيضاً:
الفكر المركّب لإدغار موران .. ما الذي يمكن أن يضيفه في حقل التعليم؟
ربما ينطبق المثل القائل «لا نبيّ في قومه» على أعمال إدغار موران التي خصّصها لموضوع التعليم. لقد انكبّ عالم الاجتماع الفرنسي على البحث والكتابة في هذا المجال كثيرًا، غير أن إسهاماته كما يبدو لم تحظَ بالاعتراف داخل فرنسا. لا يجد رجل التعقيد والفكر المركّب في هذا الجزء من الأرض الوطن مثيلًا للتجاوب والتكريم اللذان يحظى بهما على مستوى العالم، وخصوصًا في أمريكا اللاتينية على سبيل المثال، والتي قد نسجت معه علاقةً قوية منذ ستينيات القرن الماضي.
في عام 1999، أطلقت منظمة اليونسكو «كرسي إدغار موران المتنقّل حول التعقيد والفكر المركّب»، كما أنها سهرت على نشر كتابه الموسوم «المعارف السبع الضرورية من أجل تعليم المستقبل» على نطاقٍ واسع، وهي دراسة كان موران قد أنجزها بطلبٍ من المدير السابق لليونسكو فيديريكو مايور ساراغوسا (Federico Mayor Zaragoza).
لقد وقف موران منذ أكثر من عشرين عامًا مضت على العديد من القضايا التي تهمّ منظومة التعليم (البيئة، الخطأ، المعارف، عدم اليقين، الرسالة التدريسية...)، ممّا دفع به إلى اقتراح مجموعة من الأفكار للنقاش من أجل مدرسةٍ يُنظر إليها باعتبارها مكانًا للإصلاح الفكري. لا تُطرح هذه المقاربة التي يقترحها موران كعلاج أو كوصفة سحرية من شأنها إنقاذ المدرسة، وإنما كتحدٍّ من أجل إعادة التفكير فيها من خلال منظورٍ معاصر ينتمي إلى القرن الحادي والعشرين.
يبدو هذا التحدّي الذي يدعونا موران إلى رفعه من خلال الفكر المركّب جليًّا إلى درجة أننا قد نتساءل لوهلة كيف أمكننا أن نستمر اليوم في تجاهله في سياقٍ تواجه فيه المدرسة العديد من الرّهانات. فسواء تعلّق الأمر بتحسين مستوى التلاميذ أو بالحاجة إلى الاختلاط الاجتماعي داخل المدارس، أو بإيصال فكرة العلمانية إلى الأجيال الجديدة، أو بالتفكير في توظيف المدرّسين، أو بإعادة تصميم المناهج الدراسية، يبدو أن كل شيء يشير إلى ضرورة إصلاح المدرسة.
وكما يوضح تقرير منظمة اليونسكو الذي نشر تحت عنوان: «إعادة التفكير في مستقبلنا معًا»، فإن الأزمة التي يواجهها التعليم على مستوى العالم ترجع بالأساس إلى المحتويات التعليمية التي لم تعد بتاتًا ملائمة للسّياق الذي نعيش فيه، وإلى أساليب التدريس والمناهج التربوية التي لا تأخذ بعين الاعتبار واقع الشباب، ولا تستجيب لاحتياجات الفئات الأكثر حرمانًا في المجتمعات وانتظاراتهم.
براديغم التعليم المركّب
من خلال إعادة وضعها للإنسان في قلب مجتمعٍ يشترك المصير نفسه، فإن الرؤية الأنثروبولوجية لإدغار موران حول التعليم تندرج في إطار مسعًى مجتمعي يجعل كل واحدٍ منا مواطنًا عالميا يعيش في عالمٍ يتعيّن علينا جميعًا أن نشترك في الحفاظ عليه كما في بنائه. وبالنّظر إلى الإشكاليات التي تواجهها المدرسة اليوم، فإن القيام بإصلاحاتٍ إجرائية لم يعد أمرًا كافيا. إن طريقة التفكير التي تأخذ بعين الاعتبار عالميةَ التحدّيات المعاصرة الكبرى تعدّ ضرورةً من أجل ضمان نقل المعارف إلى الأجيال الجديدة.
لقد كرّس موران نفسه لهذا الفكر التربوي من خلال تأليف ثلاثيةٍ تتشكّل من الأعمال التالية: «العقل المُحكم: إعادة التفكير في الإصلاح وإصلاح الفكر» (1999)، «ربط المعارف» (1999)، «المعارف السّبع الضرورية لتعليم المستقبل» (2000). واستُكملت الثلاثية بكتابٍ آخر صدر بعد حوالي خمسة عشر عامًا بعنوان «التدريب على الحياة: بيانٌ من أجل تعليمٍ آخر» (2014)، وقد اعتمد المخرج أبراهام سيغال (Abraham Ségal) على هذا الأخير في إنجاز فيلم وثائقي تناول تنزيل أفكار موران داخل خمس مؤسسات عامة.
لا ريب أن قضية الإصلاح التربوي ليست جديدة، فقد سبق وإن حاول المتخصصون في مجال التربية، مثل ماريا مونتيسوري (Maria Montessori) وتلاميذها، خلال أوائل القرن العشرين إحداث ثورةٍ في المدرسة في عصرهم. لكن المقاربة الحوارية التي يدعونا إليها موران من خلال الفكر المركّب يسمح لنا بالتفكير في المسألة من خلال النظر إلى جوانبها المتعددة، مثل الجانب المتعلق بانفتاح التخصّصات على بعضها البعض في المناهج الدراسية.
عبور التخصّصات في خدمة فهم الإنسانية
لا بد من توظيف التخصّصات المختلفة معًا وليس بشكل منفصل، من أجل التوصل إلى فهمٍ متقارب للوضع البشري. وعلى هذا الأساس يدعو موران إلى إصلاحٍ فكري يعلن عن كونه إصلاحًا تاريخيا وحيويا لأنه سيسمح لنا في نفس الوقت بالفصل من أجل المعرفة ثم بإعادة ربط ما كان منفصلًا.
وهكذا، فمن خلال إثارة «المفاهيم التي فُتّتت بفعل التجزئة التخصّصية: الإنسان والطبيعة والكون والواقع، على نحوٍ جديد»، فإننا سنحقق ما يعدّه موران شرطًا ضروريا للتعليم، ألا وهو «تنمية «القدرة على وضع المعارف في سياقها وعولمتها». وهذا وحده من شأنه أن يشجّع على بروز تفكيرٍ يجعل من الممكن وضع أي حدثٍ في سياقه، وملاحظة كيف لذلك أن يلقي الضوء عليه بشكل مختلف.
وبشكل ملموس، فإن مهمة المدرّس هي إضفاء المعنى على التعلّمات من خلال الدفع بتلاميذه إلى إنجاز أعمالٍ تنطلق من احتياجاتهم العميقة وتستجيب إلى انتظاراتهم، كما أوصى بذلك في زمنه عالم التربية البلجيكي أوفيد دوكرولي (Ovide Decroly) في بيداغوجية الاهتمام.
يدعو موران إلى تعليمٍ يسمح بدراسة «الخصائص الدماغية والذهنية والثقافية للمعارف الإنسانية، فضلًا عن سيروراتها وطرائق الوصول إليها، والقابليّات النفسية كما الثقافية التي تجعل هذه المعارف عرضةً للخطأ أو الوهم».
إن رؤية موران المركّبة للإنسان باعتباره كائنًا بيولوجيًا وثقافيًا في الوقت نفسه قد قادته إلى تصور علمٍ يصفه بكونه علمًا أنثروبولوجيا اجتماعيا أُعيد تجميع عناصره بشكلٍ يسمح بتصور الإنسانية في وحدتها الأنثروبولوجية وفي تنوّعاتها الفردية كما الثقافية.
إرساء الديمقراطية في المدارس
يدعو إدغار موران أيضًا إلى إرساء نوعٍ من الديمقراطية في المدارس بحيث تُتاح الفرصة أمام التلاميذ بالمشاركة الفعلية في المناقشات والحياة المدرسية اليومية. والهدف من ذلك هو إعادة المدرسة إلى مكانتها باعتبارها فضاءً لتكوين مواطني المستقبل. إننا هنا في صميم تعليمٍ يشيع قيم الإنسانية التي يعدّها موران مبدأً أساسيا يجب أن «يتجذّر في الذّات ويترسّخ في أعماقها، لأن بفضله ندرك أن كل آخرٍ هو إنسان»، مانحًا إيّانا بذلك «الترياق الحقيقي الوحيد القادر على مواجهة إغراءات البربرية، سواء الفردية أو الجماعية» التي يمكن أن تعترض سبيل كل إنسان في حياته.
وبعبارة أخرى، فوفقًا لموران، لا ينبغي أن يقتصر دور التعليم على تعليمنا كيفية العيش، وإنما العيش في تضامنٍ مع بعضنا البعض، وفي تضامنٍ على نطاق عالمي. ومن ثم، فينبغي إعادة النظر في النظام التنافسي الذي تواصل المدرسة تعزيزه في المجتمع، وتحفيز روح التعاون بين التلاميذ بدلًا من ذلك من أجل تأهيلهم لتعلم العمل المشترك، في عالمٍ نتشاركه جميعًا وعلى أساس علاقةٍ ملؤُها الثقة التي تشمل أيضًا المعلِّمين.
ولكي تتحقّق هذه الغاية، فإن موران يرى أن التعليم يجب أن يضطلع برسالة حقيقية لا يمكن اختزالها في وظيفة بسيطة أو في تخصص. إذ يتعلق الأمر بمهمة خلاصٍ عام تفترض الإيمان بالثقافة وبإمكانات الروح الإنسانية. لأن التعليم ينطوي ضمنًا على مبدأ القابلية للتعلّم، والذي يستند إلى فرضية أساسية مفادها أن كل إنسان يملك القدرة على التقدم والتحسن مهما بلغت هشاشته ومكامن ضعفه.
إن هذا الإصلاح التعليمي، والذي يدعو إلى تعميم الإصلاح على كل مسالك التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي على حدّ سواء، يمكن أن يتيح إمكانية إحداث تغييرٍ في البراديغم (يمكن تعريف البراديغم بشكل مبسّط على أنه نموذج إرشادي يمكن أن نستعين به من أجل فهم العالم ونقيس عليه الأشياء - المترجم). وفيما يتعلّق بالمدرسة بشكلٍ خاص، يجب أن يأخذ تطور منظومتنا التعليمية في الاعتبار العقل البشري، والذي يخبرنا موران أن لديه استعدادًا قبليا للتعامل مع التعقيد بشكل طبيعي. وذلك من أجل إعداد الناشئة لمواجهة مخاطر الخطأ والوهم التي نتعرّض لها على نحوٍ متزايد، وخاصّة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، ولكي يتعلموا أيضًا كيفية الإبحار في محيطٍ من عدم اليقين.
ومن ثم فإن مفهوم التعليم المركّب يجعل من الممكن امتلاك رؤيةٍ تأخذ الإنسان بعين الاعتبار، سواء تعلق الأمر برفاهيته وازدهاره كما بمكامن ضعفه وأخطائه. سوف تسمح هذه الرؤية، من خلال وضع الإنسان في صميم المنظومة التعليمية، بمحاولة أن نعلم التلاميذ أن يحيوا وأن يعيشوا بشكل مشترك. إن هذه القضايا، التي أصبح الآن من الضروري استيعابها منذ سن مبكرة، تتطلّب إعادة التفكير في تكوين المدرّسين، الذين ينبغي أن تُسند إليهم، وفقًا لكلمات فيليب ميريو (Philippe Meirieu):
«مهمة إرشاد المتعلّمين من دون حبسهم، ونقل المعارف إليهم من دون إغلاق عقولهم، وجعل كل فردٍ منهم ينخرط في عملية بحثٍ مستمرة لا يمكن لأي عقيدة ظلامية أن توقفها إطلاقًا. إن نجاح مدرستنا يمرّ عبر ذلك، كما أن إمكانية أن يمنح أطفالنا مستقبلًا لقادم أيامهم رهينٌ بذلك».
فابيين سيرينا كارسكي أستاذة محاضرة في علوم التربية بالمعهد الكاثوليكي في باريس
ماريا فرناندا غونزاليس بينيتي أستاذة محاضرة بالمعهد الكاثوليكي في باريس
ترجمة - حافظ إدوخراز