لجريدة عمان:
2025-04-27@03:12:13 GMT

الكيان الصهيوني والمأزق الوجودي

تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT

الكيان الصهيوني في مأزق استراتيجي معقد، وهذا ما أشار إليه عدد من المعلقين من داخل الكيان. ولعلّ يوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ هو اليوم الفاصل في إطار انكشاف السردية الإسرائيلية التي قامت على التفوق والحرب النفسية والغطرسة وزرع الخوف في نفوس الآخرين، خاصة العرب. ومن هنا تداخلت تلك السردية مع مفاهيم سيكولوجية مستمدة من مفاهيم الصهيونية ومؤسسها هرتزل من خلال مقررات مؤتمر بازل.

الصهيونية تقوم على فكرة التفوق والقوة واستخدام آليات الكذب والمبالغة وإيهام الآخرين بأن أي صدام مع الكيان الصهيوني يعني الانتحار.

لقد تجسدت تلك السردية خلال عدد من الحروب والصراعات الإسرائيلية العربية منذ عام ١٩٤٨، ومرورًا بالعدوان الثلاثي على مصر، والذي شاركت فيه الدول الاستعمارية القديمة بريطانيا وفرنسا ومعهم الكيان الصهيوني. وكان الصراع حول السويس هو بداية النهاية للإمبراطورية البريطانية والفرنسية وانكماشهما للداخل. كما أن حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧ هي أقسى هزيمة للجيوش العربية أمام الجيش الإسرائيلي. في تصوري أن تلك الهزيمة الكبيرة، وليست النكسة كما صورها البعض، قد رسخت مفهوم تلك السردية الصهيونية في قلوب وعقول العرب دولًا وشعوبًا.

أما آخر الحروب العربية الإسرائيلية على صعيد الجيوش النظامية فكانت حرب الخامس من أكتوبر ١٩٧٣، وهي الحرب التي سجلت النصر العسكري العربي الأول على الكيان الصهيوني. وإن كان ذلك النصر ليس كاملًا بعد تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لصالح إسرائيل من خلال الجسر العسكري وإمداد الكيان الصهيوني بأحدث الأسلحة، ومنها تم وقف إطلاق النار واتجهت الأمور إلى منحى مختلف انتهى عام ١٩٧٩ بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وانقسام العالم العربي. بقية الأحداث معروفة.

حرب أكتوبر ١٩٧٣ شكلت عقدة نفسية للكيان الصهيوني، وبدأت تلك السردية الكاذبة التي تعتمد على أسلوب التضليل كما انتهجها جوبلز، وزير إعلام هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، تتهاوى رويدًا. هي لم تنتهِ ومع ذلك كان على الكيان الصهيوني أن يقوم بمغامرة عسكرية ضد لبنان عام ١٩٨٢، ويجتاح لبنان ويحتل أول عاصمة عربية وهي بيروت.

وعلى ضوء ذلك بدأت ملامح ساحات المقاومة تتشكل، كالمقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس، وأيضًا المقاومة اللبنانية. تحولت الحروب مع الكيان الإسرائيلي إلى حروب الجماعات المسلحة، ولعل حربي عام ٢٠٠٠ و٢٠٠٦ بين الجيش الإسرائيلي وبين المقاومة اللبنانية قد جعلت الجيش الإسرائيلي يدخل في مرحلة الشك، خاصة بعد اندحار الجيش الإسرائيلي في حرب ٢٠٠٦ حيث تهاوت دبابات الميركافا. ومن هنا ترسخت فكرة الحروب التي تعتمد على الكر والفر من خلال إستراتيجية تستهدف استنزاف العدو الإسرائيلي. هناك نماذج من تلك الحروب الشهيرة في التاريخ الحديث، منها الحرب الأمريكية ضد المقاومة الفيتنامية التي تواصلت على مدى عشر سنوات. من خلال إستراتيجية المقاومة الفيتنامية وموضوع الأنفاق الذي رأيناه مجسدًا في قطاع غزة، تم دحر القوات الأمريكية وطردهم من هانوي وسايجون وغيرها، وانتهت مفاوضات باريس بانسحاب القوات الأمريكية التي تكبدت عشرات الآلاف من القتلى.

جاء يوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ من خلال الهجوم العسكري المباغت للمقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس ليقضي على السردية الصهيونية ويعطي درسًا كبيرًا لكل أحرار وشعوب العالم. انكشف الجيش الإسرائيلي بضعفه وحتى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سجلت فشلًا ذريعًا. هناك لجان تحقيق سوف تعقد محاكمات للقيادات السياسية والأمنية وعلى رأسهم نتانياهو الذي يمر بمأزق استراتيجي ليس فقط على ضوء هزيمة الجيش الإسرائيلي الاستراتيجية المدوية أمام حركة مقاومة لا يمكن مقارنة إمكاناتها العسكرية بالجيش الإسرائيلي.

خاضت المقاومة الفلسطينية، حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية الأخرى، حربًا عالمية ليس فقط ضد القوات العسكرية الإسرائيلية ولكن أيضًا ضد الدعم العسكري الأمريكي والبريطاني والألماني وأجهزة الاستخبارات الغربية، علاوة على عدد من الدول الإقليمية التي تدخل في عداء مع المقاومة الفلسطينية الإسلامية. على ضوء عشرة أشهر من المواجهة العسكرية بين الجيش الإسرائيلي وداعميه من دول الناتو بقيادة أمريكا، خسر الجيش الإسرائيلي نصف معداته وتم استنزاف الجيش الإسرائيلي في أحياء قطاع غزة. من هنا أقدم الجيش الإسرائيلي على ارتكاب مجازر تندى لها جبين الإنسانية، حيث استشهد ما يقارب ٤٠ ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وتدمير البنية الأساسية من مستشفيات ومنازل بل وأحياء سكنية كاملة، علاوة على قيام الكيان الصهيوني باستهداف عشرات الصحفيين الفلسطينيين.

أمام هذه الجريمة الصهيونية الكبرى ضد المدنيين الفلسطينيين، قدمت ملفات قانونية ضد العصابات التي تحكم الكيان الإسرائيلي وتم إصدار مذكرات توقيف بحق بعض القيادات الإسرائيلية. كما أن أجهزة الاتصال الحديثة، خاصة شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، كشفت زيف إسرائيل وهمجية جيشها. ومن هنا خرجت شعوب العالم، خاصة في عواصم صنع القرار، تندد بالمجازر الإسرائيلية، خاصة على صعيد طلاب الجامعات الأمريكية. من هنا انكشف زيف السردية الصهيونية التي تواصلت بشكل مضلل على مدى ١٠٠ عام. من هنا فإن معركة طوفان الأقصى أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك بأن هزيمة الجيش الإسرائيلي ممكنة. هذا حدث في عدة معارك كما تمت الإشارة، وحاليًا في قطاع غزة. المهم هو الإيمان بأن الظالم مهما تمادى لا بد له من نهاية. هكذا سجلت ثلة من حركة حماس تاريخًا مجيدًا في سجل النضال والكفاح لنيل الحرية والاستقلال. كما أن المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني لن تمر دون عقاب ولو بعد حين.

الكيان الصهيوني يعيش بالفعل مأزقًا وجوديًا واستراتيجيًا. سجلت ساحات المقاومة في لبنان وغزة واليمن والعراق وتأييد الشعوب العربية والأحرار في العالم تاريخًا جديدًا، سيكون طريقًا نحو إقرار الحقوق وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧. مع تحقق الهزيمة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي وللسردية والتضليل الصهيوني، تعيش إسرائيل مشكلات اقتصادية وهجرة جماعية وخلخلة اجتماعية وعنصرية حتى بين يهود الشرق والغرب وجماعات الحريديم المتدينين الذين رفضوا الحرب والدخول في الجيش الإسرائيلي.

نتانياهو وحكومته المتطرفة يعيشون مأزقًا كبيرًا وهي منتهية. كما أن المجتمع الإسرائيلي ساخط على نتانياهو حيث تتمسك المقاومة الفلسطينية بأهم الأوراق وهي الصمود الأسطوري في قطاع غزة حيث الإيمان والثبات ووجود عشرات المحتجزين الذين يشكلون ضغطًا كبيرًا لحكومة نتانياهو المتطرفة.

سردية الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر انتهت إلى غير رجعة. من هنا سجلت المقاومة الفلسطينية تاريخًا ناصعًا بالصبر والفداء والإيمان وتقديم دروس كبيرة للأمة العربية والإسلامية وللعالم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة الجیش الإسرائیلی الکیان الصهیونی قطاع غزة من خلال من هنا کما أن

إقرأ أيضاً:

مستقبل علاقة دمشق بالفصائل والحركات الفلسطينية

تضمنت قائمة الشروط التي تقدمت بها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الإدارة السورية الجديدة لتخفيف العقوبات الاقتصادية عنها، إخراج الحركات والفصائل الفلسطينية، المرتبطة بإيران، من سوريا. وأوردت تقارير سوريا أخبار اعتقال قياديين من حركة الجهاد الإسلامي بتهمة التخابر مع إيران، الأمر الذي تم تفسيره على أنه بداية حملة على الحركات الفلسطينية المتواجدة في دمشق والتي يزيد عددها عن عشرة فصائل، يتبنى أغلبها خط المقاومة الذي قادته إيران في العقد الأخير.

تثبت الوقائع أنه بعد سيطرة إدارة الشرع على سوريا، انفرطت أغلب هياكل الفصائل الفلسطينية التي تعاونت مع إيران، واختفى أغلب قياداتها وكوادرها، ولا سيما الجبهة الشعبية "القيادة العامة"، والصاعقة، وفتح الانتفاضة، بالإضافة إلى تشكيلات ظهرت أثناء الثورة السورية، ولم يبق من هذه الأجسام سوى الشخصيات والأفراد العاملين في السياسة وإدارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، في ظل ملاحقة إدارة الشرع لكل التشكيلات التي كانت حليفة لنظام الأسد، ومطالبة المجتمع الفلسطيني في سوريا إلقاء القبض على تلك القيادات التي نكّلت بالفلسطينيين والسوريين في مرحلة الثورة على بشار الأسد.

المرحلة القادمة قد تشهد مزيدا من الاعتقالات لبعض القيادات الفصائلية الفلسطينية في دمشق، ما دامت هذه القيادات بالأصل موضوعة على قائمة المطلوبين بحسب تعاونهم مع نظام الأسد. وقد اختفت في سوريا، ومنذ لحظة سقوط النظام، جميع الرموز العسكرية الفلسطينية مثل معسكرات التدريب والهياكل العسكرية للفصائل، ولا يتوقع عودتها
ومنذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة في سوريا، في بداية سبعينيات القرن الماضي، خرجت الساحة السورية من جبهات المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد إسرائيل، وظلت الساحة السورية في أحسن الأحوال ساحة تدريب لبعض الكوادر الفلسطينية القادمة من الأراضي المحتلة، ولا سيما المنضوين ضمن الفصائل التي لها علاقات جيدة مع دمشق في تلك المرحلة، في إطار سعي حافظ الأسد إلى هندسة المقاومة الفلسطينية لتوظيفها في خدمة سياساته الإقليمية والظهور بمظهر المتحكم بتفاعلات ومسارات أهم قضية إقليمية وعالمية.

أما الإدارة السورية الجديدة، فمن الواضح أنها تسير في طريق قطع العلاقات مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وهي تعترف بعنوان فلسطيني واحد هو السلطة الفلسطينية، من دون أن يؤثر ذلك على حقوق الفلسطينيين في سوريا، ومن ثم استحالة أن تكون سوريا ساحة عمل للفصائل التي تتبنى نهج المقاومة ضد إسرائيل لأسباب عدّة:

أولا: حاجة إدارة الشرع للاعتراف الدولي وإزالة العقوبات الاقتصادية، ما سيدفع هذه الإدارة للابتعاد عن كل القضايا الإشكالية التي قد تعيق تحقيق هذه الأولويات بالنسبة للإدارة السورية الجديدة. وليس خافيا أن الشرع، وبعض مسؤولي إدارته، أعلنوا أنهم ليسوا في صدد دخول صراعات مع إسرائيل التي استعادت سيطرتها على قمّة جبل الشيخ، واحتلت شريطا واسعا من مناطق جنوب سوريا، وستبقى إدارة الشرع لسنوات قادمة تكافح من ّأجل الحصول على الاعتراف الدولي وإزالة العقوبات، ما دامت إدارة ترامب تدرك مدى أهمية هذه الأوراق في تطويع النظام الحاكم في دمشق.

ثانيا: تسعى إدارة الشرع إلى الاندماج في البيئة العربية والتكيّف مع توجهاتها الإقليمية والدولية، ما يعني أنها ستنخرط في الخط المعادي لسياسات إيران وحلفائها في المنطقة، ما يزيد من عمق الهوّة مع الفصائل الفلسطينية التي اتبعت النهج الإيراني في المقاومة.

ستتوجه إدارة الشرع إلى تبني النهج العربي في التعامل مع القضية الفلسطينية، من خلال تركيز العلاقات مع سلطة رام الله المعترف بها دوليا، وعدم المساس بالنشاطات المجتمعية والإغاثية الفلسطينية في سوريا، والمتوقع أن تكون تحت إشراف السفارة الفلسطينية
ثالثا: ضعف أوراق سوريا بعد تدمير قدرتها العسكرية واستنزاف طاقاتها الى أبعد الحدود، يفرض على إدارة الشرع تبني مقاربات تصالحية مع البيئتين الإقليمية والدولية، والابتعاد عن كل ما هو إشكالي، لسد الذرائع وتقليل المخاطر.

رابعا: عدم حاجة القضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة لهذا النمط من العمل من خارج الساحات، بعد انهيار "حلف المقاومة"، وخروج الساحة اللبنانية من حسابات الفصائل الفلسطينية، والتطورات الحاصلة في اليمن، كل ذلك يثبت بالبرهان أن المساعدة العسكرية لفلسطين من خارج الحدود ستكون تكاليفها أكبر من جدواها، وهذا يعني نهاية نمط الساحات الخارجية بعد أن ثبت أنه غير مجد وغير مؤثر في الصراع مع إسرائيل.

على ذلك، فإن المرحلة القادمة قد تشهد مزيدا من الاعتقالات لبعض القيادات الفصائلية الفلسطينية في دمشق، ما دامت هذه القيادات بالأصل موضوعة على قائمة المطلوبين بحسب تعاونهم مع نظام الأسد. وقد اختفت في سوريا، ومنذ لحظة سقوط النظام، جميع الرموز العسكرية الفلسطينية مثل معسكرات التدريب والهياكل العسكرية للفصائل، ولا يتوقع عودتها تحت أي ظرف في المرحلة المقبلة.

في المقابل، ستتوجه إدارة الشرع إلى تبني النهج العربي في التعامل مع القضية الفلسطينية، من خلال تركيز العلاقات مع سلطة رام الله المعترف بها دوليا، وعدم المساس بالنشاطات المجتمعية والإغاثية الفلسطينية في سوريا، والمتوقع أن تكون تحت إشراف السفارة الفلسطينية في دمشق.

x.com/ghazidahman1

مقالات مشابهة

  • يافا وحيفا تحت النيران.. اليمن يزلزل الكيان الصهيوني
  • الاعترافات الأمريكية بالفشل في اليمن تعمّق حالةَ اليأس داخل الكيان الصهيوني
  • وصفت بـالنوعية.. تصاعد التحذيرات الإسرائيلية من كمائن المقاومة بغزة
  • لازريني: أطفال غزة يتضورون جوعا فيما يواصل الكيان الإسرائيلي منع دخول الغذاء
  • لازاريني: أطفال غزة يتضورون جوعا فيما يواصل الكيان الإسرائيلي منع دخول الغذاء
  • مستقبل علاقة دمشق بالفصائل والحركات الفلسطينية
  • سلاح المقاومة… درع الكرامة وخط النار الأخير في وجه العدوان الصهيوني
  • سلاح حزب الله: الحاجة والضرورة لردع العدو الصهيوني
  • السيد القائد يشيد بعمليات وكمائن المقاومة ضد العدو الصهيوني في قطاع غزة
  • الكيان يُقِّر: المقاومة ما زالت تملك عشرات آلاف الأنفاق والقضاء على حماس الآن هراء وكذب