الكيان الصهيوني والمأزق الوجودي
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
الكيان الصهيوني في مأزق استراتيجي معقد، وهذا ما أشار إليه عدد من المعلقين من داخل الكيان. ولعلّ يوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ هو اليوم الفاصل في إطار انكشاف السردية الإسرائيلية التي قامت على التفوق والحرب النفسية والغطرسة وزرع الخوف في نفوس الآخرين، خاصة العرب. ومن هنا تداخلت تلك السردية مع مفاهيم سيكولوجية مستمدة من مفاهيم الصهيونية ومؤسسها هرتزل من خلال مقررات مؤتمر بازل.
لقد تجسدت تلك السردية خلال عدد من الحروب والصراعات الإسرائيلية العربية منذ عام ١٩٤٨، ومرورًا بالعدوان الثلاثي على مصر، والذي شاركت فيه الدول الاستعمارية القديمة بريطانيا وفرنسا ومعهم الكيان الصهيوني. وكان الصراع حول السويس هو بداية النهاية للإمبراطورية البريطانية والفرنسية وانكماشهما للداخل. كما أن حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧ هي أقسى هزيمة للجيوش العربية أمام الجيش الإسرائيلي. في تصوري أن تلك الهزيمة الكبيرة، وليست النكسة كما صورها البعض، قد رسخت مفهوم تلك السردية الصهيونية في قلوب وعقول العرب دولًا وشعوبًا.
أما آخر الحروب العربية الإسرائيلية على صعيد الجيوش النظامية فكانت حرب الخامس من أكتوبر ١٩٧٣، وهي الحرب التي سجلت النصر العسكري العربي الأول على الكيان الصهيوني. وإن كان ذلك النصر ليس كاملًا بعد تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لصالح إسرائيل من خلال الجسر العسكري وإمداد الكيان الصهيوني بأحدث الأسلحة، ومنها تم وقف إطلاق النار واتجهت الأمور إلى منحى مختلف انتهى عام ١٩٧٩ بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وانقسام العالم العربي. بقية الأحداث معروفة.
حرب أكتوبر ١٩٧٣ شكلت عقدة نفسية للكيان الصهيوني، وبدأت تلك السردية الكاذبة التي تعتمد على أسلوب التضليل كما انتهجها جوبلز، وزير إعلام هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، تتهاوى رويدًا. هي لم تنتهِ ومع ذلك كان على الكيان الصهيوني أن يقوم بمغامرة عسكرية ضد لبنان عام ١٩٨٢، ويجتاح لبنان ويحتل أول عاصمة عربية وهي بيروت.
وعلى ضوء ذلك بدأت ملامح ساحات المقاومة تتشكل، كالمقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس، وأيضًا المقاومة اللبنانية. تحولت الحروب مع الكيان الإسرائيلي إلى حروب الجماعات المسلحة، ولعل حربي عام ٢٠٠٠ و٢٠٠٦ بين الجيش الإسرائيلي وبين المقاومة اللبنانية قد جعلت الجيش الإسرائيلي يدخل في مرحلة الشك، خاصة بعد اندحار الجيش الإسرائيلي في حرب ٢٠٠٦ حيث تهاوت دبابات الميركافا. ومن هنا ترسخت فكرة الحروب التي تعتمد على الكر والفر من خلال إستراتيجية تستهدف استنزاف العدو الإسرائيلي. هناك نماذج من تلك الحروب الشهيرة في التاريخ الحديث، منها الحرب الأمريكية ضد المقاومة الفيتنامية التي تواصلت على مدى عشر سنوات. من خلال إستراتيجية المقاومة الفيتنامية وموضوع الأنفاق الذي رأيناه مجسدًا في قطاع غزة، تم دحر القوات الأمريكية وطردهم من هانوي وسايجون وغيرها، وانتهت مفاوضات باريس بانسحاب القوات الأمريكية التي تكبدت عشرات الآلاف من القتلى.
جاء يوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ من خلال الهجوم العسكري المباغت للمقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس ليقضي على السردية الصهيونية ويعطي درسًا كبيرًا لكل أحرار وشعوب العالم. انكشف الجيش الإسرائيلي بضعفه وحتى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سجلت فشلًا ذريعًا. هناك لجان تحقيق سوف تعقد محاكمات للقيادات السياسية والأمنية وعلى رأسهم نتانياهو الذي يمر بمأزق استراتيجي ليس فقط على ضوء هزيمة الجيش الإسرائيلي الاستراتيجية المدوية أمام حركة مقاومة لا يمكن مقارنة إمكاناتها العسكرية بالجيش الإسرائيلي.
خاضت المقاومة الفلسطينية، حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية الأخرى، حربًا عالمية ليس فقط ضد القوات العسكرية الإسرائيلية ولكن أيضًا ضد الدعم العسكري الأمريكي والبريطاني والألماني وأجهزة الاستخبارات الغربية، علاوة على عدد من الدول الإقليمية التي تدخل في عداء مع المقاومة الفلسطينية الإسلامية. على ضوء عشرة أشهر من المواجهة العسكرية بين الجيش الإسرائيلي وداعميه من دول الناتو بقيادة أمريكا، خسر الجيش الإسرائيلي نصف معداته وتم استنزاف الجيش الإسرائيلي في أحياء قطاع غزة. من هنا أقدم الجيش الإسرائيلي على ارتكاب مجازر تندى لها جبين الإنسانية، حيث استشهد ما يقارب ٤٠ ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وتدمير البنية الأساسية من مستشفيات ومنازل بل وأحياء سكنية كاملة، علاوة على قيام الكيان الصهيوني باستهداف عشرات الصحفيين الفلسطينيين.
أمام هذه الجريمة الصهيونية الكبرى ضد المدنيين الفلسطينيين، قدمت ملفات قانونية ضد العصابات التي تحكم الكيان الإسرائيلي وتم إصدار مذكرات توقيف بحق بعض القيادات الإسرائيلية. كما أن أجهزة الاتصال الحديثة، خاصة شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، كشفت زيف إسرائيل وهمجية جيشها. ومن هنا خرجت شعوب العالم، خاصة في عواصم صنع القرار، تندد بالمجازر الإسرائيلية، خاصة على صعيد طلاب الجامعات الأمريكية. من هنا انكشف زيف السردية الصهيونية التي تواصلت بشكل مضلل على مدى ١٠٠ عام. من هنا فإن معركة طوفان الأقصى أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك بأن هزيمة الجيش الإسرائيلي ممكنة. هذا حدث في عدة معارك كما تمت الإشارة، وحاليًا في قطاع غزة. المهم هو الإيمان بأن الظالم مهما تمادى لا بد له من نهاية. هكذا سجلت ثلة من حركة حماس تاريخًا مجيدًا في سجل النضال والكفاح لنيل الحرية والاستقلال. كما أن المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني لن تمر دون عقاب ولو بعد حين.
الكيان الصهيوني يعيش بالفعل مأزقًا وجوديًا واستراتيجيًا. سجلت ساحات المقاومة في لبنان وغزة واليمن والعراق وتأييد الشعوب العربية والأحرار في العالم تاريخًا جديدًا، سيكون طريقًا نحو إقرار الحقوق وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧. مع تحقق الهزيمة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي وللسردية والتضليل الصهيوني، تعيش إسرائيل مشكلات اقتصادية وهجرة جماعية وخلخلة اجتماعية وعنصرية حتى بين يهود الشرق والغرب وجماعات الحريديم المتدينين الذين رفضوا الحرب والدخول في الجيش الإسرائيلي.
نتانياهو وحكومته المتطرفة يعيشون مأزقًا كبيرًا وهي منتهية. كما أن المجتمع الإسرائيلي ساخط على نتانياهو حيث تتمسك المقاومة الفلسطينية بأهم الأوراق وهي الصمود الأسطوري في قطاع غزة حيث الإيمان والثبات ووجود عشرات المحتجزين الذين يشكلون ضغطًا كبيرًا لحكومة نتانياهو المتطرفة.
سردية الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر انتهت إلى غير رجعة. من هنا سجلت المقاومة الفلسطينية تاريخًا ناصعًا بالصبر والفداء والإيمان وتقديم دروس كبيرة للأمة العربية والإسلامية وللعالم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة الجیش الإسرائیلی الکیان الصهیونی قطاع غزة من خلال من هنا کما أن
إقرأ أيضاً:
إحصائية بالخسائر التي خلفتها حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة .. تقرير
الجديد برس|
كشفت معطيات إحصائية جديدة حجم ما ألحقته آلة القتل والتدمير الإسرائيلية في القطاع غزة على مدار 470 يومًا من حرب الإبادة الجماعية التي طاولت كل مقومات الحياة الإنسانية.
وقدر المكتب الإعلامي الحكومي في تقرير إحصائي نشره اليوم الثلاثاء، الخسائر الأولية المباشرة للحرب بأكثر من 38 مليار دولار، فيما بلغت نسبة الدمار 88%.
وبين أن جيش الاحتلال ألقى طوال فترة الحرب على غزة 100 ألف طن من المتفجرات، استشهد على إثرها 46 ألفًا و960 مواطنا، بينهم 17 ألفًا و861 طفلًا منهم 214 رضيعًا و808 أطفال دون عمر السنة، بالإضافة لارتقاء 12 ألفًا و316 امرأة، مشيرا إلى نسبة الأطفال والنساء تشكل 70% من إجمالي عدد الضحايا.
وسجل الإعلام الحكومي 14 ألفًا و222 مفقودًا، ونحو 110 آلاف و725 إصابة، بينهم 15 ألفًا بحاجة لعمليات تأهيل طويلة الأمد، و4 آلاف و500 حالة بتر، موضحا أن 18% من إجمالي حالات البتر سجلت بين الأطفال، فيما يحتاج 12 ألفًا و700 جريح للعلاج في الخارج.
وأوضح الإعلام الحكومي أن 38495 طفلًا يعيشون بدون والديهم أو بدون أحدهما، فيما فقدت 13901 من النساء أزواجهن خلال الحرب.
وفي تفاصيل ممارساته الإجرامية، ارتكب الاحتلال مجازر مروّعة ضد العائلات الفلسطينية طيلة أشهر الحرب، حيث أباد 2092 عائلة بمجموع عدد أفراد 5967 شهيدًا، في حين أنّ 4889 عائلة أخرى فقدت جميع أفرادها باستثناء فرد واحد (الناجي الوحيد)، ليصل عدد شهداء هذه العائلات إلى أكثر من 8980 شهيدًا.
النزوح والجوع
في حين أجبرت حرب الإبادة مليونين من مواطني قطاع غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع مأساوية مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء، حسب إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي. وأشار إلى أنّ 110 ألف خيمة اهترأت وأصبحت غير صالحة للنازحين، فيما أُصيب أكثر من مليونين و136 ألفًا بأمراض معدية نتيجة النزوح، فيما انتقلت عدوى التهابات الكبد الوبائي لنحو 71 ألفًا و338 نازحًا.
وفي غزة، شدد المكتب على أن “الناس ماتت جوعًا ومن البرد أيضًا”، إذ استشهد 8 فلسطينيين بينهن 7 أطفال من شدة البرد في الخيام، فيما استشهد 44 نتيجة سياسة التجويع التي انتهجها الاحتلال خلال أشهر الحرب ضد سكان القطاع تحديدًا محافظتي غزة وشمالها لحملهم على الهجرة القسرية، ولا يزال الموت يتهدد نحو 3 آلاف و500 طفل في القطاع بسبب سوء التغذية.
وعلى مدار أكثر من 15 شهرا من الإبادة التي ارتكبها الاحتلال بغزة، لم يسلم القطاع الصحي من دائرة الاستهداف المباشر والحصار المشدد، حيث وصل عدد شهداء الطواقم الطبية ألف و155 شهيدًا ونحو 360 معتقلًا أعدم منهم 3 أطباء داخل السجون.
المستشفيات والدفاع المدني
ومنذ السابع من أكتوبر ألو 2023، طال العدوان 34 مستشفى في قطاع غزة من خلال حرقها أو الاعتداء عليها أو إخراجها من الخدمة، فيما تعمل بقية المستشفيات بقدرات محدودة للغاية.
وأدى العدوان، وفي معطيات الإعلام الحكومي، لإخراج 80 مركزا صحيا عن الخدمة بشكل كامل، كما استهدف الاحتلال 162 مؤسسة صحية أخرى، فضلًا عن استهداف وتدمير 136 سيارة إسعاف مما أدى إلى شلل كبير بقدرة الطواقم الطبية على الاستجابة لحالات الطوارئ.
أما طواقم الدفاع المدني فقد استشهد منهم 94 عاملًا، واعتُقل 26 آخرين من إجمالي 6 آلاف و600 حالة اعتقال نفذها الاحتلال في قطاع غزة منذ بادية الحرب، ووضعتهم تحت ظروف قهرية بدنية ونفسية قاسية، ومارست عليهم شتى أنواع التعذيب والتنكيل، وواجه بعضهم عمليات اغتصاب وتحرش جنسي.
وخلال الحرب دمر الاحتلال 19 مقبرة بشكلٍ كلي وجزئي من أصل 60 مقبرة، وانتهك حرمة الأموات بسرقة ألفي و300 جثمان من المقابر. كما اكتشفت الطواقم المختصة 7 مقابر جماعية أقامها الاحتلال داخل المستشفيات، جرى انتشال 520 شهيدًا منها.
كما لم تسلم بيوت العبادة من العدوان، حيث تعرض 823 مسجدًا للهدم الكلي بفعل الاستهداف المباشر، و158 مسجدا بشكلٍ بليغ بحاجة لإعادة ترميم، إلى جانب استهداف وتدمير 3 كناس في القطاع، و206 مواقع أثرية.
وشدد الإعلام الحكومي على تعمد جيش الاحتلال منذ بداية الحرب، استهداف الصحفيين وملاحقتهم في محاولة لطمس الحقيقة التي أصروا على نقلها رغم المخاطر التي أحاطت بهم، إذ أسفرت الغارات الإسرائيلية عن استشهاد 205 صحفيين، إصابة 400 آخرين، واعتقال 48 صحفيًا معلومة هوياتهم.
البنية التحتية السكانية والخدماتية
ووفق الإحصاءات، تعرضت 161 ألفًا و600 وحدة سكنية في قطاع غزة للهدم الكلي بفعل القصف الإسرائيلي، إلى جانب 82 ألفا أخرى أصحبت غير صالحة للسكن، و194 ألفًا تضررت بشكل جزئي بدرجات متفاوتة.
وهدم جيش الاحتلال 216 مقرًا حكوميًا بشكل كلي، وارتكب 150 جريمة استهدف فهيا عناصر شرطة وتأمين مساعدات، خلّفت 736 شهيدًا. وطالت سياسة التدمير القطاع التعليمي في غزة، حيث هدم الاحتلال كليًا 137 مدرسة وجامعة، فيما تضررت 357 مدرسة وجامعة بشكلٍ جزئي.
أما ما عدد ما قتله الاحتلال من طلبة ومعلمين وأساتذة وباحثين، فقد أحصى “الإعلام الحكومي” استشهاد 12 ألفًا و800 طالب وطالبة، و760 معلمًا وموظفًا تربويًا في سلك التعليم، و150 عالمًا وأكاديميًا وأستاذًا جامعيًا وباحثًا.