فهم الصدمة النفسية: الفروق بين الاستخدام الشائع والمفهوم المهني.. في الحياة اليومية ووسائل الإعلام، يُستخدم مصطلح "الصدمة" غالبًا بطرق لا تتناسب مع معناها الفعلي. عناوين مثل "الآلاف من المشجعين مصابين بالصدمة بعد الهزيمة" قد تبدو صحيحة للوهلة الأولى، لكنها ليست دقيقة من الناحية المهنية. الصدمة بسبب هزيمة رياضية أو لقاء تعارف غير ناجح؟ بالطبع لا.

 مثال واقعي للصدمة


لتوضيح ما هي الصدمة، تخيلوا أنه في هذه اللحظة، وأثناء قراءتكم لهذا المقال، يدخل إرهابي إلى منزلكم ويبدأ بإطلاق النار. حاولوا تخيل هذه الصورة. ما هو الشعور الذي ينتابكم؟ تسارع دقات القلب، سرعة التنفس، توتر العضلات، والرعشة قد تكون من ردود الفعل الجسدية الفورية، بينما القلق والخوف والارتباك تمثل الردود العاطفية.

إذا حدث هذا بالفعل، فمن المحتمل أن تشهدوا تغييرات في أنماط السلوك الثابتة لديكم، مثل التراجع الاجتماعي والصعوبة في اتخاذ القرارات. بعد بضعة أيام، قد تعانون من صور متكررة للحدث (فلاش باك)، صعوبة في النوم، كوابيس، عصبية وعدم تركيز. هذه هي ردود الفعل الطبيعية للضغط الشديد الذي يعقب حدثًا صادمًا.

 تأثير الصدمة على الحياة اليومية


الشخص الذي يتعرض لحدث صادم لا يمكنه مواصلة روتين حياته اليومية بسهولة. الافتراضات المقبولة التي تعزز الإحساس بالأمان تتحطم نتيجة للحدث الصادم. "أنا لست نفس الشخص الذي كنت قبل الحدث الصادم"، هذا ما يعبر عنه البعض. قطع تسلسل الحياة المعتاد يؤدي إلى الشعور بالعزلة عن الواقع وعدم القدرة على التخطيط للمستقبل.

 الصدمة في الطفولة وعبر التاريخ


مصدر كلمة "صدمة" في اليونانية يعني "الجرح المفاجئ". الصدمة النفسية تعتبر جرحًا نفسيًا شديدًا. في حين أن الضغط يعرف كحالة تتطلب التصرف لإنجاز أمر هام، يمكن تعريف الصدمة كضغط شديد وخطر فوري على حياة الإنسان أو سلامته.

تعتبر ظاهرة رد الفعل النفسي الصادم من الركائز الأساسية لعلم النفس الحديث. بالرغم من أن ردود الفعل التي وصفت سابقًا شائعة بين الأفراد، فإن الاعتراف بمتلازمة ما بعد الصدمة كاضطراب نفسي حدث فقط في سنوات السبعينات تحت ضغط الجنود الأمريكيين الذين قاتلوا في حرب فيتنام.

 الصدمة الوطنية


تعتبر الصدمة الوطنية ظاهرة فريدة من نوعها لأنها تؤثر على دوائر أوسع من الجمهور وتصل إلى وسائل الإعلام. تعرض المواطنين للصدمة الوطنية يعيد تشكيل العلاقة بين الضحية والدولة.

 

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الصدمة الصدمة النفسية

إقرأ أيضاً:

الصحة النفسية والرفاه الاجتماعي

لا يمكن فهم الرفاه الاجتماعي بعيدا عن الصحة النفسية، بوصفها أحد معززات هذا الرفاه؛ إذ تُسهم إيجابيا في تنمية قدرات الأفراد اجتماعيا واقتصاديا، وتساعدهم في إدراك المجتمع الذي يعيشون فيه وفهمه بما يمكِّنهم من التفاعل معه بشكل إيجابي، ويستطيعون بالتالي فهم أهمية دورهم في تنميته من ناحية، وتعزيز إمكانات العمل المشترك القائم على مفاهيم المواطنة الإيجابية.

إن الصحة النفسية اليوم تُعد من بين تلك المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها رفاهية المجتمعات، فلن يصل المجتمع إلى تحقيق أهدافه ما لم يكن أفراده أصحاء ليس بدنيا وحسب بل أيضا نفسيا وعاطفيا وذهنيا. إنها المعادلة الرئيسة التي تتخذ أبعادا اجتماعية واقتصادية ذات أهمية قصوى، خاصة في ظل المتغيرات الحالية التي تمثِّل مشتتات ذهنية ونفسية تقود المجتمعات إلى طرق مظلمة ما لم تكن واعية ذهنيا ونفسيا، ومدركة للمخاطر التي باتت تشكِّل تحديات على مستوى التنمية.

ولهذا فإن خبراء الطب النفسي يوصون بأهمية تعويد الأطفال والناشئة بشكل خاص على (التكيُّف)، وتدريبهم (على التعامل مع تحديات الحياة اليومية بشكل فاعل)؛ بحيث ينشأون في بيئة صحية تؤهلهم على المرونة والمواءمة والتصالح والتسامح، وغيرها من القيم التي تؤصِّل إمكاناتهم وقدراتهم على التكيُّف ومعالجة المشكلات بأسلوب أكثر إيجابية، وتعوِّدهم على السلوكيات التي تنم عن أخلاق مجتمعهم وقيمه السمحة.

ولعل هذا التكيُّف يتطلَّب القدرة على الممارسة المُثلى للعديد من العادات التي تقتضي تحقيق تلك الأهداف، ومن بين تلك الممارسات يأتي (التأمُّل)، باعتباره أحد أبرز أدوات العناية الذاتية، التي تعزِّز الصحة النفسية؛ فهو من الممارسات العامة المعروفة على مستوى المجتمعات، والتي دعت إليها الأمم عبر الحضارات، بل حضَّت عليه الأديان، ومن بينها الدين الإسلامي الذي يأمرنا بالتأمل في خلق الله والتفكُّر في ملكوته، عبر إعمال العقل وإطلاقه بحكمة وعمق.

إن التأمل باعتباره أداة مهمة يقتضي التفكُّر وتركيز الانتباه بقدرة الله سبحانه في خلقه، وبكل ما حولنا، وبما حبانا الله إياه من نِعم تقتضي الشكر، فإنه أيضا قوة داخلية وشعور بالرضا والسلام والمحبة؛ لما له من أهمية - بحسب العديد من الأدبيات - في (خفض التوتر، وتحسين التركيز والتوازن العاطفي وتخفيف القلق والاكتئاب وتحسين جودة النوم). إنه أداة تدعم تحسين الصحة البدنية عموما.

ولذلك فإن العالم يحتفل في الواحد والعشرين من ديسمبر من كل عام بـ (اليوم العالمي للتَّأمُل)، الذي يهدف - حسب اليونسكو - إلى (زيادة الوعي بالتأمل وفوائده، واستذكار حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية)، الأمر الذي يدفع العالم إلى تعزيز تلك الأهمية ودعم أفراده إلى العناية بفكرة التأمل نفسها؛ كونها قائمة على إعمال الفكر والتعَّمق في الذات وما حولنا من متغيرات بل وما يحصل في العالم من تحديات تستوجب إعمال العقل والتفكُّر؛ فكل ما حول الإنسان من نِعم وما يمُّر فيه من محن إنما تحتاج منه التأمُّل والوقوف الحكيم، لا التسرُّع والاندفاع وجلد الذات، بما قد لا يضر بالنفس وحسب بل أيضا يصيبها بالكثير من الأمراض النفسية، التي تجعله مكبلا، غير قادر على المضي في حياته، وعاجز عن إسعاد نفسه وأهله، بل قد يصل إلى إيذاء نفسه وإيذاء من حوله.

أما التأمُّل باعتباره ممارسة فإنه يمثِّل القدرة على التصالح مع الذات وفهمها وفق محددات اجتماعية تعزِّز الصحة النفسية، وتدعم تحقيق الرفاه؛ فكلما تمتع أفراد المجتمع بالصحة النفسية، كانت قدرتهم على العمل والعطاء والإقبال على الحياة أكبر، ولهذا فإن التأمُّل والوعي به يقوم على توجهات المجتمع في العناية بالصحة النفسية، وبناء عالم أكثر مرونة وإيجابية وخدمة للسلام والمحبة.

ولأن الرياضات عموما بأنواعها وأشكالها تقدِّم ضمن مجموعة من الأدوات التي تساعد أفراد المجتمع على التغلُّب على الكثير من الإرهاصات النفسية والجسدية التي تحدث في كثير من الأحيان دونما قصد، سواء خلال العمل و التعامل مع الناس أو حتى من ضغوطات الحياة عموما، فإن الرياضات الروحية المختصَّة بالجانب النفسي تقدِّم نفسها باعتبارها خيارا مناسبا للتعمُّق وإعمال الفكر والشعور بالهدوء والسكينة.

إن الصحة النفسية اليوم تغدو أكثر أهمية بالعناية والرعاية من قِبل المجتمعات، لما تمثِّله من مركزية في علاقتها بالتنمية وتحقيق الرفاه المجتمعي، وهي لا تتعلَّق بالتغذية الصحية وممارسة الرياضة عموما، بل أيضا بما ينتجه ذلك من أفكار ومشاعر وسلوك، قد يظهر ضمن تلك العلاقات المتشابكة خاصة في ظل التطورات التقنية التي تجعل الناشئة والشباب بشكل خاص، ينساقون وراء العديد من المغريات والتحديات في عالم افتراضي واسع لا يمكن ضبطه، سوى بإمكاناتهم على تأمُّل كل ما يتابعونه، أو يشاهدونه ويسمعونه، أو يقرأونه، ويتفكَّرون فيه وفق ضوابط قيم المجتمع ومحدداته.

إضافة إلى ذلك فإن حاجة المجتمعات اليوم إلى المرونة والتفاؤل كبيرة؛ فهذه المرونة تمكِّنهم من تخطي العديد من التحديات وتدفعهم إلى حل مشكلاتهم وتحدياتهم وفق رؤية أكثر إيجابية، ولهذا فإن تحقيق الصحة النفسية القائمة على التأمُّل والتفكُّر والعلاقات الإيجابية من خلال الأقران وتحفيز الصحة البدنية، والوعي بقيمة الصحة وعلاقتها بالرفاه الاجتماعي والصحة العاطفية، سيجعل أفراد المجتمعات أكثر قدرة على تخطي الضغوطات وفق مرونة نابعة من تلك العلاقة التي تأسسَّت على السلام الداخلي.

ولهذا فإن عُمان اعتنت عناية فائقة بالصحة النفسية، وبالوعي المجتمعي بأهميتها وقدرتها وإمكاناتها؛ وقد تزايد اليوم هذا الوعي الذي يظهر ليس من خلال الزيارات لمراكز الطب النفسي وحسب، بل أيضا بعناية المؤسسات الحكومية والخاصة والمدنية بالصحة النفسية لموظفيها وتهيئة البيئة الصحية المناسبة لهم، إضافة إلى عناية المؤسسات التعليمية والأكاديمية بهذا القطاع الصحي، التي تقدِّم برامج متخصصة للأطفال والناشئة والشباب، تهدف إلى التوعية وتقديم الدعم النفسي المناسب للطلاب في كافة مراحلهم التعليمية.

إن هذا الوعي المؤسسي ينعكس بدوره على الأفراد من خلال عنايتهم بأنماط الحياة الصحية المختلفة، سواء عن طريق ممارسة الرياضات البدنية أو الروحية، أو الالتزام بالتغذية الصحية، أو حتى عن طريق اختيار البيئة الصحية والأصحاب الإيجابين، وغير ذلك من الممارسات التي تنم عن وعي بأهمية الصحة النفسية وعلاقتها بالتطوير الذاتي النابع من محبة الذات والإيمان بقدراتها وبالتالي تحقيق الرفاه الاجتماعي من ناحية، والتنمية والمواطنة الإيجابية النابعة من عطائه ومشاركته الفاعلة في بناء مجتمعه ووطنه من ناحية أخرى.

ولذلك فإن العناية بالصحة النفسية عموما وبفكرة التأمُّل في حياتنا وما حولنا بشكل خاص، تتطلَّب منا الإيمان بأهميتها وقدرتها على تغيير أنماط ممارساتنا اليومية، للشعور بالسلام الداخلي وحُب الحياة والإقبال على العمل وفتح آفاق جديدة رحبة تتسِّع للجميع، فالحياة جميلة إذا نظرنا بعين الرضا والمحبة وتقبُّل أنفسنا والآخر بتسامح وتفاهم ينم عن أخلاقنا وقيمنا المجتمعية الأصيلة.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

مقالات مشابهة

  • بعد الترويج له.. ارتفاع سعر مرهم الحروق وتحذير من الاستخدام الخاطئ له
  • إلغاء الامتحان المهني.. 4 متطلبات جديدة تهم كل معلم في تركيا
  • للمدرسين.. 5 معلومات عن دبلومة التأهيل المهني في التعليم والتثقيف بالفن
  • الصحة النفسية والرفاه الاجتماعي
  • 4 أبراج «لازم تبعد عنهم وقت الغضب».. ردود أفعالهم غير متوقعة
  • الجريمة
  • وثيقة.. صدور عقوبة ضد المحامية زينب جواد لمخالفتها قواعد السلوك المهني
  • احذر.. الحبس سنة عقوبة التلويح بالعنف طبقا للقانون
  • برج الحمل.. حظك اليوم الجمعة 20 ديسمبر 2024 : تغيير مسارك المهني
  • نادي الأسير الفلسطيني والهيئة ينشران ردودًا تلقانها من معتقلي غزة