الثورة نت:
2024-09-07@04:08:29 GMT

اليمن العظيم: من دولة هامشية إلى لاعب رئيسي

تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT

حيان نيوف*

في خطابه حول السياسة الخارجية بعد دخوله البيت الأبيض قال الرئيس الأميركي “جو بايدن” في الثاني من شباط/فبراير 2021 “إن هناك كارثة استراتيجية، وأعطيت توجيهات بإنهاء دور أميركا في العمليات الهجومية في اليمن، إضافة إلى صفقات الأسلحة المرتبطة بذلك. إن الحرب في اليمن يجب أن تتوقّف، ووجّهت بفرض هدنة”.

شكّل خطاب بايدن صدمة كبرى يمكن وصفها بالزلزال السياسي الذي أصاب عواصم الدول التي شاركت في العدوان على اليمن، وعلى رأسها السعودية.

ولم تمضِ أشهر قليلة على خطاب بايدن حتى قامت الولايات المتحدة بسحب أحدث منظوماتها الدفاعية بما فيها بطاريات الباتريوت ومنظومة ثاد للدفاع الجوي، بالإضافة إلى آلاف الجنود من الأراضي السعودية بحجة تنفيذ استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي والتي تتضمّن مواجهة الصين وروسيا.

بالتأكيد إن القرار الأميركي لم يكن عبثياً، فقد كان واضحاً من التعبير الذي استخدمه بايدن عند وصفه للحرب على اليمن بالكارثة الاستراتيجية، بأن هذا التعبير يخفي خلفه خطراً داهماً يتهدّد الهيمنة الأميركية على العالم، وأن الفخّ اليمني يمثّل على الأقل جزءاً لا يتجزأ من هذا الخطر.

لا شكّ إن إدارة الرئيس الأميركي بايدن، كانت قد أعادت صياغة الاستراتيجية الأميركية حول العالم لتكون أكثر فاعليةً بمواجهة الصين وروسيا، في كل من أوروبا وجنوب شرق آسيا وما بينهما في الشرق الأوسط، وهذه المناطق الجيوسياسية والاستراتيجية تعتقد واشنطن بأنها تعرّضت للاختراق بشكل متزامن في عهد إدارة الرئيس السابق “دونالد ترامب”، حيث تمدّدت روسيا بشكل متسارع في أوروبا وتوجّت نفوذها فيها بمشروع نورد ستريم 2 الذي جرى إخراجه عن الخدمة لاحقاً بعملية تخريبية بيّنت التحقيقات الروسية وقوف أجهزة المخابرات الغربية خلفها، وكذلك فعلت الصين الأمر ذاته بما يخصّ جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ عبر اتفاقيات التجارة المشتركة والتسلل إلى جزر المحيط الهادئ، وأما الشرق الأوسط فقد دخلته روسيا من البوابة السورية، والصين طرقت أبوابه عبر مشروع الحزام والطريق، ولاحقاً عبر التشبيك مع السعودية وإيران ودول أخرى في المنطقة..

كلّ ذلك دفع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” للقول حينها بأن الولايات المتحدة تسير بخطى ثابتة على طريق الاتحاد السوفياتي، عبارةٌ وصل صداها إلى البيت الأبيض الذي قال تعقيباً “إن علينا إطفاء الكثير من الحرائق التي أشعلها ترامب”.

لقد تسبّبت “الحماقة الترامبية” التي شجّعت السعودية على غزو اليمن، بتحوّل هذا البلد إلى لاعب مهمّ ومؤثّر في الصراع العالمي من غير مبالغة، كيف لا وهو يمتلك هذا الموقع الجيوسياسي الذي يؤهّله للتحكّم بأهمّ المضائق البحرية في العالم التي تمرّ عبرها سلاسل التوريد ما بين الشرق والغرب، ويمتلك المقوّمات العسكرية والتحالفية التي تحول دون إلحاق الهزيمة به.

فكان انقلاب بايدن الاستراتيجي بهدف لملمة الشظايا الترامبية التي أصابت هيكل الهيمنة الأميركية في العالم، وكان واضحاً أنّ إدارة بايدن تسعى لبناء حزام دفاعي يمتد من البلطيق شمالاً إلى البحر الأسود والبحر المتوسط، ومن ثم إلى البحر الأحمر ومنه إلى المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي.

وإذا كانت الإدارة الأميركية ومن أجل تحقيق هذه الغاية قد لجأت إلى التفجير في شرق أوروبا من خلال الحرب بالوكالة التي تشنها في أوكرانيا ضد روسيا، وإلى إعادة التوتر لمنطقة بحر الصين الجنوبي سواء عبر دعمها لانفصال تايوان عن الصين أو سعيها لإنشاء ناتو آسيوي في المنطقة، فإنها كانت مرغمة على التهدئة في الشرق الأوسط وخاصة في اليمن بما يمثّله، وذلك لاستحالة السيطرة على كلّ الجبهات ووقف تمدّد نفوذ خصومها، وضمان سلاسل توريد الطاقة وسلاسل التجارة العالمية خاصة في ظل المواجهة في شرق أوروبا وجنوب شرق آسيا، ولا سيما أن واشنطن كانت تدرك جيداً بأن محور المقاومة بات يسيطر على كامل الممرات والمعابر البرية والبحرية العالمية التي تمرّ عبر الشرق الأوسط سواء بشكل مباشر أو باعتبارها تحت نفوذ مكوّناته التي تغطيها أمنياً وعسكرياً..

انطلاقاً من كلّ ذلك يمكننا القول إنّ اليمن تحوّل إلى واحدة من أهم المنصات الجيوسياسية في الصراع العالمي نحو عالم جديد متعدد الأقطاب، وظهر ذلك جليّاً منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى حيث شكّل المعادل العسكري اليمني أحد أهم العوامل المؤثّرة في هذه المعركة، وما أنجزه هذا المعادل لا يمكن لجبهة أخرى أن تنجزه، ليس لأنها لا تمتلك القدرات العسكرية التي تمتلكها صنعاء، بل ربما هناك مكوّنات في محور المقاومة تعادل قدراتها ما لدى صنعاء أو ربما تفوقها كمّاً ونوعاً.

لكن اليمن هو الأكثر ملائمة وقدرة على تحريك الجغرافيا وتطويعها في مواجهة المعادل الأميركي الذي سارع لتولّي قيادة العدوان على غزة بنفسه خاصة في الأشهر الأولى، وحتى في السياسة فقد كان للمعادل العسكري اليمني تأثيره على مواقف العديد من دول التطبيع العربية التي اضطرت لاتخاذ مواقف حذرة وحيادية من العدوان على غزة.

يمكن لنا الحديث عن العديد من المقوّمات التي يمتلكها اليمن والتي جعلت منه لاعباً مهماً واستثنائياً ومؤثّراً في الصراع العالمي:

أولاً: الموقع الجغرافي الذي يتمتع به اليمن والذي جعله يتحكّم بأهم منفذ بحري عالمي “باب المندب” الذي يربط بين البحر الأحمر وبحر العرب وصولاً إلى المحيط الهندي، وهو ما يعني السيطرة والتحكّم بطرق التجارة العالمية وممرات الطاقة البحرية وحتى كوابل الإنترنت والاتصالات بين الشرق والغرب، ولقد استثمر اليمن ذلك في حصاره الذي فرضه على الكيان الإسرائيلي رداً على حصار غزة وحرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الإسرائيلي على أهلها.

ثانياً: أمن الطاقة؛ حيث تقع منصات إنتاج الطاقة الأحفورية النفطية والغازية الأكبر في العالم الموجودة في دول الخليج تحت نفوذ ومرمى صواريخ اليمن ومسيّراته، ولقد استخدم اليمن هذه الورقة في مواجهة الحرب العدوانية التي شنّها التحالف الأميركي السعودي على اليمن، وجرى قصف منشآت النفط التابعة لشركة أرامكو أكثر من مرة حيث تأثّرت الإمدادات العالمية وأسعار الطاقة كنتيجة لذلك في حينها.

ثالثاً: القدرات العسكرية المتطورة ؛ حيث شهدت السنوات والأشهر الأخيرة نقلة نوعية في التكنولوجيا العسكرية اليمنية شملت سلاح الطيران المسيّر والصواريخ البالستية والمجنّحة والدقيقة، وكذلك الزوارق البحرية المسيّرة الحديثة، وتحديثاً نوعياً لمنظومات الدفاع الجوي التي تمكّنت من إسقاط تسع طائرات MQ9 الأميركية المتطورة، وكان آخر ما كشف عنه اليمن من الأسلحة المتطورة والحديثة الصواريخ الفرط صوتية ليصبح بذلك واحداً من خمس دول في العالم تنجح في امتلاك تلك التقنية، وأيضاً الطائرة المسيّرة المتطورة “يافا” التي استهدف بها “تل أبيب” من دون أن تتمكّن الدفاعات الجوية الإسرائيلية من اكتشافها واعتراضها.

رابعاً: التموضع الجيوسياسي، فقد اختار اليمن وانسجاماً مع المكانة التاريخية والانتماء العروبي والنهج التحرّري الذي يمثّله أن يكون واحداً من مكوّنات محور المقاومة بكلّ ما يمثّله من مقاومة للاستكبار العالمي والهيمنة الأميركية والغربية والإسرائيلية في المنطقة، وحقّق اليمن مع محور المقاومة انتصارات واسعة على الصعيد الإقليمي في وجه الولايات المتحدة وحلفائها، ونقلوا الصراع إلى مستويات مختلفة وفرضوا معادلات وقواعد اشتباك جديدة على امتداد جغرافيا الإقليم، بل وأبعد من الإقليم، وثبّتوا معادلة وحدة الساحات في إطار مواجهة الحلف الصهيو ـــــ أميركي..

خامساً: المقوّم الداخلي، وهو الأهم من بين المقوّمات التي يمتلكها اليمن والمتمثّل بالتأييد الشعبي الهائل والواسع للقيادة اليمنية الحكيمة وقراراتها، ولعلّ الساحات اليمنية تفرّدت عن بقية الساحات في العالمين العربي والإسلامي بمحافظتها على الزخم الشعبي الذي ملأ الميادين تأييداً لغزة ولقرارات القيادة اليمنية المناصرة لقضية فلسطين..

لقد قدّم اليمنيون نموذجاً يحتذى به على الصعيد العربي وعلى صعيد العالم الإسلامي ودول الجنوب العالمي، وتحوّل اليمن إلى الرقم الصعب في الصراع العالمي نحو عالم متعدد الأقطاب، وساهم بإعادة رسم خرائط التحالفات الجيوسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأكد بأن الولايات المتحدة ليست قدراً محتوماً، وهو ما ساهم وسيسهم في تشجيع العديد من دول وشعوب العالم للاقتداء به والانتفاض بوجه الغطرسة والهيمنة الأميركية.

*كاتب ومحلل سياسي سوري

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: فی الصراع العالمی الولایات المتحدة محور المقاومة الشرق الأوسط فی العالم المقو م

إقرأ أيضاً:

الحمادي: مسيرة ملهمة للإمارات في قطاع الطاقة النووية تعزز دورها الريادي العالمي نحو الحياد المناخي

 أكَّد سعادة محمد إبراهيم الحمادي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمؤسَّسة الإمارات للطاقة النووية، أنه منذ بدء العمليات الإنشائية في أولى محطات براكة للطاقة النووية السلمية في عام 2012، وحتى التشغيل التجاري للمحطة الرابعة ضمن محطات براكة في العام الجاري (2024)، سطَّر البرنامج النووي السلمي الإماراتي قصة نجاح ملهمة، وأضاف الكثير للجهود العالمية المبذولة لضمان أمن الطاقة، والمُضي قُدُماً نحو تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.

وقال الحمادي إنه بهذا الإنجاز بدأت محطات براكة في إنتاج 40 تيراواط من الكهرباء النظيفة سنوياً، ما يوفِّر 25% من احتياجات دولة الإمارات من الكهرباء للـ60 عاماً المقبلة على الأقل، وهو ما يُسهم في ضمان أمن الطاقة، ويوفِّر الأساس للتوسُّع في مشاريع الطاقة المتجددة، إلى جانب تجنُّب إطلاق 22.4 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً، وهو ما يعادل 24% من التزامات دولة الإمارات بخفض البصمة الكربونية بحلول عام 2030.

وأضاف أن البرنامج النووي السلمي الإماراتي، وخلال فترة قياسية، أصبح نموذجاً يُحتذى به حول العالم مع الالتزام باللوائح المحلية وبأعلى المعايير العالمية، وهو ما يُعَدُّ مصدر فخر لدولة الإمارات، التي تمكَّنت بفضل توجيهات القيادة الرشيدة ونهجها المدروس، منذ إصدار وثيقة سياستها للطاقة النووية السلمية في عام 2008، من تولّي دور محوري ضمن الجهود العالمية الرامية لمواجهة ظاهرة التغيُّر المناخي، حيث أضافت الدولة في الفترة ما بين عامي 2018 و2023 نصيب الفرد من الكهرباء النظيفة أكثر من أيِّ دولة أخرى على مستوى العالم، بدعم من ثلاث محطات فقط في براكة، والتي أسهمت بـ75% من هذه الكهرباء النظيفة.

وقال إنه اعتماداً على الإنجاز الجديد المتمثّل في التشغيل التجاري للمحطة الرابعة في براكة، ستواصل الدولة تعزيز مكانتها الريادية في المسيرة العالمية للانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، وهو ما يسلِّط الضوء على أهمية الطاقة النووية للدولة، حيث تسهم الكهرباء الخالية من الانبعاثات الكربونية التي تنتجها محطات براكة في تعزيز مكانة الدولة وجهة مفضَّلة للصناعات المتقدِّمة والشركات الرائدة عالمياً التي تبحث عن إمدادات كبيرة من الكهرباء النظيفة.

وأكَّد الحمادي أنَّ مؤسَّسة الإمارات للطاقة النووية تواصل الالتزام بتوجيهات القيادة الرشيدة، والبناء على الإنجازات التي تحقَّقت في قطاع الطاقة النووية والخبرات والإمكانات الكبيرة التي تمتلكها المؤسَّسة، من أجل تحقيق أهداف البرنامج النووي السلمي الإماراتي، من خلال استكشاف فرص تطوير تقنيات الطاقة النووية المتقدِّمة والاستثمار فيها محلياً ودولياً، في ظل ترجيح وكالة الطاقة الدولية بنمو الطاقة النووية عالمياً بأكثر من 3% بحلول عام 2025.

وتسهم الخبرات الكبيرة التي امتلكتها مؤسَّسة الإمارات للطاقة النووية وسجّلها الخاص بالإنجاز في دعم القطاع النووي العالمي، ومضاعفة القدرة الإنتاجية العالمية للطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050، والتزام دولة الإمارات،إلى جانب 24 دولة أخرى، خلال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (COP28) الذي استضافته الدولة في عام 2023.وام


مقالات مشابهة

  • الرشق: المتضامنة الأميركية قُتلت بذات الرصاص الذي يقتل به شعبنا
  • الأمم المتحدة تعتمد قراراً بشأن مؤتمر المياه 2026 الذي تستضيفه الإمارات بالشراكة مع السنغال
  • الحمادي: مسيرة ملهمة للإمارات في قطاع الطاقة النووية تعزز دورها الريادي العالمي نحو الحياد المناخي
  • الفيضانات دمرت حقولا زراعية بسهل تهامة الذي يعتبر سلة غذاء اليمن
  • الإمارات.. "دوكاب للمعادن" تضاعف طاقتها الإنتاجية 100% لتلبية الطلب العالمي
  • “دوكاب للمعادن” تعلن مضاعفة طاقتها الإنتاجية 100% لتلبية الطلب العالمي المتنامي
  • مَن الذي هندس قارَّاتِ العالم؟
  • نقابة الصَّحفيين السُّودانيين تنعي المصور التلفزيوني حاتم مأمون الذي مات متأثراً بإصابته في حادث المسيرة التي استهدفت منطقة “جبيت” العسكرية
  • ندوة علمية بمحافظة مارب تناقش تحسين مخرجات التعليم العام في اليمن والتحديات التي تواجهه.
  • الإمارات تدين الهجوم الإرهابي الذي وقع في كابول