الثورة نت:
2025-01-22@10:05:38 GMT

اليمن العظيم: من دولة هامشية إلى لاعب رئيسي

تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT

حيان نيوف*

في خطابه حول السياسة الخارجية بعد دخوله البيت الأبيض قال الرئيس الأميركي “جو بايدن” في الثاني من شباط/فبراير 2021 “إن هناك كارثة استراتيجية، وأعطيت توجيهات بإنهاء دور أميركا في العمليات الهجومية في اليمن، إضافة إلى صفقات الأسلحة المرتبطة بذلك. إن الحرب في اليمن يجب أن تتوقّف، ووجّهت بفرض هدنة”.

شكّل خطاب بايدن صدمة كبرى يمكن وصفها بالزلزال السياسي الذي أصاب عواصم الدول التي شاركت في العدوان على اليمن، وعلى رأسها السعودية.

ولم تمضِ أشهر قليلة على خطاب بايدن حتى قامت الولايات المتحدة بسحب أحدث منظوماتها الدفاعية بما فيها بطاريات الباتريوت ومنظومة ثاد للدفاع الجوي، بالإضافة إلى آلاف الجنود من الأراضي السعودية بحجة تنفيذ استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي والتي تتضمّن مواجهة الصين وروسيا.

بالتأكيد إن القرار الأميركي لم يكن عبثياً، فقد كان واضحاً من التعبير الذي استخدمه بايدن عند وصفه للحرب على اليمن بالكارثة الاستراتيجية، بأن هذا التعبير يخفي خلفه خطراً داهماً يتهدّد الهيمنة الأميركية على العالم، وأن الفخّ اليمني يمثّل على الأقل جزءاً لا يتجزأ من هذا الخطر.

لا شكّ إن إدارة الرئيس الأميركي بايدن، كانت قد أعادت صياغة الاستراتيجية الأميركية حول العالم لتكون أكثر فاعليةً بمواجهة الصين وروسيا، في كل من أوروبا وجنوب شرق آسيا وما بينهما في الشرق الأوسط، وهذه المناطق الجيوسياسية والاستراتيجية تعتقد واشنطن بأنها تعرّضت للاختراق بشكل متزامن في عهد إدارة الرئيس السابق “دونالد ترامب”، حيث تمدّدت روسيا بشكل متسارع في أوروبا وتوجّت نفوذها فيها بمشروع نورد ستريم 2 الذي جرى إخراجه عن الخدمة لاحقاً بعملية تخريبية بيّنت التحقيقات الروسية وقوف أجهزة المخابرات الغربية خلفها، وكذلك فعلت الصين الأمر ذاته بما يخصّ جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ عبر اتفاقيات التجارة المشتركة والتسلل إلى جزر المحيط الهادئ، وأما الشرق الأوسط فقد دخلته روسيا من البوابة السورية، والصين طرقت أبوابه عبر مشروع الحزام والطريق، ولاحقاً عبر التشبيك مع السعودية وإيران ودول أخرى في المنطقة..

كلّ ذلك دفع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” للقول حينها بأن الولايات المتحدة تسير بخطى ثابتة على طريق الاتحاد السوفياتي، عبارةٌ وصل صداها إلى البيت الأبيض الذي قال تعقيباً “إن علينا إطفاء الكثير من الحرائق التي أشعلها ترامب”.

لقد تسبّبت “الحماقة الترامبية” التي شجّعت السعودية على غزو اليمن، بتحوّل هذا البلد إلى لاعب مهمّ ومؤثّر في الصراع العالمي من غير مبالغة، كيف لا وهو يمتلك هذا الموقع الجيوسياسي الذي يؤهّله للتحكّم بأهمّ المضائق البحرية في العالم التي تمرّ عبرها سلاسل التوريد ما بين الشرق والغرب، ويمتلك المقوّمات العسكرية والتحالفية التي تحول دون إلحاق الهزيمة به.

فكان انقلاب بايدن الاستراتيجي بهدف لملمة الشظايا الترامبية التي أصابت هيكل الهيمنة الأميركية في العالم، وكان واضحاً أنّ إدارة بايدن تسعى لبناء حزام دفاعي يمتد من البلطيق شمالاً إلى البحر الأسود والبحر المتوسط، ومن ثم إلى البحر الأحمر ومنه إلى المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي.

وإذا كانت الإدارة الأميركية ومن أجل تحقيق هذه الغاية قد لجأت إلى التفجير في شرق أوروبا من خلال الحرب بالوكالة التي تشنها في أوكرانيا ضد روسيا، وإلى إعادة التوتر لمنطقة بحر الصين الجنوبي سواء عبر دعمها لانفصال تايوان عن الصين أو سعيها لإنشاء ناتو آسيوي في المنطقة، فإنها كانت مرغمة على التهدئة في الشرق الأوسط وخاصة في اليمن بما يمثّله، وذلك لاستحالة السيطرة على كلّ الجبهات ووقف تمدّد نفوذ خصومها، وضمان سلاسل توريد الطاقة وسلاسل التجارة العالمية خاصة في ظل المواجهة في شرق أوروبا وجنوب شرق آسيا، ولا سيما أن واشنطن كانت تدرك جيداً بأن محور المقاومة بات يسيطر على كامل الممرات والمعابر البرية والبحرية العالمية التي تمرّ عبر الشرق الأوسط سواء بشكل مباشر أو باعتبارها تحت نفوذ مكوّناته التي تغطيها أمنياً وعسكرياً..

انطلاقاً من كلّ ذلك يمكننا القول إنّ اليمن تحوّل إلى واحدة من أهم المنصات الجيوسياسية في الصراع العالمي نحو عالم جديد متعدد الأقطاب، وظهر ذلك جليّاً منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى حيث شكّل المعادل العسكري اليمني أحد أهم العوامل المؤثّرة في هذه المعركة، وما أنجزه هذا المعادل لا يمكن لجبهة أخرى أن تنجزه، ليس لأنها لا تمتلك القدرات العسكرية التي تمتلكها صنعاء، بل ربما هناك مكوّنات في محور المقاومة تعادل قدراتها ما لدى صنعاء أو ربما تفوقها كمّاً ونوعاً.

لكن اليمن هو الأكثر ملائمة وقدرة على تحريك الجغرافيا وتطويعها في مواجهة المعادل الأميركي الذي سارع لتولّي قيادة العدوان على غزة بنفسه خاصة في الأشهر الأولى، وحتى في السياسة فقد كان للمعادل العسكري اليمني تأثيره على مواقف العديد من دول التطبيع العربية التي اضطرت لاتخاذ مواقف حذرة وحيادية من العدوان على غزة.

يمكن لنا الحديث عن العديد من المقوّمات التي يمتلكها اليمن والتي جعلت منه لاعباً مهماً واستثنائياً ومؤثّراً في الصراع العالمي:

أولاً: الموقع الجغرافي الذي يتمتع به اليمن والذي جعله يتحكّم بأهم منفذ بحري عالمي “باب المندب” الذي يربط بين البحر الأحمر وبحر العرب وصولاً إلى المحيط الهندي، وهو ما يعني السيطرة والتحكّم بطرق التجارة العالمية وممرات الطاقة البحرية وحتى كوابل الإنترنت والاتصالات بين الشرق والغرب، ولقد استثمر اليمن ذلك في حصاره الذي فرضه على الكيان الإسرائيلي رداً على حصار غزة وحرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الإسرائيلي على أهلها.

ثانياً: أمن الطاقة؛ حيث تقع منصات إنتاج الطاقة الأحفورية النفطية والغازية الأكبر في العالم الموجودة في دول الخليج تحت نفوذ ومرمى صواريخ اليمن ومسيّراته، ولقد استخدم اليمن هذه الورقة في مواجهة الحرب العدوانية التي شنّها التحالف الأميركي السعودي على اليمن، وجرى قصف منشآت النفط التابعة لشركة أرامكو أكثر من مرة حيث تأثّرت الإمدادات العالمية وأسعار الطاقة كنتيجة لذلك في حينها.

ثالثاً: القدرات العسكرية المتطورة ؛ حيث شهدت السنوات والأشهر الأخيرة نقلة نوعية في التكنولوجيا العسكرية اليمنية شملت سلاح الطيران المسيّر والصواريخ البالستية والمجنّحة والدقيقة، وكذلك الزوارق البحرية المسيّرة الحديثة، وتحديثاً نوعياً لمنظومات الدفاع الجوي التي تمكّنت من إسقاط تسع طائرات MQ9 الأميركية المتطورة، وكان آخر ما كشف عنه اليمن من الأسلحة المتطورة والحديثة الصواريخ الفرط صوتية ليصبح بذلك واحداً من خمس دول في العالم تنجح في امتلاك تلك التقنية، وأيضاً الطائرة المسيّرة المتطورة “يافا” التي استهدف بها “تل أبيب” من دون أن تتمكّن الدفاعات الجوية الإسرائيلية من اكتشافها واعتراضها.

رابعاً: التموضع الجيوسياسي، فقد اختار اليمن وانسجاماً مع المكانة التاريخية والانتماء العروبي والنهج التحرّري الذي يمثّله أن يكون واحداً من مكوّنات محور المقاومة بكلّ ما يمثّله من مقاومة للاستكبار العالمي والهيمنة الأميركية والغربية والإسرائيلية في المنطقة، وحقّق اليمن مع محور المقاومة انتصارات واسعة على الصعيد الإقليمي في وجه الولايات المتحدة وحلفائها، ونقلوا الصراع إلى مستويات مختلفة وفرضوا معادلات وقواعد اشتباك جديدة على امتداد جغرافيا الإقليم، بل وأبعد من الإقليم، وثبّتوا معادلة وحدة الساحات في إطار مواجهة الحلف الصهيو ـــــ أميركي..

خامساً: المقوّم الداخلي، وهو الأهم من بين المقوّمات التي يمتلكها اليمن والمتمثّل بالتأييد الشعبي الهائل والواسع للقيادة اليمنية الحكيمة وقراراتها، ولعلّ الساحات اليمنية تفرّدت عن بقية الساحات في العالمين العربي والإسلامي بمحافظتها على الزخم الشعبي الذي ملأ الميادين تأييداً لغزة ولقرارات القيادة اليمنية المناصرة لقضية فلسطين..

لقد قدّم اليمنيون نموذجاً يحتذى به على الصعيد العربي وعلى صعيد العالم الإسلامي ودول الجنوب العالمي، وتحوّل اليمن إلى الرقم الصعب في الصراع العالمي نحو عالم متعدد الأقطاب، وساهم بإعادة رسم خرائط التحالفات الجيوسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأكد بأن الولايات المتحدة ليست قدراً محتوماً، وهو ما ساهم وسيسهم في تشجيع العديد من دول وشعوب العالم للاقتداء به والانتفاض بوجه الغطرسة والهيمنة الأميركية.

*كاتب ومحلل سياسي سوري

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: فی الصراع العالمی الولایات المتحدة محور المقاومة الشرق الأوسط فی العالم المقو م

إقرأ أيضاً:

واشنطن بوست: العفو الذي أصدره بايدن وترامب تقويض لسيادة القانون

فالت صحيفة واشنطن بوست إن الرئيسين، السابق جو بايدن والحالي دونالد ترامب وضعا في يوم واحد سوابق خطيرة، وأساءا استخدام سلطات العفو بما يؤدي إلى تقويض سيادة القانون واستمرار الانقسام في أميركا، ففتح الأول الباب أمام الرؤساء مستقبلا لتحصين أسرهم وموظفيهم من الملاحقة النظرية، وشجع الأخير المليشيات وغيرها على ارتكاب أعمال وحشية مستقبلية لدعم الأهداف السياسية.

وناقشت الصحيفة -في تقريرين منفصلين- موضوع العفو الرئاسي، واعتبرت أن ما قام به بايدن ليس عفوا بمعنى الكلمة لأنه لا يبرئ أصحابه من جرائم محددة، ولكنه منح للحصانة، كما أن عفو ترامب عن أكثر أعضاء الغوغاء عنفا لا يمكن الدفاع عنه على أسس أخرى غير الحقد السياسي والانتقام.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2غارديان: اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة معلق بخيط رفيعlist 2 of 2يديعوت أحرونوت: 3 قضايا غير قابلة للتفاوض بالنسبة لإسرائيلend of list إهانة للعدالة

غير أن الصحيفة رأت في عفو ​​بايدن خصوصا نوعا مختلفا من إهانة العدالة ومؤلما، لأن صاحبه خاض حملته الانتخابية كمدافع عن المعايير الديمقراطية، لينهى فترة وجوده في البيت الأبيض بتحطيم معيار مهم من معاييرها، مخلفا وعده بعدم العفو عن ابنه هانتر الذي أدين بارتكاب جرائم ضريبية وجرائم أسلحة خطيرة.

وأصدر بايدن أيضا عفوا استباقيا عن شقيقه جيمس بايدن وزوجته سارة وشقيقه فرانك بايدن وشقيقته فاليري بايدن أوينز وزوجها جون أوينز عن أي جرائم فدرالية غير عنيفة قد يكونون ارتكبوها منذ عام 2014، وقال إنه شعر بأنه ملزم بالتصرف لأنه يخشى استمرار الهجمات على عائلته، ولكنه بهذا العفو أعطى مصداقية لاتهامات الجمهوريين لعائلته بأنها استفادت من خدمته الحكومية منذ فترة عمله كنائب للرئيس.

إعلان

كما أصدر بايدن عفوا استباقيا عن الجنرال المتقاعد مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق، وأنتوني فاوتشي، مستشاره الطبي الرئيسي السابق، وأعضاء لجنة مجلس النواب التي حققت في أحداث 6 يناير/كانون الأول وكذلك ضباط الشرطة الذين شهدوا في جلسات الاستماع الخاصة بهم، وكتب "أنا أؤمن بسيادة القانون. لكن هذه ظروف استثنائية".

 

وأشارت الصحيفة إلى أن السبب وراء هذه العفو الشامل هو الخوف من أن تسعى إدارة ترامب إلى الانتقام من الخصوم السياسيين، وهو احتمال وارد بالطبع، لأن "استقلالية" أجهزة إنفاذ القانون عن السياسة كانت دائما أسطورة باعتبار أن تلك الأجهزة جزء من السلطة التنفيذية التي يسيطر عليها الرئيس، ولأن ترامب هو أقل الرؤساء اهتماما بالحفاظ على هذه الأسطورة.

البصق في وجه المعارضين

وقد منح ترامب العفو لكل من حاول إبقاءه في السلطة في الكابيتول يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، بما في ذلك من أدينوا بالتآمر على الفتنة، دون تمييز بين المجرمين الذين اعتدوا على ضباط الشرطة وأولئك الذين دخلوا ممرات الكابيتول، وقال إن الأحكام على مثيري الشغب كانت غير عادلة، وحتى المجرمون المدانون من قبل قضاة هو من عينهم، تلقوا تخفيفا للعقوبات أطلق بموجبه سراحهم على الفور.

ونبهت الصحيفة إلى أن بايدن، الذي قاد لجنة القضاء في مجلس الشيوخ لمدة 8 سنوات، قوض إرثه، ومهد للعفو الذي أصدره ترامب، وذكرت بأن المحكمة العليا قضت عام 1915 بحق الناس في رفض العفو، لأنه يحمل "إدانة بالذنب وقبول اعتراف به"، واستحسنت أن يرفض شخص ما عفو بايدن أو ترامب، ليؤكد الثقة في أن نظام العدالة لا يزال يعمل، وأن سيادة القانون ملتزمة.

وختمت الصحيفة بأن العفو الجماعي عن العنف السياسي ليس أمرا جديدا بالنسبة لأميركا، وأوضحت أن المثال الجوهري على ذلك هو عفو جورج واشنطن عام 1795 عن متمردي الويسكي الذين ثاروا ضد إدارته في انتفاضة قمعها بالقوة، مؤكدة أن العفو في ذلك الوقت كان أداة للمصالحة السياسية، خلافا لنية ترامب اليوم لأنها من البصق في وجه المعارضين.

إعلان

مقالات مشابهة

  • سكان كاليفورنيا الأميركية يتفقدون منازلهم التي طالتها النيران
  • واشنطن بوست: العفو الذي أصدره بايدن وترامب تقويض لسيادة القانون
  • السودانيون يترقبون جهود الإدارة الأميركية الجديدة لوقف الحرب
  • نوستالجيا... "فكهاني المنصورة الذي غنت له كوكب الشرق والعندليب"
  • الشرع مهنئا ترامب: الزعيم الذي سيجلب السلام إلى الشرق الأوسط
  • علماء عرب عبر التاريخ.. ابن زهر الذي غيَّر مسار الطب العالمي
  • توسيع العقوبات الاقتصادية الأميركية على الحوثيين.. أي تأثير على اليمن؟
  • كيف قضى بايدن يومه الأخير بالرئاسة الأميركية؟
  • اليمن في قلب النظام العالمي الجديد
  • ترامب: إلغاء كل الأوامر التنفيذية التي أصدرها بايدن