ناقشنا في مقال الأسبوع الماضي تراجع معدلات السيولة الموجهة لبورصة مسقط خلال الأسابيع الماضية، وأشرنا في ذلك المقال إلى عدد من العناصر التي تلعب دورا رئيسا في اتجاهات البورصة وتُساهم في ارتفاع أو تراجع توقعات المستثمرين تجاه مكاسبهم من البورصة، وأشرنا في ذلك المقال إلى ضرورة الاهتمام بالقضايا الاقتصادية الرئيسة التي تؤثر على توجهات المستثمرين وأهمية العمل على استقطاب المستثمرين وتشجيعهم على الاستثمار وتوفير التسهيلات المشجعة لذلك، واستكمالا لهذا الطرح نود أن نركز في مقال اليوم على دور المؤسسات الاستثمارية المحلية في تحفيز الاستثمار في بورصة مسقط وتشجيع المستثمرين الآخرين على ذلك.

ولعله من الأهمية الإشارة إلى أن الأسبوع الماضي شهد تداولات بقيمة 8.8 مليون ريال عماني، أي أن معدل التداول اليومي كان عند 1.7 مليون ريال عماني، وهو معدل متواضع جدا ودون الطموح لأي سوق مالية، وعندما نقارن بين مشتريات المؤسسات الاستثمارية المحلية ومشتريات المستثمرين الأفراد نجد أن مشتريات المستثمرين الأفراد استحوذت في تداولات الأسبوع الماضي على 46 بالمائة من إجمالي قيمة التداول مقابل مبيعات بنسبة 36.9 بالمائة من إجمالي قيمة التداول، في حين بلغت مشتريات المؤسسات الاستثمارية المحلية 44 بالمائة من إجمالي قيمة التداول مقابل مبيعات بنسبة 53.4 بالمائة؛ أي أن المستثمرين الأفراد ساهموا في ضخ السيولة في البورصة في الوقت الذي تراجعت فيه المؤسسات الاستثمارية المحلية عن ذلك.

وكما هو معلوم فإن المؤسسات الاستثمارية المحلية تعد المحرك الأساس لأي سوقٍ مالية، واتجاهاتها إلى البيع أو الشراء يحفّز المستثمرين الآخرين سواء الأفراد أو المستثمرين الأجانب؛ على اعتبار أن لدى المؤسسات الاستثمارية خبراء يقومون بتحليل أداء الشركات واتجاهات الاقتصادات المحلية والعالمية، وبناء على ذلك يقومون بتحديد أهدافهم الاستثمارية وبناء محافظهم من الأسهم أو السندات والصكوك أو الأوراق المالية الأخرى، وعلى هذا فإن تراجع مشتريات المؤسسات الاستثمارية المحلية يؤثر سلبا على الأسواق المالية بل وعلى استثمارات هذه المؤسسات؛ لأنه يدفع المستثمرين الأفراد إلى الاعتقاد بأن هناك مشكلة ما قادمة فيتجهون إلى البيع، وهو ما يؤثر في النهاية على الأسهم ويدفعها إلى الهبوط، وبالتالي سوف تتراجع المحافظ الاستثمارية بما في ذلك المحافظ التي أسستها المؤسسات الاستثمارية المحلية في البورصة.

كذلك فإن أهداف الأسواق المالية تكون واضحة أكثر لدى المؤسسات الاستثمارية التي يكون هدفها استدامة تحقيق العوائد على الاستثمارات بعكس العديد من المستثمرين الأفراد الذين يبحثون عن الربح السريع من خلال المضاربة أكثر من تركيزهم على الاستثمار طويل الأمد، وعندما نرى أن المستثمرين الأفراد يركزون أكثر على اقتناص الفرص في الوقت الذي تتخلى فيه المؤسسات الاستثمارية المحلية عن لعب دورها في تنشيط التداول فإن هذا الاتجاه يدعو إلى التساؤل عن دور المؤسسات الاستثمارية في تحقيق الاستقرار للبورصة خاصة بعد اعتماد تقديم خدمة مُزوّد السيولة.

إن ما شهدناه من تراجع تداولات بورصة مسقط خلال الأسابيع الماضية يجعلنا ندعو المؤسسات الاستثمارية المحلية إلى إعادة النظر في قراراتها بتقليص السيولة الموجهة إلى البورصة، خاصة أنها أكثر المستفيدين من تنشيط التداولات؛ لأن ارتفاع التداولات يحافظ على ثقة المستثمرين، ويمكّن بورصة مسقط من تحقيق أهدافها في أن تكون وجهة رئيسة للاستثمارات في سلطنة عُمان، وهو ما يدعم في النهاية المحافظ الاستثمارية للمؤسسات الاستثمارية المحلية ويمكّنها من تحقيق العوائد التي تتطلع إليها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المؤسسات الاستثماریة المحلیة المستثمرین الأفراد

إقرأ أيضاً:

بريق الغلاف لا يعكس دائماً كنز المضمون

بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..

“كم من بديعِ المظهرِ قبيحِ الجوهر، وكم من بسيطِ الهيئةِ عظيمِ القيمة.” بهذه الحكمة يُمكن أن نختصر تجربتنا الإنسانية مع البشر الذين يُشبهون الكتب في تفاوت أغلفتها ومحتواها. فالإنسان، مثل الكتاب، يحمل أسرارًا عميقةً لا تُقرأ إلا حين تُقلب صفحاته، وقد تكون تلك الصفحات أثمن مما يوحي به الغلاف.

الغلاف خدعة البصر، والمحتوى محك البصيرة

في عصرٍ أصبح فيه الشكل أهم معيار للحكم، بات الكثيرون يُشبهون السطح المذهب الذي يخفي فراغًا داخليًا. تظهر هذه الظاهرة في الدراسات النفسية والاجتماعية التي تناولت تأثير “الهالة” أو ما يُعرف بـHalo Effect، وهو ميل الإنسان لتعميم الانطباع الأول بناءً على المظهر الخارجي أو الصفات الظاهرة. في هذا السياق، أظهرت دراسة أجراها عالم النفس “إدوارد ثورندايك” أن الأفراد يميلون إلى ربط الجاذبية الشكلية بالكفاءة والصدق، حتى وإن كانت هذه الصلة وهمية.

لكن الحقيقة أن المظهر ليس أكثر من خدعة بصرية قد تخفي خلفها إما جوهرًا نقيًا أو خواءً مطبقًا. وكم من مرة وقفنا أمام كتابٍ زينت أغلفته الرفوف، لكنه ما إن فُتح حتى كشف عن فقره، بينما وجدنا العكس في كتابٍ متواضع الهيئة أثار فينا دهشةً لا تُنسى.

القيمة في التجربة لا في القشرة

تجارب الحياة تعلمنا أن الجمال الحقيقي ليس مرئيًا. يمكن استدعاء قول الإمام علي (عليه السلام): المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ طَيَّاتِ لِسَانِهِ.”

بمعنى أن قيمة الإنسان تظهر في فكره وأفعاله، لا في ملبسه أو مظهره. ولعل هذا يفسر النجاح الباهر لشخصيات تاريخية وعلمية تركت أثرًا خالدًا دون أن تلتفت يومًا إلى قشور المظاهر، مثل ماري كوري التي لم تُعرف بالأزياء أو الجمال، لكنها أدهشت العالم بعلمها وإنسانيتها.

في دراسة أخرى أجرتها جامعة “هارفارد”، وُجد أن الأفراد الذين يُظهرون قيمًا مثل التعاطف، النزاهة، والإبداع يُحققون تواصلًا أعمق مع محيطهم مقارنة بأولئك الذين يركزون على المظهر أو الإنجازات السطحية. هذه القيم هي التي تجعل الإنسان جذابًا في أعين الآخرين، وتؤسس لعلاقات متينة ومستدامة.

الأدب أيضًا يعزز هذا المفهوم. ألم يدهشنا بطل “البؤساء” جان فالجان، الذي كان يُنظر إليه كمجرمٍ في الظاهر، بينما حمل في داخله روحًا نبيلة ملأتها التضحية والرحمة؟ الأدب يُعيد تشكيل نظرتنا إلى البشر، ويعلمنا أن العبرة دائمًا بما يكمن في العمق.

أفكار مبتكرة لتغيير المفهوم السائد

ثقافة المحتوى الداخلي: لماذا لا نُعيد صياغة مفهوم الجمال في مناهجنا التعليمية؟ يمكن تصميم برامج تركز على الأخلاق، الإبداع، والقيم الإنسانية كمعايير حقيقية للجمال، بدلاً من التركيز على الهيئات الخارجية. تجربة اجتماعية مُلهمة: تخيل مبادرةً تسلط الضوء على قصص أشخاص ناجحين وملهمين لا يتطابق مظهرهم مع الصورة النمطية للجاذبية. مشاركة هذه القصص عبر منصات التواصل الاجتماعي قد تُلهم الأجيال الجديدة ليروا الجمال في أبعاده الحقيقية. أدب السيرة الذاتية: شجع كتابة السير الذاتية من منظور داخلي، بحيث يُبرز الأفراد ما صنعوه من خير وما حققوه من عمق إنساني، بعيدًا عن الإنجازات الشكلية.

يُقال إن الزمن يكشف الجوهر ويُهلك الزيف. وهكذا، فإن ما يبقى من الإنسان ليس شكله ولا مظهره، بل أثره في قلوب الآخرين. وكما قال الشاعر:

“وما الحسنُ في وجه الفتى شرفًا له
إذا لم يكن في فعله والخلائقِ”

لنجعل من هذا القول قاعدةً حياتية، ولنُدرك أن الجمال الحقيقي هو ذلك الذي يُضيء العقول، يُطهر القلوب، ويُعمر الأرواح. فالحياة قصيرة، وما يخلد منها هو المحتوى، لا الغلاف.

اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي

د. سعد معن

مقالات مشابهة

  • كالكاليست: جمود بقطاع التكنولوجيا الإسرائيلي وتراجع حاد بنشاط المستثمرين
  • أسعار العقارات في مصر.. بين وفرة العرض وتراجع الطلب.. إلى أين تتجه السوق؟
  • سوق العراق للأوراق المالية يتصدر حجم التداول بين الأسواق العربية
  • سوق العراق للأوراق المالية اولاً بحجم التداول بين الأسواق العربية
  • رئيس الوزراء يستعرض عددا من التحديات التي تواجه بعض المستثمرين وسبل حلها
  • JustMarkets  تحتفل بالمعالم الرئيسية لعام 2024
  • استقرار صرف الدولار مع إغلاق البورصة المحلية في العراق
  • الحروب وتراجع التضخم أبرز مميزات العام 2024‏
  • القرارات والاختلاف
  • بريق الغلاف لا يعكس دائماً كنز المضمون