لجريدة عمان:
2025-03-04@08:51:37 GMT

«هندسة الحظ» تحت الميكروسكوب

تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT

جميعنا نعرف بأن الهندسة علمٌ ومجال معرفي له تخصصاته وفروعه، ولكن ظهر أعقاب جائحة كورونا مصطلح «هندسة الحظ»، وقد يبدو ذلك غريباً بعض الشيء، ولكنه تعبير مجازي لمهارة اقتناص الفرص غير المتوقعة وبشكل إيجابي وتنافسي، وقد استخدم هذا المصطلح في عالم الابتكار وريادة الأعمال العلمية، وتحديداً في سياق قراءة تجارب الشركات التي ازدهرت في ظل حالات عدم اليقين، فقد ساد الانطباع الكارثي للجائحة على جميع تفاصيل الحياة آنذاك، ونشوء قصص نجاح الأعمال خلال تلك الفترة العصيبة كان أبعد ما يمكنه أن يطرأ على الأذهان، ولكن في الواقع هناك العديد من الشركات الابتكارية التي صمدت أمام المتغيرات التي رافقت هذه الجائحة، وتمكنت من الحفاظ على أدائها، وتحقيق نجاحات تاريخية، والأدهى من ذلك أن ابتكارات بعض هذه الشركات الاستثنائية كانت في مجالات كمالية بحتة، فإلى أي مدى كان لهندسة الحظ دوره في وضع استراتيجيات التكييف والصمود في بيئة سريعة التغير؟

في البدء دعونا نتوقف عند أهم محور في الابتكارات الثورية التي تحقق التحولات الجذرية؛ نجد بأن جميع هذه الابتكارات اشتملت على مختلف أبعاد الاستشراف المستقبلي كدعامة أساسية في أعمالها، وتختلف ممارسات الاستشراف الاستراتيجي تماماً عن التنبؤات والتوقعات النمطية القائمة على تخيل المستقبل، لأن القاعدة الذهبية المتعارف عليها هي بأنه وكلما زاد النطاق الزمني للتنبؤات كلما أصبحت التوصيات أقل موثوقية، ولذلك تفقد الكثير من الشركات الناشئة الابتكارية ميزتها التنافسية بالتقادم المعرفي، ليس ذلك بسبب قلة المهارات العلمية والتقنية، ولكن لأنها لم توجه تركيزها نحو فهم التراكم المعرفي لمجال ابتكارها، فليس صحيحاً دائماً أن البداية تكون من حيث انتهى الآخرون، حيث أن اتساع نطاق الفرص والمخاطر في آفاق الابتكار التكنولوجي يستوجب توظيف جميع معطيات الماضي والحاضر لتحديد الوجهة الأساسية للابتكار، وهل تسعى هذه الشركات الابتكارية لتحقيق قفزات نوعية للمستقبل عبر الاقتناص الذكي للفرص، أم أنها تكتفي بالولوج للمستقبل بخطوات محددة وقائمة على ترشيد التوسع التكنولوجي، وهذا هو أساس هندسة الحظ، لأن صناعة الفرص هي من الممارسات الأساسية التي تقوم بها جميع الشركات الابتكارية، وتبقى نقطة التفاضل في القدرة على الاستشراف التقني والعلمي والسبق في رصد التحولات المِفْصَلية لتحقيق الاستحواذ على القطوف الأولى للابتكارات قبل تزاحم بقية المنافسين.

تعالوا نتعرف على أبرز الأمثلة على موضوع هندسة الحظ خلال جائحة كورونا، والمتمثل في قصة مجموعة مستحضرات التجميل الفرنسية لوريال (L’Oreal) التي لم تتأثر بالإغلاقات والتدابير الاحترازية المرتبطة بالتباعد الاجتماعي، حيث قامت المجموعة بتفعيل مسارات البيع الافتراضية مباشرة بعد الإعلان الرسمي عن الجائحة، وعلى الرغم من أن مستحضرات التجميل لم تكن ضمن قائمة أولويات المستهلكين خلال الجائحة إلا أن التسوق عبر المنصات الرقمية قد شهد رواجا كبيرا، وارتفعت نسبة استخدام تقنية التجارب الافتراضية الخاصة بمجموعة لوريال بمقدار خمسة أضعاف، وسجلت مواقعها الالكترونية «زحمة» في أعداد الزائرين والمستخدمين، وليس هذا وحسب، بل ساعدت التقنيات الرقمية المتاحة عبر متاجرها الافتراضية عددا من المتاجر ومنصات البيع الالكترونية الأخرى مثل «أمازون» و «سيفورا»، التي اعتمدت على التكنولوجيا ذاتها في مبيعاتهم لمنتجات لوريال، هذا بالإضافة إلى ابتكارات الفريق الرقمي لمجموعة لوريال في إتاحة البث المباشر لرواد عالم التجميل، واستضافة فعاليات وبرامج افتراضية مخصصة في مواضيع ذات الصلة بالمستهلك، وقد كانت المشاهدات عالية وحققت مؤشرات غير مسبوقة، ويعود ذلك كله إلى التخطيط المسبق في مواكبة الاتجاهات المستقبلية للتكنولوجيا، وتعريف أفضليات المستهلكين في الرفاهية وأنماط الحياة التي تشكلها زحف التقنيات الحديثة لتفاصيل الحياة اليومية.

إذن لم يأت تفوق مجموعة لوريال بين ليلة وضحاها، وإذا عدنا بالزمن للوراء فإنه يمكن إرجاع ذلك إلى مطلع عام 2018 حين أعلنت المجموعة رسمياً بأنها قد قررت التوسع في الخدمات الرقمية، وقامت بشراء شركة مودي فيس (ModiFace)، وهي شركة تكنولوجية كندية أسسها أستاذ بكلية الهندسة في جامعة تورنتو عام 2007م، وتقدم هذه الشركة خدمات وحلولا لقطاع صناعة التجميل عبر منتجاتها القائمة على تقنيات الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي، ومع انضمامها لمجموعة لوريال التي تتخذ فرعها الرئيسي في فرنسا إلا أن شركة مودي فيس بقيت مكانها في تورونتو، لتظل قريبةً من جامعة تورنتو التي انبثقت منها، حيث يمكنها إقامة شراكات بحثية وابتكارية، ومنذ ذلك الوقت عملت مجموعة لوريال على توظيف تقنية الواقع المعزز والعوالم الافتراضية المتقدمة في تجربة المستهلكين، وذلك بفعل الجهود الابتكارية التي تقودها مختبرات مودي فيس ويعمل بها أكثر من (70) باحثا وعالما، وحينما حل الوباء، عكفت المجموعة على إتاحة هذه التقنيات في معظم المواقع الإلكترونية لعلاماتها التجارية، ما يسهل التكامل بين الموقع الرسمي للمجموعة ومنصات البيع التابعة لشركائها في مختلف دول العالم، وبفضل قدراتها المعيارية على تحقيق الميزة التنافسية من ابتكارات تكنولوجيا التجميل، تمكنت الشركة من التكييف والاستجابة الذكية لتداعيات الجائحة، وحققت السبق في الصمود أمام الاتجاهات غير المتوقعة، وبحسب تصريح رئيس الفريق التقني لمجموعة لوريال فإن قرار إدماج التقنيات الرقمية في تجربة المنتجات لم يكن مجرد تطوير في العرض أو التسويق، ولكنه قد جاء بمثابة «إعادة اختراع تجربة الجمال».

إن هندسة الحظ هو الوجه الآخر لمؤشر الاستعداد المستقبلي، فالمؤسسات ومجموعات العمل التي تضع محور الاستشراف والاستعداد لما هو غير متوقع هو أساس استراتيجياتها، هي التي تكتسب قدرات اغتنام الفرص الذهبية الحاسمة، وصناعة آفاق الفرص غير المسبوقة، فالاستشراف الاستراتيجي ليس أداة لتوقع تقنيات المستقبل، ولكنه متطلب أساسي لتحقيق التفوق التنافسي، وضمان استدامة الأعمال، ويبدأ الاستشراف بفهم القدرات الداخلية، وتقييم جاهزيتها لمواكبة المتغيرات الخارجية، وتعريف أولويات التطوير والابتكار، ويأتي ذلك مع إيلاء المرونة أهمية مركزية، فالفرص الصاعدة لا تتهيأ بشكل واضح وبارز للكل، وإنما يفطن إليها من يملك القدرة والاستعداد على توظيفها، واكتساب القيمة منها، والتجاوب مع تحولات المستقبل.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

وفد عراقي يناقش فرص الاستثمار في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم

 

 

 

 

الدقم- الرؤية

زار وفد تجاري عراقي برئاسة معالي الدكتور محمد ناجي النجار المدير التنفيذي لصندوق العراق للتنمية، المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم؛ حيث اطلع على عدد من المشروعات الاستثمارية بالمنطقة.

وقدم المهندس أحمد بن علي عكعاك الرئيس التنفيذي للمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم للوفد العراقي شرحًا عن أبرز الاستثمارات في المنطقة والحوافز والتسهيلات المقدمة للمستثمرين والفرص الاستثمارية المتاحة في مختلف القطاعات الاقتصادية. وأكد عكعاك أن المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم استطاعت خلال السنوات الماضية استقطاب استثمارات بأكثر من 6 مليارات ريال عُماني في عدد من القطاعات الاقتصادية، مستعرضا أبرز المشروعات الاستثمارية الكبرى في المنطقة مثل مصفاة الدقم وميناء الدقم والحوض الجاف ومحطة تخزين النفط في رأس مركز، موضحا أن الاستثمارات الحكومية في المنطقة شجعت الشركات المحلية والعالمية على الاستثمار فيها.

وأكد المهندس أحمد بن علي عكعاك أن المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم ترحب بالمستثمرين العراقيين، مشيرًا إلى العديد من فرص الاستثمار المتاحة في القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية. وقال إن المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم رسَّخت خلال السنوات الماضية مكانتها بصفتها إحدى المناطق الاستثمارية الرئيسية بالمنطقة العربية خاصة مع إقبال العديد من الشركات العالمية على الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة والصناعات الخضراء والحديد الأخضر بالمنطقة، مؤكدا أن وجود شركات عالمية في الدقم من شأنه تنمية الأعمال بالمنطقة وإتاحة المزيد من الفرص الاستثمارية للشركات المحلية والإقليمية.

من جهته، عبر معالي الدكتور محمد ناجي النجار المدير التنفيذي لصندوق العراق للتنمية عن سعادته بزيارة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، مشيرا إلى أن هناك إمكانيات عديدة للتعاون بين رجال الأعمال في سلطنة عُمان وجمهورية العراق، مؤكدا أهمية تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين وتحفيز الشراكات التجارية بين الجانبين. وقال: "ما شاهدناه من مشروعات في المنطقة أكدت أهمية تعزيز علاقات الشراكة بين الشركات العُمانية والشركات العراقية"، موضحا أن الفرص الاستثمارية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم عديدة، كما أن هناك فرصًا متنوعة للاستثمار في جمهورية العراق، داعيًا الشركات العُمانية للاطلاع عليها.

وناقش الجانبان خلال اللقاء الاستفادة من التجربة العُمانية في تطوير المناطق الاقتصادية، وتبادل الخبرات بين الجانبين، والدخول في استثمارات مشتركة في البلدين الشقيقين. واستعرض اللقاء الفرص الاستثمارية المتاحة بالمنطقة في قطاع الصناعات البتروكيماوية وتخزين النفط، وأبدى الصندوق رغبته بالدخول في استثمارات في المنطقة.

وزار الوفد التجاري العراقي عددًا من المشروعات في الدقم، واطلع على المخطط العام للمنطقة. وشملت الزيارة مبنى المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، ومصنع كروة للسيارات، ومحطة تخزين النفط الخام برأس مركز، وشركة مرافق، ومحطة تصدير المشتقات البترولية (رصيف المواد السائلة والسائبة) بميناء الدقم.

وجاءت زيارة الوفد العراقي للمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم في إطار التعاون بين الجانبين العُماني والعراقي للاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة في البلدين الشقيقين وتعزيز الشراكات وزيادة التبادل التجاري.

مقالات مشابهة

  • البكيري: أخبروا الحظ أن النصر حي فليطرق بابه
  • الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط لـ«البوابة نيوز»: لا يمكن فرض «هندسة ديموغرافية» وفق الأهواء.. البروفيسور ميشال عبس: نرفض اقتلاع أهل غزة قسرًا من أرضهم
  • مصر تعلن عن فرص استثمار لتطوير حقول ومناطق استكشاف نفطية
  • فريق هندسة عين شمس يشارك في ورشة عمل استوديو التصميم الدولي
  • من الفوضى إلى الفرص: رؤية مجتمعية
  • إعادة هندسة السياسة السودانية- نحو ليبرالية رشيدة وتجاوز إرث الفوضى
  • المسؤولون الجهلة يضيّعون الفرص
  • الحظ لم يخدمني .. تصريحات جريئة لـ عايدة رياض
  • وفد عراقي يناقش فرص الاستثمار في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم
  • صور.. اختبارات جديدة للمرشحين للعمل بالخارج في تخصصات هندسة ومحاسبة