لجريدة عمان:
2024-11-07@12:58:22 GMT

الصمت العربي المريب

تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT

لم يحرك العدوان الإسرائيلي على منشآت مدنية يمنية صباح الأحد الماضي ساكنا في العالم العربي، حتى الإدانات المشهورة والتظاهرات الشعبية المهندسة والمحدودة التي كانت تكتفي بها الحكومات العربية في الماضي، والتي كنا نتندر عليها، لم تعد متاحة سوى في عدد قليل من العواصم العربية، وأصبحت محرّمة تماما خاصة في الدول المطبعة مع العدو الصهيوني أو تلك الباحثة عن التطبيع.

ما الذي أوصل تلك الحكومات إلى هذه المرحلة البائسة من الضعف، إلى درجة تجعلها تبلع ألسنتها الطويلة الموجهة فقط ضد مواطنيها ومعارضيها، وتتحاشى تماما إغضاب الصديقين الإسرائيلي والأمريكي، خاصة تلك التي تمتلك جيوش مليونية، وتنفق بسخاء منقطع النظير على الأسلحة الأمريكية والغربية؟

لم تزعج الهجمات التي طالت ميناء الحديدة ومخازن الواردات الغذائية لملايين اليمنيين ولا العنهجية التي سوق بها الإرهابي الصهيوني نتنياهو لها وقوله «إن هذه الضربات أوضحت لأعدائنا أنه لا يوجد مكان لا تصل إليه اليد الطويلة لدولة إسرائيل»، لم تزعج الدول العربية المتحالفة مع إسرائيل، تماما مثلما لم تنزعج من سقوط عشرات الآلاف من الفلسطينيين قتلى وجرحى وجوعى نتيجة التطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل في غزة منذ تسعة أشهر أو بالأحرى منذ اندلاع الصراع العربي- الإسرائيلي أي منذ نكبة 1948.

يحق لنا أن نتساءل ونحن نشاهد هذه العنجهية الصهيونية، التي فاقت الوصف، عن سر هذا البرود العربي في مواجهة كل هذه الاستفزازات الصهيو- أمريكية، والصمت المريب المطبق على غالبية الحكومات العربية وكذلك جامعة الدول العربية.

إن البحث عن إجابة لهذا السؤال يتطلب منا أن نراجع الاحتمالات المطروحة سياسيا وإعلاميا، والتي تؤكد جميعها صحة ما يتردد عن دعم بعض الدول العربية إسرائيل بأشكال مباشرة وغير مباشرة دون أي شعور بالخجل، بل وصحة ما يقال عن أن نفس الدول تطالب إسرائيل بعدم إنهاء عدوانها على غزة قبل أن تقضي تماما على أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية في القطاع المنكوب. ويؤيد هذا الاستخلاص استجابة هذه الدول للدعوة الأمريكية الإسرائيلية الخبيثة بتشكيل قوة ردع عربية تتولى مهام إدارة قطاع غزة في اليوم التالي للحرب وبعد القضاء على المقاومة.

لم يكن أشد المتشائمين من الواقع العربي الحالي يتوقع أن يأتي اليوم الذي تصمت فيه الدول ووسائل الإعلام العربية عن جرائم الصهيونية العالمية بهذا الشكل المخزي، وأن تفشل هذه الدول في إيصال المساعدات الغذائية والأدوية ومتطلبات الحياة الآدمية إلى غزة في الوقت الذي تقيم فيه جسور الإمدادات إلى العدو الإسرائيلي.

هنا أتوقف قليلا أمام أداء المنصات الإعلامية العربية التي تجاهر بالعداء للمقاومة والتأييد المبطن لعصاب الصهاينة سواء في الولايات المتحدة أو داخل الأراضي العربية المحتلة. لقد ظل الإعلام العربي حتى بعد توقيع أول اتفاق تطبيع عربي مع إسرائيل في العام 1979 ينظر إلى الدولة العبرية كعدو، ولم ينتج عن اتفاقيات السلام العربية- الإسرائيلية التي وقعتها دولتان من دول الطوق العربي سوى سلام بارد لا طعم ولا لون له. وكانت أي محاولة لتقارب فعلي ودافئ تواجه بغضب شعبي وإعلامي. التحول الأكبر تمثل في دخول دول عربية من خارج دول الطوق في مسار التطبيع وتوقيع الاتفاقيات مع إسرائيل وتبادل المصالح والسفراء معها، إرضاء لها وللولايات المتحدة من جانب، والاستعانة بهما في تحجيم الخطر الإيراني المتوهم.

وأميل هنا إلى تبني رؤية نشرها المركز العربي في واشنطن تقول: «إن الحكومات العربية حاولت الاستجابة للأبعاد السياسية والإنسانية والجيو- استراتيجية للحرب في غزة، غير أنها كانت في كثير من الأحيان استجابات متناقضة مع بعضها البعض». لقد كان على الحكومات أن تراهن على خيط رفيع، وتختار بين أربعة اعتبارات مهمة هي: كيفية دعم القضية الفلسطينية، التي يتردد صداها بعمق لدى شعوبها؛ وكيفية القيام بذلك دون تعزيز حركة المقاومة «حماس» وغيرها من الحركات الإسلامية التي تعتبرها معظم الأنظمة العربية تهديدا لها. وكيفية انتقاد الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى لدعمها غير المشروط والمبالغ فيه لإسرائيل لتمكينها من تدمير غزة دون إغضابها أو دفعها إلى تقليص دعمها المالي والأمني الوجودي للعديد من الدول العربية؛ وكيفية تقديم المساعدات الإنسانية لأكثر من مليوني مدني أعزل في غزة تُعمل فيهم إسرائيل آلة قتل فتاكة بطريقة إبادة جماعية.

صحيح أن بعض الدول العربية أمام الضغوط الشعبية أو خشية تعرضها لمثل هذه الضغوط قدمت دعما خطابيا ودبلوماسيا لأهل غزة والقضية الفلسطينية الأوسع عبر البيانات والتصريحات والخطب في الهيئات الدولية، فإن هذا الدعم ظل غير محسوس جماهيريا لغياب أي رادع عربي لإسرائيل ووسائل الضغط التي كان يمكن أن تمارسها بعض الدول على إسرائيل كقطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفراء الصهاينة وتجميد كل صور التطبيع.

في ظل هذا الوضع بقيت الأنظمة العربية عاجزة عن الحد من الهجمات الإسرائيلية العنيفة على غزة وجنوب لبنان واليمن أو وقفها، أو تزويد أهل غزة بالمساعدات الكافية وضمان دخولها عبر معبر رفح، أو ضمان الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع.

لقد نسف الكنيست الإسرائيلي ما بنى عليه العرب من وهم السلام الزائف مع العدو الصهيوني بعد أن تبنى مساء الأربعاء الماضي قرارا ينص على رفض إقامة دولة فلسطينية، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المجلس، وهو ما كان مبررا لدى الدول المطبعة للدخول في اتفاقيات سلام مع إسرائيل، ويمثل رسالة واضحة، تؤكد رفض إسرائيل فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقبلا، أو أي مفاوضات قد تؤدي إلى ذلك». فماذا أنتم فاعلون أيها العرب؟، إنكم - رغم كل الجرائم التي ترتكب بحق إخوانكم في غزة ولبنان واليمن- ما زلتم ترحبون بالعدو، وتتطوعون لدعمه وهو في غنى عنه، وتدافعون عنه في وسائل إعلامكم.

لم يعد الأمر يتحمل هذا البرود في التعامل مع عدو العرب الأول. وليس من الحكمة الآن أن نُدر لإسرائيل خدنا الأيسر بعد أن ضربتنا مرارا على خدنا الأيمن، أو ألا نمنعها ثوبنا بعد أن أخذت رداءنا؟.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدول العربیة مع إسرائیل فی غزة

إقرأ أيضاً:

سفير العراق بباريس يؤكد أهمية تعزيز انعقاد "الأسبوع العربي" "باليونسكو"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد السفير د. وديع بتي سفير العراق بباريس، على أهمية انعقاد "الأسبوع العربي" في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" وعلى أهمية تعزيز مثل هذه الفعاليات وتقديم المجموعة العربية كمجموعة متماسكة موحدة متعاونة، "تمثل تراثنا وثقافتنا وتقاليدنا في هذه المنظمة".
جاءت تصريحات السفير بتي لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بباريس، على هامش مشاركة بلاده بفعاليات "الأسبوع العربي في اليونسكو" وهي تظاهرة ثقافية تُقام لأول مرة في إطار اليونسكو.
وقال السفير وديع بتي: "العراق لا يمكن أن يغيب عن هذا الجهد، ومن الطبيعي أن يكون مع أشقائه من الدول الأخرى، ونشارك منذ البداية في التحضير والتنسيق لعقد هذا الأسبوع وتنظيمه، ونشارك في فعاليات "الأسبوع العربي" في مجال الخط العربي وفي مجال التراث الغنائي العربي أيضا ". 
وأكد أن هذه التظاهرة بمثابة رسالة عظيمة للعالم وخاصة في هذا الوقت الحساس، فإن الدول العربية الأعضاء في اليونسكو كلها مجتمعة في جهد عربي منظم مشترك يعطي رسالة لكل الدول الاعضاء بأن هذه المجموعة هي ثقل في هذه المنظمة وممكن أن تلعب دورا كبيرا في قرارتها وفي حاضرها ومستقبلها. 
وأشار إلى أهمية تعزيز إقامة مثل هذه الفعاليات و"أن نقدم أنفسنا دائما للآخرين كمجموعة متماسكة موحدة متعاونة، تمثل تراثنا وثقافتنا وتقاليدنا في هذه المنظمة.. ومن المؤكد أن لدينا الكثير لننقله في هذه الفعالية". 
يذكر أن العراق يشارك بشكل مميز في "الأسبوع العربي في الونسكو" من خلال ندوات وبرنامج للخط العربي وعروض موسيقية وغنائية عراقية. 
وقد انطلقت صباح أمس /الاثنين/ فعاليات "الأسبوع العربي"، وهي تظاهرة ثقافية عربية تمتد ليومين في قلب المنظمة بالعاصمة الفرنسية باريس، وذلك للاحتفاء بالثقافة العربية وتسليط الضوء عليها. 
وافتتحت السفيرة لينا الحديد سفيرة الأردن ورئيسة المجموعة العربية لدى اليونسكو فعاليات الأسبوع العربي، حيث تُنظم المجموعة العربية هذه التظاهرة والتي تأتي بعد موافقة وزراء الثقافة العرب خلال المؤتمر العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) في مايو 2024 في جدة، على مبادرة قدمتها السعودية، ممثلة في اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، ليُقام الأسبوع العربي على مدى يومين بمقر المنظمة الأممية بباريس وبمشاركة جميع الدول العربية. 
ويهدف "الأسبوع العربي" إلى تسليط الضوء على الثراء الثقافي والحضاري العربي وتنوعهما، وتعزيز مكانة الثقافة العربية في اليونسكو، وتعزيز الحوار بين الثقافات والتفاهم المتبادل، وتطوير شراكات جديدة بين الدول العربية ومنظمة اليونسكو والدول الأعضاء الأخرى، وضمان استدامة مبادرة الأسبوع العربي في اليونسكو وضمان نجاحها على المدى الطويل. 
ويشمل برنامج الأسبوع العربي في اليونسكو اليوم عدة فعاليات ثقافية وفنية والعديد من الندوات، منها عن "أخلاقيات الذكاء الاصطناعي"، و"الشباب والعلوم في العالم العربي"، و"التراث الثقافي غير المادي المشترك وحمايته"، فضلا عن ندوة أخرى عن "التراث المادي في العالم العربي" من أفلام وتراث ثقافي مادي وعمراني.
وبالتزامن مع هذه الندوات، تُقام معارض ثقافية وفنية من بينها جناح للمنتجات الثقافية العربية، إلى جانب برنامج الفرق الموسيقية والاستعراضية العربية بمشاركة مصر والسودان والعراق وتونس والمغرب واليمن وغيرها من الدول العربية. كما يُقام جناح يضم الحرف اليدوية العربية، بالإضافة إلى تنظيم عرض للأزياء العربية على مدار يومين بمشاركة مصر والأردن وفلسطين والكويت وموريتانيا وتونس والمغرب والجزائر وغيرها من الدول العربية.
 

مقالات مشابهة

  • الدول العربية تشيد بنجاح مبادرة المملكة "الأسبوع العربي في اليونسكو"
  • الدول العربية تشيد بنجاح مبادرة المملكة “الأسبوع العربي في اليونسكو”
  • علي بن تميم في "الأسبوع العربي" باليونسكو: رحلة لاستعادة أمجاد اللغة العربية
  • انطلاق قمة الاستثمار العربي الإفريقي والتعاون الدولي الإثنين المقبل
  • انطلاق قمة الاستثمار العربي الإفريقي والتعاون الدولى بأسوان الاثنين المقبل
  • سفير العراق بباريس يؤكد أهمية تعزيز انعقاد "الأسبوع العربي" "باليونسكو"
  • مصر تشارك في الأسبوع العربي للتراث بعدد من الفعاليات
  • مصر تشارك في الأسبوع العربي للتراث في باريس
  • شاهد | الصراع العربي الإسرائيلي تاريخ من الخداع والهزائم.. الأسباب والنتائج
  • تقرير يكشف الدول التي ساعدت على نمو صادرات الاحتلال الإسرائيلي