يد «النيوليبرالية الميتة» تعوق النمو الأخضر
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
ربما تبشر الانتصارات الانتخابية الأخيرة التي أحرزتها أحزاب يسارية في فرنسا والمملكة المتحدة بعصر جديد من صنع السياسات المناخية في أوروبا. فحكومة حزب العمال الجديدة في بريطانيا لديها خطط طموحة لتوسيع قدرة الطاقة المتجددة؛ ورغم أن بناء الائتلاف لا يزال صعبا، فقد أُحـبِـط اليمين المتطرف المتشكك في العمل المناخي في فرنسا.
نأمل أن يكون في الإمكان نقل هذا الزخم إلى اجتماع وزراء مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو اليوم الأربعاء الرابع والعشرين من يوليو. هناك، ستنظر الدول الغنية في الاقتراح الرائد المقدم من البرازيل والذي يقضي بفرض ضريبة ثروة سنوية بحد أدنى 2% على أصحاب المليارات على مستوى العالَـم. من الممكن أن تعمل هذه الضريبة، إلى جانب أدوات تمويل العمل المناخي الجديدة التي من المتوقع الإعلان عنها، على دعم الاستثمارات في النمو الأخضر، والتكيف مع المناخ، والتدابير الرامية إلى معالجة أوجه التفاوت داخل البلدان. لكن أدوات الاستثمار الجديدة لن تكون كافية. وكما أظهرت تجربتنا مع كوفيد-19، فإن الأساليب البحتة القائمة على السوق لم تكن كافية للتصدي للجائحة، ولا يمكنها المساعدة في مقاومة الدمار البيئي أو فجوة الثروة الشديدة الاتساع في العالم. وحتى العالم الغني بدأ يبتعد عن العقيدة النيوليبرالية المتمثلة في الخصخصة وإلغاء القيود التنظيمية. ولكن ما دامت البلدان النامية مقيدة بالقواعد القديمة، فسوف تجد صعوبة شديدة في تطوير نماذج اقتصادية خاصة بها وتشكيل مصائرها بنفسها. في حين كان دُعاة التجارة الحرة الغربيون في السابق ينتقدون استخدام الصين لتدابير الحماية وإعانات الدعم لمحاباة قطاعات إستراتيجية، أصبحت هذه الممارسات الآن من لوازم اللياقة في الاقتصادات المتقدمة.
تضخ الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات لصناعات المركبات الكهربائية والبطاريات المحلية من خلال قانون خفض التضخم، مستخدمة الدولة لتحفيز الاستثمار وخلق فرص العمل في القطاعات الخضراء. لكن التصدي لتغير المناخ نضال عالمي، ولا تسمح قواعد التجارة الدولية للدول النامية في عموم الأمر بتعزيز صناعاتها الخاصة على هذا النحو.
على سبيل المثال، عوقبت إندونيسيا ــ الدولة الرائدة عالميا في إنتاج النيكل، وهو معدن أساسي في تصنيع بطاريات المركبات الكهربائية ــ في منظمة التجارة العالمية لملاحقتها إستراتيجية صناعية. وعلى هذا ففي حين فَـقَـدَت وصفات السياسة النيوليبرالية شعبيتها في الاقتصادات المتقدمة، فإنها الآن تُـعَـبـأ من جديد في صناديق خضراء وتُـشـحَـن للدول الأقل ثراء. يستطيع صناع السياسات في البلدان المرتفعة الدخل الاعتماد على أدوات السياسة الصناعية المكلفة مثل الحوافز الضريبية وضمانات القروض، في حين لا تتمتع البلدان النامية بمثل هذا الـتَـرَف.
يتعين على الدول النامية أن تتوصل إلى كيفية خلق فرص العمل، والحد من التفاوت، وإزالة الكربون من اقتصاداتها، وكل هذا بالاستعانة بمجموعة محدودة للغاية من الأدوات والقدرات التكنولوجية. علاوة على ذلك، تدفع الدول الأكثر ثراء الدول النامية إلى «القفز» إلى مصادر الطاقة المتجددة بوتيرة غير واقعية. وهي تفشل في إدراك احتياج الدول النامية إلى استخدام الوقود الأحفوري بشكل محدود في الأمد القريب، أو أن قواعد التجارة غير العادلة تحد من قدرة الدول الأكثر فقرا على الوصول إلى التكنولوجيا الخضراء بأسعار معقولة ورأس المال الرخيص. تدل مثل هذه المعايير المزدوجة على ذات اختلالات توازن القوى التي لوحظت في السنوات الأخيرة عندما احتكرت الدول الأكثر ثراء اللقاحات، وخفضت ميزانيات المساعدات، وفشلت في الوفاء بوعود تمويل العمل المناخي التي بذلتها في السابق.
لا تمر أشكال النفاق هذه دون أن ينتبه إليها أحد. الواقع أن قادة شعبويين، رَوَّجَ كل منهم لرواية مفادها أن سياسات المناخ تقوض النمو الاقتصادي. قد يكون هذا صحيحا في كثير من الحالات، ولكن فقط بسبب المقايضات التي تفرضها السياسات النيوليبرالية.
إذا كانت البلدان النامية قادرة على تشكيل سياساتها الخاصة، فإن الاستثمارات المناخية من شأنها أن تدفع جهود خلق فرص العمل ودعم النمو الشامل. تحتاج الحكومات التي يُطلب منها أن تجعل اقتصاداتها خضراء إلى تمويل مرن بمعدلات فائدة تفضيلية. كما أنها سوف تستفيد من خطط الضرائب الوطنية والدولية التقدمية التي تبني على نجاحات أخيرة مثل اتفاقية الأمم المتحدة الضريبية، وهو جهد تقوده البلدان النامية لإضفاء الطابع الديمقراطي على قواعد الضرائب وانتزاع السيطرة من المتاجر المغلقة مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
الواقع أن انحسار الـفِـكر النيوليبرالي يمنح الاقتصادات النامية والناشئة فرصة للتعاون في تصميم نموذج جديد. ومن خلال ابتكار نماذج تقودها الدولة تربط بين الإستراتيجيات الخضراء والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، يصبح بوسع هذه الاقتصادات حماية أجندة المناخ من هجمات الانتهازيين. وكما توجد أنماط مختلفة من الرأسمالية، فهناك مسارات مختلفة للتنمية الخضراء. لنتأمل هنا حالة المكسيك، القوة الصناعية ومنتجة النفط التي انتخبت للتوّ عالِـمة المناخ كلوديا شينباوم لرئاسة البلاد. تعتزم إدارة شينباوم استثمار 13.6 مليار دولار في الطاقة المتجددة، بهدف تلبية 50% من الطلب على الكهرباء من خلال مصادر خالية من الكربون بحلول عام 2030. إذا أُديرَت هذه الجهود على النحو الصحيح، فإنها كفيلة بتعزيز خلق فرص العمل وتضييق فجوات التفاوت، مع الاستفادة من الشركات المملوكة للدولة في دعم نشر التكنولوجيات الخضراء.
كما أن الإعلان المشجع عن إنشاء وزارة جديدة تشرف على العلوم والابتكار من شأنه أن يدعم تطوير التصنيع المتقدم والصناعات التكنولوجية الفائقة.
البرازيل أيضا في وضع يسمح لها بريادة السياسات الخضراء في العالم النامي. إذ تعمل إدارة الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على دفع عجلة التنمية المستدامة والإصلاح الضريبي. وإذا تمكنت من تنسيق سياستها الصناعية، وأهداف البنية الأساسية، والمبادرات الخضراء مثل خطة التحول البيئي، بشكل فَـعّال، فسوف يكون بوسعها أن تنطلق إلى الأمام بالاستعانة بأجندة نمو أخضر قوية في الداخل، مع توسيع نفوذها الإقليمي والعالمي كمضيف لاجتماع مجموعة العشرين هذا الشهر ومؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 30) في العام المقبل.
نحن قادرون على بناء عالم جديد من العدالة المناخية والمساواة الاجتماعية على أنقاض النيوليبرالية. ولكي ننجح في هذا، فنحن في حاجة إلى بُـنـى اقتصادية جديدة مستنيرة، تصممها وتصونها البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. إن النظام العالمي الأكثر عدالة يتطلب دولا أكثر قوة واستباقية قادرة على تصميم وتنفيذ سياسات تدفع النمو الاقتصادي، وتخلق فرص العمل، وتعمل على تضييق فجوات التفاوت، وإزالة الكربون.
لورا كارفالو مديرة الرخاء الاقتصادي والمناخي في مؤسسات المجتمع المفتوح، وأستاذ مشارك في الاقتصاد بجامعة ساو باولو.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: البلدان النامیة فرص العمل
إقرأ أيضاً:
ختام "COP 29".. تمويل 300 مليار دولار سنويا للبلدان النامية
الاقتصاد نيوز - متابعة
بعد أسبوعين من المفاوضات، وافقت دول العالم المجتمعة في باكو الأحد على اتفاق يوفر تمويلا سنويا لا يقل عن 300 مليار دولار للدول النامية لمكافحة التغير المناخي، حسب ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر الأطراف COP 29، مساء السبت.
وإثر ليلتين من التمديد في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP 29)، قبلت البلدان النامية بهذا الالتزام المالي من البلدان المتقدمة حتى عام 2035.
وكانت التعهدات المالية للدول النامية لمساعدتها على خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، محور مناقشات مكثفة في باكو، مع وجود صراع حول أي الدول يجب أن تدفع ومن أي مصادر يجب سحب الأموال.
وكانت رويترز قد ذكرت في وقت سابق أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول غنية أخرى سيدعمون هدف التمويل العالمي السنوي البالغ 300 مليار دولار في محاولة لإنهاء الجمود في القمة التي تستمر أسبوعين.
وكان من المقرر اختتام القمة الجمعة لكنها امتدت لوقت إضافي مع سعي مفاوضين من نحو 200 دولة للتوصل إلى اتفاق بشأن خطة التمويل المناخي العالمية في العقد القادم.
ومن المزمع أن يحل الهدف الجديد محل تعهدات سابقة من الدول المتقدمة بتقديم تمويل مناخي بقيمة 100 مليار دولار سنويا للدول النامية بحلول عام 2020. وتم تحقيق الهدف في 2022 بعد عامين من موعده وينتهي سريانه في 2025.
واتفقت الدول مساء السبت أيضا على قواعد سوق عالمية لشراء وبيع أرصدة الكربون التي يقول المؤيدون إنها ستؤدي إلى استثمارات بمليارات الدولارات في مشروعات جديدة داعمة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري.