بدعوة من الحزبَين الرئيسيَين الجمهوري والديمقراطي وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن أمس الاثنين 22 يوليو/تموز الجاري؛ بهدف أساسي وهو مخاطبة الكونغرس بمجلسَيه الشيوخ والنواب، وعلى هامش هذه الفعالية سيكون له العديد من الفعاليات إحداها لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن.
هذه الزيارة تأتي في وقت حسّاس جدًا، إذ إنّها تأتي في خضم معركة انتخابية صاخبة وحاسمة، والجميع يتوقع أن تداعياتها ستكون طويلة المدى على الدولة، وصورتها ومكانتها الداخلية والخارجية، لا سيما بعد إعلان الرئيس بايدن التنحّي عن الترشح للرئاسة لدورة ثانية بالنيابة عن الديمقراطيين، كما أنه لا يقل عن ذلك أهمية أن نتنياهو يزور الولايات المتحدة، وقد ترك خلفه إقليمًا مشتعلًا، وآلة حرب تمارس الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين العزّل.
أميركا قدمت نفسها لعقود على أنها الدولة التي تؤمن بقيم الحرية والعدالة والديمقراطية، وتعمل على نشرها، بل خاضت حروبًا "من أجلها". ولكننا كفلسطينيين وأبناء هذه المنطقة، نعرف جيدًا الأسباب الحقيقية لهذه الحروب، وأنها أبعد ما تكون عن قيم العدالة والحريّة
قد لا يختلف اثنان على أن "إسرائيل" كانت لعقود شأنًا داخليًا في واشنطن، حتى إن البعض يصفها بالولاية الواحدة والخمسين، وأن العلاقة مع "إسرائيل" تعتبر قضية فوق حزبية.
ولكن، وإن كان هذا شأنًا أميركيًا داخليًا، وقد لا يكون مناسبًا التدخل فيه، أما وإن أميركا تصدّر نفسها باعتبارها القوة العظمى في العالم والمعنية بالأمن والاستقرار العالمي، وخاصة في منطقتنا، وأنها تحتكر الملف الفلسطيني منذ عقود، وتمنع أي طرف بالتدخل فيه، بما في ذلك الأمم المتحدة والتي على أساس قراراتها نشأ هذا الكيان بعد قرار التقسيم المشؤوم، أما وإن سياسات الكيان وقراراته تنعكس بشكل مباشر علينا كفلسطينيين وعلى مستقبلنا، فأعتقد أنه من حقنا الكامل والمشروع أن نسأل الولايات المتحدة بكل مستوياتها القيادية عن السبب والحكمة في استقبال نتنياهو، وأن تفتح له كل الأبواب؟
إما أن القيادات الأميركية لا تعلم بما يرتكبه نتنياهو وحكومته من جرائم وصلت إلى حد الاتهام من قبل محكمة العدل الدولية بالإبادة الجماعية للفلسطينيين، وهذه مصيبة، أو أنهم يعرفون جيدًا ما تقترفه هذه الحكومة العنصرية من جرائم ومع ذلك هم مصرّون على استقباله والاحتفاء به، وهذه المصيبة العظمى.
أميركا قدمت نفسها لعقود على أنها الدولة التي تؤمن بقيم الحرية والعدالة والديمقراطية، وتعمل على نشرها، بل خاضت حروبًا "من أجلها". ولكننا كفلسطينيين وأبناء هذه المنطقة، نعرف جيدًا الأسباب الحقيقية لهذه الحروب، وأنها أبعد ما تكون عن قيم العدالة والحريّة.
فنحن، مثلًا، لأكثر من سبعة عقود نعاني من احتلال غاشم مارس القتل والتطهير العرقي والعنصرية منذ نشأته، ولكن كل هذا لم يكن متاحًا له لولا الدعم الكبير الذي تلقاه من دول الغرب عمومًا ومن الولايات المتحدة على وجه الخصوص. إن أطفالنا ونساءنا ورجالنا كانوا يقتلون ومازالوا بالسلاح الأميركي، أو بالمال الأميركي المخصص لشراء السلاح بمختلف أشكاله.
ما كان لهذا الكيان أن يفلت من الحساب والعقوبة على ما اقترفه من جرائم لولا الحصانة التي منحته إياها الولايات المتحدة، فكم من مرّة استعملت أميركا "الفيتو" في مجلس الأمن لحماية الكيان وتحصينه من العقاب. وكم من قرار صدر في الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبقية المؤسسات الأممية وضربت به حكومة "إسرائيل" عرض الحائط استنادًا إلى الدعم الأميركي المطلق لهذه العربدة والتصرف كدولة فوق القانون.
تولّت الولايات المتحدة دور الوسيط الحصري بين طرفَي الصراع بعد توقيع اتفاقية أوسلو، فماذا كانت النتيجة؟ إنهم لم يكونوا وسيطًا نزيهًا على الإطلاق، بل على العكس أعطوا الغطاء السياسي والدبلوماسي، وكذلك الوقت للحكومات المتعاقبة في الكيان لتنفيذ أجنداتها التي تقوم على إنكار أي حقوق للفلسطينيين في وطنهم.
بنيامين نتنياهو الذي وقف في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي ورفع خارطة فلسطين التاريخية وأعلن بكل وقاحة أنه لن يكون بين النهر والبحر إلا دولة واحدة فقط هي "إسرائيل"، متنكرًا لأي حقوق فلسطينيّة، وهذا ما أكد عليه تصويت الكنيست بالأغلبية قبل أيام، وهذا الموقف الجذري من الصراع يخالف ما تدّعيه الولايات المتحدة من حق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
هناك الكثير الذي يمكن أن يقال عن النفاق وازدواجية المعايير الأميركية فيما يتعلق بالصراع، ولكن مساحة المقال لا تتسع للاستطراد في هذا المجال، ولكن يجب أن نتوقف طويلًا عند المحطة الأخيرة من الصراع، وهنا أقصد العدوان المستمر على قطاع غزة والذي وصفته العديد من الجهات الدولية بالإبادة الجماعية.
بعد أكثر من عشرة أشهر من العدوان المستمر الذي أدّى إلى استشهاد حوالي 40 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء وجرح أكثر من 100 ألف، بعضهم سيبقى معاقًا بقية حياته، وتدمير ما يزيد على 70٪ من مباني القطاع، بما فيها مباني المؤسسات الأممية، مدارس وجامعات ومستشفيات ومساجد وكنائس، وتدمير منهجي للبنية التحتية وتحويل قطاع غزة إلى مكان غير قابل للحياة حتى لو توقّفت الحرب، هذا إلى جانب الاستباحة الكاملة للضفة المحتلة، بضمّ الأراضي وتوسيع المستوطنات وتهويد القدس والقتل المستمرّ على مدار الساعة في كل القرى والمدن.
كل هذه الجرائم ما كانت لتحدث لولا الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، عسكريًا وأمنيًا استخباراتيًا، وماليًا وسياسيًا ودبلوماسيًا، فمنذ اليوم الأول وعلى لسان كل قادتها أطلقت الولايات المتحدة اليد الإسرائيلية لتفعل ما تريد دون خوف من أي عقاب، بل إن وزير خارجيتها أنتوني بلينكن تماهى مع الكيان وأهدافه، فقال في اليوم الأول: "جئت ليس فقط كوزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية وإنما أيضًا كيهودي".
نحن كشعب فلسطيني ورغم الأثمان الكبيرة التي دفعناها وندفعها على طريق الحرية والكرامة والاستقلال، مطمئنون لمآلات نضالنا، فهذه هي طبائع الأمور وسيرة كل الشعوب التي سلكت هذا الطريق، سنصل يومًا ما ونحتفل بقيام دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، شاء من شاء وأبى من أبى.
ولكن رسالتنا اليوم هي للقيادة الأميركية ومِن ورائها الشعب الأميركي: إن استقبال شخص متهم بكل أنواع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وفي مقدمتها جريمة الإبادة الجماعية والاحتفاء به وتمكينه من أرفع المنصات في الدولة لينشر أكاذيبه، هو نذير شؤمٍ عليكم قبل أن يكون علينا نحن الفلسطينيين وشعوب المنطقة، فلا يملك نتنياهو ومَن وراءه أن يفعلوا أكثر مما فعلوه حتى الآن، ومع ذلك فشلوا في تحقيق أي من أهدافهم، فبعد 75 سنة من الاحتلال لم ينعم هذا الكيان بالأمن والاستقرار.
إن استقبال نتنياهو في تناقض مباشر مع كل ما ترفعونه من قيم الحرية والعدالة والكرامة لهو المحطة الأخيرة في مسلسل الكذب والنفاق الذي تمارسونه، وعنوان مرحلة جديدة تنذر بالزوال لهذه الإمبراطورية العظمى في تاريخ البشرية، ففي أدبيّاتنا في الشرق نقول: "إن دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة"، فالدول التي تمارس الظلم أو تدعمه مصيرها الزوال حتمًا، قد لا يكون غدًا أو بعد غدٍ، ولكنه مصير حتمي.
الخطوة الصحيحة التي تقوم بها الدول المحترمة التي تراعي القانون أن تصدر أمرًا فوريًا باعتقال نتنياهو بمجرد أن تطأ قدماه الأراضي الأميركية؛ انسجامًا مع قرارات المؤسسات القضائية الدولية، وآخرها كان قرار المحكمة الجنائية الدولية.
شعبنا لن ينسى ولن يسامح كل من ظلمه أو من دعم من ظلمه.. ودوام الحال من المحال.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
زيادة عدد المشردين في الولايات المتحدة بنسبة 18.1% هذا العام
شهدت الولايات المتحدة زيادة بنسبة 18.1% في عدد المشردين هذا العام، وهو ارتفاع كبير مدفوع في الغالب بعدم وجود أسعار رخيصة للسكن بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية المدمرة.
وقالت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأمريكية إن الإحصاءات المطلوبة فيدراليا التي تم جمعها من جميع أنحاء البلاد بدءا من يناير الماضي أظهرت أن أكثر من 770 ألف شخص تم تسجيلهم كمشردين - وهو رقم لا يشمل بعض الأشخاص ولا يشمل أولئك الذين يقيمون مع أصدقاء أو عائلات لعدم وجود مكان خاص بهم.
وتأتي هذه الزيادة أعلى من نسبة 12% التي تم تسجيلها في عام 2023، والتي أرجعت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية سببها إلى ارتفاع الإيجارات ونهاية مساعدات جائحة كورونا.
وكانت الزيادة في عدد المشردين في عام 2023 مدفوعة أيضا بوجود أشخاص يعانون من التشرد لأول مرة، فيما تشير الأرقام الإجمالية إلى أن 23 من كل 10 آلاف شخص في الولايات المتحدة هم مشردون.
وقالت وزيرة الإسكان والتنمية الحضرية، أدريان تودمان في بيان: "لا ينبغي لأي أمريكي أن يواجه التشرد، وإدارة بايدن – هاريس ملتزمة بضمان أن يكون لكل أسرة حرية الوصول إلى السكن الميسور والآمن والعالي الجودة الذي تستحقه".
وأضافت أن التركيز يجب أن يظل على "الجهود القائمة على الأدلة لمنع التشرد وإنهائه".