جولة في شوارع غزة.. مهن مولودة وأخرى مفقودة
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
غزة- عاثت الحرب فسادا في وجه غزة، فتبدلت ملامح المدينة، والتبست على أبنائها الذين ومن فرط حبهم لها خلقوا ألف طريقة لتعينهم على البقاء في قلبها، كما أنهم تحايلوا على بعض أحلامهم التي نسفتها إسرائيل، فأجّلوها إلى أن تحط الحرب أوزارها لتُبنى من جديد، وقرروا التعايش مع سواها ولو بشكل لا يشبههم، معتنقين المقولة السائدة "الشغل مش عيب".
مرّت الجزيرة نت بشكل عشوائي على الباعة في سوق الصحابة المركزي بمدينة غزة، ففوجئنا بأن معظم الباعة من أصحاب الشهادات الجامعية، وقد دفعتهم الحرب لامتهان أشغال خلقتها لهم، فكانت جديدة على السوق، وكانوا هم أيضا حديثي عهد بها.
فهنا مهندس يبيع أفلاما وألعابا إلكترونية، وهذا محاسب يقف على نقطة لتبريد المياه، وذلك مبرمج يضع أمامه بسطة لبيع المعلبات، "اضطررنا لهذا ولا خيارات أخرى" يقولون للجزيرة نت، التي رصدت بعضا من قصصهم.
ظروف فرضتها الحربحوصر الممرض حسن لأسبوعين، ولفظه الموت من بين فكيه خلال اقتحام الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي وحصاره. ويقول للجزيرة نت: "لن أفكر بالعودة لعملي ممرضا خلال الحرب، ورفضتُ العمل بالمستشفى الأهلي، لأني على يقين أنه لا حصانة للكوادر الطبية على الإطلاق، وقررت أن أُقيت عائلتي من خلال بيع خبز مقلي بنكهات، يراه الناس بديلا للمقرمشات التي لم يذوقوها منذ بدء الحرب".
ويجلس بجواره المهندس خليل، الذي يتجمّع الشبان حوله لشراء الأفلام والمسلسلات والألعاب الإلكترونية. وقال للجزيرة نت: "أنا خريج هندسة حاسوب، ودُمرت شركتي الخاصة، ومللت من الجلوس في المنزل، فقررتُ أن أقدم شيئا مختلفا في ظل انقطاع الإنترنت، واعتماد الناس على الشرائح الإلكترونية أو نقاط الإنترنت".
إعلان في نقطة بيع أفلام ومسلسلات وألعاب إلكترونية في ظل انقطاع الإنترنت عن أهالي القطاع (الجزيرة)للأمام قليلا يفترش مواطنون على اختلاف أعمارهم الرصيف، هذا يحمل حاسوبا ويدرس مع زميله، وتلك تتحدث بمكالمة فيديو مع ابنها المغترب، وهذه فتاة تقوم بعملها في مواقع التسويق الرقمي.
تدركُ حينها أنك في نقطة تبيع الإنترنت بالساعة مقابل عدد من الشواكل. يقول صاحب نقطة الإنترنت: "هذا أكثر شيء مطلوب هذه الأيام، خصوصا بعد بدء الفصل الإلكتروني لطلبة الجامعات، حيث لم يعد المكان كافيا ليفترش الناس الرصيف".
بعد كل 50 مترا تطويها في شوارع غزة، تجد نقطة لشحن البطاريات والهواتف، وأخرى لتبريد الماء، وهي نقاط لجأ الناس إليها في ظل انقطاع الكهرباء معتمدين على الطاقة البديلة، كذلك نقاط إصلاح الدراجات الهوائية، التي تصدّرت وسائل المواصلات في ظل تضاعف أسعار المحروقات وعزوف السائقين عن العمل.
الحدّاد أبو باسم قرر العمل ببيع الحطب بعد تدمير الاحتلال لورشتي الحدادة الخاصتين به (الجزيرة) مهن جديدةيجلس الخمسيني أبو جواد وأمامه بسطة لبيع السجائر المعدة يدويا. "هل عملت بهذه المهنة من قبل؟" سألته الجزيرة نت، فيجيب: "لا، كنت سائق أجرة، واليوم لا أستطيع شراء السولار، وتضررت سيارتي التي كنت أعيل بها عائلتي، فاضطررت لبيع السجائر".
ويلجأ المدخنون لشراء السجائر من النقاط الموزعة على مفترقات الشوارع والطرق العامة، والتي ينتجها الباعة من بعض المكونات المتوفرة لديهم، في ظل ارتفاع سعر السجائر ووصول سعر العلبة الواحدة منها إلى 50 دولارا أميركيا.
وبينما خلقت الحرب مهنا جديدة على أصحابها وعلى سكان مدينة غزة، يتحايل البعض على مهنهم القديمة بشيء يشبهها، فمنذ عام 1985 يعمل أبو باسم حدادا في ورشتين له بمدينة خان يونس جنوب القطاع، لكن الجيش الإسرائيلي أحرقهما ودمر منزله، فقرر أن يبيع الحطب وهي المهنة الأقرب لمهنته التي يحب.
يقول أبو باسم للجزيرة نت: "إن الحطب صار بديلا عن غاز الطهي، لذا فإن الإقبال على شرائه صار ضرورة"، ويقول وهو يمسك المنشار بيده، ويتصبب عرقا وهو يقصّ الأخشاب لعدم توفر الكهرباء لتشغيل المقص الآلي: "مستعد أن أموت وأبقى أعمل بالحدادة، التي تعلمتها من جدي وعلمتها لأولادي، وهي الشيء الوحيد المتبقي لي ولهم بعدما خسرنا كل شيء".
ساري افتتح محل خياطة بعد النزوح الخامس وتدمير الاحتلال لمنزله ومركزه الخاص (الجزيرة)أما بالنسبة للخياط ساري الذي نزح 5 مرات، كان أول ما حمله في آخر نزوح له هو آلات الخياطة التي اشتراها حديثا، بعدما دمر الاحتلال مركز الخياطة الذي أنشأه قبل 15 عاما.
وعلى الرصيف وبينما كان ساري يرقّع خروق كومة ملابس أمامه، قال: "مهنتي عزيزة عليّ وأنا أحبها، حتى إني استدنت المال لأتمكن من الوقوف مجددا والعودة لممارستها".
وعن طبيعة المهام التي يقوم بها خلال الحرب، أوضح أنها مهام جديدة، تتركز على رقع الملابس وإصلاح الأقمشة التالفة الخارجة من تحت الأنقاض، وتصغير مقاساتها بما يتناسب مع أجساد الناس الهزيلة من سوء التغذية. وأضاف: "جاءتني سيدة اليوم حوّلتُ لها غطاء رأسها لبنطالين لأبنائها، فقد دمر الاحتلال بيتها وفقدت فيه كل ملابسهم".
ويبدو موضوع انقطاع الكهرباء هو التحدي الأكبر أمام ساري وأمثاله ممن يحاولون فتح مشاريع صغيرة يقتاتون منها وعائلاتهم، فصار العمّال يلجؤون للطاقة الشمسية رغم تكاليف تركيبها وصيانتها الباهظة.
الصيدلي محمود المصري افتتح صيدليته في خيمة جنوب قطاع غزة (الجزيرة) تطويع الظروفوبينما كان الرصيف هو المساحة التي وجدها ساري لممارسة عمله خياطا، فإنه أيضا كان الخيار الوحيد للصيدلي محمود المصري لينصب عليه خيمته ويفتتح صيدلية بدائية يمارس فيها مهنته التي يحب.
فمن صيدلية مركزية في بيت حانون أقصى شمال قطاع غزة، إلى نقطة طبية في رفح أقصى جنوبه، عمل فيها متطوعا مدة 5 أشهر، إلى صيدلية بخيمة على الرصيف المقابل لمجمع ناصر الطبي ولمناطق تجمع النازحين في خان يونس.
استخدم المصري خبرته وعلاقاته في الوصول لمستودعات الأدوية، التي سلمت من بطش آلة الحرب في جنوب القطاع، وتمكن من تحصيل الأدوية التي يُقبل عليها المرضى بكثافة. ويقول للجزيرة نت: "ما أفعله ليس مشروعا استثماريا، ولكنها محاولة مني لاستغلال علمي وخبرتي بما يخدم أبناء شعبي الذين يعانون في حرب الإبادة".
ويلفت المصري إلى أن الناس في مراكز النزوح بحاجة ماسة لشراء الأدوية وليس في جيبهم ثمنها، كما أنه يصف الحالة المأساوية للمرضى في مجمع ناصر الذين يدخلون صيدليته، وهم يحملون أكياس البول والدم لتلقّي الإبر العلاجية، لعدم قدرة المستشفى على إعطائهم إياها، نظرا لاكتظاظ الإصابات والجرحى على أسرة المستشفى.
ويبوح المصري بشعوره وهو يرى زملاءه ومدرسيه، وهم يقفون أمام البسطات لبيع العصائر الباردة، فيصفهم قائلا: "هو مزيج من شعور بالإحباط من الحال الذي صرنا إليه، وشعور آخر بالإصرار على مواصلة العيش ومحاولة التعايش مع هذا الواقع".
يعض المحاصرون داخل بقعة النار على حياتهم بالنواجذ، ويتمسكون بأحلامهم المولودة أصلا في حصار مطبقٍ عليهم مستمر منذ 18 عاما، لم تنجح خلالها إسرائيل في تقييد أحلامهم ووأد أمنياتهم، المتمثلة بوطن آمن وعيش كريم، كما يُجمعون.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
محافظ كفر الشيخ: تنفيذ رصف شوارع مدينة بيلا بتكلفة 18 مليون جنيه
بدأت الوحدة المحلية لمركز ومدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ، اليوم ، في تنفيذ أكبر خطط الرصف بشوارع مدينة بيلا، بإجمالي 33 ألف متر مربع، وبتكلفة إجمالية بلغت 18 مليون جنيه، ضمن الخطة الاستثمارية للعام المالي 2024 - 2025، لتقديم خدمة أفضل للمواطنين، وتسهيل الحركة المرورية.
بدء أعمال خطة الرصف بعدد من مناطق مدينة بيلاوقال اللواء دكتور علاء عبد المعطي، محافظ كفر الشيخ، إنّه جرى بدء أعمال خطة الرصف بعدد من مناطق مدينة بيلا وفقاً للخطة الموضوعة، حيث يجري كشط طبقة الأسفلت القديمة من ميدان التحرير بمدينة بيلا، لإزالة الأسفلت التالف من الميدان تمهيداً لفرد طبقة الأسفلت الجديد حتى لا يعلو المنسوب، ويعقبها باقي المناطق المحددة بالخطة، مشيراً إلى أنّ المحافظة تعمل جاهدة على الارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين، تنفيذاً لاستراتيجية التنمية المستدامة.
المناطق الموضوعة بخطة الرصفوأكد محافظ كفر الشيخ، أنّ المناطق الموضوعة بخطة الرصف تتضمن: «ميدان التحرير - منطقة البريد - منطقة عباد الرحمن - منطقة خلف قصر الثقافة - مدرسة بيلا الجديدة وصولاً لشارع بورسعيد - شارع الجمهورية وصولاً لاستاد بيلا الرياضي - شوارع تربط شارع الجيش بشارع المستشفى - شارع يربط طريق حازق بشارع الجيش - شارع السوق الجديد»، بالإضافة إلى إدراج عدد من الشوارع الأخرى وهي: «شارع بورسعيد - شارع عبد المنعم رياض - شارع السنترال - شارع الثورة - شارع بنزايون القديم»، ومن المقرر بدء أعمال الرصف في تلك الشوارع خلال يوليو المقبل.