الجزيرة:
2025-01-23@20:45:16 GMT

جولة في شوارع غزة.. مهن مولودة وأخرى مفقودة

تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT

جولة في شوارع غزة.. مهن مولودة وأخرى مفقودة

غزة- عاثت الحرب فسادا في وجه غزة، فتبدلت ملامح المدينة، والتبست على أبنائها الذين ومن فرط حبهم لها خلقوا ألف طريقة لتعينهم على البقاء في قلبها، كما أنهم تحايلوا على بعض أحلامهم التي نسفتها إسرائيل، فأجّلوها إلى أن تحط الحرب أوزارها لتُبنى من جديد، وقرروا التعايش مع سواها ولو بشكل لا يشبههم، معتنقين المقولة السائدة "الشغل مش عيب".

مرّت الجزيرة نت بشكل عشوائي على الباعة في سوق الصحابة المركزي بمدينة غزة، ففوجئنا بأن معظم الباعة من أصحاب الشهادات الجامعية، وقد دفعتهم الحرب لامتهان أشغال خلقتها لهم، فكانت جديدة على السوق، وكانوا هم أيضا حديثي عهد بها.

فهنا مهندس يبيع أفلاما وألعابا إلكترونية، وهذا محاسب يقف على نقطة لتبريد المياه، وذلك مبرمج يضع أمامه بسطة لبيع المعلبات، "اضطررنا لهذا ولا خيارات أخرى" يقولون للجزيرة نت، التي رصدت بعضا من قصصهم.

ظروف فرضتها الحرب

حوصر الممرض حسن لأسبوعين، ولفظه الموت من بين فكيه خلال اقتحام الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي وحصاره. ويقول للجزيرة نت: "لن أفكر بالعودة لعملي ممرضا خلال الحرب، ورفضتُ العمل بالمستشفى الأهلي، لأني على يقين أنه لا حصانة للكوادر الطبية على الإطلاق، وقررت أن أُقيت عائلتي من خلال بيع خبز مقلي بنكهات، يراه الناس بديلا للمقرمشات التي لم يذوقوها منذ بدء الحرب".

ويجلس بجواره المهندس خليل، الذي يتجمّع الشبان حوله لشراء الأفلام والمسلسلات والألعاب الإلكترونية. وقال للجزيرة نت: "أنا خريج هندسة حاسوب، ودُمرت شركتي الخاصة، ومللت من الجلوس في المنزل، فقررتُ أن أقدم شيئا مختلفا في ظل انقطاع الإنترنت، واعتماد الناس على الشرائح الإلكترونية أو نقاط الإنترنت".

إعلان في نقطة بيع أفلام ومسلسلات وألعاب إلكترونية في ظل انقطاع الإنترنت عن أهالي القطاع (الجزيرة)

للأمام قليلا يفترش مواطنون على اختلاف أعمارهم الرصيف، هذا يحمل حاسوبا ويدرس مع زميله، وتلك تتحدث بمكالمة فيديو مع ابنها المغترب، وهذه فتاة تقوم بعملها في مواقع التسويق الرقمي.

تدركُ حينها أنك في نقطة تبيع الإنترنت بالساعة مقابل عدد من الشواكل. يقول صاحب نقطة الإنترنت: "هذا أكثر شيء مطلوب هذه الأيام، خصوصا بعد بدء الفصل الإلكتروني لطلبة الجامعات، حيث لم يعد المكان كافيا ليفترش الناس الرصيف".

بعد كل 50 مترا تطويها في شوارع غزة، تجد نقطة لشحن البطاريات والهواتف، وأخرى لتبريد الماء، وهي نقاط لجأ الناس إليها في ظل انقطاع الكهرباء معتمدين على الطاقة البديلة، كذلك نقاط إصلاح الدراجات الهوائية، التي تصدّرت وسائل المواصلات في ظل تضاعف أسعار المحروقات وعزوف السائقين عن العمل.

الحدّاد أبو باسم قرر العمل ببيع الحطب بعد تدمير الاحتلال لورشتي الحدادة الخاصتين به (الجزيرة) مهن جديدة

يجلس الخمسيني أبو جواد وأمامه بسطة لبيع السجائر المعدة يدويا. "هل عملت بهذه المهنة من قبل؟" سألته الجزيرة نت، فيجيب: "لا، كنت سائق أجرة، واليوم لا أستطيع شراء السولار، وتضررت سيارتي التي كنت أعيل بها عائلتي، فاضطررت لبيع السجائر".

ويلجأ المدخنون لشراء السجائر من النقاط الموزعة على مفترقات الشوارع والطرق العامة، والتي ينتجها الباعة من بعض المكونات المتوفرة لديهم، في ظل ارتفاع سعر السجائر ووصول سعر العلبة الواحدة منها إلى 50 دولارا أميركيا.

وبينما خلقت الحرب مهنا جديدة على أصحابها وعلى سكان مدينة غزة، يتحايل البعض على مهنهم القديمة بشيء يشبهها، فمنذ عام 1985 يعمل أبو باسم حدادا في ورشتين له بمدينة خان يونس جنوب القطاع، لكن الجيش الإسرائيلي أحرقهما ودمر منزله، فقرر أن يبيع الحطب وهي المهنة الأقرب لمهنته التي يحب.

يقول أبو باسم للجزيرة نت: "إن الحطب صار بديلا عن غاز الطهي، لذا فإن الإقبال على شرائه صار ضرورة"، ويقول وهو يمسك المنشار بيده، ويتصبب عرقا وهو يقصّ الأخشاب لعدم توفر الكهرباء لتشغيل المقص الآلي: "مستعد أن أموت وأبقى أعمل بالحدادة، التي تعلمتها من جدي وعلمتها لأولادي، وهي الشيء الوحيد المتبقي لي ولهم بعدما خسرنا كل شيء".

ساري افتتح محل خياطة بعد النزوح الخامس وتدمير الاحتلال لمنزله ومركزه الخاص (الجزيرة)

أما بالنسبة للخياط ساري الذي نزح 5 مرات، كان أول ما حمله في آخر نزوح له هو آلات الخياطة التي اشتراها حديثا، بعدما دمر الاحتلال مركز الخياطة الذي أنشأه قبل 15 عاما.

وعلى الرصيف وبينما كان ساري يرقّع خروق كومة ملابس أمامه، قال: "مهنتي عزيزة عليّ وأنا أحبها، حتى إني استدنت المال لأتمكن من الوقوف مجددا والعودة لممارستها".

وعن طبيعة المهام التي يقوم بها خلال الحرب، أوضح أنها مهام جديدة، تتركز على رقع الملابس وإصلاح الأقمشة التالفة الخارجة من تحت الأنقاض، وتصغير مقاساتها بما يتناسب مع أجساد الناس الهزيلة من سوء التغذية. وأضاف: "جاءتني سيدة اليوم حوّلتُ لها غطاء رأسها لبنطالين لأبنائها، فقد دمر الاحتلال بيتها وفقدت فيه كل ملابسهم".

ويبدو موضوع انقطاع الكهرباء هو التحدي الأكبر أمام ساري وأمثاله ممن يحاولون فتح مشاريع صغيرة يقتاتون منها وعائلاتهم، فصار العمّال يلجؤون للطاقة الشمسية رغم تكاليف تركيبها وصيانتها الباهظة.

الصيدلي محمود المصري افتتح صيدليته في خيمة جنوب قطاع غزة (الجزيرة) تطويع الظروف

وبينما كان الرصيف هو المساحة التي وجدها ساري لممارسة عمله خياطا، فإنه أيضا كان الخيار الوحيد للصيدلي محمود المصري لينصب عليه خيمته ويفتتح صيدلية بدائية يمارس فيها مهنته التي يحب.

فمن صيدلية مركزية في بيت حانون أقصى شمال قطاع غزة، إلى نقطة طبية في رفح أقصى جنوبه، عمل فيها متطوعا مدة 5 أشهر، إلى صيدلية بخيمة على الرصيف المقابل لمجمع ناصر الطبي ولمناطق تجمع النازحين في خان يونس.

استخدم المصري خبرته وعلاقاته في الوصول لمستودعات الأدوية، التي سلمت من بطش آلة الحرب في جنوب القطاع، وتمكن من تحصيل الأدوية التي يُقبل عليها المرضى بكثافة. ويقول للجزيرة نت: "ما أفعله ليس مشروعا استثماريا، ولكنها محاولة مني لاستغلال علمي وخبرتي بما يخدم أبناء شعبي الذين يعانون في حرب الإبادة".

ويلفت المصري إلى أن الناس في مراكز النزوح بحاجة ماسة لشراء الأدوية وليس في جيبهم ثمنها، كما أنه يصف الحالة المأساوية للمرضى في مجمع ناصر الذين يدخلون صيدليته، وهم يحملون أكياس البول والدم لتلقّي الإبر العلاجية، لعدم قدرة المستشفى على إعطائهم إياها، نظرا لاكتظاظ الإصابات والجرحى على أسرة المستشفى.

ويبوح المصري بشعوره وهو يرى زملاءه ومدرسيه، وهم يقفون أمام البسطات لبيع العصائر الباردة، فيصفهم قائلا: "هو مزيج من شعور بالإحباط من الحال الذي صرنا إليه، وشعور آخر بالإصرار على مواصلة العيش ومحاولة التعايش مع هذا الواقع".

يعض المحاصرون داخل بقعة النار على حياتهم بالنواجذ، ويتمسكون بأحلامهم المولودة أصلا في حصار مطبقٍ عليهم مستمر منذ 18 عاما، لم تنجح خلالها إسرائيل في تقييد أحلامهم ووأد أمنياتهم، المتمثلة بوطن آمن وعيش كريم، كما يُجمعون.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

تأكيدا لموقف أُعلن منذ بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟

سلمت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الأسيرات الإسرائيليات المفرج عنهن ضمن صفقة التبادل واتفاق وقف إطلاق النار، شهادات تتضمن قرارات بالإفراج، وهو ما يعكس الموقف الذي أكدته كتائب القسام طوال شهور الإبادة بأن أسرى الاحتلال لن يفرج عنهم تحت النار وأن ذلك لن يتم سوى بقرار منها.

وبثت "كتائب القسام" مشاهد مصورة من تسليم الدفعة الأولى من الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، ضمن المرحلة الأولى، وظهر فيها عملية تسليم هدايا تذكارية وقرارات إفراج.


وتأتي هذه الخطوة لتشابه ما كان حكرا على الاحتلال الإسرائيلي بإصدار شهادات إفراج للأسرى الفلسطينيين بعد عناء طويل ليتعمد إذلالهم بالإجراءات الإدارية أو القضائية طويلة الأمد.



وعن هذا، علق الصحفي الفلسطيني صهيب العصا، قائلا: "لهذه الورقة وقع كبير في نفوس الأسرى الفلسطينيين على مدى سنوات طويلة؛ ينتظر الأسير شهورا وسنوات للحصول على ورقة من بضعة سطور بالعبرية عنوانها قرار إفراج".

"قرار الإفراج"
لهذه الورقة وقع كبير في نفوس الأسرى الفلسطينيين على مدى سنوات طويلة؛ ينتظر الأسير شهورا وسنوات للحصول على ورقة من بضعة سطور بالعبرية عنوانها "قرار إفراج"
تهتم المقاومة بالتفاصيل وتسلم الأسرى الإسرائيليين "قرار الإفراج".. قرار من المقاومة pic.twitter.com/9R9clbUPJo — صُهيب العصا | SUHEIB ALASSA (@SuAlassa) January 19, 2025
وترمز ورقة الإفراج التي أصدرتها المقاومة إلى النهاية القانونية لفترة الأسر والتأكيد على أن مصير الأسرى بيد المقاومة وحدها وهو ما يعزز موقفها في ميدان المفاوضات بعد فشل الاحتلال طوال 15 شهرا من إنهاء ملف الأسرى الإسرائيليين.

وحظيت خطوة كتائب القسام بتفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، فقال حساب باسم طارق: "القسام معطي الأسيرات شهادات تخرّج اللي فكر بالموضوع فنان أقسم بالله".

القسام معطي الأسيرات شهادات تخرّج
اللي فكر بالموضوع فنان اقسم بالله ???????????????? pic.twitter.com/LlLDjeC4Dh — طارق العرموطي (@tareq_alarmouti) January 19, 2025
وقال حساب آخر يحمل اسم محمود: "الأسرى يبدو أنهم منحوهم شهادات بالشرف الذي نالوه وكذلك صورا تذكارية".

الأسرى...
يبدو انهم منحوهم شهادات بالشرف الذي نالوه وكذلك صور تذكارية...
???? وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرًا رَشدًا… pic.twitter.com/dfow8QxLM8 — مَحْمُودْ سَالِمْ الْجِنْدِي (@DrMahmoudSalemE) January 19, 2025
أبو سمير عوامة: لو سمحتم هدوووء، أسيرات يوم السبت القادم عندهن امتحان فاينل ميداني، علشان يوخذن شهادة التخرج. pic.twitter.com/dlvfZ6KOGy — مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) January 20, 2025
فيما قالت بسمة: "طب وربنا اللي عمل الشهادات دي دماغه عاليه ومتكلفه.. شهادات تخريج الاسيرات حُسن سير وسلوك".

طب وربنا اللي عمل الشهادات دي دماغه عاليه ومتكلفه.. شهادات تخريج الاسيرات
حُسن سير وسلوك ????????✌️????#الاسيرات_الثلاث pic.twitter.com/D9BjBWgMvq — بسمه حمزه (@BsmhHmzh10734) January 19, 2025
وقال حساب يحمل اسم تامر: "صاحب الفكرة مطلوب للعالم، تخيل أنه بفضل تلك الفكرة، استطاع جذب جميع وسائل الإعلام العربية، والغربية، والعبرية إلى مشهد ابتسامة الأسيرات أثناء خروجهن من الأسر واستلامهن شهادات التخرج".

صاحب الفكرة مطلوب للعالم.

تخيل أنه بفضل تلك الفكرة، استطاع جذب جميع وسائل الإعلام العربية، والغربية، والعبرية إلى مشهد ابتسامة الأسيرات أثناء خروجهن من الأسر واستلامهن شهادات التخرج.

أضفى جاذبية جديدة ومثيرة للفيديو، ليكون مثالًا على التفكير خارج الصندوق pic.twitter.com/2dHWvQtwWC — Tamer | تامر (@tamerqdh) January 19, 2025
وتشمل الصفقة في مرحلتها الأولى تحرير 290 أسيرا من المحكومين بالمؤبد؛ وتضم أيضا جميع الأشبال والنساء وعددهم 95 شخصا، بينهم 87 أسيرة. 


ويتألف الاتفاق من 3 مراحل، تبلغ مدة كل منها 42 يوما، وتشمل المرحلة الأولى الإفراج عن 33 إسرائيليا محتجزين في قطاع غزة من أصل 98، سواء كانوا أحياء أو أمواتا، وذلك مقابل الإفراج بالمرحلة الأولى عن مئات الأسرى الفلسطينيين.

وتتضمن المرحلة الثانية من الاتفاق عودة الهدوء وتبادل المزيد من الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، دون الكشف بالمرحلة الراهنة عن الأعداد من الطرفين، بالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل من قطاع غزة. 

وتركز المرحلة الثالثة من الاتفاق على إعادة إعمار قطاع غزة على مدى 3 إلى 5 أعوام، وتبادل جثث ورفات الموتى والشهداء، وفتح جميع المعابر أمام حركة الأفراد والبضائع.

مقالات مشابهة

  • الجزيرة نت ترصد واقع الخدمات الكارثي في ود مدني
  • بعد أحداث الجزيرة .. أصوات شبابية ترفض عاصفة الكراهية في السودان
  • تعاون بين صحة الجزيرة والصحة العالمية لتنفيذ خطة مابعد الحرب
  • الأهلي يتعادل مع فاركو في الدوري المصري
  • إحصائية بالخسائر التي خلفتها حرب الإبادة  الإسرائيلية على غزة .. تقرير
  • «فيتش»: وقف الحرب في غزة يقلل المخاطر الجيوسياسية التي تواجه مصر والأردن
  • شباب الأهلي يهزم الجزيرة في الدوري الإماراتي بمشاركة النني
  • تأكيدا لموقف أُعلن منذ بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟
  • تأكيدا لموقف أُعلن من بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟
  • سلطان القاسمي يحث الناس على معرفة قصص أصحاب الأسماء في شوارع الشارقة