ربما يكون بايدن خارج السباق.. لكن حكم الأثرياء مستمر
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
انسحب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن من السباق الرئاسي، رضوخًا لضغوط زملائه الديمقراطيين الذين كانوا يخشون أن يؤدي إخفاقه في المناظرة الرئاسية التي جرت في يونيو/حزيران مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب – من بين أمور أخرى – إلى جعل ابن الثمانين عامًا أقل جاذبية للناخبين الأميركيين.
كان القرار ضخمًا وصعبًا، ويمكن القول إنه لولا "إرادة الله" لما استطاع رفاق الرئيس إقناعه بالانسحاب من السباق.
ولا شك أن زملاء بايدن الديمقراطيين كانوا على حق، وليس هذا لأنّ مرشحًا أفضل من الآخر في دولة يحكمها الأثرياء الملتزمون، حيث تتراوح خيارات التصويت بشكل عام، سواء كان الرئيس جمهوريًا أو ديمقراطيًا، بين شخصيات تتسم بسلوكيات معادية للمجتمع بدرجات متفاوتة من الوضوح.
بينما يتجادل المحللون والمفكرون حول مناقب هاريس في وسائل الإعلام الرئيسية، فإنّ السؤال الرئيسي الذي يشغل الحزب هو عن مصير وإمكانية انتقال تمويل يقدر بـ 96 مليون دولار جمعته حملة بايدن، إلى هاريس أو مرشح ديمقراطي آخر
غير أنّ زلات لسان بايدن الأخيرة – بما في ذلك تأكيداته على أن "أول امرأة سوداء تعمل مع رئيس أسود" في الولايات المتحدة – تشي بأنه ربما لم يكن في وضع مناسب يمكِّنه من الاستمرار قائدًا للقوة العظمى العالمية، من وجهة نظر لغوية، أو غيرها.
وبموضوعية، أيضًا، نقول إن أقل ما يوصف به أداؤه لمهامه خلال الأشهر التسعة الماضية – باعتباره المحرض الرئيسي على الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة – أنه لم يكن مثيرًا للإعجاب.
ولكن في منشوره الذي أعلن فيه انسحابه من السباق الرئاسي في 21 يوليو/تموز على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، فضَّل بايدن النظر إلى الجانب المشرق، مؤكدًا لـ "الرفاق الأميركيين" أن الولايات المتحدة "قامت باستثمارات تاريخية في إعادة بناء أمتنا، وفي خفض تكاليف الأدوية الموصوفة طبيًا لكبار السن، وفي توسيع نطاق الرعاية الصحية بأسعار معقولة لعدد قياسي من الأميركيين".
وللسخرية، فإنّ هذا التصريح يمثل خبرًا جديدًا لأميركيين كُثر ما زالوا يعانون من الفواتير الطبية والأدوية الباهظة الثمن. وكان من الممكن أن يكون والدي أحدهم، وهو مواطن أميركي ولد في تكساس وتوفي بسرطان البروستاتا في العاصمة واشنطن في أغسطس/آب 2023 عن عمر يناهز 72 عامًا، بعد أن أغراه أطباؤه بالعلاج الكيميائي المربح، الذي لم يجدِ نفعًا سوى التعجيل بوفاته.
بالإضافة إلى ذلك، فقد وُصف لوالدي عقَّار "إكستاندي" (Xtandi) علاجًا لسرطان البروستاتا، وهو دواء تم تطويره بأموال دافعي الضرائب الأميركيين، ولكن ليس بغرض "خفض تكاليف الأدوية الموصوفة لكبار السن"، فقد كان على والدي سداد فاتورة لا تقلّ عن 14,579 دولارًا للشهر الواحد.
على أية حال، هذه هي الرأسمالية الأميركية، وهي للأسف ليست شيئًا يمكن معالجته عبر مسرحية انتخابات ديمقراطية.
البديل المحتمل لبايدن في السباق الرئاسي هي نائبته الحالية، كامالا هاريس. وبينما يتجادل المحللون والمفكرون حول مناقبها في وسائل الإعلام الرئيسية، فإنّ السؤال الرئيسي الذي يشغل الحزب هو عن مصير وإمكانية انتقال تمويل يقدر بـ 96 مليون دولار جمعته حملة بايدن، إلى هاريس أو مرشح ديمقراطي آخر؛ أو بصياغة أخرى: ما الذي سيحدث لكل تلك الأموال التي جُمعت لصالح أحد الأثرياء دون الآخر؟
وكما نوَّه مقال نشرته قناة الجزيرة في أعقاب انسحاب بايدن إلى أن "عدم وجود سابقة للوضع الحالي، طرح أسئلة حول مصير صندوق حملة بايدن. ففي الولايات المتحدة، على أية حال، يمكن أن يصل الإنفاق على الانتخابات إلى ملايين الدولارات، إن لم يكن المليارات منها".
ومع وجود الملايين والمليارات التي تُتداول في الانتخابات، فمن الواضح أنه ليس ثمة احتمال كبير؛ لأن تكون هناك ديمقراطية فعلية. هذا على الرغم من ادعاء بايدن العاطفي في منشوره على منصة "إكس" أنه "لم يكن من الممكن القيام بأي شيء من هذا القبيل بدونكم، أيها الشعب الأميركي. لقد تغلبنا معًا على جائحة تحدث مرة كل قرن، وعلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير. لقد قمنا بحماية ديمقراطيتنا والحفاظ عليها".
وبينما يتراجع بايدن عن محاولته لإعادة انتخابه، إلا أنه لا يتنحى عن منصب الرئاسة. لقد أوضح جليًا أنه يعتبر إكمال بقية فترة ولايته "في مصلحة حزبي والبلد"، وأنه سيركز على "واجباته كرئيس".
ومن بين "واجباته" الرئاسية التي يتعين عليه إنجازها في الوقت الحاضر، استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع في البيت الأبيض – لأن الإبادة الجماعية هي بالتأكيد "في مصلحة حزبي والبلد".
وفي حين يمضي الأميركيون قدمًا في عملية تحول انتخابي شامل، فإنهم يحسنون صنعًا لو أنهم تأملوا في المشهد المتعلق بحكم الأثرياء لبلادهم.
في رسالة الوداع، وقّع بايدن بالكلمات التالية: "أنا أؤمن اليوم بما كنت أؤمن به دائمًا: أنه لا يوجد شيء لا تستطيع أميركا فعله، عندما نقوم بذلك معًا. علينا فقط أن نتذكّر أننا الولايات المتحدة الأميركية".
ولعلّ هذا ما يجب على الجميع أن يتذكّروه في النهاية: أنّ الولايات المتحدة هي الولايات المتحدة، بغض النظر عمّن يتولى القيادة، ولا يوجد "شيء لا تستطيع أميركا فعله" لتضيف المزيد من الفواجع للعالم.
ربما يكون بايدن خارج السباق، لكن حكم الأثرياء، الذي يسمّونه "الديمقراطية" الأميركية، مستمرّ.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الولایات المتحدة لم یکن
إقرأ أيضاً:
استطلاع: 75% من العلماء الأمريكيين يفكرون في مغادرة الولايات المتحدة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تشهد الساحة العلمية في الولايات المتحدة تغييرات جذرية غير مسبوقة نتيجة السياسات التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب، مما دفع عددًا كبيرًا من العلماء إلى إعادة التفكير في حياتهم المهنية وخططهم المستقبلية.
ووفقًا لاستطلاع أجرته مجلة " نيتشر" البريطانية، فإن أكثر من 1200 عالم — أي نحو 75% من المشاركين في الاستطلاع — أعربوا عن أنهم يفكرون في مغادرة الولايات المتحدة؛ بسبب الاضطرابات التي أحدثتها الإدارة الجديدة. وقد جاءت أوروبا وكندا في مقدمة الوجهات المحتملة للانتقال.
وكانت هذه النزعة أكثر وضوحًا بين الباحثين في بداية مسيرتهم المهنية. فمن بين 690 باحث دراسات عليا شاركوا في الاستطلاع، قال 548 منهم إنهم يفكرون في المغادرة، كما أعرب 255 من أصل 340 طالب دكتوراة عن نفس التوجه.
وتعكس هذه النوايا تداعيات قرارات إدارة ترامب التي شملت تقليص تمويل الأبحاث بشكل كبير، ووقف عدد كبير من برامج العلوم الممولة اتحاديًا، في إطار سياسة شاملة لخفض الإنفاق تقودها الحكومة تحت إشراف الملياردير إيلون ماسك، الذي يقود وزارة كفاءة الحكومة الأمريكية.
وقد تم فصل عشرات الآلاف من الموظفين الفيدراليين، بمن فيهم عدد كبير من العلماء، ثم أعيد توظيف بعضهم بأوامر قضائية، مع استمرار التهديد بمزيد من عمليات الفصل الجماعي. في الوقت ذاته، زادت القيود على الهجرة وتصاعدت الخلافات حول حرية البحث الأكاديمي، مما عمّق حالة الاضطراب واللايقين التي تطغى على المجتمع العلمي في البلاد.
ووجهت مجلة "نيتشر" سؤالًا لقرائها حول ما إذا كانت هذه التغييرات تدفعهم للتفكير في مغادرة الولايات المتحدة. وقد نُشرت الدعوة للمشاركة في وقت سابق من الشهر الجاري عبر موقع المجلة، ومنصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشرة "Nature Briefing" الإخبارية. وأكمل الاستبيان نحو 1650 مشاركًا.
وأشار كثير من المشاركين إلى أنهم يبحثون عن بلدان تربطهم بها علاقات مهنية أو شخصية، أو يتحدثون لغتها. وكتب أحدهم: "أي مكان يدعم البحث العلمي سيكون مناسبا"، في حين قال آخرون ممن انتقلوا سابقًا إلى الولايات المتحدة للعمل إنهم يخططون للعودة إلى بلدانهم الأصلية.
وتقول طالبة دراسات عليا في إحدى أعرق الجامعات الأمريكية، تعمل في مجال جينوم النبات والزراعة: "هذا هو وطني — أحب بلدي بشدة، لكن الكثير من أساتذتي ينصحونني بالمغادرة فورًا"، حيث أنها فقدت تمويلها البحثي ومنحتها الدراسية بعد أن أوقفت إدارة ترامب تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لكن مشرفها الأكاديمي تمكن من تأمين تمويل طارئ مؤقت. والآن تسعى بشدة للحصول على وظيفة كمساعدة تدريس، رغم أن هذه الوظائف أصبحت شديدة التنافس.
وكانت الطالبة تخطط مسبقًا للالتحاق بزمالة ما بعد الدكتوراة في الخارج بسبب اهتمامها بالزراعة الدولية، لكن فقدان التمويل ورؤية زملائها يُفصلون دفعاها لتحويل الفكرة إلى خطة ملموسة. وتقول: "رؤية كل هذا العمل يتوقف أمر مفجع.. أبحث بجد عن فرص في أوروبا وأستراليا والمكسيك".
وتضيف أنها تأمل في العودة إلى الولايات المتحدة لاحقًا إذا استقر الوضع، لكنها تؤكد أن إدارة ترامب "أوضحت تمامًا" أن مجال اهتمامها، وهو النظم الغذائية العالمية، "ليس ضمن أولوياتها".
وأشارت إلى أن التمويل الخيري في الداخل الأمريكي، فهو خيار متاح، لكنها تتوقع منافسة شرسة عليه، نظرًا لكثرة المشاريع التي فقدت تمويلها الفيدرالي.
ويقول باحث أمريكي آخر يعمل كطبيب- باحث في جامعة مرموقة: "الاضطرابات كانت مدمّرة بشكل خاص للعلماء في بداية مسيرتهم... المحققون الرئيسيون قد يكونون قادرين على النجاة، لكن نحن، كباحثين ناشئين، لا نملك هذا الترف. هذا وقت حاسم في مسيرتنا، وقد انقلب رأسًا على عقب في غضون أسابيع".
وأكد هذا الباحث، الذي نشأ في الولايات المتحدة، أنه بدأ ينظر بجدية إلى كندا كوجهة بديلة. وفي اليوم الذي تم فيه إنهاء تمويل منحة المعاهد الوطنية للصحة (NIH) الخاصة به، تواصل مع قسم في جامعة كندية سبق أن حاول جذبه للعمل هناك. ويقول إنه الآن هو وزوجته، وهي أيضًا عالمة، يخوضان مقابلات عمل في كندا ويأملان في الانتقال بحلول نهاية العام.
ويضيف: "الجامعات في الخارج تستغل هذا الوضع لصالحها. ما أسمعه من المؤسسات التي نتحدث إليها، هو أن كثيرًا منها يرى في هذه اللحظة فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل. لقد انتقلوا من التساؤل: 'هل يمكننا استقطاب بعض الباحثين؟' إلى: 'كم عدد الباحثين الذين يمكننا فعليًا ضمهم؟' — لأن الطلب موجود فعلًا".
ورغم كل هذا، عبر بعض المشاركين عن رغبتهم في البقاء. كتب أحدهم: "الأوساط الأكاديمية الأمريكية تملك أفضل بنية تحتية للبحث"، لكن الأغلبية التي أعربت عن نيتها في المغادرة سلطت الضوء على التحديات المتزايدة فى حالة استمرار تقليص التمويل لمعاهد الصحة الوطنية والبحثية حيث لن يكون هناك خيار آخر سوى المغادرة.