بدر بن خميس الظفري
في التراث الهندي، يُحكى أن أميرة جميلة كانت تعيش في قصر والدها الملك. في أحد الأيام، بينما كانت تتجول في حديقة القصر، وجدت ثعبانًا صغيرًا جريحًا. رق قلب الأميرة له وأخذته إلى القصر، وقامت برعايته وتقديم الطعام له حتى تعافى.
كبر الثعبان وأصبح ضخماً، لكن الأميرة لم تخف منه وظلت تعتني به وتعامله كأنه حيوان أليف.
ذات يوم، بينما كانت الأميرة تلعب مع الثعبان في حديقة القصر، قام الثعبان بعضها بقوة وأودى بحياتها. عمت الفوضى والحزن في القصر، استدعى الملك حكماء المملكة وسألهم عن سبب مهاجمة الثعبان لابنته التي كانت تعتني به طوال هذه السنوات. أجاب أحد الحكماء قائلاً: "مهما حاولنا تغيير طبيعة الحيوان، فإنه يبقى محتفظًا بطبيعته الأصيلة. لقد تصرف الثعبان بناءً على غريزته البرية، وهذا هو السبب في حدوث هذه المأساة."
القصة تحمل في طياتها عبرة مهمة وهي أن الطبيعة الحقيقية للكائنات، بما فيها الإنسان، قد تظهر في أي لحظة، وأنه يجب توخي الحذر عند التعامل معها، بغض النظر عن مدى ترويضها أو الرعاية التي تقدم لها.
تنطبق هذه القصة على الأحداث الأخيرة التي وقعت في منطقة وادي الكبير في العاصمة مسقط، التي راح ضحيتها قتلى وجرحى، بمن فيهم شرطي عماني هو الرقيب يوسف الندابي رحمه الله، والذي استشهد على يد مجموعة ممن تحولوا قريبا إلى الفكر الداعشي الضال، بعدما كانوا يتبعون الفكر العماني الديني الوسطي، وهو فكر إسلامي تبناه العمانيون منذ أن من الله عليهم بدخول الإسلام قبل ١٤ قرنا من الزمان، واستمروا عليه قبل أن يسمحوا للأفكار الظلامية المتطرفة بالتغلغل بينهم تحت شعار التسامح والتعايش.
إن العقيدة التي يحملها تنظيم داعش هي عقيدة لم تخرج مع ظهور التنظيم عام ٢٠١٣ بقيادة أبي بكر البغدادي، بل هي ناتجة عن أيديولوجية ظهرت إلى السطح قبل حوالي ثلاثة قرون، دعا فيه أصحاب هذا المنهج إلى تكفير وتبديع المسلمين تحت شعارات براقة، وفصلوا شروطا على مقاسهم، حددوا بناء عليها المسلم وغير المسلم، وحكموا على أكثر المسلمين بأنهم مشركون خارجون عن الملة، وطبقوا عليهم حد الردة، معتمدين على فتاوى قديمة جدا، نبذها الناس سنوات طويلة، فنبشها هؤلاء من قبورها، وأقاموا على أساسها دولة.
وقد يرد البعض بأن تنظيم داعش هو لعبة استخباراتية عالمية، تستعملها القوى الشريرة من أجل إحداث فوضى في الدول التي لا تطيعها في كثير من الأمور، وأنه ليس مختصا بمدرسة معينة أو منهج ديني محدد.
ونحن نوافق أصحاب هذا الرأي، ونؤيدهم بقوة فيما يتعلق باللعبة الاستخبارية، إلا أن الاستخبارات لا تستطيع أن تنشيء فكرا جديدا من العدم ما بين عشية وضحاها، فهذا أمر يحتاج إلى وقت طويل، وجهد حثيث، وتراث علمي كثيف، بل تستغل ما هو موجود من الطوام الفكرية، والعقائد التكفيرية، والفتاوى التحريضية، لتجند المؤمنين بتلك العقائد والفتاوى، ثم تستعملهم لتنفيذ مخططاتهم الشريرة.
ولكي تتضح الصورة أكثر، نورد هنا ما قاله عادل الكلباني، إمام الحرم المكي السابق في مقابلة له على قناة إم بي سي السعودية، إذ قال: ".. هم يستدلون بأن داعش هي صناعة استخباراتية. الاستخبارات لا تنشيء شيئا جديدا، هي تستغل الموجود. ولذلك تجد أكثر من ينقدها ينقد فعلها لا ينقد فكرها. هي لا شك مدت بعتاد ومدت بأسلحة وترك لها مجال رحب لتسير في الأرض ".
وقد أدرك من كانوا يرعون هذا النهج ويحتضنونه في السنوات الأخيرة خطورة هذا الفكر الإقصائي، بعدما ذاقوا هم أنفسهم تداعياته، وتجرعوا من ويلاته، وفقدوا من أبنائهم وفلذات أكبادهم بسبب منهجه الإجرامي، فأعلنوا حربا شاملة عليه، وغيروا مناهجهم الدينية اتقاءً لشره، وانفتحوا على العالم بأبواب عريضة ليس لها حدود، وهم مستمرون حتى الآن في انتزاعه من بلادهم بل هوادة ولا تسامح، مستعملين يدا من حديد في قمعه، وشعلة من نار في حرقه، فامتلأت السجون من أتباعه ومنظريه ومروجيه، بل حتى من يلمح لتأييده لم يسلم من عقوبة قاسية تطاله.
وماذا كانت نتيجة ذلك؟
لقد ازدهرت البلاد، وانتشرت الحريات، وعم الأمن، وسقطت الخرافات الدينية، وارتاح الناس من التعصبات الضيقة، وتنفست النساء طعم الحياة، واستنشق الشباب رياحين الترفيه.
وإذا كان هذا الفكر الظلامي قد نبذه أصحابه، واكتشفوا أنه وبال عليهم، فليس من الحكمة في شيء أن يسمح له بالتمدد والانتشار في بلد آخر بدعوى التسامح والتعايش، وحرية الرأي، وتقبل الآخر، فالتسامح يكون مع من يراك شريكا له في المصير، ومع من يسعى إلى أن تعيشا معا تحت وطن واحد وأنتما تنعمان بالأمن والأمان، وليس مع شخص يراك عدوا له، ينتهز أي فرصة لكي يقتلك، وهو يرى أنه يتقرب إلى الله بإيذاءك، ويكون ولاؤه لوطن غير وطنه، بناء على فتاوى ترسخت في عقله، يعدها دينا يعبر به إلى الجنة. وقد أجاد الشاعر في وصف أمثال هؤلاء عندما قال:
من أكرم الذئب أو رباه مع غنم **** يعدو عليها بطبع الخائن الرذل
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أكثر من مليار آسيوي يحتفلون بحلول “سنة الثعبان” الصينية
يحتفل أكثر من مليار شخص في آسيا اعتبارا من اليوم الأربعاء بالعام القمري الجديد وبداية سنة الثعبان وهي مناسبة تتعدد طقوس إحيائها من بكين إلى بانكوك. ويحظى الصينيون بإجازة لمدة ثمانية أيام متتالية، يلتقون فيها حول مأدبة الطعام ويحضرون عروضا تقليدية أو يطلقون المفرقعات والألعاب النارية لطرد الأرواح الشريرة.
وشهدت محطات القطارات والمطارات في مختلف أنحاء الصين ازدحاما في الأيام الأخيرة مع عودة مئات الملايين من الأشخاص إلى بلدهم لقضاء العطلات مع أحبائهم.
وفي بكين، تحدى السكان البرد، مع انخفاض الحرارة إلى عشر درجات مئوية تحت الصفر، فقصدوا الحدائق والمعابد لتوديع عام التنين بالصلاة وبمشاهدة الرقصات.
واكتست الشوارع ومراكز التسوق والمنازل بزينة حمراء احتفالية، ترمز إلى السعادة والازدهار، في بعض أجزاء شرق آسيا وجنوب شرقها، بما في ذلك كوريا الجنوبية وسنغافورة وفيتنام وتايلاند.
في فيتنام، تجمعت العائلات لاستذكار أسلافها الراحلين من خلال قرابين تقليدية من الموز التقليدي، مع أن البعض اضطر إلى البحث عن بدائل بسبب ارتفاع الأسعار.
وفي تايوان، توافد الناس من مختلف الأعمار إلى المعابد للصلاة وتقديم القرابين من الفاكهة والبسكويت والمكسّرات.
وفي بانكوك، تدفقت حشود من السكان المحليين والسياح إلى معبد وات مانغكون كامالاوات، أبرز المعابد البوذية الصينية في العاصمة التايلاندية.
وفي العاصمتين الفيليبينية والإندونيسية مانيلا وجاكرتا، نزلت الحشود إلى الشوارع أيضا لمشاهدة عروض رقصة الأسد.
وتُشكّل الأعياد أيضا فرصة للأهل أو للأجداد لتوزيع الأموال على أبنائهم غير المتزوجين. وعادة ما يتم وضعها في “مغلفات حمراء”، ولكن أيضا، بفضل التكنولوجيا الحديثة، تُحوّل مباشرة بواسطة الهواتف الذكية.
ويُتوقع أن تشهد الصين خلال فترة تستمر 40 يوما قبل الأعياد وأثناءها وبعدها نحو تسعة مليارات رحلة بين المناطق بمختلف أنواع وسائل النقل، وفقا لوسائل الإعلام الرسمية.
وأشارت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) إلى أن عدد رحلات القطارات والطائرات يُحتمَل أن يصل إلى “مستويات قياسية” هذا العام.
اقرأ أيضاًالمنوعاتاندلاع حريق في طائرة بكوريا الجنوبية..ونجاة جميع الركاب
وأفادت وزارة النقل الصينية بأنها تتوقع 510 ملايين رحلة قطار و90 مليون رحلة طائرة خلال هذه الفترة.
وفي كوريا الجنوبية، تسبّب تساقط الثلوج هذا الأسبوع في تعطيل حركة القطارات والطائرات والحافلات التي شهدت إقبالا كثيفا.
وأظهرت مشاهد نشرتها وسائل إعلام كورية جنوبية مركبات مغطاة بالثلوج عالقة على الطرق الرئيسية في مختلف أنحاء البلاد.
وأفادت الشركة المشغلة لمطار إنتشون الدولي، أكبر مطارات سيول، بأن نحو 2,14 مليون مسافر، أي بمعدل نحو 214 ألف يوميا، يُتوقَع أن يستخدموا رحلات دولية ما بين 24 يناير و2 فبراير.
وأضاف أن “من المتوقع أن يكون هذا الرقم أعلى متوسط لعدد الركاب اليومي خلال عطلة رأس السنة القمرية الجديدة منذ افتتاح المطار” في عام 2001.
وامتدت الاحتفالات حتى إلى الفضاء، حيث أرسل رواد الفضاء الصينيون كاي شوزهي وسونغ لينغ دونغ ووانغ هاوزي تحياتهم من محطة الفضاء “تيانغونغ” التي تدور حول الأرض.
وأظهر مقطع فيديو نشرته وكالة الفضاء الصينية الرواد يرتدون بزّات زرقاء عليهما أنماط سحب حمراء تقليدية، ويحملون قطعتين من الورق المقصوص تصوّر الحرف الصيني “فو”، رمز للحظ السعيد.