خصيتا نمر وحساء عش الطيور..كشف أسرار ما تناوله الأباطرة الصينيون بالمدينة المحرّمة
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كانت المدينة المحرمة ذات يوم واحدة من أقوى الأماكن على وجه الكوكب. وفي عام 1420، بينما كانت أوروبا في خضم حرب المائة عام وأمريكا غير مكتشفة بعد، كان حاكم أسرة مينغ الصينية ينتقل إلى منزله الجديد في وسط بكين، بهدف تعزيز قبضته على إمبراطورية آخذة في التوسّع.
وداخل قصورهم الضخمة، كان أباطرة الصين محصنين، ليس بفضل أميال من الجدران المحيطة بهم فحسب، بل نظرا للسرية الشديدة التي حكمت حياة الملوك.
وبعد طرد آخر إمبراطور في عام 1924، وخلال السنوات التي تلت ذلك، عندما بدأ أكبر مجمع قصور في العالم بفتح أبوابه للعالم الخارجي، كُشفت ألغاز الكثير من الزوايا في المدينة المحرّمة.
ولكن موضوعًا واحدًا لا يزال غامضًا حتى اليوم، أي الطعام.
وبعد عقود من سقوط الصين الإمبراطورية، وحتى مع استمرار المؤرخين في التعاون لدراسة ماضي الصين، لا يُعرف سوى القليل عما كانت تتناوله إحدى أغنى وأقوى الأسر في العالم، خاصة في أيامها الأولى، نظرًا لأن غالبية الوثائق القديمة التي قد تقدّم نظرة ثاقبة حول هذا الموضوع، قد أغلقت بسبب حالتها الهشة.
ويُعد تشاو رونجوانج، وهو مؤرخ طعام من مقاطعة هيلونغجيانغ بشمال الصين، واحدا من الأشخاص القلائل، وربما الوحيد، الذي تمكن من الوصول إلى جميع هذه الأطعمة ودراستها بشكل شامل قبل إغلاق تلك الوثائق.
وهذا ما جعله قادرا على فضح العديد من الأساطير المتعلقة بالطعام داخل القصر التي استمرت لعقود من الزمن.
وبدأ تشاو في التوغل بأسرار الطبخ الخاصة بالمدينة المحرمة قبل أكثر من 4 عقود.
وفي الثمانينيات، كانت بكين لا تزال مدينة للدراجات والشوارع الخلفية، أي بعيدة كل البعد عن ناطحات السحاب والطرق السريعة التي تبدو عليها اليوم.
وعندها قام تشاو، الذي يبلغ من العمر الآن 76 عامًا، بجمع المال من وظيفته كمدرّس، بهدف السفر إلى بكين من أجل مهمته المتمثلة في معرفة ما تناوله أباطرة الصين القدماء وعائلاتهم حقًا.
مع ذلك، لم تكن مهمته سهلة، إذ تواجدت عقبتان رئيسيتان في دربه، أولهما أسرار القصر الصامدة، إذ لم يُكشف إلا عن القليل لمن هم خارج أسواره الحمراء الشاهقة، وثانيهما عدم توفر وثائق تركز على ما تناوله سكان القصر.
وأصر تشاو على العودة إلى ما كان يُسمى آنذاك الأرشيف التاريخي الأول للصين، في القصر القديم، أو بوابة الازدهار الغربية، حيث كان يدقق في الوثائق الإمبراطورية التي يعود تاريخها إلى قرون من الزمن، والتي يعتقد أنها كانت مغلقة في التسعينيات.
وبدأ في تكوين صورة لكيفية تطور تناول الطعام في المدينة المحرمة، مع التركيز على ثلاث شخصيات تاريخية كانت أساسية في تشكيل عادات الأكل الملكية. والآن، بعد مرور نحو 40 عامًا على بدء بحثه، أصبح لديه فكرة جيدة عن الموضوع.
وأوضح تشاو لـ CNN أن البداية كانت مع الإمبراطور كانغ شي من أسرة تشينغ، الذي سيطر بالكامل على الصين بعد عام 1644 عندما أطيح بأسرة مينغ الإمبراطورية، المتحالفة مع مجموعة الهان العرقية ذات الأغلبية في الصين.
وفي ظل حكمه، بين عامي 1661 و1722، دخلت البلاد في عصر سلمي نسبيًا بعد عقود من القتال بين الأسر الحاكمة، ما أدى إلى بعض التغييرات المثيرة للاهتمام في قائمة الطعام داخل المدينة المحرمة.
في البداية، بعد دخول أسرة تشينغ، كانت الأطعمة التقليدية من منطقة المانشو البدوية في شمال شرق الصين مطروحة على المائدة، وفقًا لوثائق من العصر الذي درسه تشاو.
وفي منتصف عهد كانغ شي، بدأت الأنظمة الغذائية الملكية في التطوّر.
وقال تشاو: "كان لا يزال هناك الكثير من الطرائد المشوية والأطعمة غير العادية على مائدة كانغ شي، مثل خصيتي النمر".
واعتقد القدماء أن خصيتي النمر تتمتعان يتأثير يعزز الرغبة الجنسية، حسبما ذكره تشاو، مضيفًا: "أعتقد أن كانغ شي قد تناول الكثير منها، إذ تم تسجيل اصطياده أكثر من 60 نمرًا في حياته".
وأوضح تشاو أن عرف الديك، كان مكونًا آخر يتم تناوله كمنشط جنسي.
ولكن في نهاية المطاف، مع استقرار المجتمع بشكل أكبر خلال حكم كانغ شي، بدأت المزيد من أطباق الهان العرقية في الظهور، مثل يخنة قوانص البط.
وأصبح العالم الغامض للطعام في المدينة المحرمة أكثر وضوحًا عند الانتقال إلى حفيد كانغ شي، وهو شخصية مهيبة تُعرف باسم الإمبراطور تشيان لونغ.
وخلال نحو 61 عامًا من توليه العرش (1735-1796)، أي الفترة التي يعتبرها تشاو المرحلة الثانية المهمة من تطور الطهي في المدينة المحرمة، قام تشيان لونغ بتسجيل قوائم طعامه اليومية بدقة، وهذا السجل الورقي يعني أن المؤرخين بإمكانهم إعادة بناء رؤية أكثر دقة من نمط الحياة في القصر بذلك الوقت.
واستنادا إلى الوثائق التاريخية، كان تشيان لونغ يتناول وجبتين رئيسيتين يوميا، أي وجبة الفطور عند الساعة 6 صباحًا ووجبة العشاء عند الساعة 2 بعد الظهر. ولكن بعد استيقاظه في الساعة الرابعة صباحًا مباشرةً، كان عادةً يتناول وجبة خفيفة، مثل حساء عش الطائر، قبل وجبته الصباحية وعمله.
وفي الليل، بينما كان يراجع التقارير والطلبات من جميع أنحاء البلاد، كان يتناول وجبة أخرى عند الساعة الثامنة مساءً. أو 9 مساءً. تتكون غالباً من أطباق صغيرة من الطعام يتراوح عددها بين 8 و10.
وأشار تشاو إلى أنه "كان يتناول العشاء عادة بمفرده باستثناء وقت تناول وجبات الطعام الخفيفة في الليل، عندما كان يتناول الطعام مع رفيقته التي كان سينام معها".
وأوضح تشاو أن تناول الطعام والنوم جيدًا، حتى يتمكن من إنجاب أبناء له، كانتا مهمتان رئيسيتان للإمبراطور.
وبما أنه كان حاكمًا للبلاد، فإن ذلك يعني أنه يمكنه الاستمتاع بأفضل المكونات، ولكن تشيان لونغ لم يكن من الذواقه. ويتفق كل من تشاو والخبراء في متحف قصر هونغ كونغ على أن تناول الطعام داخل المدينة المحرمة لم يكن فخمًا كما قد يفترض البعض.
وقالت ديزي ييو وانغ، وهي نائب مدير متحف قصر هونغ كونغ إن "غالبية (الأباطرة) نشأوا في بيئة شديدة الانضباط. وكان من المفترض أن يكون نظامهم الغذائي صحيًا، وأن تتم دراسته من قبل الكثير من الأشخاص".
مأدبة مانشو-هان الأسطوريةكانت أسطورة مأدبة مانشو-هان الباذخة، ترتبط بشكل وثيق بالإمبراطورة الأرملة تسيشي، التي حكمت الصين بلا رحمة لمدة نحو خمسين عاماً حتى وفاتها في عام 1908.
وتُعتبر تسيشي مسؤولة إلى حد كبير عن المرحلة الثالثة والأخيرة من أبحاث تشاو حول أسرار الطعام في المدينة المحرمة.
وتضخم فخر الطهي الوطني نحو مأدبة أسطورية تُسمى "مأدبة مانشو-هان"، والتي ظهرت لأول مرة خارج المدينة المحرمة في أواخر عهد أسرة تشينغ، وانتشرت في معرض أقيم في مدينة قوانغتشو بجنوب الصين بالخمسينيات من القرن الماضي.
قال تشاو: "في عام 1957، بمعرض الاستيراد والتصدير الصيني الأول في قوانغتشو، أقام أحد البائعين مأدبة فخمة للعرض".
وأضاف: "من بين الدول الأجنبية القليلة التي أرسلت ممثليها، أبدى رجال الأعمال اليابانيون اندهاشهم. وتصادف أن الاقتصاد الياباني كان يتعافى بسرعة بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أرادوا التعرف على هذه الوليمة الفخمة، وسألوا أحد الموظفين عن نوع الوليمة".
وتابع: "استشار المساعد رئيسه، الذي لم يكن لديه معلومة أيضا، وبدوره سأل الطاهي، والذي لم يكن متأكدًا أيضًا، ولكن كان عليه أن يعطي بعض الإجابات، لذلك قال هذه تسمى مأدبة مانشو-هان وقد بدأها الإمبراطور".
وقيل إن رجال الأعمال اليابانيين كانوا مفتونين.
منذ ذلك الحين، أصبحت مأدبة المانشو-هان مرادفًا للأباطرة ووجباتهم، وقال تشاو إنها أصبحت واحدة من أهم اتجاهات الطعام في اليابان.
ولكن، ما علاقة الإمبراطورة الأرملة تسيشي بهذه الأسطورة؟
ونظرًا لكونها صاحبة السلطة الحقيقية وراء آخر أباطرة الصين الإمبراطورية قبل وفاتها، فقد اشتهرت بأسلوب حياتها الباذخ وشهيتها للأطعمة الصينية.
وأوضح تشاو: "لقد كان العصر الأكثر فخامة خلال عهد أسرة تشينغ. لقد زادت وجباتهم اليومية من 18 إلى 23 طبقًا، ومن ثم من 25 إلى 28 طبقًا".
وكانت تسيشي محبة للترفيه، إذ كانت تستضيف ولائم احتفالية بشكل منتظم.
وفي حين لم تكن هناك ولائم رسمية للمانشو-هان، كانت هناك أنواع أخرى من الولائم الإمبراطورية تقام في المدينة المحرمة على مرّ القرون. ولكن لم يكن لدى أي منها العديد من الأطباق كما ادعت الشائعات.
وكان الشكل الأكثر شهرة بينها جميعًا هو "تيان آن يان" وترجمتها "مأدبة زيادة السلام"، التي تجمع بين نوعين رئيسيين من الولائم في الماضي - الولائم على طراز المانشو المليئة باللحوم المشوية وأسلوب هان مع حساء عش الطيور والمأكولات البحرية.
الصيننشر الثلاثاء، 23 يوليو / تموز 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: تناول الطعام کان یتناول الکثیر من متحف قصر Getty Images لم یکن ما کان فی عام
إقرأ أيضاً:
أي مستقبل للاقتصاد العالمي والاستثمارات في زمن الأباطرة مثل ترامب وبوتين؟
أكدت صحيفة "إل باييس" الإسبانية، أن الاقتصاد العالمي ومستقبل الاستثمار يواجهان تحديات كبيرة في ظل الوضع الجيوسياسي الراهن والتحديات الهيكلية التي تعصف بالدول الكبرى، وفي مقدمتها أزمة الديون والتراجع الديموغرافي.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن النظام العالمي الحالي الذي يهيمن عليه "أباطرة" مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، يهتمون فقط بمصالحهم وتحالفاتهم الضيقة، وتعاني فيه أوروبا من غياب مرجعية موحدة وقائد سياسي ملهم، برزت فيه انقسامات لا تقتصر على الفجوة التقليدية بين الشمال والجنوب، بل تمتد أيضًا إلى اختلاف المواقف الغربية تجاه التهديد الروسي.
وأضافت أن الولايات المتحدة تواجه أزمة ديون قد تصبح غير قابلة للسداد، في ظل حالة من التطرف السياسي التي تتطلب طمأنة المواطنين بأن دولة الرفاه ليست في خطر.
وتابعت بأن الإدارة الأمريكية مضطرة إلى التعامل مع معضلة مالية معقدة وإقناع العالم بأن خفض العجز إلى أقل من 4 بالمئة أو 5 بالمئة مهمة بالغة الصعوبة، وأنها بحاجة إلى طباعة مزيد من الأموال للحفاظ على مصداقية السندات.
واعتبرت أن على الولايات المتحدة رفع ضرائب الشركات الكبرى لأن العبء الضريبي المفروض على هذه الشركات لا يزال منخفضًا بشكل كبير.
أزمة الدين في الصين
وأوضحت الصحيفة أن الأزمة الديموغرافية في الصين لا تقل خطورة عن تلك التي يواجهها الغرب، إلا أن ما يثير القلق بشكل أكبر هو الضبابية التي تحيط بحجم الدين الحقيقي للبلاد.
وأشارت إلى أن التحدي الأبرز أمام بكين يتمثل في تحقيق الصدارة الاقتصادية عالميًا دون أن تكون عملتها قابلة للتداول بحرية، وهو ما يتطلب أولًا ترسيخ الثقة الدولية في عملتها، غير أن ذلك غير ممكن في إطار نظام شيوعي، وفقا للصحيفة.
انقسام أوروبي
وأوضحت "إل باييس" أن تحقيق نمو سنوي بنسبة 1 بالمئة في أوروبا سيكون مهمة شاقة في ظل غياب قيادة واضحة، معتبرة أن القارة بحاجة إلى شخصية قيادية على غرار ونستون تشرشل، قادرة على لعب دور الموازن في مواجهة نزعة ترامب التوسعية.
وحذّرت الصحيفة من تصاعد الخلافات الداخلية داخل الاتحاد الأوروبي، في وقت يواصل التيار السياسي المتطرف توسيع نفوذه، فارضًا مطالب غير مألوفة في المشهد الأوروبي.
واعتبرت بأن النقاش حول الركود الاقتصادي الناجم عن التراجع السكاني، إلى جانب غياب التوافق بشأن قضيتي الهجرة والأتمتة، ستكون من أبرز القضايا على الأجندة الأوروبية في المرحلة القادمة، وتابعت بأن أزمة الدين في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا قد تدفع ألمانيا إلى إعادة النظر في سياساتها واتخاذ مسار مختلف عن جيرانها.
ومن المتوقع -حسب الصحيفة- أن يبقى مستوى الدين العام الألماني دون 80 بالمئة، في حين سيظل هذا الرقم في بقية دول أوروبا أعلى من 100 بالمئة.
قواعد اللعبة
قالت الصحيفة إنه في ظل هذه التحديات، يصبح الحفاظ على العوائد المرتفعة التي حققتها أسواق الأسهم العالمية خلال السنوات الخمس الماضية، والتي سجلت نموًا سنويًا بنسبة 13.4 بالمئة حسب مؤشر "إم إس سي آي العالمي"، أمرا بالغ الأهمية.
وأكدت أنه من المهم عدم تراجع هذا المؤشر الذي يعتمد بشكل كبير على أسهم "العظماء السبعة" في الولايات المتحدة، عن مستوى 3,625 نقطة، مضيفة أن السندات تظل خيارا أكثر أمانا نسبيا مقارنة بالأسواق المالية في المناخ الاقتصادي غير المستقر.
وعلّقت الصحيفة في الختام بلهجة ساخرة، قائلة إن فهم سياسات "الأباطرة الجدد" الذين يحكمون العالم قد يستدعي تغيير الطبيب النفسي، مشيرة إلى أن التنافس بين روسيا والصين والولايات المتحدة لا يزال يخضع لقواعد اللعبة السائدة بشكل دائم.