وزيرا خارجية مصر والسودان يؤكدان تطابق موقف البلدين تجاه سد النهضة
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
استقبل بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج اليوم الثلاثاء، حسين عوض وزير خارجية السودان، وذلك في لقاء ثنائي أعقبه جلسة مباحثات موسعة بمشاركة وفدي البلدين.
وذكر السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية والهجرة في تصريحات صحفية عقب اللقاء، بأن د.بدر عبد العاطي حرص على التأكيد على استمرار تأييد ودعم مصر لاستقرار وسلامة دولة السودان وشعبها الشقيق، وأن مصر لن تألو جهداً من أجل مساعدة الأشقاء السودانيين لتجاوز التحديات السياسية والأمنية والإنسانية الناجمة عن الحرب الجارية، مستعرضاً هدف المبادرة المصرية بالدعوة إلى مؤتمر للقوى السياسية والمدنية السودانية، والذي عقد بالقاهرة يومي 6 و7 يوليو الجاري، باعتباره منصة جامعة لكافة القوى السياسية المدنية السودانية، منوهاً إلى أن أهم مخرجات المؤتمر تمثلت في التأكيد على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، وتوفير الدعم الإغاثي والإنساني للسودان ودول الجوار، وملكية الشعب السوداني للعملية السياسية.
وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن الدكتور عبد العاطي استعرض الموقف بشأن تنفيذ المشروعات التنموية المصرية في السودان، كمشروع الربط الكهربائي، وإعادة بناء وتطوير ميناء وادي حلفا، منوها إلى التزام مصر بالاستمرار في تنفيذ تلك المشروعات، فضلاً عن التزامها الأخوي والإنساني بالاستجابة لأية احتياجات إنسانية وإغاثية للسودان الشقيق.
وشدد وزير الخارجية على أهمية أن تعمل الدول والمنظمات المانحة على الإسراع بالوفاء بتعهداتها خلال مؤتمري جنيف (يونيو 2023) وباريس (إبريل 2024) لدعم السودان ودول الجوار المستقبلة للاجئين، ودعم خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، وسد الفجوة التمويلية القائمة، منوهاً باتصالات مصر المكثفة مع كافة الدول المانحة والمنظمات الإنسانية لحثهم على مشاركة الأعباء مع حكومة تسيير الأعمال في السودان ودول الجوار. كما أكد وزير الخارجية والهجرة على استمرار مصر في مد يد العون والدعم الإنساني للأخوة السودانيين في ظل الظروف الصعبة وغير المسبوقة التي يمرون بها.
ومن جانبه، حرص الوزير السوداني على التأكيد على أزلية العلاقات الثنائية والتنسيق عال المستوى بين القيادتين السياسيتين في كلا البلدين، معرباً عن شكر الحكومة السودانية على التسهيلات والخدمات التي تقدمها مصر للمواطنين السودانيين منذ بدء الأزمة، بما في ذلك الخدمات الصحية والتعليمية، بالإضافة إلى الجهود والمبادرات المصرية الرامية لحل الأزمة في السودان. وقد ناقش الوزيران في هذا الإطار المبادرات الإقليمية المطروحة للتعامل مع الأزمة السودانية، واتفقا علي الدور الهام والمحوري لدول جوار السودان وأهمية الاستئناس برأيها والاستماع الي رؤيتها، لاسيما مصر التي تبذل حهوداً مضنية لمساعدة السودان في هذا التوقيت الهام واللحظة المفصلية في تاريخه المعاصر.
وفى هذا الإطار، حرص الوزيران على تناول مختلف جوانب العلاقات الثنائية وسبل تفعيل الآليات التنسيقية المشتركة، بالإضافة إلى عدد من الملفات الإقليمية الهامة، لاسيما الوضع في القرن الإفريقي وأزمة قطاع غزة وأمن البحر الأحمر والوضع في ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء، فضلاً عن قضية سد النهضة الذي أكد الوزيران علي تطابق موقف الدولتين تجاهه في ظل وحدة الأمن المائي لكل من مصر والسودان.
اقرأ أيضاًالسيرة الذاتية للسفير بدر عبد العاطي وزير الخارجية الجديد
قيادة وطنية وخبرة دولية.. من هو السفير بدر عبد العاطي وزير الخارجية الجديد
عبد العاطي للخارجية والفنجري للعدل وعصمت للكهرباء.. أبرز توقعات التشكيل الوزاري الجديد
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: السودان سد النهضة وزير خارجية السودان وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي بدر عبد العاطی وزیر الخارجیة
إقرأ أيضاً:
السلمية: قوة المستقبل.. ثورة ديسمبر السودانية نموذجاً
د. عبدالله عابدين
جاءت المرحلة الأولى من حراك ثورة ديسمبر تاليا لحراك الأطراف كما أسلفنا. و الآن دعونا نسمي المرحلة الأولى هذه بمرحلة ما قبل الاعتصام، حيث كانت روافد نهر الثورة تتجمع هنا و هناك في مدن العاصمة السودانية الكبرى، في محاولات مثابرة للوصول الى القصر الجمهوري، بغرض تسليم مذكرة للرئيس البشير تطالبه بالتنحي الفوري عن السلطة. بطبيعة الحال كانت قوات أمن النظام تقوم بالحيلولة دون وصول الثوار الى القصر الجمهوري، و دون تجمععهم في مكان واحد، مما أفشل كل هذه المحاولات الى الوصول الى مبتغاها ذاك.
و لكن ألم تكن موجات الثوار تواصل في ابداع ما هو أكبر من ذلك، من تنمية و تطوير لخطابها، و أدبها الثوري كل يوم جديد تخرج فيه الى الشوارع ؟! .. ألم يكن من المدهش أن الثورة كانت تلد في كل لحظة من لحظاتها شكلاً جديدة من الإبداع الأدبي، و الفني، و التشكيلي، بصورة أذهلت العالم برقي مستوى الوعي الذي سادها، و وجه خطاها؟! ..في الجانب الآخر لم يستطع النظام الحاكم الا التعبير عن تخلفه المشين عن ركب هذا الشعب العملاق، فماذا يملك سوى تقديم أدبه الغث، و سلعته الكاسدة، التي برع في عرضها، و تسويقها، على مر سنين حكمه العجاف؟! .. فما رأينا منه سوى أرتاله من قوات الأمن ملثمة الوجوه، و التي لم تكن تتوانى عن قمع المتظاهرين السلميين باستعمال الذخيرة الحية و الضرب و الاعتقال و التعذيب . .
و على الرغم من كل ذلك فان موجات التظاهر كانت تتدفق هادرة الى الشوارع، حسب الجداول الزمنية التي كان ينظمها تجمع المهنيين. و يا لها من حشود، و يا له من هتاف معبر تطلقه عقائر الثوار مسيلاً في فضاء المكان الانقاذي فاسد الهواء لتنقيه، فتنداح أمواج من غناء الثورة صداحاً:
أنحنا مرقنا، مرقنا، مرقنا …
ضد الناس السرقوا عرقنا ..
ضد الناس الكتلو و لدنا ..
هكذا، اذن، إندلعت الثورة تواً، و دون تأخير في الأطراف، ثم تواصلت شرارتها كما النار في الهشيم. ألا يلفت نظركم هذا الأمر العجيب؟! ألا و هو التحول الكبير في النموذج الارشادي لثورات السودان في اعتناق الثورة الحالية لشعارات الوعي و الاستنارة، بله الشمول الواسع للثورة هذه المرة: ظاهرة نضوج “كسرة الثورة” من الأطراف، و عدم اقتصارها على جزء معين من البلد، بل شمولها لكل أرض السودان؟! ..
و هذه الثورة، الى ذلك، هي أولي ثورات السودان التي كان عليها مواجهة العنف العنيف للطرف الآخر، و هو طرف مصاب بادمان “رؤية الجثث”، أو ما يسمى ب “النكروفيليا”، و هي ظاهرة مرضية نفسية، اتسم بها طغاة العالم، و جبابرته، و على رأسهم زعيم النازية “هتلر”. و لهذا الطرف المتأسلم أيضاً تعلق مريض بالدماء، و يستمتع استمتاعاً مرضياً بلون الدم الأحمر، و يعاقر في سره، و في جهره، اتجاهاً تدميرياً “فاشو-نازي” النزعة، لا يشبع أبدا من سفك الدم، و اراقته: و الا لماذا تررد جموعه المؤدلجة بتشنج واضح:
فالترق منهم دماء،
فالترق منا دماء،
فلترق كل الدماء؟!! ..
و لماذا تظهر على سيماهم نشوة مريضة، و هم يرردون:
لغة الدما لغتي .. و ليس سوى الدما ..
انا عن فنون القول .. أغلقت الفما ..!!
عندما تحضر هذه الظواهر العنيفة في مكان، أو ساحة، فاعلم أن لفصائل المتأسلمين حضور كثيف فيها، في ظاهر الأمر، أو من وراء الكواليس، فليس أقدر منهم في اصطناع الواجهات للتمترس خلفها. و كان قدر ثورة ديسمبرالمجيدة أن تواجه هذه الظواهر المرضية الجديدة، من قبيل “النكروفيليا”، و “الزومبية” التي لا يمكن أن تكون الا من نصيب الاسلامويين دون غيرهم من الأنظمة السابقة، التي اندلعت ضدها ثورات السودان السابقة.
و المدش أن الثورة هذه المرة لم تزدها صور القمع و التقتيل الا أواراُ، أسقطت به حاجز الخوف المضروب على شعوب السودان . و ذوبت بحرارة و صدق، مطالبها المشروعة، و بسلمية وسائلها، جبال جليد الخوف و الوجل و التردد و خور العزيمة. و تنامى مد الثورة حتى بلغ بها الأمر أن أي قمع يلحق بها، لا يزيدها الا شدة و صمامة. أكثر من ذلك، فإنه حتى إعلان البشير لحالة الطوارئ، و حظر التجوال، لم يجد فتيلا!!.. و إحتارت السلطة، و عجبت لأمر هذه الثورة، و وجلت قلوب سدنتها، و ارتعدت فرائصهم، و توارى كل من توعد الثوار “بقطع الرؤوس”، و بويل، و ثبور “كتائب الظل”، ثم لم يلبثوا أن فاجأتهم ساعة الذروة حين دوى سقوط رأس الهرم!! ..
و الحق أن هذه السلمية، المصرة على السلمية، أمام كل أشكال البطش و التنكيل، من قبيل “سيكوباثي”، مصاب بأشد درجات هذا الاضطراب، أمر مخيف و غير معهود!!.. و هو الى ذلك، ظاهرة جديدة، اذ يمكنك أن تصمد ساعات، أو أيام، أو حتى أسابيع، و لكن أن تستدام الثورة لسنوات تحت ظل هذه المناخ العنيف و الباطش، فهو أمر يقلق أصحاب السلطة المطلقة، و يقض مضاجعهم. و دونكم كل العراقيل التي أصطنعت، و المؤمرات التي حيكت، في محاولات مستميتة للقضاء على الثورة، و طمس معالمها، و محو آثارها التي تتكلم بلسان فصيح عن سودان المستقبل: دولة المواطنة، و سيادة القانون، و المشاركة الشعبية الواسعة، و الحكم الفدرالي، و الاحتفاء بكل الثقافات السودانية باعتبارها ثروات تخص شعوب السودان، و تنمية موارد البلد البشرية و المادية تنمية متوازنة، و احاطة كل ذلك بدستور انساني يهتدي بكل ما وقفت عليه البشرية من قيم نبيلة، و من حقوق للأفراد و الجماعات.
و عندما و صل نور الثورة الى هذه الدرجة من السطوع، بالذات في ساحة الاعتصام حيث تمكنت “الثورة الجالسة” ممثلة في الاعتصام من ترسيخ اقدامها، خاصة أن دماء الشهداء التي أريقت قد شكلت حصانة ضد الردة: فالردة مستحيلة. كان لابد لقوى الظلام اذ ذاك من فض اعتصام الثورة: مصدر النور القوي المشع لأنهم، كما أسلفنا، كالضواري يخيفهم، و يرعبهم، النور، و يزعجهم، و يعشي عيونهم سطوعه. ثم ماذا؟! ففض الاعتصام على دمويته، و فظاعة مشاهده، لم يجد فتيلاً !! فالاعتصام الآن في كل الشوارع، فيا ليتكم لم تفضوه، فهو على الأقل يبقى مكاناً محدداً يمكن وضعه تحت السيطرة، بصورة أو بأخرى.
ازاء سيل الشوارع و فيضانها، خاصة في الثلاثين من يونيو، كان عليهم اصطناع جموع تتظاهر هنا، و هناك، يمهدون لها السبل، و يفتحون لها الكباري، و الجسور، و ينصبون لها الخيام، و يغرونها بالأموال، في محاولة يائسة منهم لمحاكاة الثورة، و لكن هيهات!! .. و قد تجسدت قمة هذا المسعى اليائس لطمس معالم طريق الثورة، و اسكات صوت شعاراتها: حرية سلام و عدالة، فتداعى بهم الأمر الى مهزلة “اعتصام الموز” الشهير، أمام القصر الجمهوري، ذات المكان الذي منعت من الوصول اليه جموع الثوار في بادئ أمرها!! .. و تنادى منادو “أصحاب السبت” في اعتصام الموز، بأنهم: لن “يرجعوا حتى البيان يطلع”: و المقصود هنا بيان الانقلاب العسكري ضد الثورة!! فانظر كيف انكشف مستورهم قبل وقوعه، و كيف سقطت عنهم ورقة التوت!! .. و بالفعل كانت الخطوة التالية هي الانقلاب المشئوم، في الخامس و العشرين من أكتوبر2021، و القبض على أعضاء الحكومة الشرعية، و ايداعهم السجون، أو الاقامة الجبرية، و على رأسهم الدكتور عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء.
و لكن هل وصلوا الى مبتغاهم؟ و الاجابة الناصعة هي: كلا، و انما على النقيض من ذلك، زاد أوار الثورة، و طمح موجها، مأرخاً لمرحلة جديدة، دكت ادعآت قائد الانقلاب، الذي جاء بفرية “تصحيح مسار الثورة”، فالقمه الثوار حجراً، و فاجأووه بأنهم أذكى من تصوراته المريضة، و تكتيكاته الضحلة، و أكاذيبه الفجة، و أنهم لا يكترثون بحالة الطوارئ، و حظر التجوال، التي اعلنهما فور الانقلاب، بضاعة مزجاة، و درس تعلمه الثوار من سيده السابق، البشير، و لسان حالهم يقول “كان غيرك أشطر”!! ..
و يمكنكم ملاحظة أن الثوار هنا طرقوا طريقاً جديدة تمثلت في احالة الانقلاب الى “حبر على ورق”، و احالوه الى أول انقلاب في السودان يصل الى السلطة، و يفشل في تشكيل حكومة: أول انقلاب فاشل!!.. و الدليل القاطع على ذلك أن البرهان لم يستطع حتى الآن أن يجد أحداً يقبل بأن يكون رئيساً للوزراء لسلطته المدعاة، عقب مسرحية اجبار حمدوك على فعل ذلك تحت التهديد. و ما فتأ الرجل أن ظهر أمام الشعب السوداني، و ليس أمام البرهان، معتذرا للشعب، و مسلماً لة الأمانة التي أحاط بها عنقه بها يوم أخذ على عاتقه رئاسة الوزراء، ممثلاً لحكومة الثورة. و هي، بالمناسبة، أول مرة في تاريخ السودان الحديث، يتجسد فيها هذا السلوك السياسي المتمدن، فالشعب هو صاحب السيادة على أرضه، و ما الحكام الا خدامه، و “سييد القوم خادمهم”، كما يقول الحكمة الدارجة ..
بذا أحيلت سلطة البرهان الانقلابية الى فراغ خاو على عروشه، منزوعة الشرعية دون طعم، و لا رائحة!! .. و مازال الرجل يتخبط في ظلمة هذا الفعل الأرعن، و يغوص في وحل الانقلاب على الشرعية، التي دفع مهرها الغالي أبناء الشعب السوداني، من الثوار، و الكنداكات، دماً طاهراً ذكياً.
ماذا تبقى اذن لقوى الثورة المضادة بعد أن تبين لها فشل كل هذه المؤامرات ضد الثورة؟! .. عندها تنادوا الى الحرب زمراً و أفراداً، خاصة بعد اعلان الاتفاق الاطاري، و كانت افطاراتهم الرمضانية خير دليل على هذا الاتجاه الخطير الذي هم علىن وشك اجتراحه. و هل تفلح هذه القوى المتأسلمة في شئ أكثر من فلاحها في اشعال نار الفتن، و من ثم الاصطياد في مائها العكر، و السؤال الأخير: ماذا يريد هؤلاء، ألم يكفهم ما جمعوا من حطام، و من “دنيا عملوا لها” بلا هوادة، و من سلطة مطلقة احتكروها سنينا عدداً، و من جاه؟!! .. ألا ترون معي أنهم من فرط عماهم لا يشعرون بأن الله “يستدرجهم من حيث لا يعلمون”، الى حتفهم، الا من رحم الله؟! ..
الوسومد. عبد الله عابدين