زهير عثمان

أم درمان، العاصمة الوطنية للسودان، تواجه أزمة إنسانية كارثية بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. هذه الحرب لم تكتفِ بترك عشرات الآلاف من القتلى وتشريد الملايين، بل أضافت بُعدًا مأساويًا آخر، وهو استغلال النساء جنسياً مقابل الطعام، مما يعكس حجم المعاناة والذل الذي يعيشه المدنيون في هذه المدينة المحاصرة.


استغلال النساء: مأساة مزدوجة , في ظل هذه الظروف القاسية، ذكرت تقارير من صحيفة "الغارديان" البريطانية شهادات مؤلمة لأكثر من 24 امرأة أجبرن على ممارسة الجنس مع جنود الجيش السوداني للحصول على الطعام أو السلع التي يمكن بيعها لإطعام أسرهن. هذا الوضع يبرز كيف أصبحت النساء أكثر الفئات تضرراً واستغلالاً في هذا النزاع الدموي.
أحد الأمثلة البارزة هي امرأة تبلغ من العمر 37 عامًا، اضطرت لممارسة الجنس مع الجنود للحصول على الطعام لعائلتها، بما في ذلك والديها المسنين وابنتها البالغة من العمر 18 عامًا. قالت: "لم يكن لدي خيار آخر. الجنود كانوا في كل مكان، وكان هذا هو السبيل الوحيد للحصول على الطعام".
انتشار العنف الجنسي: أساليب مروعة للبقاء العديد من النساء أفدن بتعرضهن لاعتداءات جنسية في "منطقة المصانع" بأم درمان، حيث يمكن العثور على معظم الطعام. في حالات أخرى، أُجبرت النساء على ممارسة الجنس مقابل السماح لهن بنهب المنازل المهجورة للحصول على الطعام والمستلزمات الأساسية.
إحدى النساء، التي توقفت عن ممارسة الجنس مع الجنود بناءً على طلب من إخوتها، تعرضت لتعذيب وحشي حيث أُحرقت ساقاها، مما يعكس قسوة الأوضاع وانعدام الأمان الشخصي في هذه البيئة المليئة بالعنف والفوضى.
الوضع الإنساني المتدهور , تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن حوالي 26 مليون شخص في السودان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني في أم درمان. وعلى الرغم من جهود منظمات الإغاثة الدولية لتقديم المساعدات، إلا أن العديد من الأحياء في المدينة لم تشهد وصول أي مساعدات، مما يفاقم أزمة الجوع والفقر بين السكان المدنيين.
الصراع العسكري الصفري الصراع العسكري الصفري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع هو السبب الرئيسي في هذه الأوضاع الكارثية. الجيش السوداني لديه أكثر من خمسين ألف جريح يحتاجون إلى علاج وجراحات، بينما تعاني المستشفيات من نقص حاد في الكوادر الطبية بعد نزوح العديد من الأطباء خارج السودان. وقد أدى ذلك إلى انهيار النظام الصحي تماماً، كما ورد في تقرير منظمة أطباء بلا حدود.
دعوة للعمل أمام هذه الأوضاع المأساوية، يصبح من الضروري أن تتضافر الجهود الدولية والمحلية لوقف العنف وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للسكان المدنيين. كما يجب محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وضمان حماية المدنيين من أي استغلال أو انتهاك.
الوضع في أم درمان يعكس واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، حيث تتداخل فيها العوامل العسكرية والسياسية والاجتماعية، مما يضع السكان المدنيين في موقف حرج ومأساوي. إن مواجهة هذه التحديات تتطلب تضامناً دولياً وجهوداً حثيثة لضمان عودة الاستقرار والأمان إلى هذه المدينة العريقة.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: للحصول على الطعام الجیش السودانی أم درمان

إقرأ أيضاً:

الحرب التجارية ستفاقم أزمة أسعار طائرات إيرباص وبوينغ

من المتوقع أن تؤدي الحرب التجارية التي أطلقتها الولايات المتحدة إلى اضطرابات جديدة في أسعار طائرات بوينغ وإيرباص، بعدما سجّلت ارتفاعا جراء التضخّم وجائحة كوفيد-19.

مقارنة بالعام 2018، ارتفعت الأسعار في هذا القطاع بحوالى 30 بالمئة، حسبما أكد خبير صناعي لوكالة فرانس برس رافضا الكشف عن هويته.

وواجهت شركتا صناعة الطائرات العملاقتان زيادات متعدّدة في الأسعار، تمثّلت في ارتفاع سعر المواد الخام (وخصوصا التيتانيوم) واليد العاملة والمكوّنات والطاقة، والعمليات الصناعية (وخصوصا في صناعة الصلب).

وينصّ اتفاق اجتماعي في شركة بوينغ أبرم في أواخر العام 2024، على زيادة الأجور بنسبة 38 بالمئة على مدى أربع سنوات لأكثر من 33 ألف موظف لديها.

ويقول الخبير في مجال الطيران ريتشارد أبو العافية إنّ "صناعة صبّ وتشكيل التيتانيوم... شهدت معدّل تضخّم متسارعا، خصوصا منذ اختفاء الإمدادات الروسية في هذا المجال بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبدرجة أقل بالنسبة إلى أوروبا" بسبب الحرب في أوكرانيا.

ويشير إلى أنّ أسعار المواد والمعدّات قفزت بنسبة تصل إلى 40 بالمئة منذ العام 2021.

يضيف أبو العافية أنّ "المواد الأولية لم تكن مشكلة في الأصل، لكن دونالد ترامب مصمّم على جعلها مشكلة"، في إشارة إلى الرسوم الجمركية بنسبة 25 بالمئة التي فرضها الرئيس الأميركي على الصلب والألومينيوم، وهما مكوّنان أساسيان في صناعة الطيران.

ويقول رئيس تحرير مجلّة "إيركرافت فاليو نيوز" جون بيرسينوس إنّ "التضخّم في قطاع الطيران يتسارع ومن المؤكد أنّه سيزداد سوءا في ظل فرض الرسوم الجمركية... الكارثية".

ويوضح أنّ الطائرات من الجيل الجديد، مثل طائرات بوينغ من طرازي 787 دريملاينر و737 ماكس، وطائرات إيرباص من طراز 321 نيو، عليها طلب مرتفع لأنّها أكثر كفاءة في استهلاك الوقود، وقد شهدت أسعارها "زيادة ملحوظة".

"خادعة"

مع ذلك، صار متعذّرا الاطلاع على جداول التقليدية للأسعار، خصوصا أنّ شركة إيرباص لم تنشرها منذ العام 2018 بينما توقفت شركة إيرباص عن نشرها منذ العام 2023.

ويقول أبو العافية ساخرا "كانت الأسعار الواردة في الجداول خادعة"، موضحا "كان من الممكن الحصول على خصم بنسبة 50 بالمئة، فقط لمجرد الحضور إلى اجتماع بملابس أنيقة".

من جانبها، تقول إيرباص "تخلّينا عن فكرة جداول الأسعار منذ أمد. لم يكن لها معنى لأنّها كانت منفصلة تماما عن واقع الأسعار (النهائية)، المرتبطة بخصائص كلّ عقد أو إصدار أو عملية تصنيع، إلخ".

غير أنّ الخبير الصناعي الذي رفض الكشف عن هويته، يقول إنّ الشركات المصنّعة لديها سعر أساسي داخليا، يتمّ تطبيق "مزايا الشراء" عليه بعد ذلك، وهو ما ينعكس عبر خفض "كبير نسبيا" في السعر أحيانا، أو في كثير من الأحيان، في خيارات أو خدمات إضافية (صيانة، تدريب، وغيرها).

كذلك، تتضمّن العقود بندا ينص على إجراء تعديلات سنوية على الأسعار لتعكس التضخّم الفعلي في التكلفة، إلى أن يتمّ تسليم الطائرة بعد سنوات، كما يمكن تعديل الأسعار إذا تأخرت عمليات التسليم.

وبما أنّ المدفوعات غالبا ما تتمّ بالدولار، فمن الممكن أن تكون هناك بدلات لتقلّبات أسعار الصرف، فيما تعتمد شركة إيرباص أيضا على سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأميركي.

وتوضح بوينغ لفرانس برس أنّها تقيّم أسعار الطائرات في ضوء تكاليف الإنتاج وغيرها من عوامل السوق الأخرى، لكنها رفضت تقديم المزيد من التفاصيل نظرا إلى أنّ هذا الأمر يشكّل عنصرا تنافسيا حساسا.

"تنافسية للغاية"

تبدو دفاتر الطلبات لدى الشركتين العملاقتين ممتلئة حتى نهاية العقد الحالي، ولكنّهما لا تستغلانها في الوقت الحالي لرفع الأسعار.

ويقول الخبير الصناعي إنّ السوق "تظل تنافسية للغاية"، مضيفا أنّ الثنائي "يتنافس على كلّ صفقة وهذا يؤثر على الأسعار".

بالتالي، يتزايد عدد الشركات التي تشتري من كلا الشركتين، لتقليل الاعتماد على إحداهما.

ويشير مانفرد هايدر من مكتب رولاند بيرغر للاستشارات الاستراتيجية، إلى أنّه "قبل جائحة كوفيد، انخرطت شركتا بوينغ وإيرباص في معارك أسعار، وكانت هذه الأخيرة لا تزال منخفضة إن تكن منخفضة للغاية".

ويوضح أنّ ارتفاع أسعار الطائرات أدى إلى "زيادة عامّة في أسعار التذاكر"، مضيفا أنّ "من ناحية شركات الطيران، فإنّ الربحية جيّدة".

وللاطلاع على أسعار الطائرات، يكفي في الوقت الحالي الاعتماد على شفافية بعض شركات الطيران.

وفي هذا الإطار، قدّمت مجموعة "آنا" اليابانية في نهاية فبراير طلبا تاريخيا لشراء 77 طائرة من شركات بوينغ وإيرباص وإمبراير البرازيلية.

وبناء على الحسابات التي أعدّتها فرانس برس بالاعتماد على جداول الأسعار التي كشفتها "آنا"، فإنّ سعر طائرة بوينغ من طراز 787-9 دريملاينر يصل إلى حوالى 386 مليون دولار، بينما يصل سعر طائرة إيرباص من طراز 737 ماكس 8 إلى حوالى 159 مليون دولار، مقارنة بـ292 مليون دولار و121,6 مليون دولار على التوالي في العام 2023.

ويبلغ سعر طائرة إيرباص من طراز 321 نيو حوالى 148 مليون دولار، مقابل 129,5 دولار في العام 2018.

مقالات مشابهة

  • ناشطون: الدعم السريع تصعد الانتهاكات ضد المدنيين في أم درمان
  • أبو الغيط: الحرب الوحشية الإسرائيلية تتواصل يوميا ضد المدنيين في غزة
  • بهدف حماية المدنيين.. إتلاف الأطنان من مخلفات الحرب بـ«الجبل الغربي»
  • "أوتشا": الوضع الإنساني في غزة بلغ أسوأ مراحله منذ بدء الحرب
  • أزمة في الجيش الإسرائيلي وخسائر فادحة وإرهاق بين الجنود وانسحاب واسع للجنود
  • مسؤول أممي: الوضع الإنساني في غزة هو الأسوأ منذ بداية الحرب
  • في ظل القصف… نزوح ومعاناة متفاقمة في خيام اللاجئين بغزة
  • الحرب التجارية ستفاقم أزمة أسعار طائرات إيرباص وبوينغ
  • مقتل 33 بالفاشر ومعارك بأم درمان وتحذير أممي من تفاقم الوضع بدارفور
  • البابا فرنسيس يدعو لوقف إطلاق النار في غزة.. الوضع الإنساني مشين