سقوط العواصم وما يعقبها من عِبر وقواسم؟
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
إبراهيم سليمان
يقولون التاريخ يعيد نفسه، وينساب في نفس مجراه، ليحدث ذات الأثر على الذين يقفون على شواطئه، واللبيب من يعتبر، من تكرار جولاته، والغبي من ينظر للحدث كل مرة، في بلاهة أو مكابرة. مفهوم التكرار التاريخي عقيدة، كُتب عنه بصيغ مختلفة منذ القدم. لكن العبارة الشائعة هي "التاريخ يعيد نفسه"، وهناك من الفلاسفة من يرى أنه لا يمكن اعتبار ذلك صحيحًا تمامًا في دورات دون مدة الدورة الكونية.
يشير جي دبليو ترومف إلى أن معظم المفاهيم الغربية عن التكرار التاريخي تدل ضمنًا على أن "الماضي يعلمنا دروسًا من أجل الأفعال المستقبلية" - ويعني ذلك "أن نفس النوع من الأحداث التي حدثت سابقًا ستتكرر..."
وعندما وصل إسماعيل باشا إلى مدينة سنار، خرج إليه السلطان بادي السادس مبايعاً في 12 يونيو 1821م فدخلها في اليوم التالي من دون مقاومة. وبذلك سقطت السلطنة الزرقاء التي تأسست في عام 1504م في يد الاحتلال التركي بسقوط عاصمتها سنار. أي بعد 317 عاماً من الحكم.
وعندما سقطت الفاشر في يد التجريدة الإنكليزية ــ المصرية في مايو 1916م، بسقوطها، انهارت آخر مرحلة من مراحلة سلطنة دارفور المتقطعة والتي بدأت منذ 1603م أي بعد استمرار امتد إلى 289 سنة بعد استقطاع 24 سنة فترة الاحتلال التركي (1874 ــ 1898)
استمر الاحتلال التركي للبلاد حتى 26 يناير 1885م حين تمكن الإمام محمد أحمد المهدي من تحريرها بعد حصار استمر لعشر أشهر، بتحرير الخرطوم سقطت التركية السابقة، أي بعد 64 عاماً من الاحتلال.
في صبيحة 2 سبتمبر 1898م في معركة كرري، سقطت البقعة أمدرمان في يد الاستعمار الإنجليزي ــ المصري، وسقطت معها الدولة المهدية، في مرحلتها الثانية، دولة الخليفة عبدالله ود تورشين. واستمرت الدولة السودانية تحت الاحتلال الإنكليزي ــ المصري، إلى أن رفع علم الاستقلال في ضحى يناير 1956م لتبدأ دولة ـــ 56 المستقلة. أي بعد 58 عاماً من الاستعمار.
والتاريخ كان صارماً في مواعيده، ففي 15 أبريل 2023م، سقطت الخرطوم كعاصمة لدولةــــ 56 في أيدي قوات الدعم السريع، تدشيناً لبداية دولة حديثة، لم تتشكل ملامحها بعد، أي بعد 67 عاماً.
ما يلاحظ هنا، أن التاريخ يعيد نفسه في المشهد السياسي السوداني الحديث، بوتيرة شبه ثابتة، منذ الغزو التركي للبلاد، وتشكيل حدوده قبل انفصال الجنوب ما بين 6 إلى 7 عقود، وفي كافة مراحل تشكيل الدولة السودانية "الحديثة"، ومكوناتها من السلطنات والمماليك، متى ما سقطت عاصمة الدولة، سقطت معها الدولة تلقائياً.
لذا، بسقوط القيادة العامة للجيش، والقصر الجمهوري، ومجلس الوزراء، في صبيحة 15 أبريل 2023م، في أيدى قوات الدعم السريع، سقطت دولة ـــ 56 فعلياً، وتم التأكيد على هذا السقوط، بهروب قائد الجيش الجنرال عبدالفتاح البرهان إلى البحر الأحمر، في أغسطس 2023م كآخر حاكم لدولة ــ 56، وما عقب ذلك لا يعدو أن تكون تفاصيل.
ومهما كانت نهايات الحرب الدائرة الآن، لا نظن أن صيرورة التاريخ تسمح بإعادة عقارب الزمن إلى الوراء، فالعواصم، كقطع البلور، إن تصدعت، من المحال إعادتها إلى طبيعتها. فليتوقف، من يناطحون التاريخ في مجراه الطبيعي. فالتاريخ عنيد.
ebraheemsu@gmail.com
//أقلام متّحدة ــ العدد ــ 159//
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أی بعد
إقرأ أيضاً:
الحريري في ذكرى الإستقلال: حمى الله لبنان وشعبه الطيب
صدر عن الرئيس سعد الحريري البيان الآتي:
الاستقلال هو أمانة لدى كل اللبنانيين بعيدا عن الولاءات السياسية والحسابات الحزبية والانتماءات الطائفية والمذهبية. هو السارية التي ترفع علم الوطن واللحن الذي يعزف النشيد الوطني.
ذكرى الاستقلال تكون عيدا نحتفل به لنتذكر تاريخنا ولنأمل بمستقبلنا. لكننا للسنة الثالثة على التوالي لا نحتفل، بل نحيي المناسبة بيوم عطلة وبلا طقوس تليق بها، لأننا صرنا دولة بلا رأس للشرعية.
وتأتي الذكرى الواحدة والثمانين للاستقلال هذه السنة، موجعة في ظل عدوان إسرائيلي على لبنان حاصدا أرواح اللبنانيين ومدمرا أرزاقهم وممتلكاتهم، والمحزن أكثر عدم مبالاة خارجية وانقسام وضياع داخلي.
بعد واحد وثمانين عاما صار لزاما ان يكون لدينا استقلال حقيقي بكل ما للكلمة من معنى، وشرط تحقيق هذا الأمر أن نضع جميعا لبنان أولا، قولا وممارسة، وأن نلتف خلف الدولة ومؤسساتها الشرعية، وأن نحترم الدستور ونلتزم بالقوانين وأن نكون متساويين بالحقوق والواجبات، وأن نتمسك بوحدتنا الوطنية ونبتعد عن الانقسامات الطائفية والمذهبية.
بعد واحد وثمانين عاما بات من حق اللبنانيين أن يعيشوا في دولة طبيعية. ومن حقهم أيضا أن لا يبقى بلدهم صندوق بريد لتوجيه رسائل سياسية وعسكرية لهذه الجهة أو تلك.
اليوم وأكثر من أي وقت مضى من حق اللبنانيين أن يكون لديهم رئيس للجمهورية وحكومة كاملة الأوصاف وإدارة فاعلة ومؤسسات منتجة على طريق بناء الدولة والتمسك بلبنان أولا.
أسأل الله أن يحل العيد المقبل للاستقلال ويكون بلدنا قد تجاوز كل المحن التي تعصف به.
حمى الله لبنان وشعبه الطيب".