قصة قصيرة/الزّجاجة

بقلم: عمر الحويج

الجرعة الأولى:
ملعونون... أيها النقاد -والقراء أيضاً- النائمون, الحالمون, الآن مع عشيقاتكم ورفيقاتكم وصديقاتكم... وعيون حبيباتكم. إذا التفَتُّم إلى ضعف التكنيك في هذه القصة... فقد كُتِبَت أثناء سريان أحداثها... وساعتها لم تكونوا معي... معنا.
الجرعة الثانية:
رغم الإغراءات الوافرة في حَلّ مشكلتي نهائياً أو تجميدها على أقل تقدير، لمدة ستة أيامٍ بفعل الحلم المسحوب على شرف التذكرة الرابحة، إلا أنني لم أفكر لحظة واحدة في ممارسة لعبة (التوتو كورة).

..ولنفس الأسباب؛ والتي لم أذكرها بعد، لم أحاول يوماً الاعتماد على قوى خارجة عني، بما فيها بركة جدي الشيخ حامد اب عصاةً سيف في حلّ مسائلي المعلقة... إلا أنني قبل ساعة فقط من الآن حدثت لي حالة، تمنيت فيها من سائق بص -تصوروا- ليست التذكرة الرابحة ولا القوى الخارجة عني -بما فيها جدي سالف الذكر- أن يخرجني من هذا المأزق الذي أوقعتني فيه الظروف، والتي لن أذكرها -ربما نكاية بكم- مما اضطرني لشتم ذلك الجد الذي لم يجعلني وارثاً لعصاته العظيمة تلك -حسب ما روي لي عنها من بطولات- لإضافة بطولة جديدة لها. بالضرب المبرح بها، على قفا وظهر وبطن ذلك السائق، الذي تفادى كل العوائق في سبيل تأمين وصولي سالماً إلى هذا المكان... غير السالم.
الجرعة الثالثة:
(ثم ماذا بعد أن تنتهي الزجاجة).
مع نفسي أتحادث فلا تحاولوا أن تحشروا أنوفكم في ما لا يعنيكم.
الجرعة الرابعة:
هنا مرت بي خاطرة إنقاذ تشبثت بها.. تلك القطة التي كانت تتشمم حولي قبل دقائق.
برغم فشلها في الخروج مني بغنيمة، إلا أنني شعرت أنها عقدت معي صداقة، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، فقد خيل لي، أنها تدعوني... مما جعلني أزحف نحوها وفي نيتي صادقاً تلبية الدعوة الكريمة.. ولكن ها أنتم ترونني قابعاً في ركني حزيناً عليها -أعني القطة لا الدعوة- فقد دهسها سائق بص -عندي الرغبة في الحديث عنه في جرعة قادمة فترقبوها- أما القطة، لها الحزن، فقد حملت رأسها على كتفيها في سبيلنا... لها الرحمة و... وإنما الأعمال بالنيات...ولها الشكر.
الجرعة الخامسة:
الطفل.. إنه يعود.. إنه يمشي.. إنه يجلس.. إنه يقف.. إنه ينظر.. إنه.. إنه..
الجرعة السادسة:
إنه نفس السائق في قصتي -دائرة الضوء البيضاء- لو تذكرونها.. لا تؤاخذوني إذا افترضتُ فيكم حسن النية في متابعة أعمالي... في تلك القصة على ما أذكر سائق البص -يتحدث، ولكن ليس كالآخرين- نفس الشيء يفعله هذا السائق ال...ال...ال.
الجرعة السابعة:
هذا المذيع، ذو النبرات الجوفاء.. إنه يحوم بصوته اللزج حول طبلة أذني منذ الجرعة الثانية.. يعلن أنه سوف يسافر بنا من أثينا إلى لندن... إلى نيويورك.. إلى كوبنهاجن.. إلى.. إلى..
الجرعة الثامنة:
تركني هذا المذيع الجلف بدعوى أنني لم أستخرج جواز سفر مثل الآخرين.. طُظ!!.
الجرعة التاسعة:
آه.. ولكني لست وحدي، معي ذلك الطفل، الذي يمشي.. الذي يقف.. الذي يجلس.. الذي ينظر.. الذي لم يستخرج أيضاً جواز سفر.. طظ.
الجرعة العاشرة:
(ثم ماذا بعد أن تنتهي الزجاجة).
مع الطفل أتحادث فلا تحشروا أنوفكم في ما لا يعنيكم.
الجرعة الحادية عشر:
إنه يمشي.... .... .... ... إنه يعود.... .... .. إنه ينتظر.... ... إنه يقف.... .... .. إنه يريدها أن تنتهي.
الجرعة الثانية عشر:
حبيبتي تجعلني الآن في حلمها، أنام فوق حضنها... لو تعرف أين أنا الآن... لانتحر ذلك الحلم بداخلها.
الجرعة الثالثة عشر:
شروع الحلم في الانتحار لستُ مسؤولاً عنه أنا ولا حتى حبيبتي.. فماذا تريد يا هذا؟؟.
... ولكنه حين وصلني عرفت أنه لم يكن قد أتى بهذا الخصوص...فقد أخبرني -رجل البوليس هذا- أن الجلوس في هذا الوقت، وفي هذا المكان، ومع هذه الزجاجة، ليس لائقاً بشخص محترم مثلي.. فلأذهب بها إلي حيث -الأمكنة المحترمة- وهي كثيرة جداً، لو سمحت.. أضافها إلى حديثه، تصورا أنه كان جد مهذب.. لم أصدق نفسي.. ليس لأن رجل البوليس كان مهذباً معي، وإنما للطفل.. إنه يبكي.
الجرعة الرابعة عشر:
تعارفنا منذ الجرعة الأولى، ولذلك يمكن لنا أن ندخل في حوار مع بعضنا البعض.. ويمكن لكم أن تعتبروها فترة استراحة -كما يحدث في السينما والمسرح- ولتذهبوا أثناءها لتفتحوا بلاغاً ضدي عند رجال الأمن... أو... فلتأخذوا ساندوتشاً من لحم الخنزير، إذا كنتم من ذوي الآراء الحادة في المسائل الدينية.
الجرعة الخامسة عشر:
الحوار:
أنا: لا أريد لها أن تنتهي.
هو: أريدها أن تنتهي.
أنا: لا أريدها أن تنتهي.
هو: أريدها أن تنتهي.
الجرعة السادسة عشر:
يبكي..
الجرعة السابعة عشر:
أضحك..
الجرعة الثامنة عشر:
عودوا الآن من حيث كانت استراحتكم.. بشرط أن لا تكونوا قد فتحتم ضدي بلاغاً تحت مادة السكر البين أو أية مواد أخرى مشابهة.. ولأثبت لكم أنني لست واقعاً تحت طائلة أي منها سوف أسرد عليكم بعض الحقائق عني بترتيبها الأبجدي:
أ‌.ولدت في الزمن الذي كانوا ينتزعون فيه الطفل من رحم أمه المعلقة على الحبل.. لذلك تجدون صبري طويلاً جداً في تحمل الكثير من سخافتكم.
ب‌.مشيت بخطواتي على الأرض بعدد الحصى الذي فوق سطحها.
ج. توقفت الآن عن المشي، لأن الحصي الذي تحسب به خطواتي قد انتهي. ولحين استيراد بعض الحصي من مناطق أخرى غير الأرض، سوف أظل جالساً في مكاني هذا ومتمنياً:
لسائق البص، دوام الصحة والعافية.
ولتوتو كورة، أن لا ينقصنا سوى سحبها الرابح.
وللمذيع وصوته وركابه، العود الأحمد.
و.. للزجاجة أن لا تنتهي. أما الطفل فسوف أجعله يضحك الآن: سوف أجعله، يبكي الآن.. لن أقول لكم كيف... ولكنه حتماً سوف يضحك.. حتما سوف يبكي.
الجرعة التاسعة عشر:
أضحك...أنا. يبكي.. هو.
يضحك...هو. أبكى.. أنا.
نحن نضحك.. معاً. نحن نبكى.. معاً.
الجرعة العشرون:
نسيت أن أتمنى لحبيبتي شيئاً.. سوف أترككم تتمنون لها بدلاً عني... فأمنياتي أنا لا تتحقق أبداً... وإلا كانت تحققت أمنيتي مع سائق البص الذي أصر -كعادته منذ قصتي آنفة الذكر- أن يصل بي إلى هذا المكان الآمن، خوفاً عليّ من العواقب الوخيمة.. كما قال.
الجرعة الحادية والعشرون:
اضطررت لإيقاظه.. ذلك الطفل.. لأدخل معه في حوار من جديد حول الزجاجة، التي يريدها فارغة لأسباب لم يذكرها لي صراحة ولا ضمناً، لذلك تجنبت إدراجها هنا... والتي أريدها ملأي لأسباب لم أذكرها لنفسي، وبالتالي لن أدرجها هنا أيضاً.. فإلي الحوار علّنا نصل إلى وفاق مُرْضٍ للجانبين:
أنا: لا أريد لها أن تنتهي.
هو: أريدها أن تنتهي.
أنا لا أريد لها أن تنتهي.
هو: أريدها أن تنتهي.
الجرعة الثانية والعشرون:
يبدو أننا في هذه المرة تحاورنا بوسائل أكثر همجية، فقد تحطمت الزجاجة.
انتبهوا... إنني الآن.
أتقيأ... أتقيأ .. أتقيأ .

omeralhiwaig441@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

«حمايا بيتحرش بي».. صرخة هدير في «بيت العائلة» تنتهي بين جدران محكمة الأسرة

عاشت هدير، ابنة محافظة الشرقية، أجمل قصة حب، تسطر في روايات العشاق، مع شاب يدعى أحمد، صاحب الثلاثين عامًا، فهو «حب الطفولة»، حسبما قامت هدير لنا بنقل الصورة.

تقول هدير إن فتى أحلامها كافح وتغرب من أجل إتمام زواجهما، وتوفير حياة كريمة لهما، لكن وقف والده كالشوك الذي حوّل حياتهما لمرار دائم، وجعل هدير تواجه مصير حطّم كل أحلامها وآمالها المبنية مع «حبيبها وشريك حياتها»، ومن شدة جبروته، استولى على كل أموال نجله المرسلة لزوجته من الخارج، فضلًا عن تعديه على حُرمة نجله في غيابه، وتحرشه بها جسديًا، فلم تجد الزوجة مفرًا أمامها سوى هدم «عش الزوجية» وتشريد طفلها الوحيد، ورفع دعوى خلع ضد زوجها.

تعرفت هدير. م، البالغة من العمر 27 عامًا، حاصلة على ليسانس آداب، على أحمد.ع، الحاصل على بكالوريوس تجارة، ووقعت في غرامه منذ زمن بعيد، معتقدة أنه عوض الله لها على الأرض، وأنها ستعيش برفقته حياة هادئة مستقرة تعمها المودة والرحمة، وينشأ بينهما أبناء صالحين بارين بوالديهما في الكبر، ولكي يوثق أحمد حبه لهدير بعقد زواج، كافح واجتهد لدرجة أنه اضطر أن يسافر إلى دبي للعمل بالخارج وأخذ عهدًا على نفسه بأن يلبي كل متطلبات حبيبته هدير.

وقبل نحو 4 سنوات، عاد أحمد من سفره، وتقدم لخطبة هدير، وكانت الفرحة لا تسعها بذلك الحين، وأخذت تهيئ نفسها للحياة التي تحلم بها برفقة «حب الطفولة»، وتمت مراسم الزواج وفقًا لعادات وتقاليد أهالي القرية، وسط فرحة عامرة من الزوجين، وانتقلت هدير للعيش في «بيت العائلة»، وأنجبا طفلهما الوحيد الذي لم يتجاوز عمره العامين.

وهناك، وبعد سفر أحمد ليستأنف عمله بالخارج، تحولت حياة هدير لكابوس أليم تعيشه يوميًا، وواجهت مصيرها المفجع، بعد اكتشافها حقيقة «حماها» الذي حاول مرارًا وتكرارًا ألا يتم زواج ابنه منها، وسط اعتقادات منه بأنها ستسلب كل ممتلكات وأموال نجله الوحيد.

سافر أحمد، واتفق مع هدير بأن يرسل لها مبلغ مالي شهريًا يقدر بنحو 6 آلاف جنيه، حتى تنفق على نفسها وعلى طفلهما، وتلبي جميع احتياجاته، وتوفر له حياة هنية، وعلم والد الزوج بقيمة المبلغ المالي، ورأى أن هدير وطفلها لا يستحقان الأموال.

ونظرًا لأن والد الزوج هو من يسحب تلك الأموال من الجهات المختصة، فقبل إعطاءها لهدير، كان يسلب منها نصف قيمتها، ويكتفي بإعطاءها 3 آلاف جنيه فقط لا غير، وبمعاتبتها إياه كان يوبخها قائلًا لها: «أنتي تحمدي ربنا إني سايبك قاعدة في بيتي وموفر عليكي فلوس إيجار شقة ومياه ونور وغاز.. ».

محكمة الأسرة

وحينما اشتكت هدير لزوجها أحمد من والده، عاتبه طالبًا منه أن يعطيها المبلغ كاملًا محاولًا إقناعه لمعاملة زوجته برفق ولين، لكن لم يرضى الأب بتصرفات نجله، وحاول استعطافه حتى لا يتمرد عليه، فضلًا عن خوضه في عرض زوجته، مخبرًا إياه: «مراتك بتتكلم مع رجالة وأنت مسافر.. ».

على النقيض الآخر، لم يصدق أحمد ما لفظه والده، وحاول تهدئة هدير حتى يجعلها تتحمل العيشة برفقة أسرته، لكن وصل بـ «حماها» الحال إلى ضرب طفلها الوحيد لكثرة بكائه حينما كان يشعر بالجوع أحيانا، وهرعت هدير إلى غرفتها تحتضن طفلها بين يديها وأصوات شهقاتهما وبكائهما يهز قلوب أهالي القرية.

وبيوم أخر، شعر الطفل بحالة إعياء شديدة، فتوسلت هدير إلى والد زوجها حتى يساعدها في نقل طفلها إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم، لكنه رفض قائلًا لها: «مش هصرف فلوس وبنزين عشانك أنتي وابنك.. روحي مواصلات.. ».

بالرغم من كل ذلك، تحملت هدير بطش وقهر «حماها» لها، من أجل الحفاظ على «حب طفولتها»، لكن حينما وصل بها الحال إلى تحرش والد زوجها بها وتعمده ملامسة مناطق بجسدها بالتجمعات العائلية، ونظراته التي تفحص أدق مفاتن جسدها، على حد قول الزوجة.

لم تطيق هدير ذلك التصرف، واتصلت بزوجها حتى تخبره بأفعال والده، لكن أحمد لم يصدق أنه من الممكن أن يتعدى والده على عرضه في غيابه، ونشبت بينهما مشادة كلامية وصلت لحد طلب الطلاق، ورفض أحمد التخلي عن حبيبته معتقدًا أنها ستأخذ قسطًا من الراحة عند أسرتها ومن ثم تعود إلى بيتها من جديد.

بتلك المدة، حاولت أسرة هدير أن تهدئها حتى لا تهدم بيتها وتتسبب في تشريد طفلها، قائلين لها إنها سُنة الحياة، ومن عادات وتقاليد أهالي القرية، عدم طلاق بناتهن وأن تتحمل ما يجرى في منزل زوجها، وكانوا ينفقون عليها وعلى طفلها، حتى قررت هدير أن تنزل الشوارع باحثة عن فرصة عمل تجعلها لا تمد يدها لأحد، وتلبي بنفسها احتياجات طفلها، خاصة بعدما رأت طفلها على صرخة واحدة لعدم قدرتها على جلب الحليب له.

مرّت شهور، وزادت فترة خلاف هدير وأحمد، ولم يحاول الزوج أن يراضي زوجته، خاصة بعد اتهامها لوالده بتحرشه بها، وظلت هدير واقفة حائرة مصدومة في موقف حبيب طفولتها معها، وعادت شريط حياتها أمام أعينها غير مصدقة أن ذلك الشخص التي حاربت العالم من أجل إتمام زواجهما، فهو غير واثقٍ بما تلفظه، ولم يقف بجوارها ويحميها من بطش وقهر أسرته.

المستشارة نهى الجندي

قررت هدير اللجوء إلى ساحات محكمة الأسرة، لتحتمي بعدالة القضاء المصري، وتوجهت إلى المحامية نهى الجندي، المتخصصة بقضايا محكمة الأسرة، وروت لها مأساتها، والتي بدورها قامت برفع دعوى خلع ضد زوجها.

اقرأ أيضاًتاجروا في المخدرات والأسلحة.. الجنايات تعاقب 7 متهمين بالسجن المؤبد وغرامة 500 ألف جنيه

«سحر» مؤمن زكريا وخطف الفتيات لسرقة أعضائهن.. أبرز 10 شائعات رصدتها «الداخلية» في 2024

مقالات مشابهة

  • «حمايا بيتحرش بي».. صرخة هدير في «بيت العائلة» تنتهي بين جدران محكمة الأسرة
  • الميلاتونين لتحسين نوم الأطفال: الفوائد والمحاذير
  • كيف اختزلت حادثة ماغديبورغ مدى الاحتقان الطائفي والعرقي والسياسي الذي ينخر في جسد الوطن العربي؟
  • سلسلة عمليات استباقية تنتهي بالقبض على 8 متهمين في بغداد
  • الرئيس السيسي: عملية الشر والاستهداف لمصر لن تنتهي
  • أول أيام الشتاء ..مناشدة عاجلة من الصحة للمواطنين | تفاصيل
  • مصر.. صفعة على وجه "سوزي الأردنية" تنتهي بحبس 6 أشخاص
  • تنتهي 6 فبراير.. موعد إجازة نصف العام 2025
  • لقد كانت أيام ديسمبر هي أجمل أيام حميدتي
  • انتهاكات لا تنتهي.. ماذا نعرف عن مشفى العودة الذي يستهدفه الاحتلال؟