العدوان على اليمن واحتضار الأمن العربي
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
يعزز العدوان الاسرائيلي الأخير على ميناء الحديدة اليمني، فرضية فقدان النظام الرسمي العربي لأمنه المشترك منذ عقود طويلة، ويعزز أيضاً من أزمة الاحتلال مع الشعب الفلسطيني ومقاومته ومع شعوب عربية تراقب بقهرٍ ما يجري، فالعدوان المستمر على غزة وعلى الشعب الفلسطيني يبقى المقياس الثقيل لهذا الأمن المُزعزع تحت ضربات العدوان والاحتلال الإسرائيلي فلا مواقف عربية قوية تدين العدوان أو تهدد بالتصدي له.
ولم يعد خافياً أن ثمة أزمة حقيقية تعصف بالواقع القلق لأمن المنطقة جراء سياسات غطرسة الاحتلال وجرائمه، واتخاذ جل النظام الرسمي العربي لشعار أمنه الداخلي واستقرار بقاءه على سدة الحكم كأولويات أضاعت فيها أدوارها، وقزمت من سياساتها لحدود فقدان القرار والدور معاً تاركا محله مساحة من الفراغ الذي يسمح لطيران المحتل بالتحليق ألاف الكيلومترات ليقصف مدينة عربية، والإكتفاء ببعض التعليمات لجيوشه بضبط حدود المحتل ومراقبة جرائم الإبادة المتواصلة في غزة وبقية أرض فلسطين، فراغ أسس لاختراق السيادة وتهديد الأمن القومي والوطني و بالعبث المستمر بأمنه المائي والاقتصادي والجغرافي والديمغرافي.
تحليق طيران الاحتلال المسافة الطويلة من جنوب النقب محملاً بقنابل التدمير نحو ميناء الحديدة اليمني، تختلف عن واقعة هجمة المسيرات التي أطلقتها طهران رداً على قصف قنصليتها في دمشق، ففي الواقعة الأولى كان هناك "نخوة" عربية تمثلت بتشغيل المضادات العربية والطيران لصد هذه الصواريخ والمسيرات قبل وصولها لإسرائيل في نيسان الماضي وبالتشارك مع دول غربية.
ويتضح من واقعة العدوان الاسرائيلي على اليمن أن سكة الارتداد العربي عن أمنه، وفي تبني ذرائع صهيونية تسمح لها بالعدوان على أمنها وانتهاك سيادتها، كان لها تأثير شديد على خطوة توسيع العدوان الاسرائيلي في المنطقة العربية ليشمل اليمن، والتهديد بقدرة اسرائيل ضرب أي هدف بالمنطقة وفي أي عاصمة عربية تفكر بمساندة الشعب الفلسطيني.
تحليق طيران الاحتلال المسافة الطويلة من جنوب النقب محملاً بقنابل التدمير نحو ميناء الحديدة اليمني، تختلف عن واقعة هجمة المسيرات التي أطلقتها طهران رداً على قصف قنصليتها في دمشق، ففي الواقعة الأولى كان هناك "نخوة" عربية تمثلت بتشغيل المضادات العربية والطيران لصد هذه الصواريخ والمسيرات قبل وصولها لإسرائيل في نيسان الماضي وبالتشارك مع دول غربية.غياب التنديد العربي بالعدوان على اليمن، سبقه مديح اسرائيلي أمريكي "للنخوة" التي أظهرتها جيوش ومنظومات أمنية عربية للدفاع عن المحتل، وسبقها أيضاً مواقف لإجماع عربي يقف خلف عدوان المحتل على غزة لإنهاء ظاهرة المقاومة في غزة واجتثاث حركة "حماس" وعمل عربي بمقولة أن النخوة العربية السائدة إن كانت بمصارعة المحتل أو دعم الفلسطيني إنما هي غريبة عن أصالة النظام العربي ، وأن طهران هي التي تحرك ضمائر وقلوب العرب والمسلمين، للتعبير عن رفضهم للمحتل واستعدادهم لمواجهته وأصبحت شماعة التغلغل الايراني بالمنطقة معلقة على حبلٍ مشترك يربط تل أبيب بعواصم عربية وغربية، وهي التي تدفع ضحايا المستعمر الصهيوني لمقاومته، هذه الدونية البشعة من التزوير والشيطنة للفلسطينيين ومقاومتهم ولشعوب عربية تعمل عليها أنظمة عربية بجيوشها وأمنها ووسائل إعلامها وتقدم لمراكز بحث غربية وأمريكية النصائح والذرائع لضرب المقاومة الفلسطينية وتطلب منها تقديم المعونات العسكرية التي تساعد بعض الأنظمة على تشدبد قبضتها القمعية على شوارعها ومجتمعاتها.
ومهما كانت مخيلة السياسي على درجة عالية من الاتساع، لم يكن أحد يجرؤ للذهاب في مخيلته إلى الحد الذي وصل اليه واقع حال أمن العرب وسياساتهم، والذي أدى إلى اختلال الموازيين التي مكنت المحتل الاسرائيلي من أن يكون اللاعب "الرئيسي" على هذا الصعيد، فغاراته المتكررة على السيادة السورية وعدم رد النظام على العدوان واستيعاب رسائله القائلة بأنها تستهدف ميليشيا ايران في سوريا وغير معنية بإسقاط النظام، وبالتالي كيفية هضم النظام لدوره ودور آلته العسكرية مؤشر واضح عن الاتجاه الذي يسلكه بخصوص أمن وسلامة نظامه ووجوده على كرسي الحكم، ولا يختلف كذلك الجوار الفلسطيني في مصر مع غزة والتي ركلت اسرائيل كامب ديفيد بقدميها المحتلة لمحور فلاديلفيا مع حالات عربية كثيرة، تكتفي بدور ووظيفة تلقي التعليمات الاسرائيلية والأمريكية لنفس السبب الذي يعزز الأدوار العربية بمواقف التفرج و اللا مبالاة بأمنها وأمن شعوبها طالما هي تمارس مهام القمع والقهر لها.
العوامل المشتركة للأمن العربي كانت أولوياته خلق عدو مشترك ( الارهاب) بعيدا عن المستعمر الصهيوني وإرهابه وجرائمه، لذلك فإن المخيلة العربية القارئة لمجريات العدوان على غزة واليمن ولبنان وسوريا وفلسطين، والمواقف العربية منه ومن تداعياته، تعني بشكل واضح تنازلاً نهائياً عن دورها الأمني لصالح انفراد الاحتلال الاسرائيلي بهذا الدور وهو ما تسعى اليه الادارة الأمريكية بما يشكل الصورة الأنصع لارتباك وتخبط عربي مستمر منذ عقود الى الزمن الراهن، فالدور الأمني العربي المسلوب والمزور يدفع بالمخيلة العربية الى البحث عن المعادل الحقيقي على الأرض في المقاومة المتأصلة عند شعب فلسطين لمواجهة المحتل وسياساته والتصدي لجرائم ابادته، فاحتضار الأمن العربي أمام المستعمر الصهيوني وجعل ذراعه طويلة وطائراته تجوب الأجواء العربية وتلقي على مدنها حمم الموت .
لكن يبقى السؤال الذي لا يحير عقل العربي عن جيش وأمن العرب، إلى متى يستمر هذا الاطمئنان الصهيوني "لنخوة" جيوش عربية؟
بعض الأجوبة غير المكتملة في ثورات عربية مغدورة اختبرت جيوشها وأمنها على أجسادٍ عربية، وبعضها الآخر محفوظ في صدور وسواعد المقاومين للمحتل في غزة وبقية مدن فلسطين، وفي الوجدان العربي المشتعل رغم مقاومته محاولات اطفاءه بنخوة عربية لنجدة المحتل، وهي تذكرنا بواقعة العدوان على مفاعل تموز العراقي وتدميره عام 1981، وتذكرنا بكاريكاتير حبيب حداد في مجلة المستقبل حينها لسؤال عربيين بعضهم عن وجهة طائرات الاحتلال حينها بوجود طائرات التجسس الأمريكية "الأواكس" التي كانت اشترتها السعودية آنذاك وقيل الكثير عن مزاياها في الكشف والمتابعة والرصد، فيجيب عربي تلك الأيام بلسان المتصهينين اليوم عن الطائرات " طالعة من بيت أخويا رايحة لبيت الجيران".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحديدة اليمني الإسرائيلي قصف إسرائيل اليمن قصف رأي الحديدة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدوان على
إقرأ أيضاً:
5٥نوفمبر خلال 9 أعوام.. 63 شهيداً وجريحاً في جرائم حرب لقصف طيران العدوان على اليمن
يمانيون – متابعات
تعمَّد العدوانُ السعوديُّ الأمريكي، في مثل هذا اليوم 3 نوفمبر خلال الأعوام 2015م، و2016م، و2017م، 2018م، ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتهجير والتشريد لعشرات الأسر، بغاراته الوحشية المكثّـفة، على المدنيين والأعيان المدنية في المنازل والمزارع، وعلى السيارات، بصنعاءَ وصعدة، والحديدة.
أسفرت عن 4 شهداء، و59 جريحاً بينهم نساء وأطفال، وتدمير عشرات المنازل والمزارع والممتلكات، ومنصة العروض، ومحطة وقود، ومحلات تجارية، وتشريد عشرات الأسر من منازلها، وخسائر بالملايين في الممتلكات، وتعزيز حالة الخوف في نفوس الأطفال والنساء، ومضاعفة المعاناة، ومشاهد مأساوية، تمثل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي ومؤسّساته القانونية والحقوقية والإنسانية.
وفيما يلي أبرز تفاصيل جرائم العدوان بحق الشعب اليمني في مثل هذا اليوم:
5 نوفمبر 2015.. 12 جريحاً جلهم نساء وأطفال بغارات العدوان على مزرعة فراولة بصنعاء:
في مثل هذا اليوم 5 نوفمبر تشرين ثاني 2015م، استهدف طيران العدوان السعوديّ الأمريكي، مزرعة فراولة في منطقة الحدبة بمديرية السبعين أمانة العاصمة صنعاء، بغارات وحشية مباشرة، أسفرت عن جرح 12 مواطناً جلهم نساء وأطفال، وحالة من الرعب والخوف ودمار في الأشجار والثمار، وتضرر الممتلكات المجاورة، في جريمة حرب مكتملة الأركان استهدفت المدنيين والأعيان المدنية.
فراولة تسقى بدماء بريئة:
في هذا اليوم كان الهواء يهبُّ ناعماً حاملاً معه عبق الفراولة الناضجة في مزارع الحدبة بمنطقة السبعين بصنعاء، ومعه رائحة مشاقر على رؤوس نساء يرتدين العباءات السوداء، ويعملن في جني الثمار، ومعهن أطفال يلهون بين الشجيرات، ويأكلون ما قدرت أياديهم الصغيرة على قطافه من الحبات الناضجة جِـدًّا، ورجالٌ يعملون بأيديهم الخشنة، ويقلبون التربة، وكلّ في شغله، لا يدري أن مصيراً قاتماً ينتظرهم.
فجأة، حلَّق طيران العدوان السعوديّ الأمريكي في سماء المنطقة وبدأ يلقي حمم حقده قنابل وصواريخ على المزرعة المحمية، وارتفع دويها العنيف، وتهز الأرض من تحت أقدام آمنين يجنون الثمار، ويتبادلون الضحكات، وكان يتوقعون أن طائرات العدوان بعيدًا عن جبهات القتال، لن تختارهم هدفاً جديدًا، وتقضي على مزارع بسيطة، وحياة عادية، وأحلام صغيرة.
هنا جرحت الأجساد ونزفت الدماء وارتوت الأرض بالدماء وشربت الأشجار دماً يمنيًّا بريئًا، وامتزج لون الفراولة وطعمها بلون الدم ونكهته، وشوهت الأجساد البريئة، كانت ملقاة على الأرض تنزف وتصرخ، وأطفال وأُمهات كلّ يبحث عن الآخر وصوت البكاء يعلو في مشهد إنساني يدمي القلوب.
“كنتُ أقطف الفراولة مع بناتي” تقول إحدى الجريحات بصوتٍ يختنق بالبكاء، “فجأة، سمعنا صوت الانفجار، ورأيت الدماء تسيل من أجسادهم الصغير، لم أفهم ما حدث، كُـلّ ما أذكره هو أنني كنت أصرخ وأبكي، والغبار والانفجار من حولي والتراب ينهمل عليَّ مع الدمار، وأصوات من هنا وهناك تدوي بالصراخ”.
مشهدٌ مروع، لا يمكن وصفه بكلمات، نساءٌ يبكين على أطفالهن الجرحى، رجالٌ يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أطفال يبكون من الألم والخوف، الدماء تغطي الأرض، والشظايا تنتشر في كُـلّ مكان، والدم الأحمر يختلط بفاكهة حمراء، وينزف على أوراق أشجارها، ويروي أرضها وترابها.
في ذلك اليوم، لم تكن مزرعة الفراولة مُجَـرّد قطعة أرض، بل كانت رمزاً للحياة، للبراءة، للأمل، والآن، تحولت إلى شاهدٍ على جرائم الحرب، على وحشية الطغاة والمستكبرين، على غياب العدالة في هذا العالم.
تلك الغارة الغادرة التي سقطت على المزرعة، لم تدمّـر فقط الممتلكات، بل دمّـرت أَيْـضاً نفوساً بريئة، أطفال يعانون من الكوابيس، نساءٌ يعانين من الصدمة، مجتمعٌ يعاني من الخوف والقلق والفقر والقتل اليومي بغارات غادرة، وحصار شامل وتفاقم الأوضاع المعيشية.
هذه ليست مُجَـرّد قصة بل هي حقيقة تحاول تقريب صورة جريمة، وهي واحدة من آلاف القصص التي تروي في كلماتها وعباراتها نزراً بسيطاً من جريمة واحدة من جرائم العدوان بحق الشعب اليمني، وتعكس جزءاً من مأساة الشعب اليمني، وهي قصة عن ألم، عن فقدان، عن صمود، هي قصة يجب أن تروى للعالم أجمع، حتى لا تتكرّر مثل هذه الجرائم.
5 نوفمبر 2016.. العدوان يستهدف مزارع وممتلكات المواطنين بهمدان صنعاء بسلسلة من الغارات:
وفي 5 نوفمبر تشرين الثاني 2016م، استهدف طيران العدوان السعوديّ الأمريكي، مزارع وممتلكات المواطنين في منطقة الحمراء بمديرية همدان صنعاء، بسلسلة من الغارات المباشرة، أسفرت عن أضرار واسعة، وترويع للأهالي، وموجة من النزوح، ومضاعفة المعاناة، في جريمة حرب جديدة أضافت إلى سجل جرائم العدوان بحق الشعب اليمني.
منطقة الحمراء أرض كانت تزخر بالحياة والخصوبة، ونشاط المزارعين والرعاة، وعمال حراثة الأرض وقاطفي الثمار، لكن طيران العدوان قلب المشهد المعتاد إلى أجواء مليئة بالغبار والدخان والنيران والغارات التي تهز الأرض وتدمّـر الممتلكات، وتحول النهار إلى ليل حالك، تناثرت الأحجار والشظايا في كُـلّ مكان، وتحولت المزارع الخضراء إلى رماد وأنقاض، وهرب الأهالي مذعورين من منازلهم ومزارعهم، حاملين معهم ما استطاعوا حمله من متاع، تاركين وراءهم كُـلّ غالٍ وعزيز.
يصف أحد الأهالي تلك اللحظات المرعبة قائلاً: “سمعنا صوت طائرات العدوان تحلق فوق رؤوسنا، ثم بدأت الغارات تسقط على منازلنا ومزارعنا، فهربنا بأرواحنا، وكل يأخذ أسرته على سيارته، ويتفقد جيرانه ومن كانوا بالقرب من الأماكن المستهدفة، هذه شظية عدوان غاشم متخبط يتعمد استهداف المدنيين وقت الظهر، الناس قدهم مصبحين ضابحين والصواريخ من الطيران من الليل متواصلة على المزارع، وأطفالي يبكون ويخرجون ما في بطونهم من شدة الخوف، وهذه محاولة لإركاع الشعب اليمني الصامد في مواجهته وتقديم كُـلّ غالٍ ونفيس، ورفد الجبهات بالرجال والمال”.
كانت مزارع الحمراء تمثل مصدر رزق لأهالي المنطقة، فقد كانوا يزرعون فيها ما يؤمِّن لقمة عيشهم وعيش أسرهم، والآن، وبعد هذه الغارات الوحشية، فقدوا كُـلّ شيء، وتحولوا إلى نازحين في أرضهم.
هذه الجريمة البشعة التي ارتكبها العدوان السعوديّ الأمريكي في حق أهالي الحمراء، هي جزء من سلسلة طويلة من الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب اليمني منذ بداية العدوان.
5 نوفمبر 2017.. 11 شهيداً وجريحاً في جريمتَي حرب لغارات العدوان على صنعاء:
وفي ذات اليوم 5 نوفمبر 2017م، ارتكب طيران العدوان السعوديّ الأمريكي جريمتي حرب متفرقتين، الأولى باستهداف وسيلة نقل “باص” يقل مواطنين، في منطقة الخميس الرحبة مديرية بني الحارث، والثانية باستهداف منصة السبعين بالعاصمة صنعاء والمحافظة، أسفرتا عن شهيد و10 جرحى بينهم أطفال ونساء، وترويع الأهالي والمارين ودمار في الممتلكات، ومضاعفة معاناة الضحايا.
جريمة إبادة: نساء وأطفال على باص
ففي مديرية بني الحارث، كان عدد من النساء والأطفال يستقلون باص أجرة لتوصيلهم إلى منزلهم، لكن طيران العدوان، قطع عنهم الوصول بغارة غاشمة لا ترحم، استباحت حياة 8 أرواح بريئة، وسفكت دماءَهم وحاولت إبادتهم بشكل جماعي، دون أي ذنب، وتحولت الرحلة من الطريق نحو المنزل إلى المستشفيات وغرف العناية، وأحدهم شهيد إلى مثواه الأخير بين تراب الأرض، فيما السائق من ضمن الجرحى، ووسيلة تحولت إلى كومة حديد محترق، في مشهد مأساوي أدمى القلوب، وأفزع الأهالي.
فيما كان طيران العدوان يتزود بالصواريخ والقنابل كان عدداً من النساء وأطفالهن -وسط سوق الخميس الذي يشهد حركة دؤوبة- يشترين الخضروات الطازجة، والاحتياجات الأَسَاسية، وأطفال يلعبون ويتخيرون الحلوى، ورجال يتبادلون أطراف الحديث، وما إن بدأ الإقلاع بدأت النسوة يبحثن عن وسيلة نقل تعيدهن إلى منازلهن، وكان لهن ذلك، وما إن بدأن بالتحَرّك خارج السوق حتى باشرهن الطيران بغارة وحشية، لم يكن أحد يتوقعها، وأن هذا اليوم سيتحول إلى ذكرى حزينة وأليمة، وأن هذا اليوم سيكتب فيه تاريخ جديد بالدماء اليمنية، البريئة، مدوناً في جبين الإنسانية جريمة حرب ووصمة عار في جبين الإنسانية ارتكبها طيران العدوان، بحق نساء وأطفالهن.
فجأة، الغارة تستهدف الباص بمن عليه، فتقلب عدة مرات، وانحرف عن مساره، وارتفعت سحابة من الغبار والدخان وبها فيها صرخات ودماء وأرواح، وكان الباص مكتظاً بالمدنيين، مُستمرّاً في الحركة لكن على غير المعتاد، وعليه ركاب معظمهم من النساء والأطفال، كانوا في طريقهم إلى بيوتهم بعد يوم شاق من التسوق.
تحول الباص الأبيض الذي كان يحمل أحلاماً وآمالاً، إلى قبر جماعي متحَرّك يحمل الشهداء والجرحى، سقط شهيد واحد، وسبعة آخرون أُصيبوا بجروح بالغة، معظمهم من النساء والأطفال، كانت المشاهد مروعة، أشلاء مبعثرة، صرخات تملأ الأجواء، ودماء تسيل على الأرض، ومئات الأهالي يتجمعون في مشهد تعاطفي؛ فهذا ينتشل الجريح وآخر يأخذ بيد جريحة، وذاك يتواصل بأهالي العوائل، وثان يسخر سيارته للإسعاف.
يقول أحد الشهود بصوت يختنق بالبكاء: “رأيت الناس يصرخون ويبكون، وكانت هناك امرأة تحمل طفلها الجريح بين ذراعيها، كانت تبكي بحرقة وتصرخ، والدماء على وجهها وتسيل من طفلها الرضيع”.
تحولت الحافلة التي كانت تحمل الأمل، إلى رمز للوحشية والعدوان، وتحول سوق الخميس الذي كان يعج بالحياة، إلى ساحة حرب، من جهة واحدة.
هذا الجريمة الأليمة، واحدة من آلاف جرائم الحرب والإبادة ضد الإنسانية التي ارتكبها طيران العدوان السعوديّ الأمريكي بحق الشعب اليمني، خلال 9 أعوام متواصلة، استهدفت المدنيين العزل، وانتهكت كُـلّ القوانين والأعراف الدولية.
منصة السبعين هدف متجدد لغارات العدوان:
وفي مديرية السبعين كانت منصة العروض التي تم قصفها بداية العدوان ولعدد من المرات تشكل رمزاً للصمود والبقاء رغم كُـلّ ذلك، لكن إفلاس العدوّ وتخبطه، وانعدام الأهداف العسكرية، ووهن معلوماته الاستخباراتية عن الشعب اليمني وجيشه وقيادته، أقحمه لتكرار ضرباته المباشرة على منصة من الحديد والخرسان والخشب، كانت تمر من جوارها سيارات المواطنين المسرعين نحو أعمالهم ومنازلهم، ومنهم 3 على باص نقل صغير أُصيب بشظية وجرح من عليه، وسفكت دماءهم البرية عنوة، لتكون وصمة عار في جبين الإنسانية وقوانينها وهيئاتها، والمجتمع الدولي المتفرج على مشهدية تستبيح الدماء وتهلك الحرث والنسل، والأعيان المدنية، وتدمّـر منصة عروض تستخدم في المناسبات والاحتفاليات الوطنية والدينية لشعبنا اليمني.
تجمع المواطنون فور الغارات ليسعفوا الجرحى ويطفئون النيران، ويقول أحدهم: “هذا عدو جبان حتى منصة العروض لم تسلم منه، هذه المنصة قبل أَيَّـام كانت تحيي ذكرى المولد النبوي الشريف، وكأن هذه الغارة رمزية لمحاولة النيل من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقوة ارتباط الشعب اليمني به وتمسكهم بنهجه السليم”.
5 نوفمبر 2017.. 3 غارات عدوانية تستهدف محطة وقود بصعدة:
وفي 5 نوفمبر 2017م، استهدف طيران العدوان السعوديّ الأمريكي، محطة وقود في منطقة بني ربيعة بمديرية رازح بـ 3 غارات، وحشية، أسفرت عن تدميرها وأضرار كبيرة في محالات وممتلكات المواطنين المجاورة لها، وخسائر مالية بالملايين، ومضاعفة معاناة الأهالي، وترويع الأطفال والنساء إثر سماع الغارات ومشاهد النيران وحجم الدمار، في جريمة حرب تستهدف الأعيان المدنية، وتهدف لتشديد الحصار وتعكير الحياة.
في هذا اليوم تحولت سماء منطقة بني ربيعة بمديرية رازح في محافظة صعدة إلى لوحة قاتمة، حين حلقت طائرات العدوان السعوديّ الأمريكي لتلقي بظلالها السوداء على أرضٍ كانت تزخر بالحياة، وبدأت الغارات بارتكاب جريمة حرب جديدة، عبر استهدافها محطة وقود بثلاث غارات متتالية؛ ما أسفر عن دمارها بالكامل وإلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات المجاورة.
هزّت الغارات الأرض، وارتفعت أعمدة الدخان والنيران لتشكل لوحة إجرامية معبرة، وتحولت المحطة التي كانت تزود المنطقة بالوقود إلى كومة من الأنقاض، وانتقلت النيران إلى المحلات التجارية المجاورة، مما تسبب في خسائر مادية فادحة، فرّ الأهالي مذعورين من منازلهم؛ خوفًا من امتداد النيران، ومعاودة الطيران المعادي لاستهداف ما بقي من المنازل، وطواقم الإسعاف والمنقذين.
يصف أحد الأهالي تلك اللحظات المرعبة قائلاً: “العدوان يتعمد استهداف كُـلّ شيء، لا يبقي لنا منازل ولا مزارع ولا محلات ولا محطات وقود، منازلنا لم تعد آمنة، واليوم نحن نترك وراءنا كُـلّ ما بنيناه طوال حياتنا، ونعيش في الجبال والكهوف، ونستمر في رفد الجبهات”.
لم تتوقف معاناة أهالي المنطقة عند هذا الحد، بل عانوا من نقص حاد في الوقود، ما شلّ الحركة في المنطقة وأثّر على حياتهم اليومية، كما تعرضوا لضغوط نفسية كبيرة؛ بسَببِ تكرار الغارات واستهداف المرافق المدنية.
إن استهداف محطات الوقود في ظل الحصار المفروض على اليمن هو جريمة حرب تستهدف المدنيين بشكل مباشر، فالحصول على الوقود ضروري لضمان سير الحياة اليومية، وتوفير الخدمات الأَسَاسية كالمياه والكهرباء، وتسويق المنتجات، وإسعاف المرضى والجرحى، وبالتالي، فَــإنَّ تدمير هذه المحطات يهدف إلى تعميق معاناة المدنيين وتشريد الأسر.
إن ما حدث في منطقة بني ربيعة هو جزء من مسلسل طويل من الجرائم التي يرتكبها العدوان بحق الشعب اليمني، على مرأى ومسمع من العالم والمجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته الحقوقية والإنسانية والقانونية.
5 نوفمبر 2018.. 40 شهيدًا وجريحًا في يوم واحد لغارت العدوان ومدفعية مرتزِقته على مناطق متفرقة بالحديدة:
وفي 5 نوفمبر من العام 2018م، كثّـف طيران العدوان السعوديّ الإماراتي الأمريكي ومدفعية مرتزِقتهم من استهداف المدنيين وممتلكاتهم، في مناطق متفرقة بمحافظة الحديدة، أسفرت عن جريمة حرب جديدة راح ضحيتها 3 شهداء وجرح 37 آخرين بينهم نساء وأطفال، ودفع السكان إلى ترك مأويهم والتوجّـه نحو النزوح والتشرد، ومضاعفة المعاناة.
تحولت أحياء سكنية إلى أنقاض، ومنازل آمنة إلى مقابر، ومزارع خصبة إلى أراضٍ جرداء، كانت المشاهد مروعة، دماء تسيل، صرخات تملأ الأجواء، ودموع تنهمر على وجوه الأطفال والنساء، فرّ الأهالي مذعورين من منازلهم، حاملين معهم القليل من أغراضهم، تاركين وراءهم كُـلّ ما يملكون.
يصف أحد الناجين تلك اللحظات قائلاً: “كنا نجلس في منزلنا عندما سمعنا صوت الغارات القوية، هربنا بأرواحنا، وتركنا كُـلّ شيء، رأيت جيراننا وقد أُصيبوا بجروح بالغة، وأطفال يبكون من الخوف، إنها مأساة لا توصف”.
إن استهداف المدنيين والبنية التحتية في محافظة الحديدة جريمة حرب واضحة، وتكرار هذه الجرائم يؤكّـد أن العدوان وأدواته لا يلتزمون بأية قوانين دولية أَو إنسانية، فمنذ بداية العدوان على اليمن، استهدفت المستشفيات والمدارس والأسواق والمنازل، مما تسبب في استشهاد وجرح الآلاف من المدنيين وتشريد الملايين.
إن ما يحدث في محافظة الحديدة هو كارثة إنسانية حقيقية، فالشعب اليمني يعاني من حصار خانق، ونقص في المواد الغذائية والدواء، وانتشار الأمراض، بالإضافة إلى ذلك، يعيش اليمنيون في حالة من الخوف والرعب المُستمرّ؛ بسَببِ استمرار العدوان والحصار، وسماع عودة شبح الحرب مجدّدًا.
ويطالب الأهالي من المجتمع الدولي: بوقف العدوان فورًا، ورفع الحصار المفروض على البلاد، ومحاسبة الجناة، مجرمي الحرب وتقديمهم للعدالة وتقديم المساعدات الإنسانية وتوفير الاحتياجات الأَسَاسية للمدنيين المتضررين، وإعادة الإعمار.