هل حقًا نتنياهو من يطيل أمد الحرب على غزة؟
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
يربط عدد كبير من المحللين والمتابعين للشأن الإسرائيلي تعنّت بنيامين نتنياهو في موضوع وقف إطلاق نار قد يفضي إلى وقف الحرب في قطاع غزة إلى خوفه على مستقبله السياسي، وأن وقفًا للحرب يعني أنه سيواجه انهيارًا لحكومته وتحمل مسؤولية الفشل الكبير في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
هذا التحليل وإن بدا في بعض جوانبه موضوعيًا، لكنه غير كافٍ لتفسير عدم وقف الحرب حتى اللحظة، رغم أنها – ومنذ أشهر – تبدو عبثية من الناحية العسكرية، وسمتُها الأساس، القتلُ والتدمير والمبالغة في انتهاك القوانين والأعراف الدولية، وإدارة الظهر لكل القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة، وعن المحاكم الدولية الداعية لوقف فوري لحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
حاول نتنياهو من خلال إطالة أمد الحرب أن يظهر أمام اليمين المتطرف بأنه رئيس وزراء استثنائي، وقائد بقدرات لم يمتلكها أحد من قبله، أو "شمشون الجبار "، القادر على مواجهة المعارضة الإسرائيلية والجيش وقوى الأمن، بالإضافة إلى مجلس الأمن الدولي، والمحاكم الدولية، وموقف دول الغرب والشرق الداعين لوقف الحرب ووضع حدّ للمجزرة المفتوحة ضد المدنيين الفلسطينيين..
تبني هذا التحليل يفترض أنّ كل هذه الأطراف صادقة وجادة في وقف الحرب، وأن الوحيد الذي يرفض ذلك هو نتنياهو، وأنه حقًا لديه كل هذه الإمكانات والمهارات والقدرات التي تمكّنه من ذلك، وهذا فيه الكثير من المبالغة والمجافاة للحقيقة.
بيئة سياسية مساندة لا ضاغطةالتدقيق في البيئة السياسية الداخلية والإقليمية والدولية وما تفرزه من عوامل مؤثرة في هذه الحرب واستمرارها، يظهر بشكل جلي أنّ نتنياهو لا يمارَس عليه ضغط حقيقي لكي يوقف الحرب، وهو لا يشعر بالخطر من أي من الأطراف القادرة، باستثناء الجبهة الداخلية في الكيان، بل إن غالبية هذه الأطراف قدمت منذ بداية الحرب وما زالت، كل الدعم المطلوب لاستمرارها، وباستعراض موجز سنجد أن:
1- البيئة الداخلية الإسرائيلية ما زالت غير ضاغطة بما يكفي لوقف الحرب، فنتنياهو يمسك بزمام تحالف حكومي متماسك يستند إلى أغلبية من 64 مقعدًا لا تتزحزح في الكنيست. والجيش والمؤسسات الأمنية ما زالا يعملان وفقًا لتوجهات الحكومة وهما منصاعان لأوامرها، رغم الضرر البالغ الذي لحق بهما على يد المقاومة.
والمعارضة هشّة وغير منسجمة ولا تتفق على أهداف محددة، مما جعلها غير فعالة أو مؤثرة على مسار نتنياهو وسياساته. والجمهور الصهيوني ما زال تحركه الضاغط – سواء لعقد صفقة تبادل للأسرى تتضمن وقفًا للحرب وانسحابًا من قطاع غزة – محدودًا ولم يكتسب الزخم الذي يمكن أن يجبر نتنياهو وحكومته على الاستجابة لمطالبه حتى اللحظة.
بل إنه في أكثر من مرّة وضع الجمهور في مواجهة بعضه البعض بين مؤيد له ولحكومته ومعارض لهما "جمهور مقابل جمهور". هذه العوامل مجتمعة تجعل نتنياهو، حتى كتابة هذه السطور، لا يشعر بخطر حقيقي على حكومته واستقرارها، وإن لم تحدث تحولات حقيقية وفاعله على هذه المكوّنات والفواعل لن يغير نتنياهو من موقفه وسلوكه.
2- الولايات المتحدة الأميركية شريك كامل في العدوان على شعبنا في غزة منذ اليوم الأول، ورغم أن بعض التباين ظهر بين موقف الولايات المتحدة كدولة ومؤسسات وبين الإدارة الديمقراطية، وبالذات فيما يتعلق بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، فإن الثابت هو الدعم المفتوح والشراكة الكاملة عسكريًا وأمنيًا وسياسيًا، وهو ما يطمئنّ إليه نتنياهو، ويضمن أنه مستمر في كل الظروف والأحوال، مستندًا في ذلك إلى موقف المؤسسات العسكرية والأمنية والاقتصادية، واللوبيات الداعمة للكيان وعلى رأسها الأيباك.
وكذلك مؤسسات وقيادات الصهيونية المسيحية التي يقدر البعض عدد أتباعها بما يقارب الـ 70 مليون أميركي، ثم عدد مهم من أركان الإدارة الحالية للبيت الأبيض، وعلى رأسهم وزير الخارجية بلينكن، ومستشار الأمن القومي سوليفان.
ثم قبل ذلك كله وبعده فإن عين نتنياهو والأحزاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل على الانتخابات الأميركية نهاية العام وإمكانية عودة دونالد ترامب رئيسًا، وهو المعروف بدعمه الأعمى للكيان ومشروعه المجنون لتصفية القضية الفلسطينية المعروف بـ "صفقة القرن".
3- الدول الأوروبية المركزية والمؤثرة، وبالذات ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، ما زالت على ذات السياسة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فهي منذ عقود طويلة، في الحرب والسلم، تسير في ذيل السياسة الأميركية وتخدّم عليها. فرغم الضغط الشعبي الكبير في العديد من البلدان الأوروبية والمواقف والتصريحات السياسية المختلفة الصادرة من هناك، إلا أنها لم تتحول إلى فعل سياسي مؤثر، واستمر الدعم للكيان وحربه المجنونة.
4- العالم العربي والإسلامي أعاد التأكيد خلال هذه الحرب على عجزه وضعفه وهامشيته، بل زادت بعض أطرافه الأمر سوءًا بموقفها من الحرب وأدائها السياسي والإعلامي خلالها. وعُقدت صفقات أسلحة وزاد التبادل التجاري بين عدد من الدول والكيان، وهو ما يرسل رسائل في غاية السلبية للفلسطينيين ويشكل دعمًا ومساندة مباشرة للاحتلال.
لم يستمر التفاؤل بموقف إسلامي وعربي جاد طويلًا، بعد القمة المشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية التي شكلت لجنة مشتركة من سبعة وزراء خارجية، اعتقد كثيرون أن جهدًا دبلوماسيًا وضغطًا عربيًا وإسلاميًا سينتج عن هذه الخطوة، وأن إسنادًا عربًيا وإسلاميًا قادمًا للفلسطينيين، لكن وبكل أسف الخيبة كانت كبيرة بحجم الاجتماع وبثقل دوله، وبعد أسابيع محدودة لم يعد أحد يسمع عن اللجنة أو عملها.
5- فلسطينيًا، بموازاة الصمود الاستثنائي للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، أظهرت القيادة السياسية الرسمية: قيادة السلطة و"م ت ف"، انفصالًا عن الواقع وانفصامًا وطنيًا وعجزًا سياسيًا وتخليًا عن المسؤولية التاريخية، وبؤسًا في الأداء وصل إلى حد التماهي مع الاحتلال وروايته.
كل ذلك بجانب استمرار التنسيق الأمني مع الجيش الذي يرتكب مجازر يومية بحق شعبها ونسائه وأطفاله العزل، والاستمرار في ملاحقة المقاومة في الضفة الغربية، التي تواجه المستحيل، وتعمل في بيئة مكتظة بالعقبات لتآزر غزة، ترتب عليها اعتقال العشرات من الشبان واستشهاد أحد عشر فلسطينيًا على أيدي الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة حتى تاريخ كتابة هذا المقال.
وفي ذات الوقت لم تتمكن القوى الشعبية الفلسطينية، حيثما وجدت، من تفعيل دور الجماهير الفلسطينية وتنظيم تحركها لتشكل ضغطًا حقيقيًا على الكيان وداعميه، واتسم سلوك الشعب الفلسطيني خارج قطاع غزة، كما الشعوب العربية والإسلامية، بالضعف وانعدام التأثير.
نتنياهو ليس بارعًا بل البيئة السياسية متواطئةأمام كل ذلك لا بد من النظر في العوامل المؤثرة والضاغطة على الكيان بمكوّناته المختلفة، والاهتمام بها وتفعيلها، لا انتظار التغير في موقف نتنياهو أو تراجعه أمام ضغوط في غالبيتها موهومة أو غير فاعلة.
إن نتنياهو وكيانه أضعف من أن يواجها ضغوطًا جادة من أي من الأطراف الإقليمية والدولية، لو وجدت الإرادة الكافية، فغالبية هذه الأطراف لديها من القدرة والأدوات ما يمكنها من لجم هذا العدوان، لكن المؤسف، حقًا، أن بعض هذه الأطراف، وبالذات الولايات المتحدة، منسجمة من الكيان وأهدافه ولا تختلف معه إلا في بعض القضايا المتعلقة بإدارة المعركة، وبعضها الآخر غير مبالٍ ويسيطر على سلوكه النفاق، إذ يستمر في الحديث عن القيم وحقوق الإنسان والتضامن مع الضحايا، فيما يستمر في تقديم الدعم للمجرم، وهو ما تفعله الدول الأوروبية المؤثرة.
بينما يستمرّ عالمنا العربي والإسلامي "الرسمي"، في معظمه، في تشرذمه وضعفه واستسلامه للهيمنة الأميركية، ولا يبدو قادرًا على الاستفادة من لحظة تاريخية يسير فيها العالم نحو التغيّر، وتتشكّل فيها فرصة قد لا تتكرّر للتحرّر من الهيمنة الأميركية، ومواجهة خطر المشروع الصهيوني الذي هدّد -وما زال – مصالح تلك الدول، في ذات الوقت الذي سلب فيه الفلسطينيين وطنهم وحقوقهم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات هذه الأطراف وقف الحرب
إقرأ أيضاً:
انتقادات إسرائيلية قاسية لحكومة نتنياهو وللجيش بسبب التخبط في غزة
وجه بروفيسور إسرائيلي انتقادات قاسية لحكومة بنيامين نتنياهو والجيش الذي يخوض حربا في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2023، وسط تخبط وفشل وإخفاقات متكررة على مدار شهور من القتال، عقب الضربة "المروعة" التي تم تنفيذها على يد مقاتلي حركة حماس في 7 أكتوبر.
وقال البروفيسور إيال زيسر خبير شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا ونائب رئيس جامعة تل أبيب، في مقال نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم" وترجمته "عربي21"، إنّ "الجيش يخوض حربا ضد حماس في غزة منذ خمسة عشر شهرا، لكنه لا يزال بعيدا عن هزيمتها".
وتابع زيسر قائلا: "يبدو أن صورة النصر أصبحت أبعد فأبعد، مع استمرارنا في التخبّط دون هدف، رغم أنه كان ممكناً تبرير الصعوبات، وحتى الإخفاقات التي واجهناها في الأسابيع والأشهر الأولى من الحرب في غزة، بالضربة المروعة التي تلقيناها على يد حماس في السابع من أكتوبر".
وأضاف أن "هجوم حماس المفاجئ الذي لم نتوقعه، ولم نكن مستعدين له، دفع الإسرائيليين لفقدان السيطرة على أنفسهم، وانهيار الأنظمة على المستويين السياسي والعسكري، وجعل من الصعب اتخاذ القرارات بشأن أهداف الحرب، وكيفية إدارتها، ولكن بعد كل هذه المدة، فإن حماس لا تزال في ذروة قوتها، فيما وجدت تل أبيب نفسها تقاتل على سبع جبهات، وتحت وابل من الضغوط على الساحة الدولية".
وأكد أنه "من بين العديد من المسؤولين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء نتنياهو، تولّد لديهم خوف من أن الجيش لن يكون قادرا على القيام بهذه المهمة، وأن القتال في غزة سيتسبّب بوقوع خسائر لن يكون الجمهور قادرا على تحمّلها، ولهذا السبب دخلنا في الحرب، من خلال حملة متواصلة لعدة أشهر دون أهداف واضحة، ودون خطة تشغيلية كبرى تُفصّل ما يجب القيام به من البداية إلى النهاية".
وأوضح أننا "شهدنا بدلاً من ذلك تجميعاً عشوائياً للعمليات التي كانت في معظمها غير مترابطة، ولم تؤد لتحقيق أهداف الحرب، ولذلك بدأ القتال في مدينة غزة، ثم في خان يونس، ثم في رفح، ثم العودة مرة أخرى، ولكن يبدو أن كل شيء يبدأ وينتهي بتحديد أهداف الحرب منذ البداية بطريقة شاملة وغامضة، دون تحديد كيفية تحقيق الجيش لهذه الأهداف على الأرض، وبات القضاء على القدرات العسكرية لحماس شعار فارغ، وليس خطة عمل عسكرية منهجية تتضمن أهدافاً ملموسة يجب تحقيقها".
وأشار إلى أن "الهدف الذي انطلق الجيش بسببه للحرب للقضاء على جميع مقاتلي حماس تحقق من خلال قيام الحركة بسهولة بتجنيد الشباب والشابات ليحلوا محل من تم اغتيالهم خلال الحرب، وإن تعلق الأمر بالقضاء على قدرتها الصاروخية، فإننا مرة أخرى نشهد إطلاق الصواريخ كل يوم تقريبا تجاه المستوطنات من غزة المحاصرة، وبدأ "تنقيط" الصواريخ يعود بقوة كبيرة، صحيح أن رد الجيش يكون بإخلاء سكان غزة من مناطق إطلاقها، لكنهم يعودون إليها بعد يوم أو يومين".
وأضاف أن "هذه الدوّامة جعلتنا ندخل في حرب مستمرة، يحتل الجيش فيها الأراضي الفلسطينية، ثم يخليها من أجل إعادة احتلالها، مع وقف إطلاق النار بين الحين والآخر، ذهابًا وإيابًا، مع أنه كان ممكناً أن نتوقع، أن تعود الدولة لرشدها، وتتعلم من إخفاقات الماضي، وتتبنّى نهجا مختلفا، خاصة ما يتعلق باحتلال القطاع، أو على الأقل مناطق واسعة منه، أو بدلا منه تعزيز اتفاق سياسي يضمن إخراج حماس من القطاع، والتوصل لصفقة لإطلاق سراح جميع المختطفين".
ولفت إلى أن "أي شيء من هذا لم يحدث، وما زال الاسرائيليون يسيرون على طريق مسدود، لا يقربهم من هدفهم، ولذلك فإن حرب الأشهر الخمسة عشر ستُذكر في كتب التاريخ باعتبارها حرباً فاشلة، أولاً بسبب الطريقة التي اندلعت بها، ولكن أيضاً وبالأساس بسبب الطريقة التي أُديرت بها منذ ذلك الحين، وقبل كل شيء من قِبَل المستوى السياسي، الذي يبدو أنه لا يريد أن يحسم الحرب، ويكسبها، ويُنهيها، بل يفضّلها حرباً بلا نهاية، مع أنه لا يوجد سبب لهذا اليوم، فقد تغيرت القيادة العليا للجيش، ولا يمكن اتهامها بالافتقار للروح القتالية".
وأوضح أن "إدارة ترامب تمنح إسرائيل حرية التصرف كما يراها مناسبة، وحتى بعض الدول العربية استنتجت منذ فترة طويلة أنه من الأفضل للجميع هزيمة حماس، وبالتالي فهي تمنح تل أبيب الضوء الأخضر للعمل في غزة، لكنه لا يزال عالقا في مكانه، يتجنب اتخاذ القرارات، ويفتقر للرؤية وخطة العمل، وفي النهاية، عندما يرى الأميركيون أنه غير قادر على اتخاذ القرار والانتصار، وخائف من اتخاذ القرار، فسيقرّرون عنا وفقاً لخريطة مصالحهم، وعندها لن نلوم إلا أنفسنا".
وختم بالقول إنه "كفى للدولة حالة المماطلة والتخبط في رمال غزة، كفى من التردد والخوف من اتخاذ القرارات، فقد حان الوقت لتغيير المسار، والخروج من الدائرة المفرغة التي ندور فيها منذ 15 شهراً، هكذا سنحقق أهداف الحرب، ونعيد المختطفين من أيدي حماس".