متابعة بتجــرد: طرح النجم المصري رامي صبري أغنية جديدة بعنوان “على بالي”، وهي الأغنية الثانية من ألبومه لصيف 2024 والذي يحمل اسم “أنا جامد كده كده”.

أغنية “على بالي” هي أغنية رومانسية بإيقاع متوسط ومن اللون الغنائي الذي يحبه الجمهور من رامي صبري، من كلمات مصطفى مدكور، وألحان رامي صبري ومحمد علي، وتوزيع رامي ياسا.

وكان رامي صبري قد طرح منذ أيام أغنية عنوان الألبوم “أنا جامد كده كده” وهي من كلمات تامر حسين، وألحان رامي صبري وتوزيع جلال حمداوي.

وحققت أغنية “أنا جامد كده كده” أكثر من 500 ألف مشاهدة خلال 5 أيام فقط.

main 2024-07-22 Bitajarod

المصدر: بتجرد

كلمات دلالية: رامی صبری

إقرأ أيضاً:

قراءة في علاماتيّة أغنيات أبو عركي البخيت

أوسمة المقاومة :
قراءة في علاماتيّة أغنيات أبو عركي البخيت
الدكتور فضل الله احمد عبدالله
لو لم تبق غير الجراح ،
فالتكن الجراح الأوسمة ؟
لو لم تبق غير الدموع ،
فالتكن الأنهار ، لا البرك مهيضة الجناح .
لو لم يبق غير السوط ،
فاليبدأ الإذلال العام .
تلك الصورة الكلامية ترقد علي خزانة لا تنضب من العلاماتيّة ، وتُعد من التصورات الذهنية التي شكلتها الحساسية الإبداعية للكاتب البروفيسور عبدالله علي إبراهيم ( جرياً على لسان كورس نساء القرية في نص مسرحيته – الجرح والغرنوق – والتي كتبها بين عامي 72 – 1973م وفقاً لإشارة الناقد السر السيد في دراسته : مسرح عبدالله إبراهيم )
والجرح والغرنوق – عنوان النص المسرحي – هي علامة أو إشارة أطلقها الكاتب حرّة معتقة تسبح في خيال المتلقي دون أن تحبسها قيود المعاني المتوارثة والسياقات المحددة .
كما أنها أكثر العناونين – حسب السر السيد – شاعرية ورمزية ، خاصة عند ما يكون الجرح نبيلاً ، ويكون سببه أكثر نبلاً كطائر الغرنوق الأبيض الذي يملأ الفضاء وضاءة واعتداداً ، عف المنقار لا يغمسه في كل سانحة من طعام ، كأنه يعيش على الندى والأريج ، فما بين الجرح والغرنوق عنوان المسرحية حضور الوطن ، دلالة ورمزاً وحلماً .
وذلك الحضور بدلاليته وسيميائيته ، من ” تيمات ” أو المضامين الملتمعة في منجزات جيل الستينيات من المثقفين المبدعين في مجادلاتهم وحوارتهم – أوانذاك – المستقيمة التي لا أعوجاج فيها .
كما هو شأن المثقف ، والمثقف في لسان العرب هو صفة الرمح ، التي تدل على صلابته وقوته وخلوه من أي تشوه أو انحراف .
وهذه الصفة في تقديري هي المدلول الذي نلتمسه في تأويلات عصرنا هذا ، ليشير إلى الوظيفة التي يؤديها المثقف المبدع ، وفق أدواته وانشغالاته الذهنية في إنتاج شخصية الفرد والجماعة وأن يعمل على تحسين شروط حياة الناس . ويؤهل الوعي لاستنطاق التنوع والاختلاف مزوداً ، بذلك معارف الناس ، بما يثريه ويمدّه بالحياة .
وعند تلك الخاصية أو المعنى نفسه ، في منتوجات الفنون ، يقف هذا المقال ووفقاً لمنطوقات العنوان أعلاه ، وما تلتمع فيه من فرضية أو دلالة في قراءة حالة إبداعية في غاية الحساسية الفنية ، شاهدا عليها .
حالة فنان سوداني تميز في مساره الإبداعي ، بصلابته المبدئية ، وقوة عزمه ، واستقامته الجادة علي الطريق الذي أختطه لنفسه ، دون أنزلاق أو انحراف ، خاليا من أية تشوهات .
هو الموسيقار والمغني المطرب ( أبو عركي البخيت ) سيد المكارم ، وصوت من أصوات الثقافة السودانية الشاهقة القمم ، وأيقوناتها المتجلية بلا منازع ، الذي ملأ الفضاء الإبداعي ، وضاءة واعتداداً .
عف مثل طائر الغرنوق – في فرضية عبدالله علي أبراهيم – لا ينغمس في كل سانحة من الموائد ، ولا ينتقي إلّا ما يروق له ، أو تطمئن نفسه عليه ، من نداوة الأشياء وأطهرها .
أبو عركي البخيت ، الفنان النجيب ، الذي عرف مبكراً ، ما يريد لذاته من أدوار ووظيفة ، فوهبه كيانه ، مؤمناً بأن مثاله الإبداعي المبتغى يبتعد ، كلما بدا قريباً .
فقد أنجز فن التطريب العالي المقامات ، المتشبع بالأصالة ، مستندا علي علم فنون الموسيقي والأداء الصوتي ، وفق منهجياتها الأكاديمية الصارمة في شروطها ، وأسس قواعدها ونظرياتها العلمية ، وموهبة فذة حاذقة ، أمتاز بها ، حيث قام بتوظيف مكامن القوة والإبداع الطبيعية عنده ، ومن ثم ، لجأ الي مخاطرة أخري ، بأن نحت مفرداته الموسيقية ، وكلماته الخاصة ، التي مكنته من التعبير عن عوالم جديدة بالغة الجمالية ، عميقة الموضوعية ، وكان ذلك معينه في مسيرته الإبداعية ، بحثا عن الحقيقة ، ومقارعة للأيام ، ومغالبة المحن والرزايا .
ومميزا نفسه في نوعية جمعت بين جماهيرية الغناء ، إذ ، للأغنية جمهور ينتظرها ، فالأغنية عنده ترتكز على الأسس المكونة لقوامها – علماً وفلسفة ورؤية – ولعل ذلك كله ، هو ما أوجد تلك الثنائية المتفردة بين أبو عركي والجمهور .
فالجمهور المتلقي لأبو عركي البخيت ، هو نفسه جمهور خاص ، عاش تجربة الفنان ، وصاغ حدودها معه ، ونظم معه ذلك العقد من منظومة العلامات الصارمة في توليد دلالاتها ، مثلها مثل ، إشراقات الصوفية المستبطنة التي لا ترى في المرئي والظاهر في الحس العادي ، ولكن يتجلي عندها الماورائي في الأشياء ، وتنظر في ما لا تراه الأبصار .
فهو محكوم بمرجعياته وحدوده وقوانينه وضوابطه الذاتية التي تشكلت عنده وأسهم في تأسيسها مع الفنان .
بهذا فقد تحول أبو عركي البخيت نفسه من حيث لا يدري ولا يدري إلى حالة سيميائية ، أو العلامة الأساسية ، والأيقونة المولدة لأنساق منظومة شبكة السيمائيات التي يستند عليها الجمهور في فك شفراتها .
فكل كلمة ، وكل جملة ، أو نغمة موسيقية لحنية ، ليست سوى سر يحيل إلى سر آخر ، وهذا النموذج هو ما عبر عنه أمبرتو إيكو، في تفسيره ــ التأويل بين السيميائيات والتفكيكية ــ فكلما اقتربنا من هذا السر ، وجدنا أنفسنا أمام سر يحتاج إلى سر آخر .
والأغبياء وحدهم هم الذين ينهون الصيرورة قائلين : لقد فهمنا ، فالشيء الصحيح هو الذي لا يمكن شرحه .
وتلك المتاهة في تقديري ، سر تلك الثنائية المتناغمة بين أبو عركي البخيت والجمهور .
كما أن علو مدارج الإنسانية في جوهريتها الصميمة هي من أكثر ممسكات تلك الثنائية المدهشة .
فالأغنية عند أبوعركي علامتها الكبري هي الإنسان ، تبدأ بالإنسان حضورا وغيابا ً، متحققاً وضمنياً ، المرئي وظلاله ، وكما بدأت به ، تنتهي كذلك عنده .
وتلك لعمري خاصية الفنان ، الذي عرف فلزم عرفانيته .
وبهذا يمكن القول أن أبو عركي البخيت هو أبرز من يمثل ذلك النموذج للفنان صاحب الرؤية في الحياة ، والموقف الكلي في وجوده الإنساني .
ممتثلا حدود الفن ووظيفته كما جاء في تعريفات الفلاسفة ونقاد الفنون ، فالفن عند نيتشه مثلاً مهمته تحرير الحياة من كل القوى الميتافيزيقية التي دفعت الفن للانعزال عن الواقع والانغماس في التجرد والتعالي ، وعلى هذا الأساس وجه نيتشه نقده للاتجاهات الجمالية السابقة عليه ، باعتبار ، أنها عملت على عزل الفن عن الحياة .
فالفن ليس غاية في حد ذاته ، وليس نشاطاً محايداً بل هو منفتح على الحياة ، وخادم لها ، وبتعريف آخر هو الوسيلة أو الطريقة الحاذقة والماهرة على مد خطوط الحياة ورسمها .
وبهذا المعنى نفسه أسس الفيلسوف دولوز صوره للفن قائلاً : لابد إلا يستشهد الفن بعالم متعالٍ بل بعالمٍ نعيش فيه ، لابد من استخلاص الفن من تكرارات الحياة اليومية .
بحيث يمكن القول أن كليهما جزء من الآخر فالفن جزء من الطبيعة ، والطبيعة يتخللها الفن أن العالم – بحسب دولوز – لا يسير وفق مخطط غائي Teleologigue كما قال فلاسفة العصور الوسطى ، بل هو في النهاية منظومة لحنية بحيث لا نعود نعرف أين هو الفن وأين هي الطبيعة .
وهذا التداخل يستشعره الفنان أكثر من غيره ، إنه يلتقط لحن الكون محاولاً إبرازه عبر مؤثراته الانفعالية .
ويقول : لا تكف الحياة عن خلق مثل هذه المناطق حيث تنقلب الأشياء باستمرار ، والفن وحده قادر على بلوغها ويخترقها عبر مشروعه المشارك في الخلق .
وأن الفنان ينفتح على الوجود أو الحياة ، أو بمعنى أدق يحدث خرقاً في الوجود يمكننا من أن نرى عبره الأشياء من منظور مختلف عما اعتدنا رؤيتها عليه .
وذهب بيتر هالوارد إلى أن دولوز يتبنى مفهوماً للفن يخرج به من حدود الدائرة الجمالية المتعارف عليها ، ويتحول معه إلى نشاط ميتافيزيقي أكثر منه نشاطاً خاصاً بالفنان وحده فإذا أمكن تجاوز الميتافيزيقا فلا يكون ذلك سوى بواسطة الفن الذي يصوغ ميتافيزيقا جديدة هي أثبات للحياة ، وتبجيلها .
فالفن يجعل الحياة ممكنة بل وجديرة بأن تعاش إنه خلاص ، خلاص ليس بمعنى التعلق بحقيقة ما متعالية ، وإنما بمعنى تحويل الوجود والحياة إلى مظاهر فنية يكون بموجبها القبيح جميلاً ، والعبث سخرية وضحكاً ، والألم انتشاء ، إنه خلاص أرضي بإثباته لقوة الحياة .
وبهذا ينظر النقاد والفلاسفة إلى مهمة الفن ، بوصفه وظيفة تتوافق مع وظيفة العلم والفلسفة ، فالعلم والفلسفة ، والفن ، جميعهم يهدفون إلى الانتصار على ظلامية الأشياء والفوضى ، تريدنا الفلسفة والعلم والفن أن نمزق قبة السماء وأن نغوص في السديم ، ولن ننتصر عليه إلا لقاء هذا الثمن .
فالفن مقاوم للفوضى ، ومقاوم للقوالب السائدة التي تمارس هيمنتها ، ومقاوم للواقع – حسب دولوز ــ وفي الوقت نفسه مقاوم لكل أنواع التعالي والاستبداد والهيمنة .
أن الفن وفلسفة المقاومة يشتركان في مهمة عسيرة تتجاوز كل شفرات الماضي والحاضر والمستقبل ، لكي يبثا شيئاً لا ولن يتاح لأحد أن يشفره ، يبثاه في جسد جديد ، يمكنه أن يتلقاه ، ويستخلصه جسد يخصنا أو يخص أرضنا .
وتأتي أهمية أبو عركي البخيت في كونه استطاع وبقدرة خارقة في حشد تلك الخصائص الجوهرية في معاني أغنياته وأداءه الصوتي واللحني.
فالمقاومة الصلدة من صميم موضوعاته ، تجدها كامنة أو مضمرة أو حتى مفترضة في نسق منظوماته العلاماتية التي يرسلها في إشارات حرة صوب الجمهور للتفاعل معها بفتح أبواب خياله ، لتحدث أثارها في النفوس .
فقيمة الكلمة عند أبو عركي البخيت تمكن فيما تًحدثه إشارته السيمائية من أثر في نفوس الجمهور وليس أبداً فيما تحمله الكلمات من معان مجتلبة من تجارب سابقة ، أو بتصور مجتلب .
وعلى ضوء ذلك كله ، تأسست معاني المقاومة عند أبوعركي ، من داخل أغنيات عالية الرومانسية في مستوياتها الظاهرة ، فأنجب أغنيات واسعة الفضاءات باسم العاشق والمعشوق ، متضمناً الوطن والناس وآهاتهم وصور معاناتهم جاعلاً الرومانسية منهجاً أدائي إجرائي ، وكنفا يتحرك من داخله لإشباع رغبته في أن يكون ناطقاً بآمال شعبه الذي وحشته الطمأنينة وسكينة النفوس .
ففتح لذلك المعنى عناصرها المتجانسة القابلة للتكاثر ، التي تحيل وتداخل فيها معاني مرارة الفقد والتلذذ بأمنيات اللقاء :
( واحشني يالخليت ملامحك في حياتي
واحشني .. مراسيك جوه ذاتي ،
إلّا باكر لما ترجع ، أنا بحكي ليك عن الحصل ،
وعن بًعد المسافة وقربها ،
ولما يفارق زول عيون غاليات عليهو كتير خلاص ويحبها ،
والله أحكام يا قدر
والله أحكام يا مسافة ويا سفر )
فوحدة الكمات ، وشجن اللحن الموسيقي الحاذق ، يبرزان البيان الرومانسي الوقور المهيب ، بيد أن البعد المستتر هو حضور الوطن كما يشتبه أو ما ينبغي أن يكون عليه .
( وإنت لما تسيبني وتسافر
خت في بالك ،
إنو دنياي في مدارك
وجد لفافات الصبر دخلتها
وكل المقاطع في غناي طوعتها .
وغريبة غنت ..
فرحة .. لا.. لا ..
غربة .. لا .. لا ..
تقصد شنو ما عرفتها !
تجربة ، خطيرة جد واجتزتها
ولسه واحشني )
قراءة الأغنية بكل تراكيبها قراءة ” أبستمولوجية ” يجد الناقد أن أبو عركي البخيت هدف إلى تحرير النص الشعري من قيوده من خلال الأداء بوصفه مفتاح المنظومة العلاماتية ، أو الإشارية التي تحولت عبر التجربة الجمالية من خلال تغليب المساحات الصوتية في إرتفاع عالٍ لإعطاء الإشارة كامل حريتها في إحداث الأثر وعليه تأتي الأغنية – واحشني – متعددة البراحات والحوارات شاهقة التخوم ، لا تتمثل في موضوعية غير الشوق للفردوس المفقود ، أو صورة الوطن كما يأمله ويرجوه .
وذلك في تقديري يماثل معني الصورة الشعرية النموذجية التي صورها ” هيدغر ” في كلمات معبرة تقول :
( الشعراء أوجه مقدسة ، تحفظ فيها خمره الحياة ، وروح الأبطال )
وفي أخرى يلغي أبو عركي البخيت المسافة بين ذاته وذات المحبوبة ، فهو منها وهي منه ، وتحيلنا إلى ذلك المعنى إشارات صوتية صادرة من آله الكرالنيت انغاماً تحايث علاماتيتها العميقة نص الأغنية في مستوى سردي حكائي ، وفقا لأسلوبية الراوي .
( عن حبيبتي أنا باحكي ليكم
وظل ضفائره ملتقانا
شدو أوتار الضلوع
أنا بحكي ليكم عن حنانا )
فعمل أبو عركي البخيت ، بأحساسه العميق وجوانيته المرهفة إلى توسيع معنى النص الشعري في توسل شفيق إلى حد التوحد بينه والجمهور في تلقيه التفاعلي ، في علاقة تبادلية تظهره كأنه الذات العاشقة والذات المعشوقة :
( مره غنت عن هوانا
فرحت كل الحزانى
ومره نادت في مدينة
الحمامات الحزينة قامت أدته برتقانه
لما طارت في الفضاء رددت أنغام رضانا
وكانت أول مره في عمر المدينة أنو
نامت وما حزينة
تحيا ، تحيا محبوتي الحنينه )
ارتكزت الأغنية في منظومتها العلاماتية على معادلة الحركة والسكون داخل قيمتها الجمالية، فأحدثت سياقاً موضوعياً منتهياُ إلى ديمومة مفتوحة للمعاني في تصور رومانسي ، لا يبتعد أصلاً عن أبو عركي البخيت ( الحالة المقاومة ) كمؤول أساس في المنجز الإبداعي .
وهذا المثال تجسد عندي كمتأمل ناقد في حفل أبو عركي البخيت الذي أقامه لصالح جمعية المعوقين مساء يوم الجمعة 25 يناير 2013م في المسرح القومي بأم درمان ، في حشد جماهيري لا نظير له ولا مثال في العهد القريب ، والذي ضاق به المكان ، ضجت به حتي ما حوله من مساحات ظاهرة غرائبية المشهد تحتاج نفسها إلى دراسة خاصة أو مقال غير هذا .
وأغنية – عن حبيتي بقول لكم – كانت أيقونة ذلك المساء ، وإحالتني تلك الحالة ، إلى معنى حاله الصوفي في قوله :
( صلِيتً من حبّها نارين : واحدة
جوف الفؤاد وأخرى بين أحشائي
وقد منعتً لساني أن يبوح به
فما يعبّر عنه غير إيماني
يا ويح أهلي ، أبلى بين أعينهم
على الفراش ولا يدرون ما دائي
لو كان زهدًك في الدنيا كزهدك في
وصلي مَشَيْتَ بلا شكٍ على الماء )
من المعلوم ، كما أشرنا في معنى من معاني فرضياتنا ، أن الفنان يمنح التعبير لمن لا يملك القدرة على التعبير ، وينطق بلسان ، من لم يتمكن من النطق .
والفنان ليس هدفه في الأساس أن يعبر عن حالته الوجدانية فحسب ، بل هو لسان حال الأشياء من حوله ، بيد أن هذا التعريف لا يعني بالضرورة أن الفن ملجأ يحتمي به الإنسان من السطوة ، والهيمنة ، أو الانسحاب من الحياة والإحتماء بالفن ، بقدر ما أن الفن لا يكون فناً ذا قيمة إلّا بقدرته على مواجهة السائد من القوالب المهيمنة والمستبدة .
وعلى هذا الأساس لا يكون الفن الثوري هو أحد ألوان الفن أو أحد مشتقاته ، بل أن الفن بطبيعته ثوري والفنانون بطبيعتهم في ارتحال مستمر ، يبحثون عن خطط للإفلات وبهذا فهم دوماً الخارجون على سلطة الدولة وخارجون على سلطة الحزب ، فهم أكبر من كل تنظيم سائد ، أو ما هو كائن ، وكانوا محاربين كباراً وهاربين .
أن معنى الرحيل والهروب الموضوع الأكثر سمواً للأدب – حسب لورانس – الرحيل والهروب اختراق الأفق والدخول في حياة أخرى .
إن خط الهروب هو مغادرة إقليمية ، والبحث الدائم عن مواطن غير موجودة أو متحققة .
وأن هذه الروح المقاومة الراحلة تتوارى في أغنيات أبو عركي البخيت وممارسته الإبداعية ، فهي منحوتة في كل مشتقات علاماته المنتجة :
( لمّا ، لا ترحال يحلك ،
لا البعاد يقدر يحلك ،
لا القرب يقدر يدوم
الكلام يصبح مفرّق
الدنيا تشبه لون بعاد
وأبقى أحوج ما أكون أنا لي حضورك ،
بالجد بدورك
فجأة يشع فيني نورك
والقاك نبتي من تراب السكه سديتي الأفق
لحاك حلمي الملّون بهومي
لمّا يومك بلقى يومي
وفصل همومك من همومي
نضحك من الواقع سوا
نحن القدرنا على التعب
حرقتنا ألسنة اللهب
ولسه ما سكين الدرب
يا صاحبة في الزمن الصعب )
ذلك هو معنى من معاني الهروب والترحال عند أبو عركي البخيت ، إنتاج واقع جديد ، وإبداع حياة ، فالفن عنده نقدي :
( لا المراكب قادرة تكسح في النزيف
ولا نحن شايفين الفناره
وجاى تسأني الدباره
يا قلب ما فيش دباره )
وينطلق أبو عركي البخيت يتناغم المنظور الرومانسي عنده بمنظورات التصور الصوفي مجسداً العلاقة العضوية بين الأنا والأنت ، التي تتجلى فيها صورة فيوضات العشق عن حدوده ، وتلتمع مستويات الفعل الروحي الذي يزيح المسافات :
( انت معايا في جواى
غرستك آهه من ثمار دمي
وبنيت منك جمال دنياي )
ويسعى بغنائية شفيفة ، مظهراً مناجاة لا تنتهي بين الذات العاشقة والمعشوق :
( بستنشقك
وأكتم هواك جواى طول السنين
وتعيش فيني على الدوام
تتخللي الروح والمسامات
واتغطى بيك )
الأغنية الرومانسية عند أبو عركي البخيت ، تبحث في الوجود الإنساني ، إنتقالاً من فضاء اللغة إلى حيز العلاماتية والإشارية التي تحيل اللغة نفسها إلى معاني تأسس قول آخر مستتر .
فان المخيول والرمزي والنفساني هي أكثر عناصر التأثير التي اعتمد عليها أبو عركي البخيت في غنائياته قافزاً بالرومانسي الغزلي التقليدي إلى مدارج عالية المضامين المتكأة على قيم الثورية ومقاومة السائد السلبي في كل مستوياته .
كما أستطاع أبو عركي الموسيقار ، من اجتراح المنهجيات الموسيقية العلمية والتي احتلت أعلى المراتب عنده ، إذ أصبحت جزءاً من أسس الفكر الغنائي في أداءه المستند على النص اللغوي فأصبح المنجز الإبداعي كله نسق إشاري علامي للتعبير الصادق عن حالات نفسية شعورية ، أي عن حالات الإنسان الفكرية والعاطفية والإرادية صعوداً إلى تصوراته المخيولة والمرجوه .
أن تلك الخاصية الإسلوبية هي التي ميزت جمالية الغناء عند أبوعركي البخيت بقصديته الواعية ، إذ أنه يتصف بالوعي الشديد ، وينصهر ذلك الوعي إرادياً في أسس وقواعد منتجه الإبداعي الغنائي أو في موضوعات أغنياته التي تميزت بأشراقيته الفنية .
وذلك ما منحه ذلك الحضور الجماهيري ، المدرك لما يعنيه ، واعٍ بكل منطوقاته اللفظية ، ونغماته اللحنية وإيماءاته وإشارته العلاماتية التي يرسلها .
والسلام ختام

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • دنيا سمير غانم تشيد بفيلم إكس مراتي: «جامد جدا»
  • قراءة في علاماتيّة أغنيات أبو عركي البخيت
  • بدور القاسمي تطلق “الوكالة الإعلامية الطلابية” لتمكين الجيل الجديد من رواد الأعمال
  • ياسمين صبري تبدأ تصوير فيلمها الجديد مع كريم عبد العزيز في هذا الموعد
  • أكاديمية الإعلام الجديد تطلق الموسم الخامس من برنامج “فارس المحتوى” بمشاركة 53 صانع محتوى
  • محمد الشرنوبي يطرح أغنية «ملكة زماني» (فيديو)
  • معاريف: المقترح الأميركي الجديد سيكون بصيغة “خذها أو اتركها”
  • ليدي غاغا تكشف موعد طرح أولى أغنيات ألبومها الجديد
  • تسريب القميص الجديد لـ”الخضر”
  • “الخارجية” تتسلم نسخة من أوراق اعتماد سفير مولدوفا الجديد