نعيم الجهل.. مزايا غير متوقعة للإصابة بتأثير دانينغ-كروجر
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
هل قابلت من قبل شخصا يصفه المحيطون بـ"أبو لمعة"، تلك التسمية التي تعود إلى شخصية تلفزيونية مصرية شهيرة، تتحدث عن أمور مستحيلة وكأنها حدثت بالفعل، وتقنعك أن كل شيء ممكن ومتاح، بل سهل جدا، كتسلق قمة جبل إيفرست في نصف ساعة، أو حتى إنجاز رواية من ألف صفحة في أسبوع. في الواقع تلك ليست شخصيات خيالية، وإنما هم أناس عاديون مصابون بـ"تأثير دانينغ-كروجر"، يظنون في أنفسهم وقدراتهم ظنونا غير واقعية.
وفي عام 1999 أجرى الباحثان ديفيد دانينغ، وجاستن كروجر، دراسة لاختبار قدرات مجموعة من الباحثين على التفكير المنطقي بشأن مجموعة من القواعد والمهارات الاجتماعية، لكن المفاجأة، كانت عقب انتهاء الاختبار، حين قام الباحثان بمنح المبحوثين استبيانا قصيرا بشأن شعورهم تجاه أدائهم، وبسبب نتائج هذا الاستبيان صاغ الباحثان ما عرف من وقتها بـ"تأثير دانينغ-كروجر" حيث سجل أصحاب أعلى التوقعات، تقييمات متدنية، بينما سجل أصحاب أقل التوقعات والتقديرات لنتائجهم أعلى التقييمات، وقد تأكدت نتائج الدراسة في العديد من المجالات المعرفية الأخرى كالرياضيات، والقراءة، واختبارات الذاكرة، وغيرها.
المبالغة في تقدير الذات، مع الجهل بحقيقة الأمور، تساهم في الوقاية من القلق الناتج عن عدم المعرفة (شترستوك)وتعد حالة راشيل ليستر، المتسابقة البريطانية في مسابقة "إكس فاكتور عام 2007 أحد أبرز الأمثلة على تأثير "دانينغ-كروجر"، حيث بدت ثقتها بلا حدود وهي تتحدث عن نفسها، وكذلك أثناء الأداء، وحين انتهت من تقديم أغنيتها، سألت لجنة التحكيم بثقة شديدة "جيد جدا أليس كذلك؟" إلا أن الإجابات الصادمة أمطرتها، لتظهر مجموعة من ردود الفعل الغاضبة والعنيفة على المتسابقة التي لم تصدق ولم تتوقع نتيجة أقل من أن تصير نجمة الموسم بالكامل.
عادة ما يتم تقسيم العلاقة بين ثقة المرء بنفسه، ومدى حكمته ومعرفته الفعلية بالأشياء إلى 3 مراحل، غالبا ما يعلق المصابون بتأثير "دانينغ-كروجر" عند المرحلة الأولى منها، وهي:
ثقة ضخمة مقابل حكمة ومعرفة منخفضتين. ثقة منخفضة في النفس وحكمة ومعرفة منخفضتان. ثقة عالية في النفس وحكمة ومعرفة عاليتان.وتتناسب العلاقة بين الثقة في النفس والمعرفة الحقيقية بصورة عكسية، فكلما أدرك المرء مقدار ما يجب أن يتعلمه، والحجم الحقيقي لما لديه حقا، تنخفض ثقته في نفسه، واحترامه للآخرين ممن يعلمون أكثر.
الجانب المضيء لتأثير "دانينغ-كروجر"تناولت العديد من الفرضيات تأثير "دانينغ-كروجر"، التي تشير إلى أن الأفراد الذين يعانون منه، لا يكونون بالضرورة مبدعين نظرا لمبالغتهم في تقدير أنفسهم. غير أن دراسة نشرتها مجلة "ساينتفيك ريبورتس" في مايو/أيار الماضي تحت عنوان "لا يوجد دعم قوي لتأثير دانينغ-كروجر على الإبداع"، كشفت أن هذا التأثير، رغم انعكاسه على التقييم الذاتي الدقيق لقدرات الشخص، لا يؤثر بشكل كامل على الأداء الإبداعي.
هذه النتيجة قد تبدو غريبة، لكنها تنسجم مع دراسات أخرى ربطت بين تأثير "دانينغ-كروجر" والإبداع. الجانب المضيء لهذا التأثير يتجلى في مفهوم "نعيم الجهل"، حيث إن المبالغة في تقدير الذات، مع الجهل بحقيقة الأمور، تساهم في الوقاية من القلق الناتج عن عدم المعرفة. هذا القلق قد يسبب مشكلات نفسية وبدنية مثل اضطراب القلق العام وصعوبة الاسترخاء والشعور بالخوف.
المعرفة المتزايدة والوعي بحقيقة الأمور يؤديان إلى "نمط نشر الانتباه المركز" مما يساهم في انخفاض الأداء الإبداعي (غيتي إيميجز)بالإضافة إلى ذلك، المعرفة المتزايدة والوعي بحقيقة الأمور يؤديان إلى "نمط نشر الانتباه المركز"، مما يساهم في انخفاض الأداء الإبداعي. هذه الميزة الأخرى لتأثير "دانينغ-كروجر" أشارت إليها عدة دراسات، منها دراسة نُشرت عام 2021 في كلية الدراسات العليا للفنون والعلوم في اليابان للباحثين إيتسوكي فوجيساكي وكازوهيرو أويدا. خلصت الدراسة إلى أن الأفراد ذوي المعرفة المهنية الأقل يمكنهم تحقيق أداء إبداعي أعلى من أولئك الذين يمتلكون معرفة مهنية أكبر، لأن الفئة الأخيرة تعاني من تشتت الانتباه وتبذل الجهد الإبداعي في اتجاهات مختلفة، مما يقلل من التركيز على مهمة بعينها.
هكذا تتخطى التأثير بنجاحلا يدرك عدم الأكفاء أنهم كذلك، بسبب حالة التحيز المعرفي التي تسيطر عليهم، بشأن ما يظنون أنهم يعرفونه حقا، مع انخفاض في القدرة الإجمالية على أداء المهام، والقصور في استيعاب حقيقة الوضع العام، في الواقع لا يدرك المصابون بتأثير "دانينغ-كروجر" أنهم قاصرون في الواقع، والمفاجأة أن الجميع معرضون للإصابة بتجربة تأثير "دانينغ-كروجر"، دون أن يعرفوا حقا، لهذا يبدأ الحل مع محاولة إدراك حقيقة الموقف بطريقة منطقية ومحايدة، دون تحيز أو توقعات مبالغ بها، فالمعرفة هي نصف الحل، وهو ما يمكن إنجازه عبر عدة خطوات أهمها:
الاستمرار في التعلم والممارسة وعدم الاعتماد على التقييم الذاتي للمعرفة بالأمور. سؤال الآخرين دوما كيف يرونك، وكيف يقيمون قدراتك، يشمل هذا الأصدقاء، والأهل وأيضا الخبراء في مجالك. اعتماد النقد البناء وعدم تجاهل الملاحظات، أو النتائج السيئة للتقييمات، أو الاختبارات. التساؤل باستمرار حول الأفكار والمعتقدات التي تسيطر علينا، وإلى أي مدى تستحق الثقة فيها؟يرى ديفيد آلان دانينغ، وهو عالم نفس اجتماعي أميركي، بجامعة ميشيغان، والذي يحمل الجزء الأول من التأثير اسمه، أن كل شخص، مهما بدا سويا، لديه نقاط معينة من تأثير دانينغ-كروجر، وأشار في مقابلة سابقة له، أن الجميع لديهم فجوات في خبراتهم، ومبالغة في تقدير معرفتهم، وهو ما يتجلى في تصرفات مثل محاولة إصلاح السباكة لتزداد الأمور سوءا، وغيرها من الأمور التي تحمل ظنونا بمعرفة ما لا نعرفه.
ويشير دانينغ، أن الطريقة الأفضل لعدم الوقوع تحت التأثير، هو إدراك المرء، أنه مهما أصبح خبيرا في علم ما، فإنه يظل مبتدئا، وسوف يواجه تحديات جديدة باستمرار تتطلب منه مزيدا من التحسين والتعلم من الأخطاء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی تقدیر
إقرأ أيضاً:
تقدير إسرائيلي: نتنياهو يعوّل على لقاء ترامب لحل العديد من مشاكله المختلفة
بعد أن نجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فرض صفقة التبادل على بنيامين نتنياهو، وهي صفقة تتعارض مع توجهاته السائدة، وتسببت في تصدع جدار الحكومة اليمينية، يعوّل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي على زيارته الأولى للبيت الأبيض لتأخير تنفيذ الصفقة خشية تفكّك ائتلافه بالكامل، لكن الأصوات القادمة من واشنطن تبدو مختلفة بعض الشيء.
وقال المراسلة السياسية لموقع "واللا" تال شاليف: إن "الأمر استغرق ثماني دقائق فقط منذ أداء ترامب يمينه الدستورية رسميا، بصفته رئيسا للولايات المتحدة، حتى أرسل نتنياهو مقطع فيديو تهنئة له، ليسجل أول زعيم عالمي يهنئ الرئيس على بدء ولايته الثانية، ليس فقط في صفحات التاريخ، بل وأيضا في سجلات التهاني التي ستنتظره في المكتب البيضاوي".
وأضافت شاليف في مقال ترجمته "عربي21" أن "مسارعة نتنياهو لتهنئة ترامب تأتي محاولة منه لتحلية الطعم المرير الذي تركه مقطع الفيديو السابق الذي أرسله للبيت الأبيض قبل أربع سنوات لتهنئة الرئيس جو بايدن بانتخابات 2020، فيما كان ترامب لا يزال يشكك بنتائج الانتخابات؛ مما كشف غضبه بسبب قلة ولاء نتنياهو، حتى أحرقه أمام العالم أجمع في اقتباس خطير بقوله: اذهب إلى الجحيم".
وأشارت إلى أنه "كان مهما لنتنياهو أن يذكر في فيديو التهنئة الحالي مفردات المديح والإطراء، مع العلم أن ترامب كان هو الرئيس الحلم لنتنياهو في ولايته الأولى، لأنه نقل سفارة بلاده إلى القدس، واعترف باحتلال هضبة الجولان، وانسحب من الاتفاق النووي مع إيران، وأبرم اتفاقات التطبيع، ومرة أخرى، رفعت عودته للبيت الأبيض سقف التوقعات في تل أبيب إلى عنان السماء، تحضيرا للهجوم على إيران، واتفاق التطبيع مع السعودية، ورفع العقوبات عن زعماء المستوطنين، ومحاولات إلغاء مذكرات الاعتقال في محكمة لاهاي".
وأوضحت أن "مكتب نتنياهو أعدّ بالفعل "قائمة مشتريات" ليوم العشرين من كانون الأول/ يناير، يوم تنصيب ترامب، وأضاف شركاؤه أحلامهم الخاصة بضمّ الضفة الغربية، وتجديد عملية التطبيع، بل أضافوا بند الاستيطان في شمال غزة، لكن لم يتصور أحد في الحكومة اليمينية أن الرئيس الأكثر ودا وتأييدا للمستوطنين سيكون هو من يكسر أول لبنة في هذا الجدار".
وبينت شاليف أنه "في مواجهة سيل التهاني من نتنياهو الموجه لترامب، يكشف استقبال الأخير البارد على وسائل الإعلام اليمينية عن الارتباك والقلق المتزايد من أن نتنياهو مصاب بالحرج وخيبة الأمل من "القط الأحمر"، الذي فرض عليه صفقة تبادل الأسرى، وهذا يعني أن ترامب نجح في الواقع في فعل ما عجزت عنه إدارة بايدن وغانتس وأيزنكوت وغالانت وفريق التفاوض لأشهر عديدة، حتى صرخات الألم والغضب من عائلات المخطوفين لم تجبر نتنياهو على الذهاب لإبرام الصفقة".
وأضافت أن "المخطط التدريجي للصفقة، الذي صُمم منذ البداية لخدمة القيود السياسية التي يواجهها نتنياهو، أكسبه المزيد من الوقت والجهد، لكن في الوقت نفسه، هناك مجال للمناورة لتوزيع الوعود والالتزامات باستئناف القتال في نهاية المرحلة الأولى، مما ترك شركائه في الحكومة خلال الوقت الراهن، على الأقل خلال الأسابيع المقبلة، حيث يحاول نتنياهو التعامل مع استقالة بن غفير كعقبة صغيرة في الطريق، فيما يزعم وزراء الليكود بتصريحات علنية بأن محور فيلادلفيا سيبقى في أيدي إسرائيل، ولن تكون مرحلة ثانية، لكنهم ينكرون حقيقة أن الاتفاق الذي وقعته الحكومة هو اتفاق كامل وشامل لإنهاء الحرب في غزة".
وأكدت أن "الرياح التي تهب على تل أبيب من واشنطن تبدو مختلفة بعض الشيء، ومفادها أنه يجب أن يستمر اتفاق وقف إطلاق النار، فقد حذر ترامب أكثر من مرة أنه إذا لم يحدث هذا، فستكون هناك مشاكل، كما أن الجحيم الذي حذر من اندلاعه إذا لم يتم التوصل لاتفاق ليس واضحا من هو الأكثر تهديدا منه: نتنياهو أم حماس، كما أن تصريحاته بشأن البرنامج النووي لإيران لا تبدو مطابقة تماما للتحضيرات الإسرائيلية لهجوم تاريخي على منشآتها النووية، بل إنه أعلن أنه سيكون من الرائع حلّ هذه المسألة دون الذهاب للحرب معها".
وقال إن "نتنياهو يعوّل على زيارة واشنطن، وعقد لقاء فردي مع ترامب، وسيتحدث له ولمن حوله ممن يميلون للصفقات والدبلوماسية، وفي الطريق للبيت الأبيض، تتشكل إمكانية تحقيق اختراق طال انتظاره مع السعودية، مما سيسمح لترامب بالحصول على جائزة نوبل، ولنتنياهو بإعادة كتابة إرث بديل لهجوم حماس في السابع من أكتوبر، نحو تغيير تاريخي في الشرق الأوسط، لكن هذا يتطلب، لا محالة، إعلان نهاية حرب غزة، وبعض عناصر الاعتراف بدولة فلسطينية مستقبلية، وكلا الأمرين معاً أكثر مما يستطيع شركاؤه استيعابه".
وختمت بالتأكيد على أن "نتنياهو، كعادته، سيحاول التلاعب بكل الكرات في الهواء، ويقدم وعودا متناقضة بالعبرية والإنجليزية، ويؤجل القرارات الصعبة للحظة الأخيرة، لكن يبدو أن مصير ائتلافه سيتقرر في المكتب البيضاوي، لأن ترامب أعلن في خطاب تنصيبه أنه يريد أن يتذكره العالم كصانع سلام، في حين أن بقاء نتنياهو السياسي يعتمد على استمرار الحرب".