غزة - صفا

قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي استهدف 70 فلسطينيًّا وأصاب 200 آخرين أغلبهم من الأطفال والنساء، في غضون 12 ساعة في خانيونس جنوبي قطاع غزة، بالتزامن مع إصداره أوامر تهجير قسرية تشمل مئات الآلاف من المدنيين، وذلك إمعانًا في جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزةمنذ 7 أكتوبر الماضي.

وشدد المرصد الأورومتوسطي في تصريح صحفي وصل وكالة "صفا"، يوم الإثنين، على أن استمرار جرائم الاحتلال وبنمط واضح ومتكرر ضد السكان المدنيين بالاستهداف وارتكاب المجازر الجماعية والتجويع ومنع المساعدات الإنسانية والتهجير القسري وتدمير الممتلكات وغيرها من الأعيان المدنية، وعلى نحو واسع ومنهجي، ومنع أي شكل من أشكال الاستقرار والحياة، كما حدث ويحدث في خانيونس منذ صباح اليوم؛ يدلل على أن ما يفعله الاحتلال هو بهدف تدمير الفلسطينيين في قطاع غزة وإهلاكهم على نحو فعلي وبكافة الطرق المتاحة أمامه. 

وأشار إلى أن الاحتلال يتعمد تصعيد ارتكاب المجازر وعمليات الاستهداف الجماعية ضد المدنيين الفلسطينيين كلما عاد الحديث عن العودة لمسار التفاوض للوصول إلى تهدئة وصفقة تبادل، ما يثير مخاوف بأن "إسرائيل" تستخدم استهداف المدنيين وتشريدهم أداة ضغط وابتزاز سياسي، وهو أمر تكرر كثيرًا خلال الأسابيع الماضية.

وأبرز الأورومتوسطي أن الاحتلال تعمد تنفيذ مجزرة جماعية صباح يوم الاثنين، وحال إصداره أوامر تهجير قسري تطال أكثر من 250 ألف نسمة، وباشر على الفور بشن عشرات الغارات والأحزمة النارية والقصف المدفعي على المنازل والشوارع وتجمعات النازحين الذين كانوا قد خرجوا بالآلاف إلى الشوارع، وهم في حالة هلع بحثًا عن مكان آمن غير موجود.

وشملت أوامر التهجير القسري بلدة بني سهيلا وحاراتها، وبلدة عبسان الكبيرة والجديدة وحاراتها، وبلدة القرارة وحاراتها، وبلدة الفخاري وحاراتها، وخزاعة وحارات القرين، والمنارة، والسلام، وجورت اللوت، وقيزان النجار، والشيخ ناصر، والمحطة، والسطر، والكتيبة.

وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان جيش الاحتلال تقليص ما يسمى المنطقة الإنسانية في المواصي، كجزء من حالة التضليل الإعلامية والحرب النفسية التي تمارسها "إسرائيل"؛ إذ أن الهجمات العسكرية على النازحين قسرًا وخيامهم لم تتوقف في هذه المنطقة طوال الأسابيع الماضية، ما أدى إلى مئات الشهداء والجرحى.

وذكر الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثق قصف الاحتلال 6 منازل على رؤوس ساكنيها من أصل 10، توفرت معلومات أولية عن قصفها منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية على خانيونس عند الساعة السابعة والنصف صباح اليوم.

وأبرز أن القصف الإسرائيلي أدى إلى استشهاد 70 مواطنًا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى إصابة أكثر من 200 آخرين بجروح.

ولفت إلى أن بين الشهداء عدة أفراد من عائلات مسحت من السجل المدني، مثل عائلة الجبور وحرب، منبها إلى أن هناك اثنين من الأطفال الشهداء هم رضع.

ووفقا للمرصد؛ فإن جيش الاحتلال يستخدم القصف المدفعي المباشروالعشوائي ضد المدنيين، إلى جانب القصف الجوي وإطلاق النار من طائرات "كواد كابتر"، ما تسبب بارتفاع أعداد الضحايا الذين لا تزال أعداد كبيرة منهم تحت الأنقاض وفي الشوارع ولم تتمكن طواقم الإنقاذ من انتشالهم. 

وذكر أن طواقم الإسعاف تعرضت لاستهداف مباشر خلال محاولتها إخلاء مصابين في بني سهيلا، ما أدى إلى إصابة اثنين من مسعفي الدفاع المدني.

كما أبرز أن القوات الإسرائيلية توغلت في بلدة بني سهيلا وسط قصف عنيف جدًا، رغم أن جيش الاحتلال تحدث في أوامر التهجير بأنه مؤقت ما شكل نوعًا من أنواع الخديعة للسكان الذين لم تتمكن أعداد كبيرة منهم من النزوح نتيجة القصف أو لتقديرهم أن الأمر يتعلق بسلسلة غارات جوية، كما حدث في الأول من الشهر الجاري عندما أصدر الاحتلال أوامر تهجير مماثلة ونفذ غارات جوية مكثفة في حينه دون توغل بري.

ونوه المرصد إلى أن القصف الجوي وأوامر التهجير القسري تسببت بإغلاق عيادتين للهلال الأحمر الفلسطيني، وتسببت بتعطل العديد من المراكز الصحية الأخرى.

وجدد الأورومتوسطي مطالبته لجميع الدول بتحمل مسؤولياتها الدولية بوقف جريمة الإبادة الجماعية وكافة الجرائم الخطيرة التي ترتكبها "إسرائيل" في قطاع غزة، وحماية المدنيين هناك، وضمان امتثال "إسرائيل" لقواعد القانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية، وفرض العقوبات الفعالة عليها، ووقف كافة أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري المقدمة إليها، بما يشمل التوقف الفوري عن عمليات بيع وتصدير ونقل الأسلحة إليها، بما في ذلك تراخيص التصدير والمساعدات العسكرية.

وطالب بضرورة مساءلة ومحاسبة الدول التي تزود "إسرائيل" بالأسلحة والتكنولوجيا الحربية رغم العلم أو العلم المفترض باستخدامها في ارتكاب جرائم دولية ضد الفلسطينيين، وبما يشمل مساءلة ومحاسبة الأفراد صانعي هذه القرارات في هذه الدول، باعتبارهم متواطئين وشركاء في الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية. 

ودعا الأورومتوسطي إلى تفعيل كافة مسارات المساءلة والمحاسبة المتاحةعلى المستويات الدولية والإقليمية والمحلية، بما في ذلك العمل الجاد والمشتركلتفعيل مسار الولاية القضائية العالمية لمساءلة ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضدالمدنيين الفلسطينيين أمام المحاكم الوطنية للدول التي تأخذ بهذه الولاية.

كما حث المرصد الأورومتوسطي المحكمة الجنائية الدولية على الإسراع في إصدار مذكرات إلقاء القبض ضد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش "يوآف غالانت"، وتوسيع دائرة التحقيق في المسؤولية الجنائية الفردية عن الجرائم المرتكبة في قطاع غزة لتشمل جميع المسؤولين عنها، وإصدار مذكرات قبض بحقهم، ومساءلتهم ومحاسبتهم، والاعتراف والتعامل مع الجرائم التي ترتكبها إسرائيل باعتبارها جريمة إبادة جماعية دون مواربة.

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: الأورومتوسطي خانيونس حرب غزة جرائم حرب مجازر حرب الابادة الجماعية جریمة الإبادة الجماعیة جیش الاحتلال فی قطاع غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

كيف أبادوا أمة اقرأ في غزة؟

عادة ما يؤدي الطلاب الفلسطينيون في قطاع غزة امتحاناتهم في شهر يونيو/حزيران بعد اجتهادهم طيلة عام كامل، ليستكملوا بناء أحلامهم في حياة أفضل لأنفسهم وأسرهم ومجتمعهم. وكان من المفترض أن يجلس 88 ألف طالب وطالبة في غزة هذا العام لأداء الامتحانات كي يحتفلوا بعد ذلك بتخرُّجهم، لكن حرب الإبادة الجماعية التي شنها جيش الاحتلال على القطاع منذ أكثر من سنة حالت دون دخولهم الامتحانات والانخراط في العملية التعليمية المنظّمة.

بعيدا عن التدمير المُروِّع الذي تعرضت له جامعات غزة ومكتباتها، فإن الكثير من هؤلاء الطلاب أنفسهم قد سقطوا شهداء وجرحى، وفقدوا عائلاتهم، وتبدَّدت أحلامهم. هُنا نلقي الضوء بالتفصيل على عملية الإبادة التعليمية المُمَنهَجة التي تتبعها دولة الاحتلال في حربها الأخيرة على القطاع.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إبراهيم المقادمة مفكر المقاومةlist 2 of 2كيف كشف طوفان الأقصى "كذبة الصهيونية" الكبرى؟end of list الدراسة قبل الحرب

عانى القطاع التعليمي في فلسطين قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 من أزمات كبيرة، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية (تحديدا في المنطقة "ج" التي تُشكِّل 61% من الضفة المحتلة)، فقد شهدت الضفة نقصا حادا في المدارس والبنية التحتية التعليمية، وتعرَّض بعضها لخطر الهدم بسبب الاحتلال.

بالإضافة إلى ذلك، هناك أزمة القيود اليومية المفروضة على رحلة الكثير من الطلاب والمُعلمين الفلسطينيين إلى مدارسهم وجامعاتهم، وعبورهم من نقاط تفتيش الاحتلال الإسرائيلي، التي تؤخرهم وتحتجزهم أحيانا، فضلا عن تحرشات المستوطنين.

إعلان

وفي حالة قطاع غزة، عانت المؤسسات التعليمية بوضوح من الحصار وتدمير مرافقها في كل حرب مع الاحتلال منذ عام 2009 إلى يومنا هذا، فضلا عن أزمات الكهرباء والإنترنت المتكررة، التي أثَّرت سلبا على مسيرة الطلاب التعليمية.

جيش الاحتلال دمر جميع المدارس في محافظة شمال قطاع غزة (الجزيرة)

ورغم كل تلك التحديات سابقة الذكر، لعب أساتذة الجامعات ومعلمو المدارس والطلاب الفلسطينيون دورا بارزا في بناء المجتمع الفلسطيني وتثقيفه وتنميته ودعم حياته الوطنية، وربما كان ذلك من أسباب الاستهداف الممنهج للمؤسسات التعليمية الفلسطينية من قِبَل جيش الاحتلال في الحرب الأخيرة.

وتؤرخ "أورديب" في بحث لها، وهي منظمة فرنسية من الأكاديميين تعمل على إرساء احترام القانون الدولي في فلسطين، لوضع التعليم في غزة قبل حرب 2023، وكيف حاول جيش الاحتلال دائما خنق البيئة التعليمية في القطاع، وتؤكد أن القطاع شهد اهتماما محليا متصاعدا بالتعليم رغم الظروف القاسية فيه.

فبعد أن كان هناك سبع مؤسسات للتعليم العالي فقط في قطاع غزة عام 1994، وبحسب الإحصاء السنوي الذي نشرته وزارة التعليم العالي عام 2022، بات هناك 18 مؤسسة في القطاع من بين 53 مؤسسة مُسجلة ومُعترف بها في فلسطين للتعليم العالي.

لكن مع ذلك، ووفقا للبحث، فمنذ عام 2008، استهدفت إسرائيل مؤسسات التعليم العالي في القطاع، وفعلت ذلك عبر مسارين، الأول هو القرارات السياسية، والثاني هو التدمير المباشر.

فمن ناحية التدمير المباشر، دمَّرت القوات الجوية لدولة الاحتلال ستة مبانٍ جامعية أثناء حرب 2008-2009، وفي حرب 2014 تكبَّد القطاع التعليمي خسائر تُقدَّر بين 10-33 مليون دولار، إذ عانت ثلاث جامعات من تخريب وتدمير كبير، هي جامعة الأزهر التي دُمِّرت لها ثلاثة مبانٍ، والجامعة الإسلامية التي تعرَّض مبنيان فيها لأضرار كبيرة، وكلية العلوم التطبيقية التي طال التدمير فصولها الدراسية ومكتبتها ومختبرها العلمي ومركز الحاسب الآلي بها.

أما الكارثة الأكبر فكانت في الحرب الأخيرة، حيث استُشهِد 407 من الطلاب الفلسطينيين في غزة، و9 من أعضاء هيئة التدريس من الأكاديميين والموظفين، وأُصيب 1128 طالبا.

من جهة أخرى، كان الحصار وسيلة إسرائيلية فعَّالة لإعاقة مسار تطوير التعليم في القطاع، حيث تسبَّب الحصار في الحيلولة دون حصول "الغزاويين" على معدات وأدوات تعليمية حديثة، فضلا عن أزمة إمدادات الكهرباء المحدودة والقيود على المعاملات المالية.

إعلان

وبالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن الطلاب والأكاديميون في غزة من السفر وتبادل الخبرات التعليمية، بل انقطع التواصل حتى بين المؤسسات التعليمية في غزة ونظيراتها في الضفة بسبب صعوبة التنقُّل.

وفرضت دولة الاحتلال قيودا على توظيف الأكاديميين الأجانب في جامعات غزة، وفرضت سقفا على عددهم وقيَّدت مدة عملهم بخمس سنوات فقط، كما رفضت دولة الاحتلال منذ عام 2000 معظم طلبات سفر طلاب القطاع من أجل مواصلة تعليمهم في الخارج، وطبَّقت حظرا على استيراد المواد الأساسية الضرورية للتعليم، مثل معدات المختبرات والكتب.

وبحلول السنوات الأخيرة قبل الحرب، لم تتمكن إلا نسبة صغيرة من سكان القطاع، تتراوح بين 20% إلى 40%، من دفع رسوم التعليم، وهي رسوم تعتمد عليها المؤسسات التعليمية لاستكمال مَهامِها. وبحلول عام 2019، أصبح متوسط ديون الجامعات في القطاع 30 مليون دولار، ومن ثم اضطرت إلى استبدال رواتب الأكاديميين بمكافآت غير مستقرة.

ولم يتمكن 30 ألف خريج من الحصول على شهاداتهم عام 2023 لأسباب مادية، ومن ثمَّ اضطرت المؤسسات التعليمية إلى إلغاء العديد من الدرجات والأقسام بسبب المشكلات المادية التي أنتجها الحصار.

كان ذلك هو الوضع قبل السابع من أكتوبر 2023، حيث دأبت إسرائيل من خلال السلاح والسياسة على تحطيم القطاع التعليمي في قطاع غزة، لكن الأمر بعد عملية "طوفان الأقصى" تحوَّل إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، إذ لم يعُد الأمر متوقِّفا على محاولات تدمير المنظومة التعليمية في القطاع، وإنما أصبحت المسألة الآن هي الإبادة التعليمية بالكامل، وهي حلقة أصيلة من مسلسل حرب الإبادة الكلية الذي تنتهجه إسرائيل منذ عام 2023، ومحاولة تدمير أي فرصة لبناء المستقبل على تلك الأرض التي أبَت الانصياع للاحتلال.

الاحتلال وسياسة الإبادة التعليمية

 

في أثناء حرب الإبادة التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، دُمِّرَت كل جامعات القطاع، وأُصيب 92.9% من المدارس بأضرار واضحة، في حين يحتاج 84.6% من المدارس إلى إعادة بناء كامل حتى تستأنف مهمتها.

إعلان

وقد استُهدفت أكثر من 50% من منشآت الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، ومن ضمنها العديد من المدارس، وفقا لما قاله فيليب لازاريني المفوض العام للوكالة، إذ إن ثلث المدارس التي دُمِّرت في القطاع تحت إدارة الأونروا.

بحلول يوم 30 يوليو/تموز الماضي، فقد 625 ألف طالب -هم جميع الطلاب المسجلين في غزة- عاما دراسيا كاملا من حياتهم، كما غاب 39 ألف طالب عن امتحان التوجيهي لأول مرة منذ عقود، مما يعني أن دفعة كاملة كان من المفترض أن تنتقل إلى التعليم العالي لن تتمكن من فعل ذلك هذا العام.

ويُرجِّح المراقبون أن العديد من هؤلاء الشباب لن يعودوا إلى المدرسة مرة أخرى بعد كل الدمار الذي حلَّ بالقطاع، على الأقل في المستقبل القريب. أما الطلاب الذين استُشهدوا فأعلنت وزارة التربية والتعليم العالي في 30 يوليو/تموز الماضي أن عددهم 9211 طالبا، و397 من كوادر هيئة التدريس، علاوة على إصابة 14237 طالبا و2246 معلما.

وبحسب المؤسسة الأميركية الإخبارية غير الربحية "تروث أوت" في تقرير حديث لها، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي تعمدت هدم المدارس تحديدا، إذ قصفتها أكثر من أي مبانٍ أخرى.

وقد ذكرت المؤسسة بحسب أرقام الأمم المتحدة أن 63% من مباني قطاع غزة أُصيبت منذ بداية الحرب، لكنها تقول إن هذه نسبة مذهلة، وإن كانت تتضاءل إذا ما قورنت بكمِّ الدمار الذي لحق بالمدارس دون غيرها (تعرَّض أكثر من 90% من مدارس غزة للدمار).

ولم تتوقف الإبادة التعليمية عند هدم المدارس على هذا النحو الاستثنائي، أو عند استهداف الجامعة الإسلامية بغزة بعنف مفرط، أو تفجير مباني جامعة الإسراء وتحويل أنقاضها إلى قاعدة عسكرية، أو إشعال النار في مكتبة جامعة الأقصى ورفع مشاهد الحرق على الإنترنت بواسطة جنود الاحتلال، بل يبدو أن دولة الاحتلال تستهدف الأكاديميين المتميزين الذين يُمكنهم تنوير وتطوير الأجيال القادمة، وكأنها حرب إبادة ضد المستقبل الفلسطيني بحد ذاته.

إعلان

فقد استهدف الاحتلال الإسرائيلي الأكاديمي الدكتور رفعت العرعير، أستاذ الأدب الإنجليزي والشعر في جامعة غزة، وصاحب الشهرة الواسعة التي اكتسبها بفضل شعره وقدرته الفائقة على توصيل المعلومات للطلاب، الذين تمتَّعوا بدروسه وأسلوبه على نحو استثنائي، كما أنه اشتهر بتعليم الطلاب معاني الحرية الأكاديمية، إذ كان يشجعهم على الكتابة بلا خوف، وكان مكتبه مفتوحا لهم دائما.

بحسب تصريحات محمد العرعير، ابن عم الدكتور رفعت، التي أدلى بها لموقع "972"، فإن الاحتلال استهدف رفعت مُتعمِّدا نظرا لإجادته اللغة الإنجليزية تماما ونشاطه السياسي، فهو من أقدر الناس على تعليم الطلاب وترسيخ حقوق الفلسطينيين في أذهانهم، ومن أفضل مَن شرح القضية الفلسطينية للعالم.

وقد تعرَّض رفعت لتهديدات إسرائيلية مباشرة عبر الإنترنت والهاتف تُحذِّره من استمراره في النشر والكتابة عمَّا تتعرض له غزة.

ووفقا لمحمد العرعير، تعرض أستاذ الأدب الإنجليزي للتهديد عبر مكالمة تليفونية عرَّف فيها المتحدث نفسه بأنه ضابط في الجيش الإسرائيلي، وقال لرفعت إن جيش الاحتلال يعرف مكان وجوده بالضبط، وإنه لو استمر في الكتابة فسيُغتال، مما دفع رفعت لوضع أطفاله وزوجته في مدرسة الأونروا في حي التفاح شمالي شرق غزة.

تكرَّر الأمر نفسه مع الفيزيائي الدكتور سفيان عبد الرحمن تايه، الذي شغل سابقا منصب رئيس الجامعة الإسلامية في غزة، واستُشهِد في غارة جوية على جباليا في ديسمبر/كانون الأول الماضي مع زوجته ووالديه وخمسة أطفال، وهو الذي اشتهر بشدة حبه لعمله وعلمه، واختير ضمن أهم 2% من الباحثين على مستوى العالم في مجال الفيزياء النظرية والرياضات التطبيقية.

وقد فازت أبحاثه في المُوجِّهات الضوئية وأجهزة الاستشعار البيولوجية بالعديد من الجوائز والأوسمة، مثل جائزة البنك الإسلامي الفلسطيني للبحث العلمي، وجائزة عبد الحميد شومان للعلماء العرب الشباب، وجائزة الجامعة الإسلامية للبحث العلمي، كما حصل على كرسي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونِسكو" لعلوم الفلك والفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء يوم 28 مارس/آذار 2023.

إعلان

وقد استُهدِف الدكتور سفيان في ديسمبر/كانون الأول 2023، وكان يتوقع بالفعل قُرب استشهاده بحسب شهادة شقيقه، وخاصة بعد ما جرى من استهداف علماء كثيرين قبله، وأبرزهم عميد كلية الطب بالجامعة الإسلامية عمر فروانة.

وبالمثل استُشهِدَت الدكتورة ختام الوصيفي، رئيسة قسم الفيزياء في الجامعة الإسلامية ونائبة عميد كلية العلوم فيها، والحائزة على الكثير من الأوسمة الرفيعة، فقد ارتقت مع زوجها الأستاذ في الجامعة نفسها ومع أطفالهما. وكانت ختام تُلقَّب بـ"شيخة الفيزيائيين"، ونشرت العشرات من المقالات العلمية في مجالات الكهرومغناطيسية والإلكترونيات البصرية.

إننا لا نتحدث هنا فقط عن إبادة المباني التعليمية في القطاع، وإنما عن إبادة العقول الفلسطينية المتميزة القادرة على العبور بالأجيال الجديدة إلى التنمية، ففي تحقيق لموقع "972" حول الإبادة التعليمية في غزة، صرح العديد من أعضاء هيئة التدريس الناجين حتى اللحظة من الاغتيالات في غزة أن هناك استهدافا متعمدا في القتل من قِبَل جيش الاحتلال للمثقفين البارزين في القطاع، بل ورفض العديد من المثقفين في غزة إجراء مقابلات في هذا التحقيق خوفا من أن يُعرِّضهم ذلك للاغتيال.

غاب صوت المعلم في غزة وتحولت المدارس إلى مراكز لإيواء النازحين وبينهم آلاف الطلبة (الجزيرة) ما معنى الإبادة التعليمية؟

لقد بدأ يشيع مفهوم الإبادة التعليمية لوصف ما يحدث في غزة، ومن قِبَل بعض المنظمات الدولية ذاتها. ففي أبريل/نيسان 2024 على سبيل المثال، وصف خبراء الأمم المتحدة ما يحدث في غزة بأنه "إبادة مدرسية"، أي الاستهداف المتعمد للبنية التحتية للنظام التعليمي والمكتبات ومواقع التراث الفلسطيني، والمحو الممنهج للتعليم بوصفه عملية اجتماعية عن طريق اعتقال وقتل المعلمين والطلاب.

كما أدان نحو مئة أكاديمي أوروبي في مارس/آذار 2024 حرب الإبادة على فلسطين وما تشمله من تدمير منهجي للبنية التعليمية في القطاع، وقد حملت عريضة الأكاديميين الأوروبيين التي أطلقها المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الإنسان عنوان "إبادة التعليم في غزة.. إسرائيل تمارس محوا منهجيا للنظام التعليمي برمته"، كما وقَّع 180 أكاديميا بريطانيا أيضا على وثيقة مشابهة تدين الإبادة التعليمية في غزة.

إعلان

وقد تتبعت دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات في 15 يوليو/تموز 2024 تحت عنوان "الحرب على غزة وهندسة الإبادة الإعلامية للجماعة الصحفية الفلسطينية" عملية الإبادة للصحافة والبنية الإعلامية في غزة التي يرتكبها جيش الاحتلال، وقدَّمت الدراسة عناصر يمكن من خلالها فهم عملية الإبادة ضد مهنة مُعيَّنة، التي تشمل قتل أعضائها واستهداف أفراد أسرهم وأقاربهم وتصفيتهم جسديا، وإلحاق الأذى الجسدي أو المعنوي الخطير بهم، والإحجام عن تقديم العون لهم في حالة الخطر، وإخضاعهم عمدا لظروف معيشية يُراد بها التدمير المادي، فضلا عن التدمير المُمنهَج للبنية التحتية لمواقع عملهم.

ويقول الدكتور علي أبو سعدة، مدير عام التعليم العالي بوزارة التربية والتعليم في غزة، الذي استشهد هو الآخر مؤخرا، إن استهداف المؤسسات التعليمية "جزء من الجهود الرامية إلى تجريد الفلسطينيين من مكوناتهم الأساسية للحياة: الفكر والثقافة والتعليم، ورغم أن هياكل الجامعات قد يُعاد بناؤها بعد الحرب، فإن إسرائيل تريد إرسال رسالة مفادها أن الفلسطينيين سيواجهون مستقبلا هنا حيث لا مكان للتعليم ولا مدرسين للتدريس، وهو الواقع الذي يساعد في تسريع الهجرة، وهو ما يسعى إليه المحتل".

ورغم أن الإبادة التعليمية معترف بها إلى حدٍّ بعيد، فإنها لا تجد الصدى الكافي إعلاميا، إذ يبدو العالم مكتفيا بالإدانات المتقطعة، وكأنه لا يتخذ الأمر على محمل الجد.

والمقصود هنا أنه لو جرت حرب إبادة في أوروبا استهدفت فيها عمدا إحدى الدول البنية التعليمية لدولة أخرى، لربما وُصِف هذا الأمر بأنه تطور خطير وإرهابي، لأنه لا يستهدف المدنيين فحسب، وإنما يستهدف تدمير الثقافة والعقل الجمعي، وأي سبل للتقدم والتنمية مستقبلا في أراضي الجماعة المستهدفة بالإبادة.

وما يظهر لنا هو إدانات متفرِّقة من أكاديميين حول العالم ومنظمات دولية لا تتناسب مع حجم الحدث الاستثنائي الذي نشهده في غزة منذ أكثر من عام، وهو تدمير أكثر من 90% من مدارس قطاع غزة واستهداف المثقفين فيه بالقتل، وكذلك استهداف الصحافيين والمُعلِّمين، في لحظة عُنف مكثف واستثنائي لعلنا لم نرها بهذا الشكل منذ الحرب العالمية الثانية.

إعلان

مقالات مشابهة

  • 500 قتيلاً يضع جريمة الكداريس والخلوات علي قائمة أكثر الجرائم المروعة علي سطح الكرة الأرضية
  • أوقاف غزة: أكثر من 500 مليون دولار تكلفة خسائر وأضرار القطاع الديني
  • يصلي العاملون قبل بدء «الشيفت».. حكاية أكثر أماكن العمل دموية في أمريكا
  • استشهاد فلسطيني متأثرًا بإصابته برصاص الاحتلال شرق خانيونس
  • مدير أمن دمشق المقدم عبد الرحمن الدباغ لـ سانا: اعترف الموقوفون الثلاثة بتورطهم بارتكاب مجازر في حي التضامن، تم فيها تصفية أكثر من 500 رجل وامرأة من أهلنا المدنيين بدون أي محاكمة أو تهمة
  • لميس الحديدي: إسرائيل تريد استمرار الحرب وتستخدم حماس كذريعة
  • القمة الأفريقية: إدانة عدوان إسرائيل ومحاكمات دولية على الإبادة الجماعية
  • الأونروا: أكثر من 600 شاحنة مساعدات تدخل إلى قطاع غزة يوميًا
  • كيف أبادوا أمة اقرأ في غزة؟
  • إسرائيل تتسلم شحنة القنابل التي أرسلها ترامب بعد تعليقها من بايدن