التجارة السوداء.. الأعضاء البشرية سوق نامٍ في العراق وشهادات عن تواطئ خطير
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
بغداد اليوم- متابعة
ثمّة قصص قد تعتقد أنّها موجودة فقط في الأفلام لحجم الإجرام فيها، لكنّ الصدمة تكون عندما تكتشف أنّ ذلك يحصل فعلاً في الواقع.
"ريّا وسكينة" قصّة شهيرة سرعان ما استحضرها الشارع العراقي عندما قُبض، مؤخّرًا، على امرأتين كانتا تستدرجان الفتيات لقتلهن واستخراج أعضائهن، بمساعدة رجل متخصّص بالجراحة الطبية.
الاتجار بالبشر.. سوق أعضاء مربح
تنتشر تجارة الأعضاء بشكل لافت في العراق، حيث ينطلق الوسطاء من استغلال الوضع المعيشي السيئ للكثيرين... وهنا يطرحون العرض المُغري: شراء أعضائك مقابل بضعة آلاف من الدولارات.
ويكشف تقرير لموقع "إرم نيوز" العربي، عن خفايا في التجارة السوداء وتتبع خيوطها وسبر أغوارها، وكانت البداية مع أحد الوسطاء الذي وصلنا إليه عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، والذي تعجّ صفحاته بالحملات الترويجية لبيع وشراء الأعضاء.
ويسأل الوسيط عن تفاصيل الملف لـ"بائع الكلية" المحتمل، وذلك ما دار في المحادثة التي جرت معه عبر الهاتف.
الوسيط: من أين أنت؟
البائع: من الكوت
الوسيط: ما فصيلة دمك؟
البائع: O+
الوسيط: أيّ مواليد؟
البايع: مواليد 1997
الوسيط: ما هو وزنك وطولك؟
البائع: وزني 75 والطول 173 تقريبًا
الوسيط: العملية تتم في منطقة السليمانية، نحن ندفع تكاليف مجيئك ومصاريفك كاملةً، وتستلم حسابك قبل العملية بساعة.. ما المبلغ الذي تطلبه؟
البائع: أنتم كم تعطون؟
الوسيط: نحن نعطي 27 مليون دينار، عندما تأتي إلى بغداد أرسل لك سائقًا ويُقِلُّكَ هو إلى منطقة السليمانية
البائع: هل نحدد، اليوم، موعدًا لإجراء الفحوصات أم ماذا؟
الوسيط: عندما تأتي نجري الفحوصات، ومباشرةً تذهب إلى لجنة، ومن ثم تحال على الجراح.
حسام باع كليته هربًا من المعاناة المادية.
من هنا تبدأ القصة إذن، ففي تلك المنصات قد يجد الشخص – الضحية، طريقًا سهلاً للتخلّص من أعبائه المادية الكثيرة، لكنّه حين يقرّر التخلّي عن عضو من أعضائه لا يفكّر بتبعات قراره الذي قد يأخذه إلى الموت لأسباب كثيرة.
حسام شاب عراقي يبلغ من العمر نحو 23 عامًا، وهو ظنّ أنّه ببيع كليته يمكنه التخلّص من معاناته التي فرضتها عليه ظروفٌ صعبة دفعته مرغمًا إلى ترك منزل والده الذي توفي، بعد ضغوط مورست عليه من قبل زوجة أبيه/ وهكذا وبين ليلة وضحاها، وجد حسام نفسه بين أنياب تجّار الدم وعلى باب غرفة عمليات في مدرسة جُهزت للغرض.
يقول الشاب "في إحدى المرّات كنت أتصفّح الهاتف، فوجدت على فيسبوك منشورًا أن ثمّة أشخاصًا يريدون شخصًا للتبرّع لهم بكلية من دون موافقة ولي الأمر، وهم يتحمّلون كلّ مصاريف الإجراءات والفحوصات والإقامة، صفحة الشخص الناشر كان تحمل اسمًا وهميًا، وكنت حينها مذهولاً لأنّ المبلغ المالي كان كبيرًا وأنا متعطل عن العمل".
بعد مرور 4 أيّام على المحادثة بين الوسيط وحسام، أخبره الأخير أنّه قبِلَ بالعرض، وأنّه مستعد لإجراء تلك العملية، أقدم الشاب على ذلك القرار سرًا، وما إنْ وثق الوسيط بحسام حتّى أرسل له رقم هاتفه وحدّد له موعدًا للقاء... كان ذلك مساء يوم سبت، والمكان في محافظة دهوك.
يضيف حسام: "عندما دخلت إلى المكان، كنت أعتقد أنّني الوحيد هناك، لكنّني وجدت شخصين وسيّدة يتجاوز عمرها الثلاثين عامًا. لم يُسمح لي بالتحدث إلى أحد، ومباشرةً قال لي الوسيط: أدخل إلى غرفتك تلك وكن جاهزًا الساعة 08:00 صباحًا".
قيمة المبلغ الذي اتفق عليه حسام مع الوسيط مقابل الكلية، كانت 20 مليون دينار عراقي، لكنّ الوسيط رفعه إلى 25 مليون دينار عراقي لاحقًا. والآن، كلّ شيء بات في خواتيمه، وهنا بدأ حسام يشعر بخوف كبير داخلي لكن لم يعد بإمكانه التراجع، عدا أنّه لا خيار آخر أمامه.
انتهى الأمر وقد باع حسام كِليته
يقول حسام: "بعدما تناولنا الفطور اتصل شخص بالوسيط وقال له إنّ السيارة تنتظر. كنت خائفًا من كلّ شيء يدور من حولي، لكن لا شيء لديّ كي أخسره، وعودتي تعني بقائي في المعاناة. عندما صعدت إلى السيّارة قلت في نفسي إن الأمر انتهى وقد نطقت الشهادتين".
وتابع: "المكان الذي وصلنا إليه لم يكن مركزاً صحياً إنّما ما يشبه مدرسة قديمة يتواجد فيها أطباء، لكن لا يرتدون أثوابهم البيضاء كما المتعارف عليه. كان يتوجّب عليّ الدخول أوّلاً، وقد أعطى الوسيط كلّاً منّا المبلغ كاملاً، ومن ثمّ دخلت إلى العملية، حتى أنّنا لم نوقع على أيّ ورقة".
انتهى الأمر الآن وقد باع حسام الكلية، وهو بعد تجربة قاسية يخلص إلى نتيجة مفادها أنّ هؤلاء التجّار أو الوسطاء لا يحترمون الشخص لشخصه إنّما لما يمتلك من أعضاء، إذ إنّه يشكل بالنسبة لهم بنك أعضاء وقد يعودون إليه في أيّ لحظة ووفق الحاجة.
لمياء ضحية احتيال.. وسرقة
قصة لمياء تختلف عن قصة حسام، لكنّ يكتنفها الكثير من الغموض والاستغراب. فهذه السيّدة العراقية لم تلجأ إلى بيع أيّ من أعضائها، إنّما تعرّضت للسرقة في أحد مستشفيات العاصمة بغداد. تقول لمياء إنّها دخلت إلى المستشفى لإجراء "عملية البواسير"، لكن ما حصل مثير للريبة.
تقول لمياء"أجريت العملية في مستشفى مدينة الطب في بغداد، لكنّ الألم استمرّ لنحو 3 شهور، فذهبت وزوجي إلى أحد الأطباء في محافظة الديوانية، وبعد إجراء الفحوصات قال لي: أنتِ في الأصل لم تجرِ أيّ عملية ناسور، بل تمّ نزع المبيض الأيمن".
وتتابع: "عندما واجهنا الطبيبة التي أجرت لي العملية بالأمر أنكرته كليًا، فتقدمنا بشكوى قضائية ضدّها بحقّها إلى أن اعترفت أنّ المبيض موجود لديهم في المستشفى".
وتضيف لمياء: "حاولوا إسكاتنا بالمال لعدم إثارة ذلك الأمر الذي يندرج في إطار الاتجار بالأعضاء البشرية. الغريب أنّني أمّنت على صحتّي وذهبت إلى مستشفى حكومي لأجري عملية رفع ناسور، وإذ تتم سرقة المبيض، وحتّى اليوم لم أتمكن من تحصيل أيّ شيء".
رواية لمياء تؤكّد أنّ نشاط المتاجرين بالأعضاء لا يقتصر على الغرف السوداء أو الأقبية السرّية فقط، إنّما يتعدى ذلك إلى حدّ التأثير على أطباء يتواطؤون مع تلك الشبكات وأفرادها لانتزاع أعضاء هم بحاجة إليها.
النشاط الإجرامي يحصل أحيانًا أرقى المستشفيات!
في ذلك الصدد، تقول إيميه كومري، وهي منسقة مشروع العمل العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، إنّه في بعض الأحيان نرى أنّ ذلك النشاط الإجرامي يحصل في أرقى وأفضل المستشفيات في العالم، وليس فقط في عيادات غير قانونية. وفي بعض الأحيان، الأطباء أنفسهم يكونون جزءاً من تلك الشبكات المنظمة.
في الواقع، الأمر لا ينتهي عند حدّ انتزاع الكلية أو التخلّي عن أحد الأعضاء والحصول في المقابل على الأموال، بل إنّ التبعات قد تكون خطيرة فيما لو كان ليس بمقدور الشخص إجراء فحوصات طبية دورية... ذلك هو حال من يقوم ببيع عضو من جسمه، إذ أنّ ما دفعه إلى ذلك هو العوز الشديد.
وهنا يقول حسام إنّه يعاني حتّى اليوم من مضاعفات العملية، وربّما تتعرّض كليتي المتبقية لأي ضرر فأموت، مضيفاً: "ما أقدمت عليه ليس فقط مخاطرة بل انتحارًا".
وتعليقًا على الأمر توضح إيميه: "يمكنك العيش بكلية واحدة عندما تتمكن من الحصول على الرعاية الطبية المنتظمة، وتذهب مرّة شهريًا للحصول على فحص مستويات البروتين أو إجراء فحوصات الدم، ويكون لديك تأمين صحي منتظم".
وتتابع: "ما يحدث هو أنه بعد العمليات سيعاني هؤلاء بالفعل من عواقب طبية سلبية مدى الحياة، عدا عن أنهم لن يخبروا الأطباء أو المراكز الصحية خوفًا من مقاضاتهم وتوقيفهم".
الضحية ليس مجرماً!
ما ذكرته كومري هنا يُعد غاية في الأهمية، إذ إنّ الضحية في العراق هو موضع ملاحقة واحتجاز ومقاضاة، وينظر إليه على أنّه مشارك في الجريمة لا ضحية، ما يصعّبُ على السلطات عملية ضبط تلك الشبكات، فيما كان من الممكن أن يساهم إبلاغ الضحايا في توقيف الكثير من أفرادها.
وفي السياق، تدعو كومري إلى عدم وجوب مقاضاة ضحايا الاتجار، وإلى وجوب الاعتراف بهم كضحايا على أنّهم ضحايا.
وتتابع: "من الصعب أن تقوم جهات إنفاذ القانون في كافة البلدان وليس فقط العراق، بتحديد الضحايا لأنّهم ربّما وقّعوا عقدًا وقالوا: "نعم لقد أردت أن أتخلى عن كِليتي وقد استلموا دفعة من المال. من الممكن أن تكون الدفعة بضع مئات الدولارات وقد تصل في آسيا إلى 10,000 دولار، لكن حقيقة أنّ الضحايا حصلوا على بعض المال لا تعني بالضرورة أنّهم ليسوا ضحايا".
ونمت ظاهرة الاتجار بالأعضاء بشكل سريع جدًا، وأخذت بالانتشار في كلّ المحافظات، كما أنّ ما يساهم في انتشار تلك التجارة هو تساهل القانون والأحكام مع شبكات الاتجار بالبشر، وفق ما يقول الحقوقي مهنّد القريشي" مشيرًا إلى أنّه "كلّما يتمّ القبض على أفراد من شبكات الاتجار بالأعضاء والبشر، يتمّ إطلاق سراحهم مقابل كفالات مالية".
من جانبه يقول الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية وخلية الإعلام الأمني، العميد مقداد ميري "إنّ أساليب استقطاب الضحايا من قبل شبكات الاتجار بالشر كثيرة، وأغلبها يكون إمّا عن طريق الاستدراج أو المساومة أو الاتفاق بين العصابات، فيما مسائل الخطف محدودة جدًّا، لكن يمكن القول إنّ نطاق عمل هؤلاء واسع في عموم البلاد".
ويضيف "نحن نعالج ذلك الأمر بإجراء تنفيذ وآخر احترازي يمنع حصول تلك الجريمة من خلال التوعية والتثقيف واستخدام الشرطة المجتمعية وكذلك أصدقاء الداخلية والمرشدين الدينيين، بالإضافة إلى نشر الدعاية المضادة لعمل تلك الشبكات".
وتغيب الإحصاءات الدقيقة عن هذه التجارة لـ"محاولات التغطية على كثير من العمليات من قبل بعض الجهات المرتبطة بتلك الشبكات الإجرامية، فيما العامل الأهم - وفق مختصين - تحدّثوا لكشف خيوط تلك التجارة السوداء والمتاجرة بالبشر هو دعم الضحايا الذين وقعوا في الفخ، وعدم النظر إليهم على أنّهم مجرمون على أنّ تلي ذلك المعالجات المؤسساتية لتحسين أوضاع الشباب من خلال إتاحة فرص العمل أمامهم لثنيهم عن التفكير بحلول كارثية".
المصدر: إرم نيوز
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: تلک الشبکات على أن
إقرأ أيضاً: